أيها السادة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
لدينا مجموعة كبيرة من رسائل السادة المستمعين ولعلنا نتمكن من عرض رسائل السادة عبد الرحمن بن سعدي بن علي الحربي من المدينة المنورة قرية العوينة، وحمود بن سليمان بن سلمان الجهني من مرور المدينة المنورة، وفؤاد محمد أحمد علي، ومعاذ عبد الله يوسف من جمهورية السودان الديمقراطية.
====
السؤال: الرسالة التي بين يدينا والأولى وردتنا من عبد الرحمن بن سعدي بن علي الحربي من المدينة المنورة من قرية العوينة، يقول: لقد سمعنا من بعض الإخوة طلاب العلم أن لبس الذهب حرام وغير جائز للنساء، فنرجو بيان مدى صحة هذا القول إن كان صحيحاً مع بيان الأدلة على ذلك؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد ذكر هذا بعض أهل العلم، وأن لبس الذهب للنساء حرام تحريماً فيه تفصيل، ولكن الذي عليه عامة العلماء وحكاه بعضهم إجماعاً: أنه لا حرج فيه للنساء، وأن الذهب حل للنساء حرام على الذكور وهذا هو الصواب، هذا هو الحق أن الذهب حل للنساء محرم على الرجال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورهم) ولأحاديث أخرى جاءت في الباب دالة على حله للنساء وتحريمه على الذكور، وهكذا لبس الحرير يحل للنساء دون الرجال.
إلا ما جاء في حديث عمر من استثناء موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع من الحرير للرجال، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن خاتم الذهب للرجال، ورأى الرجل بيده خاتماً من ذهب فنزعه، وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده) فالذهب والحرير محرمان على الذكور حل للإناث، هذا هو الحق والصواب، وهو كالإجماع من أهل العلم رحمة الله عليهم، ما عدا ما تقدم من استثناء موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع من الحرير للرجال كالزر وأشباه ذلك.
يقول عنده مشكلة رضاع، يقول: أفيدكم أنني من تاريخ ولادتي توفيت والدتي، وكنا من سكان البادية وأخذوا يطعمونني من ألبان الإبل والغنم، ثم قامت جدتي أم والدي برعايتي وحن قلبها إلي، وأرضعتني من نفسها، وبعد ذلك مضت الأيام وكبرت وكان لأبي إخوان من أمه وأبيه، ولديهم بنات، وأردت أن أتزوج من أحد إحداهن، فهل تحل لي أم لا، أفيدوني جزاكم الله عنا خيراً، وتقبلوا تحياتي؟
الجواب: إذا كانت جدة السائل قد أرضعته رضاعاً تاماً خمس رضعات فأكثر حال كونه في الحولين فإنه يكون أخاً لأبيه وأعمامه، وعماً لبنات أعمامه، فلا يحل له أن ينكح منهن أحداً؛ لأنه صار عماً لهن بالرضاع، فلابد من التثبت في هذا الأمر، فإذا كانت الجدة قد در لها لبن أرضعتك منه -أيها السائل- خمس مرات يعني: خمس رضعات فأكثر حال كونك في الحولين فإنها تكون أمك من الرضاعة وتكون أنت أخاً لأبيك وأعمامك من الرضاعة، وعماً لبنات أعمامك من الرضاعة، فلا يحل لك نكاح أحد منهن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: نعم أيها السائل! إذا وجد ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ما يقتضي كفره وجب أن يكفر؛ لأن المسلم يكفر بشيء من نواقض الإسلام، فليس من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله معصوماً من أن يقع منه مكفر، لا، بل متى وجد منه مكفر كفر به، فالذي يستهزئ بالقرآن أو يستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو يستهزئ بالصلاة، أو يستهزئ بالصيام أو بشيء مما شرعه الله يكون كافرا عند جميع العلماء، وقد ذكر العلماء ذلك في باب حكم المرتد، فينبغي لك إذا كنت طالب علم أن تراجع كلام أهل العلم، وإلا فلتعلم أن هذا كفر وضلال وردة عن الإسلام، كما قال الله جل وعلا: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].
