أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا، الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ عبد العزيز ، الشيخ عبد العزيز لدينا مجموعة كبيرة جداً من أسئلة السادة المستمعين لبرنامج نور على الدرب، نختار منها حسب ترتيب الوصول، أسئلة السادة سعود عبد الرحمن الفرج ، وقد استعرضنا جزءاً منها في حلقة ماضية، ونريد أن نكمل إن شاء الله تعالى في هذا اللقاء ما بدأناه من رسالة: سعود عبد الرحمن الفرج ، ثم بعد ذلك نخلص إلى رسالة: أحمد جاسم الراشدي من الموصل- العراق، وإن تمكنا إن شاء الله تعالى استعرضنا رسالة: نزال حسن روضان من سوريا من محافظة الحسكة.
====
السؤال: أولاً نبدأ برسالة: سعود عبد الرحمن الفرج ، وقد عرضنا بعضاً منها في اللقاء الماضي.
يقول في رسالته سعود : عمري واحد وعشرون سنة لم أصم ولا شهر من رمضان، ولكن نويت -أعتقد أنه يقول أتوب- وأعود إلى الصواب والحق، وأريد أن أبتدئ من جديد، هل يجوز ذلك أم لا؟ -يعني: أعتقد أنه يقول: هل ما أصوم السنوات الماضية-.
الجواب: عليك أن تصوم رمضان والتوبة إلى الله عز وجل، وعليك أن تصوم ما مضى من الشهور عند جمهور أهل العلم، هذا هو الصواب، عليك أن تصوم ذلك ولو مفرقاً غير متتابع، تصوم السنوات التي بعد البلوغ بإكمال خمسة عشر سنة، أو بإنزال المني عن شهوة، أو بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، هذه الأشياء التي يبلغ بها الرجل، فعليك أن تقضي رمضان الذي بعد هذا، رمضانات تصومها مع التوبة إلى الله والإنابة إليه سبحانه وتعالى، وإذا أطعمت مع هذا عن كل يوم مسكيناً كان ذلك أكمل؛ لأن بعض الصحابة أفتى بهذا رضي الله عنهم، فتطعم مسكيناً عن كل يوم مع القضاء. هذا إذا كنت تصلي، أما إذا كنت لا تصلي مع ترك الصوم فترك الصلاة كفر وضلال، فيكفي التوبة وليس عليك صوم ولا صلاة، إذا كنت لا تصلي فعليك التوبة إلى الله عز وجل، والرجوع إليه والإنابة والصدق وليس عليك قضاء بعد ذلك لا صلاة ولا صيام؛ لأن ترك الصلاة كفر، كفر أكبر على الصحيح، والكافر تكفيه التوبة، إذا تاب إلى الله وأناب كفى ذلك، وليس عليه قضاء ما ترك في حال الكفر، كما قال الله سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التوبة تجب ما كان قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله). نعم.
المقدم: سؤاله هذا موجه لنا شخصياً يقول الأخ، هل سليمان الشبانة يستطيع الإجابة على الأسئلة؟
الجواب نقول: يا أخ سعود عبد الرحمن لا، يوجد من يستطيع الإجابة على الأسئلة، وفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.
الجواب: هذا القبر الذي ذكره السائل لا أعرف صاحبه، ولكن بكل حال فلا يجوز إتيان القبور لدعائها والاستغاثة بأهلها والنذر لهم، سواء كان هذا القبر أو غيره لا قبر الفتح ولا غيره، لا يجوز للمسلمين ذكوراً وإناثاً أن يأتوا القبور لدعائها والاستغاثة بأهلها أو النذر لهم أو التمسح بقبورهم أو ما أشبه ذلك بل هذا منكر ولا يجوز، ودعاء الميت والاستغاثة به من الشرك من أنواع الشرك الأكبر.
فعلى أهل العلم أن يوضحوا للنساء وغير النساء أن هذا لا يجوز، وأن عليهن أن يسألن الله جل وعلا، إذا نزل بهن بأس من مرض أو غيره أن يسألن الله ويضرعن إليه في سجودهن وفي آخر الصلاة وفي آخر الليل وبين الأذان والإقامة، يسألن الله جل وعلا الشفاء والعافية ومن ذلك الرقية، كونه يرقي بعضهن بعضاً بمثل: (رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)، وبقراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين، والفاتحة وآية الكرسي وغير ذلك من الآيات القرآنية.
فالمقصود: أن إتيان القبور لسؤال أهلها الشفاء أو النصر أو ما أشبه ذلك هذا منكر ومن الشرك الأكبر، وهذا من عمل الجاهلية، وإنما تزار القبور للسلام، تزور القبور للسلام على أهلها والدعاء لهم والترحم عليهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) ويدعو لهم يقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم ونحو هذا، هذه هي الزيارة الشرعية.
وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبور البقيع، فقال: (السلام يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر) هذه هي الزيارة الشرعية، أما الزيارة لدعاء الميت أو للاستغاثة بالميت هذا من الشرك الأكبر، أو الطواف بقبره يرجو شفاعته يرجو عائدته، يرجو أنه يشفي مرضه هذا كله من الشرك الأكبر، وهكذا التمسح بتراب القبر، والاستشفاء بتراب القبر هذا من عمل الجاهلية ومن الشرك الذي حرمه الله عز وجل.
فالواجب على أهل العلم أن ينبهوا العامة وأن يوضحوا لهم أن هذا لا يجوز، وأن الله هو الذي يسأل سبحانه وتعالى ويرجى في شفاء المرض، والنصر على الأعداء وغير ذلك سبحانه وتعالى، وهو القائل جل وعلا: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وهو القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة).
فلا يجوز أن يدعى غير الله، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، بل الدعوة لله وحده، هو الذي يرجى ويدعى سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يقول: يا رسول الله! اشف مريضي، انصرني، أو يا شيخ أبا عبد الله ! فلتنصرني، أو يا شيخ عبد القادر الجيلاني ! انصرني أو اشف مريضي، أو يا شيخ..، أو يا سيدي البدوي ! أو يا سيدي الحسين ! أو ما أشبه هذا. كل هذا منكر وكله من الشرك الأكبر.
فالواجب التنبه لهذا الأمر من الإخوان في العراق وغيرها، والواجب على أهل العلم وفقهم الله أن يوضحوا للناس حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، وأن ينكروا على العامة ما يقعون فيه من الشرك بالله عند قبور من يسمونهم بالأولياء.
فالحاصل: أن هذه أمور عظيمة يجب على أهل العلم أن يهتموا بها وأن يعنوا بها، حتى ينقذوا العامة من الشرك، وحتى يوجهوهم إلى توحيد الله والإخلاص له ودعائه سبحانه ورفع الأيدي إليه جل وعلا، فهو الذي يشفي ويكفي سبحانه وتعالى، هو الشافي لعباده وهو المالك لكل شيء والقادر على كل شيء سبحانه وتعالى.
وأما ما قد يقع لبعض الناس كونه يدعو الميت ويشفى، هذا قد يقع استدراجاً وابتلاءً وامتحاناً، والله هو الشافي سبحانه وتعالى، وقد يكون المرض من أسباب الشياطين، يسببون المرض للإنسان حتى إذا دعا الميت كفوا عنه ما قد فعلوا به.
فالحاصل أن هذا ليس بحجة، كونه يأتي المريض إلى الميت فيدعوه ويستغيث فيشفى سريعاً هذا قد يكون استدراجاً وابتلاءً وامتحاناً حتى يمتحن صبره وإيمانه، فلا يغتر بهذا، وقد يصادفه القدر الذي قدره الله بالشفاء فيظنه من أسباب الميت، وقد يكون شيء من أسباب الشيطان، قد يفعل الشيطان بالإنسان شيئاً، يعني: يعمل معه عملاً يؤذيه ويضره ويمرض منه فإذا ذهب إلى الميت ودعاه وسأله كف عنه هذا الشيطان حتى يغريه بالشرك وحتى يوقعه في الشرك، وحتى يظن هذا الجاهل أن هذا من عمل الولي وأنه هو الشافي، وهذا من أقبح الغلط والمنكر، فالله هو الذي يشفي ويعافي سبحانه وتعالى.
والولي وغير الولي، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، مملوك لله سبحانه وتعالى، هو النافع والضار عز وجل، فينبغي التنبه لهذا الأمر.
فإني أشكر الشكر الجزيل أصحاب الفضيلة الذين يجيبون على رسائلنا ويدلوننا إلى طريق الرشاد، يقول: من العادات السائدة لدينا أنه إذا توفي عندنا إنسان يجتمع الناس للتعزية في بيت أهل المتوفى، وحاملين معهم بما يسمى بالتعازي كالنقود والذبائح وما أشبه ذلك، وعلى إثر ذلك يقوم أهل الميت بالذبح من هذه التعازي ويشترون ببعض النقود من الشاي والقهوة، علماً الذين يقومون بالذبح هم أقارب وجيران الميت بقصد المساعدة كون أهل الميت مشغولين، ولا يخفى أيضاً مساعدة أهل الميت، نرجو منكم التوضيح إذا كان ذلك جائزاً أم لا، وفقكم الله وبارك فيكم؟
الجواب: السنة للمسلمين أن يساعدوا أهل الميت ببعث العشاء لهم، يعزون في ميتهم ويبعث لهم أقاربهم وجيرانهم أيام العزاء طعام العشاء؛ لأنهم مشغولون عن صنع العشاء بسبب المصيبة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهله، لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة، قال: (ابعثوا لآل
أما كون أهل الميت يقومون ويصنعون الطعام للناس هذا لا ينبغي وهذا منكر وهو من جملة النياحة، قال جرير بن عبد الله البجلي: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة).
فلا ينبغي هذا ولا يجوز لهم أن يصنعوا الطعام للناس، ويجمعوا الناس للأكل عندهم لأنهم مشغولون بالمصيبة، لكن زوارهم ينبغي أن يخففوا، يزورونهم للتعزية ثم ينصرفون ولا يثقلون عليهم ولا يحوجونهم إلى صنع الطعام، بل ينبغي للمعزين أن يعزوا ثم ينصرفوا من دون إبطاء وتأخر عندهم حتى لا يشق عليهم، وإذا كان المعزون جاءوا من بلاد بعيدة، ضيوفاً على المعزين، فلا بأس حينئذٍ من أجل الضيافة أن يصنع لهم طعام أو يصنعه الجيران ويقدمونه لهم، لا بأس بهذا.
أما أن يتخذ عادة أن أهل الميت يصنعون طعاماً للمعزين فهذا لا ينبغي؛ بل هذا من المنكر ومن عمل الجاهلية ومن النياحة، لكن إذا اضطروا إلى هذا بسبب الضيوف الذين جاءوا من بعيد ويستحون من تركهم فلا بأس أن يصنعوا لهم طعاماً من باب الضيافة، لا من باب المأتم ولا من باب صنع الطعام لأجل الميت، لا، بل هذه حاجة عارضة، وأما جيرانهم وأقاربهم فالأفضل أن يصنعوا لهم طعاماً يهدونه إليهم من أجل أنهم مشغولون، فيكفيهم المئونة جيرانهم وأقاربهم ويهدونه إليهم، وإذا أكل معهم بعض المعزين أو بعض الجيران فلا بأس؛ لأنه طعام حاصل إن لم يأكلوه طرح في العراء، فلا بأس حينئذ أن يأكل معهم جيرانهم وضيوفهم كل هذا لا بأس به.
الجواب: ما يتبقى يكون لأهل الميت، للورثة، ما يتبقى من هذه الأموال التي أهدوها يكون لأهل الميت ينتفعون به جميعاً.
الجواب: ليس للعزاء حد محدود لا ثلاثة ولا أكثر، قد لا يعلم العزاء إلا بعد أربعة أيام أو خمسة أيام، فالمقصود ليس له حد محدود، المعزي ليس له حد، إذا عزاهم بعد ثلاث أو بعد أربع أو بعد خمس حين بلغه الخبر فلا بأس، إنما الثلاث حد للإحداد، إحداد المرأة القريبة للميت، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج).
فالإحداد لقريبات الميت لا يجوز فوق ثلاث، وأما الزيارة للتعزية فليس له حد بالثلاث، ولا صنع الطعام لهم، من جيرانهم وأقاربهم ليس له حد، فلو صنع لهم بعض جيرانهم الطعام بعد ثلاث؛ لأنهم لا يزالون مشغولين بالمصيبة فلا بأس، ليس له حد فيما نعلم في الشرع.
الجواب: جلوس بعض أقارب الميت أو غيرهم عند الميت إذا مات في يوم خميس حتى يسلموه ليلة الجمعة هذا لا أصل له، هذا من البدع.
بل إنما السنة أن يوقف عليه بعد الدفن يدعى له بالمغفرة والثبات، وقفة ما يسر الله من الوقفة، للدعاء له بالمغفرة والثبات ثم ينصرف الناس، سواء كان في يوم الخميس أو في غيره، أما أن يقف عنده أقارب الميت أو جيرانه إلى ليلة الجمعة أو في بعض الليالي الأخرى وقفات خاصة، هذا لا أصل له إنما الوقفة بعد الدفن للدعاء له وسؤال الله المغفرة والثبات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، النبي عليه الصلاة والسلام: (كان إذا فراغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).
فيقف ويستحب للمشيعين إذا فرغوا من الدفن أن يقفوا على الميت، وأن يدعوا له بالمغفرة والثبات ما شاء الله من الوقفة، ولا يلزمهم ولا يشرع لهم أن يقفوا طويلاً كثيراً حتى يسلموه ليلة الجمعة أو في ليالي أخرى بطريقة خاصة لا، إنما هذه وقفة للدعاء بالمغفرة والثبات فقط بعد الدفن، وقفة ليس لها حد محدود، بل وقفة لا تضرهم ولا تشق عليهم ثم ينصرفون.
الجواب: لا يجوز لأهل الميت ولا غيرهم أن يقدموا الدخان للناس ولا الخمر، بل هذا حرام منكر؛ لأن الدخان حرام والخمر حرام، فليس لأهل الميت أن يقدموا ما حرم الله لزوارهم والمعزين هذا لا يجوز، هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ولكن لا بأس أن يقدموا قهوة أو شاهي أو شراب طيب لا بأس، أما أن يقدموا الدخان أو الخمر أو الحشيش أو الحبوب المسكرة والمخدرة هذا كله لا يجوز، بل هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله سبحانه نهى عن ذلك، نسأل الله للجميع الهداية.
المقدم: شكراً سماحة الشيخ: عبد العزيز ، أيها السادة! في لقائنا هذا استعرضنا الأسئلة التي نوهنا عنها في أول اللقاء، وهي رسائل: سعود عبد الرحمن الفرج ، ورسالة: أحمد جاسم الراشدي من الموصل بالعراق، ورسالة: نزال حسن روضان من سوريا محافظة الحسكة.
عرضنا الأسئلة والاستفسارات التي وردت فيها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر