أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا هذا نرحب بسماحة الشيخ، ونقول: يا سماحة الشيخ! في اللقاء الماضي استعرضنا رسالة عبد الرحمن محمد العسيري طالب في فرنسا، وبقي عليه أسئلة غير السؤال الأول، كما وعدنا الإخوة محمد توم محمد موسى من الجمعية التعاونية باللسيب، وشلهوب بن حسن أن نستعرض رسائلهم أيضاً مع رسالة عبد الرحمن .
====
السؤال: استعرضنا السؤال الأول لـعبد الرحمن ، أما سؤاله الثاني فيقول فيه: أرجو من فضيلتكم أن تبينوا حرمة استعمال وقراءة كتب السحر والتنجيم، حيث أنها موجودة بكثرة، وبعض زملائي يريدون شراءها، ويقولون: إنها إذا لم تستعمل فيما يضر فليس في ذلك حرام، نرجو الإفادة وفقكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: هذا الذي قاله السائل حق، يجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم، ويجب إتلافها، يجب على من وجدها أن يتلفها؛ لأنها تضر المسلم وتوقعه في الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)، والله يقول في كتابه العظيم عن الملكين: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، فدل على أن تعلم السحر والعمل به كفر ، فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلم السحر والتنجيم، وأن يتلفوها أينما كانت، هذا هو الواجب، ولا يجوز لطالب العلم ولا غيره أن يقرأها أو يتعلم فيها، أو غير طالب العلم كذلك، ليس له أن يقرأها ولا أن يتعلم ما فيها ولا أن يقرها؛ لأنها تفضي إلى الكفر بالله، فالواجب إتلافها أينما كانت، كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم مثل شمس المعارف وأشباهها يجب إتلافها.
الجواب: هذا خطير، يجب على وزارة التعليم العالي وعلى كل جهة تبعث طلاباً أن تتعهدهم بإرسال من يذكرهم بالله ويعظهم ويراقب سلوكهم ويعتني بهم؛ حفاظاً عليهم وعلى عقيدتهم وعلى أخلاقهم، وهذا واجب على وزارة الدفاع وعلى الحرس الوطني وعلى وزارة التعليم العالي، وعلى كل جهة تبعث لها طلبة يجب أن تتعهدهم بأهل الخير والهدى من العلماء الذين يذكرونهم وينصحونهم ويوجهونهم إلى الخير، ويلاحظوا سلوكهم وأعمالهم حتى يرشدوهم إلى ما يجب، وحتى يحذروهم مما لا ينبغي، وحتى يتعاهدوهم بالنصيحة والتوجيه، والله سبحانه وتعالى سائل من ابتعث هؤلاء، يسأله عن عمله وعما فرط فيه، فنصيحتي لجميع الجهات من الدفاع والحرس الوطني ووزارة الداخلية وغيرها نصيحتي للجميع أن يلاحظوا هؤلاء الطلبة، وأن يبعثوا معهم من يلاحظهم وينصحهم ويوجههم ويراقب أحوالهم وأعمالهم حتى يعينوهم على الخير، وحتى يعينوهم على ترك الشر، وحتى يراقبوا ما يجب أن يراقب منهم حتى لا يقعوا في الباطل، مع أن ابتعاثهم فيه خطر عظيم، والواجب عدم ابتعاثهم أصلاً، وأن يعلموا في الداخل، وكل مادة لا توجد في الداخل يجب أن توجد في جامعاتنا؛ لأنه بحمد الله عندنا قدرة، والمال يأتي بالرجال، فوجب على الدولة وعلى كل الجهات المسئولة أن تعنى بهذا الأمر، يجب عليها ألا تبتعث أحداً هناك إلا للضرورة القصوى عند عدم وجود من يقوم بذلك في الجامعات الداخلية، وإذا كان ولابد من الابتعاث فالواجب أن يبتعث معهم من أهل العلم والأمانة والبصيرة من يراقب أحوالهم وينصحهم ويذكرهم ويكون عمدة لهم في تلك البلاد؛ حتى يكون ذلك من أسباب سلامتهم وصلاحهم وأن يعودوا كما خرجوا أو أحسن، هذا كله عند الضرورة القصوى، وإلا فالواجب ألا يبتعثوا وأن يكون تعليمهم لكل مادة ولكل شيء في الجامعات الداخلية، وأن يجلب إليهم من المدرسين من يحتاجون إليه ولو كانت النفقة باهظة في هذا، فالنفقات في سبيل التعليم مخلوفة فيما ينفع المسلمين، وأسأل الله أن يوفق المسئولين لما فيه رضاه، ولما فيه سلامة أبنائنا الطلبة مما يضر أخلاقهم وعقيدتهم، إنه جل وعلا جواد كريم.
الجواب: لا حرج عليه إن شاء الله في طلب الرزق أو طلب العلم، لا حرج عليه إن شاء الله، له المكاتبة في ذلك وإعطائها حاجاتها الواجبة، النفقة الواجبة والملاحظة لها في كل شيء، فلا بأس أن يتأخر سنة ونحوها، لا حرج في ذلك، لكن يجب عليه أن يعتني بكل ما يلزم لها من النفقة، وكذلك من يلاحظها هناك من أقاربها، من محارمها، هذا هو الواجب عليه، أن يعتني بكل شأنها بالمكاتبة حتى لا ينالها خلل، وحتى لا تتعرض لشيء من السوء، أما إذا كان بالاختيار فالأولى والأفضل ألا يتأخر أكثر من ستة أشهر، إذا تيسر له أن يتصل بها بعد ستة أشهر ويلاحظ حاجاتها فهذا أولى وأحوط، كما يروى عن عمر رضي الله عنه وأرضاه في ذلك، أما إذا لم يتيسر ذلك فلا حرج إن شاء الله في السنة ونحوها وأكثر، إذا كان للعلم النافع أو لأمور الدنيا للمكسب اللازم وطلب الرزق لحاجته إليه.
المقدم: يقول أيضاً: هل هناك قول يقول: المدة بالنسبة للمتزوج ستة أشهر، أفيدوني أثابكم الله؟
الشيخ: تقدم أنه يروى عن عمر ستة أشهر، وأن هذا من باب المصالح المرسلة؛ لأجل الخوف على المرأة، والخوف عليه أيضاً هو، قد يحتاج إلى ذلك إلى قضاء وطره، قد تحتاج إلى قضاء وطرها، فإذا سافر إليها بعد ستة أشهر لقضاء الوطر ولتفقد الأحوال فهذا أولى إذا تيسر ذلك.
الجواب: الأذان فرض كفاية، والواجب على أهل المسجد أن يؤذن أحدهم، إذا لم يكن هناك مؤذن من جهة وزارة الأوقاف فالواجب أن يؤذن أحدهم، فإذا أذن أحدهم كفى؛ لأنه فرض كفاية وهو يقيم أيضاً، فالإقامة والأذان فرضا كفاية، إذا قام به واحد منهم كفى، أما تركهم المسجد دون أذان فهذا لا يجوز، اللهم إلا أن يكون قربه مسجد آخر يكتفى بأذانه لأنه يعم؛ لأن المؤذن الذي بقربه يعم جيران المسجد هذا ويسمعونه، فهذا قد يقال بإجزائه، ولكن لابد أن يقيم أحدهم، الإمام أو غيره يقيم للصلاة، وبكل حال فلا ينبغي ترك الأذان، بل ينبغي للمسجد أن يؤذن فيه من الجماعة، وإذا كان السائل يتبرع بذلك ويقيم الأذان فلا ينبغي للإمام ولا غيره أن يمنعه من ذلك إلا إذا وجدوا من يقوم مقامه، إن وجدوا من يقوم مقامه فلهم النظر في ذلك، الإمام ينظر في ذلك هو وجماعة، فيعينون من يحصل به المقصود من أداء هذه الفريضة، أما أن يعطلوا الأذان بالكلية فهذا لا يجوز ويأثمون بذلك، فالواجب أن يؤذن واحد منهم، يقيم الأذان، يحسن الأذان، فإن لم يتيسر واحد منهم سمحوا لهذا السائل.. هذا المتبرع وجزاه الله خيراً، يجب أن يسمحوا له أن يؤذن أو يقوموا بالأذان هم، أما تعطيل المسجد بدون أذان فهذا لا يجوز.
الجواب: ظاهر السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز ولو طالت، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وقصها، وأمر بإعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، فيجب عليك -أيها السائل- أن تتقي الله وأن تجتنب هذا العمل، وأن تبقي لحيتك وتعفيها طاعة لله ولرسوله وتمسكاً بشرعه وحذراً من مشابهة من خالف ذلك من المجوس وسائر المشركين ومن العصاة، هذا هو الواجب عليك، ومن اتقى الله جعل له مخرجاً، ويسر له من أمره يسراً.
الجواب: تربية الإخوان والأولاد أمر واجب، ضربهم وتوجيههم إلى الخير أمر واجب، النبي عليه السلام قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) فضرب الأولاد والإخوة الصغار وتوجيههم إلى الخير أمر لازم لك إذا كنت أنت القائم عليهم، أما السب فلا، لا تسبهم، لكن تقول لهم الكلام الطيب، تحذرهم، وتأتي بالكلام الذي فيه زجرهم من دون سب: يا عدو نفسه، يا ظالم نفسه، يا كذا.. يا كذا، بالكلمات التي ليس فيها سب، ومع توبيخه، مع ضربه الضرب الذي لا يضره، ضرب غير مبرح، يحصل به المقصود من توجيهه إلى الخير ومنعه من الشر، وأما السب: لعنك الله أو أخزاك الله، هذا لا يجوز، أما بعبارات أخرى مثل يا حمار! أو يا كلب! أو يا كذا فالأولى ترك هذه الألفاظ أيضاً؛ لأنها نابية، وقد تفضي إلى ما لا تحمد عقباه، فالأولى تركها وأن يستعمل ألفاظاً غير هذه الألفاظ: يا عدو نفسه، يا ظالم نفسه، يا كذا.. من الكلمات التي ليس فيها ما يجرح الشعور أو يسبب مشاكل.
الجواب: وضع الأيدي على الصدر قبل الركوع وبعده سنة، والدليل على ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة) وكان يأمر بذلك، وقد ثبت في الصحيح من حديث وائل أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يضع يده اليمنى على كفه اليسرى) وجاء في الروايات الأخرى: (والرسغ والساعد) فهذا هو السنة، وجاء في رواية وائل بن حجر عند ابن خزيمة : (أنه يضعهما على صدره) وكذا عند أحمد من حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على صدره حال كونه قائماً في الصلاة) وهكذا قال وائل : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة وضع يمينه على شماله) فدل ذلك على أنه في حال قيامه يضعهما على صدره، سواء كان القيام قبل الركوع أو بعد الركوع، وهكذا جاء من حديث طاوس مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد (وضع اليمين على الشمال على الصدر)، هذا هو أصح ما قيل في هذا، وضعهما على الصدر قبل الركوع وبعده، أما ما وقع في رسالة بعض إخواننا الذين صنفوا في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من زعمه أن وضعهما على الصدر بعد الركوع بدعة، فهو خطأ وغلط، غلط ممن قال ذلك، فلا ينبغي أن يعول عليه، ولا ينبغي أن يكون ذلك مانعاً من الاستفادة من كتبه وما فيها من الفوائد، لكن هذا الخطأ؛ كل يخطئ ويغلط، فقول من كتب في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أن وضعهما على الصدر بعد الركوع بدعة قول غلط، وهو قول أخينا في الله الشيخ: ناصر الدين الألباني قد غلط في هذا، وهو علامة جليل مفيد، وكتبه مفيدة، لكن كل يغلط وله أغلاط معدودة، نسأل الله أن يوفقه للرجوع عنها.
الجواب: صلاة الوتر سنة قربة متأكدة، تبدأ بعد صلاة العشاء وتنتهي بطلوع الفجر، هذه صلاة الوتر، تبدأ بعد صلاة العشاء وتنتهي بطلوع الفجر، وأقلها ركعة واحدة، هذا أقلها، وأفضلها إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن زاد على ذلك فأوتر بخمس عشرة أو بعشرين مع الوتر أو ما أشبه ذلك فلا بأس فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) ولم يحد حداً، فدل ذلك على أنه إذا أوتر بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو خمس عشرة أو سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين كله طيب، أو أكثر من ذلك، أو أوتر بواحدة فقط أجزأه ذلك، وهذا واضح من السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
المقدم: يقول أيضاً: ما دخلها في الشفع؟
الشيخ: الشفع تارة يكون منفصلاً عنها وهو أفضل، وتارة يكون وتراً متصلاً، خمساً جميعاً، سبعاً جميعاً، تسعاً جميعاً، لا بأس، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا صلى سبعاً جميعاً يجلس في السادسة، يتشهد التشهد الأول ثم يقوم ويأتي بالسابعة، وإذا صلى تسعاً جميعاً فالسنة أن يجلس في الثامنة ويتشهد التشهد الأول ثم يقوم ثم يأتي بالتاسعة، والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، هذا هو الأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) هذا هو الأفضل، وإذا سرد خمساً جميعاً وأوتر بها أو ثلاثاً جميعاً وأوتر بها؛ سردها سرداً من غير جلوس، ثلاثاً جميعاً من دون جلوس في الثانية أو خمساً جميعاً بدون جلوس فيها كلها إلا في الأخيرة، هذا هو الأفضل، وأما في السبع والتسع فيجلس في السادسة في السبع، وفي الثامنة في التسع للتشهد الأول، ثم يقوم ويأتي بالسابعة ويأتي بالتاسعة، ولكن الأفضل مثلما تقدم أن يسلم من كل ثنتين ثم يوتر بواحدة، سواء صلى سبعاً أو خمساً أو ثلاثاً أو تسعاً أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو أكثر من ذلك، والأمر في هذا واسع بحمد لله، ليس فيه يعني حرج.
المقدم: أحسنتم.
أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استضفنا فيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة الإرشاد، وقد أجاب على أسئلة السادة: عبد الرحمن محمد العسيري طالب في فرنسا، ومحمد توم محمد موسى من الجمعية التعاونية باللسيب في القصيم، ورسالة شلهوب بن حسن .
شكراً لكم -أيها السادة- وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر