أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا.
أيها السادة! ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ في بداية لقائنا هذا.
الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.
====
السؤال: سماحة الشيخ! هذه رسالة وردتنا من الموصل من حي المثنى بالجمهورية العراقية، تقول المسلمة: إن عائلتها يتكلمون في أعراض الناس بحق وبغير حق، وتقوم بمحاولة منعهم من ذلك، إلا أنهم يردون عليها بكلمات نابية، ويطلبون منها الابتعاد عنهم مما يثير أعصابها، ثم تزوج أخوها، وأصبحت زوجته تهين والدتها ولا تساعدها في المنزل، وتشارك في إهانة الناس في الكلام فيهم، فماذا تفعل هذه الفتاة المسلمة تجاه والديها وزوجة أخيها؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه السائلة نرجو لها خيراً كثيراً؛ لأن إنكار المنكر مما شرعه الله لعباده؛ ولأن ذلك من صفات المؤمنين والمؤمنات، كما قال الله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ولا شك أن الكلام في أعراض الناس والغيبة للناس من المنكرات، قال الله جل وعلا: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] فالغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، ولما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك قال: (إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته).
والخلاصة: أنها مأجورة على إنكارها، وأن هذا هو الواجب عليها إذا حضرت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، فإنكار المنكر على من فعله أمر لازم على الرجال والنساء جميعاً، وعليها أن تجتهد وأن تسأل الله لهم الهداية، وتخاطبهم بالتي هي أحسن، تنصح لهم، وتذكر لهم أن هذا فيه خطر، وأن هذا من أسباب غضب الله، وأشباه ذلك من الكلام، لعل الله أن يهديهم، وهكذا مع زوجة أخيها التي تهين الوالدة وتتكلم في الأعراض تنصحها أيضاً، وتقول لها: اتقي الله، وراقبي الله؛ لعل الله يهديها بأسبابها، هكذا أيتها الأخت السائلة ينبغي أن تفعلي هذا، استقيمي على إنكار المنكر واصبري، فلا بد من الصبر كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17] فالآمر الناهي لا بد له من أذى، ولا بد له من أن يسمع ما يكره، فعليه أن يصبر، وقد وصف الله الرابحين في كتابه الكريم بأنهم صبر، فقال جل وعلا: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] هذه صفات الرابحين، صفات أهل الإيمان والصدق: إيمان صادق، وعمل صالح، وتواصٍ بالحق، وتواص بالصبر.
الجواب: على كل حال الوالدة لها حق كبير، وبرها واجب، وبرها أعظم من بر الأب، النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل قال له رجل: (يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك)، فلها ثلاثة الأرباع وله الربع، لكن هذه البنت أساءت التصرف، ذهبت ولم تقابلها ولم توادعها، ولم تخبرها بمكانها، فلا حرج على الوالدة في هذه الحال إذا لم تكتب إليها؛ لأنها لا تعلم مكانها، فلا حرج عليها في هذه الحال، والواجب على البنت التي سافرت أن تكتب لأمها وأن تسأل عن حالها وأن تدعو لها كثيراً وأن تصلها؛ لأن هذا من البر، فالإثم على البنت التي قصرت في حق والدتها إذا لم تكتب إليها ولم تراسلها ولم تصلها، أما الأم فلا شيء عليها في هذه الحال؛ لأنها لا تعلم مكانها، وحقها أكبر، فإن احتسبت هي الأم وسألت عنها حتى تعرف مكانها وكتبت إليها أو كلمتها بالهاتف تسأل عن حالها فهذا عمل طيب ومن صلة الرحم، ولها أجر كبير في ذلك، وإن قصرت بنتها فهي لا تقصر، وتفعل ما هو الأحسن؛ لأن الرسول عليه السلام قال: (ليس الواصل بالمكافي، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) هذا الواصل، يعني: في الحقيقة، الواصل على الكمال: هو الذي يصل من قطعه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الواصل بالمكافي، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها).
الجواب: لا شك أن مسح الجبيرة كافٍ عن التيمم، فإذا مسح على الجبيرة التي على الجرح عند غسل الرجل التي فيها الجرح كفى ذلك والحمد لله، ولا يحتاج إلى التيمم، وهذا هو الواجب عليه عند وجود الجرح الذي عليه الشاش.. عليه الجبيرة، يمسح على الجبيرة ويعمها بالمسح ويكفي عند غسل الرجل والحمد لله.
الجواب: على كل الموقف عظيم، ومدته كما أخبر الله جل وعلا أن مقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة، فهو يوم طويل عظيم، أما مقدار الوقوف قبل انصرافهم فالله أعلم به، لكنه طويل.. موقف طويل عظيم، أما مقداره وضبطه فالله أعلم به سبحانه وتعالى.
الجواب: الواجب على من في المستشفى لمن يستطيع الصلاة في المسجد أن يصلي في المسجد الذي بقرب المستشفى، سواءً كان طبيباً أو ممرضاً أو عائداً أو مريضاً يستطيع الحضور في المسجد، الواجب عليهم أن يصلوا في المسجد؛ لأن الله جل وعلا شرع عمارة المساجد لتقام فيها الصلاة، كما قال سبحانه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36].
فالحاصل أن الواجب على من في المستشفى الذي يقدر على الوصول إلى المسجد أن يصلي في المسجد، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) خرجه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما بإسناد جيد، وكذلك سأله أعمى قال: (يا رسول الله! ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب) فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أجب) ولم يأذن له أن يصلي في بيته مع أنه كفيف وليس له قائد يلائمه، وفي رواية له: (بعيد الدار) فدل ذلك على وجوب أداء الصلوات في المساجد، ولا فرق بين أهل المستشفى وغيرهم، والذين يصلون في بعض المستشفى قد خالفوا السنة وتركوا الواجب.
أما الصلاة خلف الطبيب الذي ينقل النميمة ويحصل منه بعض الأذى، هذا صلاته صحيحة، الصلاة خلف العاصي صحيحة، ولكن ينبغي ألا يؤم الناس إلا خيارهم، يلتمس الأخيار في الإمامة، فينبغي أن يختار للإمامة أفضل الناس أقرؤهم، ثم أعلمهم بالسنة.. إلى آخره كما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً) يعني: إسلاماً.
فالحاصل أنه يختار للإمامة الأحسن والأفضل فالأفضل، ولا يؤم الناس من هو معروف بالنميمة أو غيرها من الفسق، بل مثل هذا يجب على المسئولين أن يبدلوه وألا يقروه بل يلتمس غيره من هو أفضل منه إذا تيسر ذلك، ولو صلى خلفه الناس صحت الصلاة؛ لأنه إن صحت صلاته في نفسه صحت الصلاة خلفه، لكن ينبغي ألا يقر في الإمامة إلا من هو معروف بالعدالة والاستقامة، وأما الكافر فلا تصح الصلاة خلفه، من حكم بكفره لا تصح الصلاة خلفه، وإنما هذا في شأن الفاسق العاصي الذي ليس بكافر، وإذا لم يتيسر له إمام أصلح منه صلى خلفه، ولو صلى خلفه أيضاً لحاجة إلى ذلك أو لبعد مساجد أخرى أو ما أشبهه فلا بأس، المقصود أن الصلاة خلفه صحيحة، ولكن إذا تيسر من هو أولى منه وأفضل منه فليصلى خلف من هو أفضل وأحسن خروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم صحة الصلاة خلف الفاسق، وقد صلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما خلف الحجاج في الحج، وكان الحجاج من أفسق الناس ومن أظلمهم.
الجواب: السنة الحفر في الأرض للقبور، أن يحفر في الأرض وأن يعمق فيها إذا كانت الأرض صالحة، فالسنة أن يحفر فيها ويعمق الحفر إلى نصف الرجل فوق السرة.. فوق نصف الرجل يعني فوق العورة، وأن يكون فيها لحد، يجعل في جهة القبلة يكون فيه الميت، هذه السنة، لكن لو كانت الأرض رديئة ما تماسك، ضعيفة، فلا بأس أن تضبط بالبناء، يحفر يضبط، يحفروا له حفراً ويضبطوه بالبناء أو بالألواح حتى لا ينهدم، لا بأس بهذا عند الحاجة، أما البناء فلا يبني، يحفر لهم في الأرض ويضبط التراب بألواح أو بحجارة حتى يستقر التراب فوق ذلك.
هذا هو السنة، الدفن في الارض لا البناء، أما البناء ما ينبغي، إذا أراد الإحسان يحفر لهم حفراً مناسباً ويحيي السنة، لا يوافقهم على ما أحدثوا، بل المؤمن يحيي السنة ويدعو إليها ويصبر على ما في ذلك من المشقة، هكذا ينبغي للمؤمن.
ومن البلايا التي وقعت الآن في الناس وذلك من دهر طويل البناء على القبور، قبر يكون في الأرض أو في عاصرة الأرض ثم يبنى عليه قبة أو مسجد هذا من البدع ومن المنكرات العظيمة ومن وسائل الشرك، وهذا واقع بمصر والشام والعراق وغير ذلك، وقد كان واقعاً في مكة المكرمة وفي البقيع حتى أزال الله ذلك على يد الحكومة السعودية، وأحسنت في ذلك جزاها الله خيراً؛ لأنها أزالت البدع، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور وعن تجصيصها، وقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، هذا هو الواجب على حكام المسلمين أن يمنعوا البناء على القبور، وأن يمنعوا اتخاذ المساجد عليها والصلاة عندها، وألا يطاف بها، وألا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بأهلها، كل هذا من المنكرات، لكن البناء من وسائل الشرك، أما دعاء الميت والاستغاثة بالميت وطلب المدد هذا من الشرك الأكبر، ومن عبادة غير الله سبحانه وتعالى كما هو واقع في بعض البلاد، فهذا ينبغي الحذر منه وتحذير الناس منه.
أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا، وقد استعرضنا فيه أسئلة السادة: عبدة المسلمة من جمهورية العراق الموصل حي المثنى، وعلي محمد من الشمال، والدكتور أحمد محمد طه من الطائف.
استعرضنا ما وردنا من أسئلة واستفسارات لهؤلاء الإخوة على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر