فضيلة الشيخ عبد العزيز وردتنا عدة رسائل، من ضمنها رسالة المرسل (ع. س) من الرياض، و عواض راجي الحربي، ومحمد مديد محمد الحمادي من العراق، و سعد نامي البقعاوي من بقعاء، ومحمد سالم ، ورسالة وردتنا من (أ. ع. م. م) من الرياض، لعلنا نتمكن من عرض هذه الرسائل ونبدأ برسالة المرسل (ع. س) من الرياض.
====
السؤال: يقول المستمع (ع. س) من الرياض: يوجد في بعض الأجهزة والإدارات الحكومية ممن يسمون: مرضى القلوب وأصحاب النفوس الضعيفة، والذين يكونون أنفسهم على حساب سمعة الآخرين، عند رؤساء ومدراء الأقسام والإدارات الحكومية، بواسطة الحسد والرياء والنفاق والعياذ بالله، ما هو رأي وجواب فضيلتكم على ذلك، وعن كل من يسلك هذا السلوك الحقير؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهؤلاء الذين يسأل عنهم السائل إذا عرفوا في أي دائرة أو في أي عمل، ينبغي لمن عرفهم أن ينصحهم، وأن يحذرهم من الرياء والحسد، وغير هذا من الأعمال السيئة؛ لأن مرض النفوس يكون بالحسد، ويكون بالرياء، ويكون بالمعاصي، ويكون بأشكال أخرى، فمن عرف من هؤلاء أحداً في أي دائرة فليتق الله ولينصح له حسب الطاقة، وليحذره من أعماله السيئة، وليشجعه على الإخلاص والصدق في عمله، وأن يكون ناصحاً لله ولعباده أينما كان، وأن يحذر التقرب إلى الرؤساء بالرياء والسمعة، أو بظلم الآخرين وحسد الآخرين، هذا هو الطريق فيما أعلم.
الجواب: لا نعلم بأساً في لبس البرقع، إذا كان الخرق الذي فيه بقدر العين لا بأس بذلك إن شاء الله؛ لأن هذا أمر معلوم من قديم الزمان، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المحرمة أن تلبس النقاب، وهو يشبه البرقع ينقب فيه للعينين نقبان بقدر العينين، فإذا استعملته الأنثى في حاجاتها، في طريقها، أو عند بعض من هو ليس محرماً لها، كأخي زوجها ونحو ذلك فلا بأس بذلك، وإذا كان فوقه شيء يستر العينين، ويحصل به قضاء حاجتها من دون أن يضرها ذلك، فهذا من باب الكمال.
الجواب: يوجد في أماكن كثيرة ما يسمون: بالسادة، وما يسمون: بالأشراف، وهم فيما نعلم وفيما يذكر العارفون بهم أنهم ينتسبون إلى أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، بعضهم ينتسب إلى الحسن وبعضهم ينتسب إلى الحسين فيسمى بعضهم: شريفاً، ويسمى بعضهم: سيداً، هذا أمر معلوم واقع في اليمن، وفي غير اليمن، والواجب عليهم تقوى الله، وأن لا يأكلوا بهذا النسب من أموال الناس، بل عليهم أن يحذروا ما حرم الله عليهم، وأن يكونوا من أبعد الناس عن كل شر؛ لأن هذا النسب الشريف جدير بأن يحترم، وأن لا يتأكل به صاحبه.
لكن إذا أعطي ما أباح الله له من بيت المال، أو من غير ذلك مما يحل له غير الزكاة فلا بأس، أما أن يتأكل بذلك ويزعم أن هذا النسب يوجب على الناس أن يعطوه كذا، وأن يعطوه كذا، وأن يفعلوا به كذا، فهذا أمر لا يصلح ولا يجوز، فإن نسب النبي صلى الله عليه وسلم، هو أفضل الأنساب، بنو هاشم أفضل العرب، فلا يليق بهم أن يدنسوا نسبهم، بما لا ينبغي من الأعمال والأقوال والصفات الذميمة.
أما إكرامهم ومعرفة أقدارهم؛ لأنهم من هذا البيت الشريف، بإنصافهم وإعطائهم حقوقهم، والعفو عن بعض الأشياء التي تقع من بعضهم على بعض الناس، فالصفح عنهم والتساهل في بعض الأخطاء التي لا تمس الدين، بل فيما يتعلق بينه وبين الناس، هذا أمر حسن، وقد جاء في الحديث: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) فالإحسان إليهم، والصفح عن بعض زلاتهم التي تتعلق بالأمور الشخصية، وتقديرهم فيما يتعلق بمواساتهم، ومعرفة قدرهم في الوظيفة، وعمل يقوم بحاجتهم، أو ما أشبه ذلك مما هو إحسان وعناية بهم، ورفق بهم وإيصال المعروف إليهم كل هذا طيب، وعليهم أن يتنزهوا عما حرم الله، وأن يبتعدوا عن أن يعظموا بغير حق، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.
الجواب: أما الأوراق المعروفة التي فيها الصور، وتسمى بأسماء متعددة، فهذه لا تصلح، وهي تشبه الشطرنج من بعض الوجوه، وفيها من اللهو، والصد عن الخير، وإشغال النفوس بما قد يضرها ويعوقها عما هو أهم، كرد السلام، وربما شغلت عن أداء الصلاة في الجماعة، وربما شغلت عن أمور أخرى مهمة، فالذي يظهر من حالها أنها من آلات اللهو، وأنها محرمة، أما الضومنة والكيرم فلا أعرف الضومنة، ولكن إن كان المقصود الأوراق التي يسمونها: الكيرم أو يسمونها: الضومنة، أو يسمونها كذا، وهي أوراق يكون فيها صور مخصوصة، يلعب بها الناس ويحصل بها لهو وغفلة، ويحصل بها مغالبة، هذه كلها ممنوعة، لأنها من آلات اللهو، وإذا كان بالمال صار أشد في المنع، إذا كانت بالمال أو يكون عليها عوض هذا أشد في المنع، ويكون من جملة الميسر -قمار-.
الجواب: السنة في الفجر الطول، النبي عليه الصلاة والسلام كان يطولها، فهي أطول الصلوات، صلاة الصبح، وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة، كما أخبر جابر ، وجاءت به أخبار مثل جابر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كلهم أخبروا بأنه كان يطيل في صلاة الصبح، وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة، فالسنة فيها الإطالة وعدم التقصير، هذا هو السنة في صلاة الصبح، إلا إذا عرض عارض يقتضي التخفيف، لمرض اعترى الجماعة، أو حادث أوجب التخفيف فلا بأس، وإلا فالأصل فيها التطويل في قراءتها وركوعها وسجودها، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: المذاهب المعروفة مذاهب حق، مذهب الشافعي و مالك و أبي حنيفة و أحمد كلها مذاهب تدعو إلى الحق، وتلتزم الحق، وهي مذاهب أهل السنة والجماعة لكن قد يقع للعالم بعض الغلط في بعض المسائل، من الأئمة الأربعة وغيرهم، وليس الواحد منهم معصوماً، بعضهم قد تخفى عليه بعض السنة، وقد لا يبلغه الحديث الصحيح من طريق يثبت عنده، فلهذا يقع بعض الغلط في بعض المذاهب، وإذا اختلفت المذاهب فالواجب تحكيم الدليل، فأهل العلم ينظرون في الدليل، ثم يرجحون ما يقتضيه الدليل في مسائل الخلاف، وطالب العلم الذي لا يصل إلى هذا الحد يسأل أهل العلم، وهكذا العامي يسأل أهل العلم عما يقتضيه الشرع المطهر، مثل: الرضاعة إذا وجد من ارتضع من أمك رضعة واحدة أو رضعتين فاسألوا أهل العلم، والصواب في هذا قول من قال بالخمس؛ لأنه دل عليه الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والآية والأحاديث الأخرى التي فيها إطلاق الرضاعة تحمل على المقيد، على القاعدة المتبعة في الأصول، أن المطلق من النصوص يحمل على المقيد، وقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لـ
فإذا اختلف الناس في شيء وجب رده إلى الكتاب والسنة، وأهل العلم هم الذين ينظرون في ذلك، وهم الرادون للكتاب والسنة، فإذا نظروا في الأدلة وجب ترجيح ما قام عليه الدليل، والعامي يسأل، وطالب العلم القاصر الذي لم يبلغ إلى درجة المجتهدين والعارفين بدرجات السنة يسأل أهل العلم، ويتحرى في أهل العلم من هو أقرب إلى العلم والفضل، وأقرب إلى أهل السنة؛ لأن هذا هو واجبه وهذا جهده، ولا يجب أن يلتزم الإنسان بمذهب معين، بل يتحرى الحق ويسأل عن الحق، فمتى وجد الحق أخذ به، سواءً كان مع مالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد ، أو غيرهم من أهل العلم في مسائل الخلاف.
الجواب: إذا أوتر الإنسان من أول الليل احتياطاً فهذا طيب، النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا الدرداء و أبا هريرة بالإيتار أول الليل، قال بعض أهل العلم: إنما أوصاهما بذلك؛ لأنهما يشتغلان بالعلم في أول الليل، ويصعب عليهما القيام في آخر الليل، فإذا أوتر الإنسان من أول الليل ثم يسر الله له القيام في آخر الليل فإنه يصلي ما تيسر من الركعات من دون وتر، يكتفي بالوتر الأول؛ لأن النبي عليه السلام قال: (لا وتران في ليلة) فيصلي ركعتين، أو أربع كعات، أو ست ركعات، أو أكثر من دون وتر في آخر الليل، ولا حرج في ذلك ولا بأس بذلك، وإنما يؤمر بتأخير الوتر في آخر الليل إذا كان لا يوتر في أول الليل، ويتيسر له القيام في آخر الليل، فهذا يوصى بأن يكون وتره في آخر الليل إذا تيسر له ذلك؛ لأن آخر الليل أفضل، فإذا يسر الله للعبد أن يوتر في آخر الليل فهذا أفضل، أما إذا خاف وخشي أن لا يقوم من آخر الليل، فإنه يأخذ بالحزم فيوتر بأول الليل، وإذا رزقه الله القيام في آخر الليل صلى ما تيسر من دون وتر، كما جاء في السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد الوتر ركعتين) ليبين للناس أن الصلاة بعد الوتر جائزة، ولا حرج فيها.
الجواب: الأفضل أنه يكمل مع الإمام كما شرع الله؛ لأن النبي عليه السلام قال: (إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته).
وذلك لما صلى بالصحابة في بعض الليالي إلى ثلث الليل، وفي بعضها إلى نصف الليل، قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا قال: إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته) هذا هو الأفضل أن يستمر مع الإمام حتى يوتر، ثم إذا صلى في آخر الليل يكفيه الوتر الأول، لا حاجة لوتر ثاني والحمد لله، يوتر مع الإمام، ويصلي ما تيسر في آخر الليل شفعاً من دون وتر.
المقدم: لو أوتر مع الإمام ثم شفع وتره وأوتر آخر الليل..
الشيخ: إن شفع فلا بأس، إذا سلم الإمام قام وأتى بركعة وشفع ثم جعل الوتر آخر الليل لا بأس، لكن هذا قد يثقل على النفوس، وقد يخشى صاحبه أن يعد بهذا مرائياً، فالحاصل أنه إذا اكتفى بالوتر الحمد لله يكفي، وإن شفعه فلا حرج، إن شفعه وأوتر في آخر الليل فلا حرج، وإن اكتفى بالوتر ثم صلى في آخر الليل ما تيسر من ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان، أو أشبه ذلك فلا حرج ولا حاجة إلى وتر يكفيه الوتر الأول.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره)، فظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم العموم، وأنك متى ذكرت أخاك بما يكره سواءً كنت وحدك أو عند الناس، فهذا كله غيبة، فالوصية أن تحذر ذلك، وأن تعتاد السكوت إذا كنت وحدك، إلا في ذكر الله عز وجل، لا تتكلم في الناس، اذكر ربك، اشتغل بذكر الله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، دع عنك الناس عندك من الشغل ما يكفي، من ذكر الله واستغفاره ودعائه سبحانه وتعالى.
المقدم: شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز ، أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة المرسل (ع. س) من الرياض، و عواض راجي الحربي ، و محمد مديد محمد الحمادي من العراق، ورسالة وردتنا من بقعاء من المرسل سعد نامي البقعاوي ، ورسالة من محمد سالم، وأخيراً رسالة المستمع من الرياض (أ. ع. م. م)، عرضنا هذه الأسئلة والاستفسارات التي وردت في رسائل السادة على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر