إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (73)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم بيع الذهب بالذهب متفاضلاً

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في لقائنا هذا سنعرض رسائل السادة محمد عبد الله الحدادي من جدة، ويسأل عن بيع الذهب بذهب وزيادة، وصالح حمود الحربي من القصيم بريدة، ويسأل عن أكل لحم الجزور، وسائل لم يذكر اسمه يسأل عن نقض الوضوء أثناء الصلاة بما يخرج من الهواء.

    مرحباً بسماحة الشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    ====

    السؤال: سماحة الشيخ! هذه الرسالة وردتنا من مقدمها محمد عبد الله الحدادي بجدة، يقول: صاحب الفضيلة! ظهرت شبهة ربا أو هو الربا نفسه فيما أعتقد ولا أدري بين باعة أهل الذهب ألا وهو: إذا جاء شخص ما يحمل أنواعاً من الحلي ذهباً وقصده بدلاً عنها من نوعها، فصاحب الذهب -أي: البائع- قد يزن هذا الذهب ليشتريه بمثله ذهباً من نوعها حلي، ولكن يطلب زيادة على الذهب كبيرة، فهل هذا من الربا، أفتونا مأجورين وفقكم الله؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد ثبت عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أنه قال في الذهب: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد) فإذا كان هذا الصائغ أو بائع الذهب يطلب الزيادة على الوزن وقع في الربا، فإذا كان في الحلي الموزونة تزن عشرين مثقالاً وذهبه كذلك، ولكن يريد المبذول زيادة من الورق، من العملة الورقية، فهذا لا يجوز؛ لأنها تقابل جزءاً من المبذول، فيكون باع الذهب بأقل منه والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مثلاً بمثل، سواء بسواء) فالحاصل أنه إذا باع ذهباً بذهب لابد أن يكونا مثلين، لا يزيد هذا على هذا لا من جنسه ولا من غير جنسه، فإذا زاد أحدهما ورقاً أو شيئاً آخر من السلع جاء الربا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد) وبهذا تعلم أن هذا البيع ربا.

    1.   

    حكم البيعتين في بيعة

    السؤال: أيضاً لديه سؤال في نفس التبادل بالذهب يقول: إذا كان صاحب الذهب الذي يريد بدلاً منه من نوعه، فإنه يبيعه على صاحب الدكان الذي يستبدله أو يبدله منه فيغريه بزيادة، -يعني: صاحب الدكان يغري صاحب الذهب بزيادة- ليزيد عليه من الناحية الأخرى، يعني: في الذهب الذي سيعطيه هذا الذي أتى ليأخذ ذهباً، أما إذا لم يرد بدلاً منه فإنه لا يعطيه تلك الزيادة في الثمن، فهل يعتبر هذا ربا؟

    الجواب: هذا لا يصلح أيضاً؛ لأنه بيع في بيع، عقدان في بيع، يعني: صفقتان في صفقة، فلا يجوز؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع) فهو يقول له: إن شريت مني زدتك بكذا، وإن ما شريت مني ما أزيدك، فالمعنى: أنه شرط بيعاً في بيع واشترط أيضاً زيادة إذا كان يشتري منه يزيده شيئاً، وإن كان ما يشتري منه ما يزيده هذا الشيء، فلا يصلح.

    1.   

    وجوب الوضوء من لحم الجزور

    السؤال: هذه الرسالة وردتنا من القصيم من بريدة المرسل صالح حمود الحربي ، يقول في رسالته: بسم الله الرحمن الرحيم، أصحاب الفضيلة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

    ما هو الدليل الذي استند عليه الإمام أحمد رحمه الله بإلزام آكل لحم الجزور بالوضوء، وكذلك الدليل باستثناء الأجزاء التي لا تنقض الوضوء من لحم الجزور؟

    الجواب: هذه المسألة ليست خاصة بـأحمد ، بل قاله أحمد وجماعة كبيرة من أهل الحديث، وحجتهم ما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث جابر بن سمرة أنه سئل عليه الصلاة والسلام قيل: (يا رسول الله ! أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فقيل له: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت) فخير في لحوم الغنم ولم يخير في لحوم الإبل بل أوجب ذلك.

    وحديث البراء بن عازب أيضاً وهو حديث صحيح أن النبي عليه السلام قال: (توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم) فأمر بالوضوء من لحوم الإبل دون غيرها، فهذا هو الحجة لـأحمد ولغيره من أئمة الحديث الذين قالوا بهذا، وقولهم هو الصواب، والذين خالفوهم احتجوا بحديث لا حجة فيه، وهو حديث جابر أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار) فقوله: (كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) لا حجة فيه؛ لأن هذا عام ومفسر، مفسر بأنه أكل لحم غنم فتوضأ.. ثم صلى، ثم أكل من بقية اللحم ثم صلى الصلاة الثانية ولم يتوضأ.

    وقد جاء عنه في عدة أحاديث أنه أكل من لحم الغنم ولم يتوضأ، فدل ذلك على أن ما مست النار نسخ الوضوء منه؛ لأنها جاءت أحاديث كثيرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه أكل مما مست النار ثم صلى ولم يتوضأ، فدل ذلك على أن الأمر بالوضوء مما مست النار قد نسخ، وقال قوم: إنه لم ينسخ ولكنه بقي للندب فقط، ولكن الأظهر النسخ؛ لأنه قال في حديث البراء : (توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم) فدل على أنه غير مشروع ولا مستحب قال: (لا توضئوا من لحوم الغنم) وقوله في لحوم الغنم: (إن شئت) فدل ذلك على أنه لا يجب ولا يشرع، وإنما الواجب الوضوء من لحم الإبل خاصة، وأما الوضوء مما مسته النار مثلما قال جابر نسخ: (وكان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) هذا هو القول الفصل في هذه المسألة.

    1.   

    تقديم الدليل على اتباع المذهب

    السؤال: أيضاً لديه سؤال آخر يقول فيه: هل يجوز لشخص أن يترك المذهب الذي هو عليه ويعتنق مذهب آخر، ومتى يجوز له ذلك إذا كان جائزاً؟

    الجواب: المذاهب الأربعة ليست لازمة للناس، والقول أنه يلزم كل طالب علم أو كل مسلم أن يعتنق واحداً منها قول فاسد، قول غير صحيح، الواجب الالتزام بما شرعه الله، على لسان رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وليس هناك شخص معين يلزم الأخذ بقوله، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، فالواجب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه في الأحكام والتشريع، ولا يجوز أن يقلد أحد بعينه في ذلك، بل الواجب هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والأخذ بما شرع الله على يده عليه الصلاة والسلام سواء وافق الأئمة الأربعة أو خالفهم، هذا هو الحق.

    فبهذا يعلم أنه لا يتعين أن يلزم مذهباً معيناً فإذا أخذ بقول أحمد في مسألة وانتسب إليه ثم رأى أن ينتقل إلى مذهب الشافعي في هذه المسألة نفسها أو في مسائل أخرى قام الدليل عليها فلا بأس، أو مذهب مالك ، أو مذهب أبي حنيفة ، المهم متابعة الدليل، فإذا كان في مسألة من المسائل على مذهب أحمد ثم رأى أن الدليل مع مالك .. مع الشافعي .. مع أبي حنيفة .. مع الظاهرية.. مع غيرهم من السلف أخذ بذلك، فالعمدة على الدليل، مثلما قال الله جل وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] يعني: في مسائل الخلاف.

    أما في مسائل الإجماع فلا كلام، يجب على المسلم أن يأخذ بما قاله العلماء ولا يخالفهم، لكن في مسائل الخلاف والنزاع طالب العلم ينظر في الدليل فإذا ظهر له الدليل مع أحمد أو مع مالك أو مع أبي حنيفة أو مع غيرهم أخذ بالدليل، واستقام عليه. لا متابعة للهوى والشهوة، لا. ولكن متابعة للدليل، أما كون الإنسان يتنقل بين مذهب فلان ومذهب.. لهواه إذا ناسبه المذهب هذا في مسألة ذهب إليه، والآخر في مسألة ذهب إليه اتباعاً لهواه وشهوته، هذا لا يجوز، هذا تلاعب لا يجوز، لكن إذا كان بالدليل ينظر في الدليل وينظر في كلام أهل العلم ويرجح بالدليل لا لهواه بل للأخذ بالدليل فهذا مأجور ومشكور وهذا هو الواجب عليه.

    1.   

    أجزاء الجزور التي لا تنقض الوضوء

    السؤال: أيضاً بالنسبة للحم الجزور له سؤال آخر يقول: هل الذين لا يتوضئون من لحم الجزور صلاتهم باطلة أم لا، نريد الإفادة أفادكم الله؟

    الجواب: كذلك سبق أنه سأل عن الأجزاء الأخرى التي لا تنقض من الجزور كالكرش والأمعاء وأشباه ذلك، فمشهور في مذهب أحمد وجماعة أنه لا يتوضأ منها، إنما يتوضأ من اللحم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل) والكرش ما تسمى لحماً عند العرب، ولا يسمى الأمعاء لحم، والكبد والطحال وأشباه ذلك، وإنما اللحوم المعروفة، الهبر المعروف، فلهذا قال أهل العلم: إنه يتوضأ من الهبر من اللحم، ولا يتوضأ من كرش وأمعاء ونحو ذلك، هذا هو المشهور عند أهل العلم القائلين بنقض الوضوء من لحم الإبل.

    وقال جماعة: يلحق بذلك الكرش ونحوه وأنها كلها تلتحق باللحم؛ لأن الله لما حرم الخنزير حرم لحمه وشحمه وكل شيء، قالوا: فهذا يلحق باللحم، والقول الأول أظهر من جهة تعليق الحكم باللحم: (توضئوا من لحوم الإبل)، أما الخنزير فقد حرمه الله كله، فلا ينظر في أمره بل كله حرام، أما هذا شيء يتعلق بالعبادات، واللحم وتوابعه ليس بنجس، بل لحمه أباحه الله، فإن لحم الإبل مباح لنا، لكن الله علق باللحم منه الوضوء دون البقية فلا بأس أن يستثنى منه ما لا يسمى لحماً عند العرب.

    وإذا توضأ الإنسان من بقية الإبل من الكرش والأمعاء والأذن واللسان، إذا توضأ منها فهو حسن من باب الاحتياط، من باب الخروج من الخلاف، ومن باب الأخذ بالحيطة؛ لأن هذه تابعة للحوم وليست لحوماً، هذا من باب الاحتياط حسن، أما الوضوء الذي يلزم بلا شك فهو إذا أكل من اللحم.

    1.   

    حكم من صلى دون أن يتوضأ من لحم الجزور

    المقدم: السؤال الآخر يقول: هل الذين لا يتوضئون من لحم الجزور صلاتهم باطلة أم لا، نرجو الإفادة؟

    الجواب: نعم، إذا كان لا يعتقد أن لحم الإبل لا ينقض بل يعتقد أنه ينقض ثم تساهل تبطل صلاته، أما إنسان يعتقد أنه لا ينقض، ويرى أن الوضوء من لحم الإبل منسوخ، ويعتقد هذا، أو قلد من قال ذلك باجتهاده، وأن هذا هو الأصوب عن تقليد أو عن اجتهاد، وهذا الذي في نفسه، اعتقاده أن هذا هو الأولى، صلاته غير باطلة صلاته صحيحة، حسب اعتقاده، مثل طالب علم اجتهد ورأى أن لحم الإبل لا ينقض، فصلاته ليست باطلة؛ لأن هذا هو مقتضى علمه واجتهاده، أو جماعة مقلدين لمذهب الشافعي أبي حنيفة مالك ممن لا يرى النقض في لحم الإبل، ويرون أنه لا حرج عليهم حسب اعتقادهم تقليداً أو اجتهاداً هؤلاء صلاتهم صحيحة.

    لكن إنسان يعلم أن لحم الإبل ينقض وليس عنده شبهة في ذلك، ثم يتساهل تكون صلاته باطلة؛ لأنه صلى بغير وضوء.

    1.   

    حكم وضع ثلاجة ماء في الشارع

    السؤال: هذه الرسالة وردتنا من نايف غزاي العتيـبي ، يقول في رسالته في الحقيقة أنها طويلة قليلاً والخط غير واضح لكن مفادها يقول: إنني أريد أن أركب ثلاجة أو برادة في الشارع في وقت الصيف، ولأن لي مسكناً يقع على شارع عام، وأرغب في الأجر من الله عز وجل لي ولوالدي، وأنا مستعد بشراء الثلاجة وتركيبها وتركيب مصارفها إلا أن الماء الذي يأتي إليها يأتي من مصلحة المياه، فهل في ذلك شيء؟ أم أنه يجب علي أن أوفر الماء من غير هذه المصلحة علماً أنني إذا جاء تسديد الفواتير فسوف أسدده من مالي الخاص، هل لي أجر في ذلك أم لا؟

    الجواب: لا نعلم في هذا بأساً، بل مأجور ومشكور، هذا عمل صالح طيب له أجر ولوالديه أجر، المقصود: أن هذا عمل صالح لا نعلم فيه شيئاً. ما دام أنه يسدد، يأخذ بطريقة شرعية من الماء المعروف الذي يسرته الحكومة لا بأس، أقول: لا حرج فيه.

    1.   

    صلاة صاحب الحدث الدائم

    السؤال: هذه الرسالة يقول مرسلها: إنني لا أستطيع الصلاة بسبب مرضي في المعدة من الهواء أنني أتوضأ في كل صلاة وأكثر الأحيان فإني أصلي وأنقض الوضوء من نصف الصلاة، فأكمل الصلاة، هل الصلاة صحيحة أم لا؟

    الجواب: ما دام الحدث مستمراً فأنت في حكم صاحب السلس فصلاتك صحيحة، ولو خرجت الريح، مثل صاحب السلس، الذي يخرج منه الماء، والمستحاضة التي يخرج منها الدم دائماً، تتوضأ في الوقت أيها السائل، ثم تصلي على حسب حالك ما دام الشيء مستمراً معك، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ولو خرج في الصلاة، ولو خرج في الوقت، ما دام أنك توضأت في الوقت، ثم صليت كما أمر الله فخروج هذه الريح منك وأنت تصلي أو قبل الصلاة أو بعد الصلاة لا يضر ما دام مستمراً أو في حكم المستمر، مثل خروج الدم من المستحاضة التي يستمر معها الدم في غير وقت الحيض، مثل خروج البول من صاحب السلس الذي استمر معه وليس له حيلة، هذا معذور فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    المقدم: أثابكم الله.

    أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي استعرضنا فيه رسائل السادة محمد عبد الله الحدادي وصالح حمود الحربي وسائل لم يذكره اسمه، عرضنا ما وردنا في رسائلهم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767947384