وهكذا الذي يترك الصلاة عمداً ولا يصلي هذا كافر أيضاً في أصح قولي العلماء، وإن لم يجحد وجوبها، متى تركها تهاوناً وتكاسلاً فإنه يكفر بذلك في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) فمن ترك عمود الإسلام كفر؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في الصحيح: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام أيضاً: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكفر كفراً أكبر بل كفره كفر أصغر ما لم يجحد وجوبها، فإن جحد وجوبها كفر بالإجماع، أما ما دام يعلم أنها فريضة ولكن يغلب عليه الكسل والتساهل فلا يصلي فلا يكفر بذلك عند جمع من أهل العلم، ولكن يكون عاصياً معصية عظيمة أعظم من معصية الزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، ويكون كافراً كفراً دون كفر، هذا قول جمع من أهل العلم.
والصواب: القول الأول أنه كافر كفراً أكبر؛ للأحاديث السابقة ولأدلة أخرى دلت على ذلك، فالواجب على أهل الإسلام الحذر من ذلك، والمحافظة على الصلوات والعناية بها، والعناية بأدائها في الجماعة هذا هو الواجب على كل مسلم، وليس قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عاصماً من تكفيره إذا وجد منه ناقض من نواقض الإسلام، كما عرفت أيها السائل، فإن الاستهزاء بالدين كفر بالإجماع، ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وهكذا لو أنكر البعث بعد الموت، أو أنكر الجنة أو أنكر النار كفر بإجماع المسلمين، ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن إنكاره لهذه الأمور تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، وتكذيب لله فيما أخبر به في كتابه، وهكذا لو سب الدين .. سب الله .. سب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر بالإجماع، ولو أتى بالشهادتين، وهكذا لو قال: إن صوم رمضان غير واجب، أو الزكاة مع توافر شروطها غير واجبة، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب؛ كفر بالإجماع.
فينبغي لك -أيها السائل- وينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر من كل ما يسبب الكفر والخروج عن دائرة الإسلام وينبغي للمؤمن أيضاً أن يتفقه في دينه، وأن يتبصر وأن يحذر الوقوع فيما حرم الله عليه وهو لا يشعر، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الجواب: أيها السائل! قول (آمين) بعد الفاتحة ليست من آيات القرآن، وليست من آيات الفاتحة، وإنما هي دعاء بمعنى: استجب يا ربنا، فـ (آمين) معناها: اللهم استجب، فهي سنة وليست واجبة بل سنة بعد الفاتحة يقولها القاري في الصلاة وغيرها، يقول: (آمين) إذا قرأ الفاتحة، يقولها الإمام.. يقولها المأموم.. يقولها المنفرد في الصلاة وخارجها، آمين، هذه السنة، ليست واجبة ولكنها مستحبة، وهي دعاء وليست آية من الفاتحة ولا من غيرها، وإنما هي دعاء.
وبعد:
من جمهورية السودان الديمقراطية أرجو أن تعرضوا هذه الأسئلة على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، يقول: ما حكم الأكل مع الإنسان شارب الخمر والصعوط وما إلى ذلك؟
الجواب: ينبغي لمن عرف إنساناً بشرب الخمر، أو إظهار شيء من المنكرات الأخرى أن ينصحه، وأن يوجهه إلى الخير، ويرشده إلى ما أوجب الله عليه من ترك هذه المحرمات والقاذورات، فإن أصر ولم يقبل النصيحة فينبغي أن يهجر، وهجره سنة لعله يتوب، ولعله ينيب إلى الله عز وجل، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر وهم كعب بن مالك الأنصاري و صاحباه، هجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة خمسين ليلة، لما وقعت منهم هذه المعصية بدون عذر شرعي، وهي التخلف من الغزو بعد أمر الرسول بذلك عليه الصلاة والسلام، واستنفاره الناس لغزوة تبوك، فمن هنا ومن أحاديث أخرى أخذ العلماء شرعية هجر من أبدى المعاصي وأظهرها، أو أظهر البدع، حتى قال ابن عبد القوي رحمه الله في منظومته المشهورة في الأدب:
وهجران من أبدى المعاصي سنة وقد قيل إن يردعه أوجب وأكد
وقيل على الإطلاق ما دام معلناً ولاقه بوجه مكفهر مربدا
فالمقصود: أن هجر من أظهر المعاصي أو البدع سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم: بأن ذلك واجب مطلقاً، وقال بعضهم: يجب إن حصل به الردع عن البدع والمعاصي، فإن لم يحصل به الردع صار سنة لا واجبا.
وبكل حال فمن أظهر شرب الخمر أو التدخين، أو غير ذلك من المعاصي كالزنا والربا وأشباه ذلك فإنه يستحق أن يهجر بعد النصيحة، بعد التوجيه .. بعد الإرشاد؛ لأنه قد يكون جاهلاً لا يعلم تحريم هذه الأمور كالذي نشأ في بلاد بعيدة عن المسلمين أو لبس عليه في ذلك، فدعوته ونصيحته فيها إقامة حجة، وفيها تذكيره بالله، وتحذيره من مغبة هذه المعاصي و (الدين النصيحة) كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أصر ولم يبال بالنصيحة فإنه ينبغي أن يهجر.
لكن إذا رأى المسلم أن هجره قد يزيده شراً ورأى أن يستمر معه في النصيحة بين وقت وآخر لا لمحبة ماله أو طعامه أو شبه ذلك، ولكن لقصد .. والتوجيه إلى الخير ورحمته لعله ينيب إلى الله ولعله يتوب فلا حرج أن يكرر عليه النصيحة ولو زاره لذلك، وإذا ترك أكل الطعام معه ونحوه كان أنسب حتى لا يظن أنه جاءه من أجل الطعام، فيتصل به للنصيحة والتوجيه، ويدع الأكل معه ومجالسته التي ليس فيها مناصحة حتى لا ينسب إليه أنه مقر للمنكر، وحتى لا يظن صاحب المنكر أنه راض عنه وأنه لا يرى إنكار هذا المنكر.
والمؤمن يفعل ما هو الأصلح دائماً ويجتهد في فعل ما هو الأصلح وما هو الأقرب إلى الردع عن الباطل وجلب الخير، هذا هو الذي ينبغي في هذا المقام هو الهجر لمن أظهر المعاصي وعدم مجالسته وعدم مؤاكلته إلا إذا اقتضت المصلحة الشرعية أن يجالسه للنصيحة ويكرر ذلك للنصيحة والتوجيه وأن هذا أصلح من هجره؛ لأن هجره يزيده شراً ويزيده بلاءً وشروراً وتمادياً في المعاصي أو في إيذاء الناس ودعوتهم إلى الشر، فإنه في هذه الحال تنبغي معاودته ومراجعته في النصيحة لعله يتوب ولعله ينيب.
الجواب: النوم في المسجد لا حرج فيه ولا بأس به، فهي بيوت الله أقيمت للعبادة، والنوم لا يمنع في ذلك، فقد يكون النوم عبادة إذا أريد به التقوية على طاعة الله، وقد نام الصحابة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة وغيرهم، ونام علي في المسجد لما صار بينه وبين زوجته بعض الشيء، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فأيقظه وقال له: (قم
المقدم: إلى هنا -أيها السادة- نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة عبد الرحمن بن سعدي بن عدي الحربي من المدينة المنورة قرية العوينة، وحمود بن سليمان بن سلمان الجهني من مرور المدينة المنورة، وفؤاد محمد أحمد علي ، ومعاذ بن عبد الله بن يوسف من جمهورية السودان الديمقراطية.
عرضنا ما وردنا في رسائلهم من أسئلة واستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لفضيلة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر