====
السؤال: نبدأ برسالة حبان حسان عبده الغني من الرياض من المنطقة الصناعية، حيث يقول في رسالته: يدور حولنا أن عندنا في شمال اليمن بعض الناس وهم ليسوا بقلة، يدعون بالجن حينما يكون هناك أمطار أو رعد أو برق، أو في وقت غير مناسب، مثل أن يكون أحدهم متخاصماً مع شخص آخر، فلذلك يبدأ بدعائه بالجن وما إلى ذلك، ويعتقد البعض أن هذا الدعاء يضر به نفسه، لذا نرجو من فضيلتكم إفادتنا حسب ما جاء في القرآن، وما جاءت به الشريعة الإسلامية، وما هي صحة هذه الأقوال؟ وهل هي صحيحة أم مجرد عادات، جرى عليها بعض الناس عن جهل، أو قلة معرفة من الدين، شكراً وفقكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
الدعاء والاستعانة والتعوذ يكون بالله وحده، لا بالناس ولا بالجن ولا بالملائكة ولا بالأنبياء، التعوذ بالله، والاستعانة بالله، والدعاء كله لله وحده سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] .. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وقال: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]، وقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فلا يجوز لأحد أن يستعين بالجن، ولا أن يدعوهم، ولا أن يستغيث بهم، كأن يقول: يا كذا أو يا كذا أغثني أو انصرني من الجن، أو من الأموات أو من الأنبياء أو الملائكة، كل هذا لا يجوز، فالله ذم من فعل ذلك، فقال: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] أي: زادوهم طغياناً وضلالاً، أو زادوهم شراً إلى شرهم؛ بسبب دعائهم إياهم.
فالمقصود أن الدعاء والاستعاذة والاستغاثة والاستعانة كلها بالله وحده، فلا يجوز أن يستعان بالجن، ولا أن يستعاذ بهم، ولا أن يدعوا مع الله، كأن يقول: يا جن خذوه، أو يا شيطان فلان يسميه افعل كذا وافعل كذا، أو انصرني على كذا، أو أعذني من كذا، أو عاوني على كذا، كل هذا ما يجوز، بل هذا من الشرك الأكبر، وكذلك ما يفعله بعض الجهال عند الأموات يقول: يا سيدي البدوي افعل كذا، يا سيدي البدوي يا سيدي الحسين أنا في جوارك، أنا في حسبك انصرني أو ارحمني أو اشف مريضي، كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا لو قاله مع غير هؤلاء، فيقول: يا رسول الله! انصرني، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو يا رسول الله أغثني، كل هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، فليس له تصرف لا الأنبياء ولا غيرهم، فلا يجوز دعاء الأنبياء، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم، ولا الذبح لهم، بل هذا من أعمال الجاهلية، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى، فالواجب على جميع المسلمين، وعلى من يرغب في الإسلام أن يحذر هذه الأمور، وأن يتباعد عنها، وأن يخلص لله العبادة، وهذا هو معنى: لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، فالله هو الذي يدعى ويرجى ويستعان به، ويستغاث به، ويتقرب إليه بالنذور والذبائح لا غيره، فالذين يتقربون بالذبائح أو بالنذور للأموات أو للجن أو للملائكة، أو يستعينون بهم، أو يسألونهم قضاء الحاجات، أو تفريج الكروب، أو النصر على الأعداء، أو شفاء المرضى، كله شرك بالله، سواء مع الجن، أو مع الأموات كـالبدوي وغيره، أو مع الملائكة، أو مع الرسل وأفضلهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يجوز، بل يدعو ربه وحده: يا رب افعل بي كذا، يا رب انصرني، يا رب اشف مريضي، يا رب أغثني، يا رب عافني، يسأل ربه جل وعلا: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]. ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] يقول جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] فلا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به سبحانه وتعالى، هذه أمور نشأ عليها بعض الناس، واعتادوها تبعاً لأسلافهم، وقد غلطوا في ذلك، والله سبحانه بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم يبين للناس أن العبادة حق الله، وأنه لا يدعى مع الله سبحانه وتعالى أحد، فالواجب على العاقل أن ينتبه لهذا الأمر، وأن ينصح من ابتلي بهذا الشيء، وأن يذكرهم بأن هذا منكر وشرك ومن أعمال الجاهلية، والله المستعان.
الجواب: الوكالة غير التوكل أيها السائل. الوكالة كونه يستنيب إنساناً يقوم مقامه في إدارة عمله، في بناء بيته، في إصلاح سيارته، في غير ذلك، هذا لا بأس به، وكالة تفويض منه إذن له، يأذن له يفعل كذا وكذا، أما التوكل فهو الاعتماد على الغير بأن يتصرف في الأمور بقدرته، فالله هو الذي يعتمد عليه ويتوكل عليه سبحانه وتعالى، فالتوكل يكون على الله، وأعظم التوكل أن يعتمد عليه بأنه قادر على كل شيء. لأنه مسبب الأسباب، فالاعتماد على الله والتوكل عليه سبحانه وتعالى، ثم الإنسان مع ذلك يفعل الأسباب، يعتمد على الله، يعلم أنه مصرف الأمور، ومسبب الأسباب، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يعتمد على المخلوق ولا على نفسه، بل يعتمد على الله وحده، ويتوكل عليه، ومع هذا يأخذ بالأسباب، ويتعاطى الأسباب، فيزرع الأرض، يغرس الغرس، يبني ما يحتاج إليه، يوكل من يحتاج إليه حتى ينوب عنه في الغراس، في الزراعة، في البناء، ليس في هذا بأس، فالوكالة شيء، والتوكل شيئاً آخر، أما كونه يتوكل على إنسان، يعني: يعتقد فيه أنه يتصرف في الكون، وأنه يدبر الأمور، وأن له القدرة على التصرفات بدون مشيئة الله أو ما أشبه ذلك، هذا لا يجوز مع المخلوق أبداً، التوكل على الله وحده سبحانه وتعالى.
الجواب: التقاويم لها طرق معروفة، وحساب معروف، ما هو من علم الغيب، ولها حساب معروف في ضبط مدار دخول الشهر، وخروج الشهر، وضبط الأيام والليالي بالدقائق والساعات، كل هذا شيء معروف، له طرق حسابية معروفة ليس من علم الغيب، فلا ينبغي أن تظن أنه من علم الغيب أيها السائل، بل هذه أمور معروفة لها طرق، ولها حسابات معروفة، يسير عليها الحاسبون، ويدركون معناها، فليس فيها من علم الغيب شيء.
الجواب: هذا أمره واسع، إذا كان المشتري قادراً، وليس قصده الإسراف ولا المفاخرة، إنما يريد الطيب الذي من باب الجمال أو من باب الزينة وهو أهل لذلك؛ لأن عنده المال وعنده القدرة، فلا نعلم فيه شيئاً، إذا اشترى سيارة فخمة أو فراشاً طيباً ما نعلم فيه شيئاً، لكن التواضع طيب، إذا تواضع لله واستعمل الشيء الوسط، يكون أفضل وأقصد، حتى يتمكن من صرف الزيادات في الصدقة، والمساعدة للفقراء، والمساهمة في المشاريع الخيرية، فالحاصل أن الاقتصاد والتوسط في الأمور أفضل، ولو اشترى شيئاً جميلاً نفيساً من السيارات أو من الفرش؛ لأنه قادر ويريد بذلك الجمال لا المفاخرة ولا المباهاة، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
الجواب: ما نعلم في هذا شيئاً، لا حرج في ذلك؛ لأن فيه فوائد، يعرف الناس هذه الحيوانات ويقفون عليها، لا بأس بذلك، يعرفونها ويتفرجون عليها، إذا كان الحابس لها يقوم بحاجتها، يعطيها حاجاتها من الطعام والشراب، إذا حبسها وأعطاها حاجاتها فلا حرج إن شاء الله.
الجواب: كفارة اليمين مثل ما قال الله جل وعلا: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89] هذه كفارة اليمين، إما عشرة مساكين يطعمهم يعشيهم أو يغديهم، أو يعطيهم من قوت البلد نصف الصاع من تمر من رز من غيره من قوت البلد، أو يكسوهم كسوة، أو يعتق رقبة ذكر أو أنثى، هذه كفارة اليمين، من حلف مثلاً أن لا يكلم فلان ثم كلمه أو حلف أنه ما يبيت عند فلان وبات عنده أو لا يجيب ضيافته ثم أجابه يكفر كفارة يمين يطعم عشرة مساكين نصف صاع كل واحد، كيلو ونصف، وإن أعطاه زيادة فلا بأس، أو يكسوه، أو يعشيه أو يغديه، أو يعتق رقبة، فإن عجز عن هذه كلها صام ثلاثة أيام؛ لقوله سبحانه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89] والأولى أن تكون متتابعة كما قرأ ابن مسعود رضي الله عنه هذا هو الذي ينبغي.
الجواب: السنة السر في الثالثة والرابعة، في العشاء، والثالثة المغرب، سنة، كونه يسر في الثالثة في المغرب والثالثة والرابعة في العشاء، هذا سنة، فلو جهر لا يضر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمعهم الآية أحياناً في السرية، فالأفضل للإمام أنه لا يجهر، بل يسر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فلو جهر ونبهه المأموم فلا بأس، إذا نبهه المأموم حتى يأخذ بالسنة وينتبه للسنة فهذا لا بأس، ولا يلزمه السجود؛ لأن الجهر والإخفات سنتان، والسجود إنما يلزم فيما إذا فعل ما يبطل عمده الصلاة، فإذا كان عمده يبطل الصلاة وجب فيه سجود السهو، كما لو زاد سجدة، أو زاد ركوعاً، أو زاد قياماً، هذا ينبه، وإذا تعمد يبطل الصلاة، وإذا كان ما تعمد يسجد السهو، أما الجهر في الثالثة في المغرب والثالثة والرابعة في العشاء فهذا لا يوجب سجود السهو، ولكن تنبيهه حسن، كون المأموم ينبهه حتى ينتبه لهذه السنة. فهذا مشروع، وإن سجد للسهو فهذا حسن، ولكن لا يلزمه؛ لأن الجهر ليس بمحرم.
المقدم: وفي هذه الحالة يقولون مثلاً: سبحان الله.
الشيخ: سبحان الله نعم حتى ينتبه للسنة.
الجواب: معلوم أن الحجاب أمر لازم، والكشف للرأس والوجه ونحو ذلك أمر ممنوع، والرأس أشد، فيا أيها الطالبة الواجب عليك ستر الرأس وستر الوجه وأن يكون لك من الستر ما يعينك على القراءة، ولا تبالي بهم ولو استهزءوا ولو سخروا لا تبالي، حتى تكملي دراستك، تكونين متحجبة مستترة بما شرع الله حتى تكملي الدراسة، فإن لم تستطيعي فانفصلي والتمسي دراسة ليس فيها اختلاط، في أي مكان، فإن الاختلاط فيه خطر، وإذا كان مع التكشف صار خطره أكبر، فإذا تيسر لك التستر وتكميل الدراسة من غير ملاصقة للأولاد، بل في جانب غير ملاصق للشباب، فإن هذا لا حرج فيه، للتكميل مع الحجاب، مع حجاب الوجه وحجاب الرأس، وأن يكون لك عين واحدة من خلال البرقع أو شبهه، مما تنظري بعين واحدة حتى تكملي الدراسة، أو العينين يكون لها فتحتان حتى تكملي الدراسة، ثم تنتهي من هذه الدراسة، فإن لم يتيسر هذا فانفصلي، والتمسي مكاناً آخر تكملي فيه الدراسة، وأما البقاء على هذه الحالة فلا يجوز، تبقي مكشوفة الرأس مكشوفة الوجه، هذا فيه فتنة كبيرة وخطر عظيم.
الجواب: هذا على ظاهره، يدل على تحريم التصوير وأنه لا يجوز، وأن المصور يعذب بالصور التي صورها في جهنم، وهذه الصور التي فعلها عذاباً عليه يوم القيامة، وفي الحديث الآخر: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)، وفي الحديث الثاني: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم)، هذا نوع من التعذيب بها، والتصوير للحيوانات التي ذات الأرواح كالإبل والغنم البقر وبني آدم والطيور، أما تصوير ما لا روح له كالجبل والسيارة والشجرة، فلا حرج في ذلك، واختلف علماء العصر في التصوير الشمسي هذا المعروف الموجود بالكاميرة، فبعضهم قال: إنه ليس بتصوير وإنما هو إمساك الظل وتسامح في ذلك، والمعروف عند أهل العلم والبصيرة التحقيق أنه تصوير وأنه لا يجوز، وأن حكمه حكم التصوير باليد الفني المعروف، هذا التصوير لا يجوز لذوات الأرواح، إلا من حاجة ومن ضرورة كالتابعية، أو تصوير الجناة الذين يخاف شرهم، أو قيادة السيارة للحاجة، فهذا إذا دعت الحاجة إليه، ولم يتيسر له أخذ تابعية أو رخصة إلا بالصورة، فنرجو أن لا حرج عليه للضرورة.
المقدم: شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا، الذي عرضنا فيه رسائل السادة حبان حسان عبده الغني من الرياض من المنطقة الصناعية، والمستمع (ن. ن. ش) من الرياض، يسأل عن حكم الوكالة، والمستمع راشد مرشد أحمد الذي يسأل عن التسبيح لجهر الإمام في الصلاة السرية، والحائرة (ع. س. ن) من اليمن الجنوبية.
عرضنا ما وردنا في رسائلهم هذه من أسئلة واستفسارات، على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز، وشكراً لكم أيها الإخوة! وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر