مستمعي الكرام! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة في برنامجكم اليومي: نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية اللقاء نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: شيخ عبد العزيز ! رسالة المساجد ورسالة المنبر في الإسلام رسالة يكتب عنها كثير من إخواننا المستمعين، البعض منهم يقول: لقد انحرف الناس بالمنبر عن رسالته، وآخرون يقولون: لقد حرمنا من أعز بقاع الأرض وأطهرها بيوت الله فلا نستطيع الجلوس فيها ولا المذاكرة ولا الدراسة، وآخرون أيضاً يقولون: لقد استخدمت المنابر لغير الدعوة إلى الله فهي تدعو إلى يوم كذا وحزب كذا وهلم جراً.
يمثل هذه القضايا سماحة الشيخ أخوان من الجزائر، أحدهما (ب.ع.ت) من سيدي بالعباس بالجزائر، ورسالة أخرى باعثها أخ من هناك هو أيضاً: محمد بن بالقاسم من الجزائر يسألون عن هذه القضية سماحة الشيخ، وأعتقد أن الموضوع يهم جميع المسلمين فلو تكرمتم بمعالجته؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه؛ نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا ريب أن المسجد والمنبر هما الآلتان القديمتان في توجيه الناس إلى الخير، وتعليم الناس ما ينفعهم وتبليغ الناس رسالة ربهم سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام يبلغون الناس رسالات الله، ويعلمونهم شريعة الله، هكذا بعث الله الرسل من آدم عليه الصلاة والسلام ثم نوح ثم من بعدهم من الرسل، كلهم بعثوا ليبلغوا رسالات الله من طريق المساجد والمنابر، سواء كانت المنابر في المسجد أو في غير المسجد، وسواء كان المنبر مبنياً أو غير مبني، فقد يكون المنبر ناقة أو فرساً أو غير ذلك من الدواب التي تركب، قد يكون المنبر محلاً مرتفعاً تبلغ منه رسالة الله.
فالمقصود أن الله جل وعلا شرع لعباده أن يبلغوا رسالات ربهم، وأن يعلموا الناس ما بعث الله به رسله من كل طريق، ولكن المنبر والمسجد هما أهم طريق، فرسالة المسجد رسالة عظيمة، يجب على جميع العلماء ومعلمي الناس الخير أن يعنوا بها، وأن يعيدوها إلى حالها الأولى، وأن يفقهوا الناس في دينهم من طريق المسجد؛ لأنه مجمع المسلمين في الجمع وغيرها.
كما عليهم أن يبلغوا الناس دين الله من الطرق الأخرى؛ طريق الإذاعة، طريق المنبر في غير المسجد، من طريق الخطابة في المجتمعات المتيسرة والحفلات المناسبة، من طريق الصحافة، من طريق التأليف، من كل طريق يمكن، هكذا يجب على أتباع الرسل وعلى خلفاء الرسل من أهل العلم أن يبلغوا رسالات الله، وأن يعلموا الناس شريعة الله حتى يتفقه الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والموافق والمخالف حتى تقام الحجة وتقطع المعذرة.
ولا يجوز لولاة الأمور ولا غيرهم أن يحولوا بين الناس وبين هذه المنابر إلا من علم بأنه يدعو إلى باطل فإنه يمنع أينما كان، أما من دعا إلى الحق والهدى فالواجب أن يشجع وأن يعان، وأن تسهل له الوسائل التي يبلغ بها أمر الله وشرعه سبحانه وتعالى.
وعليكم أيها الإخوة في كل مكان في الجزائر وفي المغرب وفي جميع أنحاء الدنيا عليكم أن تقوموا بواجبكم حسب ما أعطاكم الله من العلم بكتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، عليكم أن تبلغوا رسالة الله أينما كنتم في المسجد وفي البيت وفي الطريق وفي السيارة وفي الطائرة وفي القطار وفي كل مكان.
ليس للتبليغ محل مخصوص، بل التبليغ مطلوب في كل مكان، حتى ولو كنت في الطريق تمشي مع أخيك أو مع إخوانك، حتى ولو كنت على مائدة تأكل منها مع إخوانك وتبلغ رسالة الله في أي مجتمع وفي أي مكان تستطيع التبليغ عليك أن تبلغ.
والله جل وعلا يقول: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35]، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) ويقول عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع).
وكان إذا خطب الناس عليه الصلاة والسلام يقول: (فليبلغ الشاهد الغائب) ولما خطب الناس في عرفات في حجة الوداع في أعظم جمع، لما فرغ من خطبته قال: (فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع)، وقال: (وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الناس، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد) هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وهكذا يشجع الناس على البلاغ والبيان.
فعليكم أيها الإخوة وأيها العلماء في كل مكان.. في أفريقيا.. في أوروبا.. في أمريكا.. في آسيا.. في الدول العربية.. في غير الدول العربية.. في جميع الدول الإسلامية وفي كل مكان، عليكم أن تبلغوا رسالة الله، وعليكم أن تعلموا الناس دينهم، ولكن بعد التثبت.. بعد البصيرة، بعد العلم بما قاله الله ورسوله، حتى لا تبلغوا عن الله خلاف الحق، وحتى لا تبلغوا عن رسوله صلى الله عليه وسلم خلاف الحق.
فعليكم أن تتعلموا وأن تتبصروا ثم تبلغوا الناس ما أعطاكم الله من العلم، وعلى أهل العلم الذين من الله عليهم بالفقه في الدين والبصيرة عليهم أن يسابقوا إلى هذا الخير وأن يسارعوا إليه، وأن يتحملوا هذا الواجب بأمانة وإخلاص حتى يبلغوا دين الله لعباد الله، وحتى يعلموا الناس ما شرعه الله؛ لأنه ليس كل واحد يستطيع أن يتعلم في المدارس وليس كل واحد يجد مدرسة تعلمه الشرع المطهر وتعلمه الدين الحق، وتعلمه القرآن كما أنزل والسنة كما جاءت.
فعليكم أن تبلغوا الناس من منابر الإذاعة ومنابر التلفاز ومنابر الصحافة ومنابر الجمعة ومنابر العيد، وفي كل مكان، وبالدروس والحلقات العلمية في المساجد وفي غير المساجد كالمدارس والمعاهد ونحو ذلك.
كل طالب علم من الله عليه بالعلم، وكل عالم فتح الله بصيرته يستغل ما أعطاه الله من العلم، ويستغل كل فرصة تمكنه فيه الدعوة حتى يبلغ أمر الله، وحتى يعلم الناس شريعة الله، وحتى يأمرهم بالمعروف وحتى ينهاهم عن المنكر، وحتى يشرح لهم ما قد يخفى عليهم مما أوجب الله عليهم وحرم عليهم، هذا هو الواجب على جميع أهل العلم، فهم خلفاء الرسل وهم ورثة الأنبياء فعليهم أن يبلغوا رسالات الله، وعليهم أن يعلموا عباد الله شريعة الله، وعليهم أن ينصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وعلى جميع ولاة الأمور أن يعينوهم ويشجعوهم ويقوموا بكل ما يعين على هذا الواجب، فالله جل وعلا يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] ويقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ويقول عليه الصلاة والسلام: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) خرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
هكذا يجب علينا جميعاً ونسأل الله لنا ولجميع إخواننا المسلمين وللعلماء بوجه أخص ولطلاب العلم، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، والإعانة على أداء الحق.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! أفهم مما تفضلتم به وأعتقد أن الإخوة المستمعين يشاركونني هذا الفهم، أن الذي يمنع هو صاحب الباطل لا المساجد ولا المنابر تمنع عن الناس من أن يستفيدوا منها في مجال الدعوة إلى الله.
الشيخ: نعم مثل ما تقدم، إنما يمنع الدعاة إلى الباطل وهم الأسباب الذين قد يضايقون أهل العلم وأهل الخير حتى قد يجر ذلك إلى منعهم من المساجد، فيمنع غيرهم بأسبابهم، فإذا منع أهل الباطل استقام الطريق واتسع المجال لدعاة الحق.
فالواجب على ولاة الأمور أن يأخذوا على يد أهل الباطل وأن يمنعوهم من نشر باطلهم بكل وسيلة، سواء كان صاحب الباطل شيوعياً أو وثنياً أو نصرانياً أو مبتدعاً من سائر أنواع البدع.. على ولاة الأمور من أهل الإسلام أن يمنعوا أصحاب البدع وأصحاب الباطل أن ينشروا باطلهم.
وعليهم أن يعينوا دعاة الحق الذين يدعون الناس إلى كتاب ربهم وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويبصروهم ما أوجب الله عليهم وما حرم الله عليهم، ويوضحوا لهم حق الله وحق عباده وحق ولاة الأمور وحق كل مسلم على أخيه، هؤلاء هم الذين يعانون، ومن حاد عن الطريق ودعا إلى غير الشرع هو الذي يمنع أينما كان.
الجواب: نعم، هذا لا شك أن فيهم من يتحرج من ذلك وهو التصوير لأجل الإذاعة في التلفاز ومن نشر العلم في التلفاز، وهذا يختلف بحسب ما أعطى الله للناس من العلم والإدراك والبصيرة والنظر في العواقب، فمن شرح الله صدره واتسع علمه ليعمل في التلفاز ويبلغ رسالات الله فله أجره وله ثوابه عند الله، ومن اشتبه عليه الأمر ولم ينشرح صدره لذلك فنرجو أن يكون معذوراً.
أما أنا فأعتقد أن من شرح الله صدره لذلك وأعانه الله على ذلك فإن هذه المصلحة العظمى وهي نشر الدين وتوجيه الناس إلى الخير يغتفر في جنبها ما يقع من تصويره لهذا الأمر، كونه يصور من أجل هذا الأمر فإنها مفسدة جزئية تنغمر في جنب المصلحة العظمى التي هي تبليغ الناس رسالات الله، وتعليم الناس شرع الله وتوجيه الناس إلى الخير حتى لا يخلو المجال لأهل الباطل وحتى لا يتسع لأهل الباطل أفق دعواتهم إلى باطلهم، ونسأل الله السلامة والتوفيق.
الجواب: هذا الأمر قد يقع لبعض الناس، فالواجب عليه أن يعنى بالأسباب التي تزيله، بالعلاج وتعاطي الأدوية، وعرض أمره على المختصين من الأطباء لعله يجد علاجاً يزيل عنه هذا البخر الذي قد يتأذى به من يجاوره، فهو متى عجز عن ذلك ولم يتيسر له العلاج فإن كان يضر من حوله من المصلين ويؤذيهم فله عذر في الصلاة في بيته، كما منع النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً أن يصلي مع الناس، وكان يخرجهم من المسجد عليه الصلاة والسلام لئلا يتأذى به المسلمون، قال صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا) وقال: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).
فالحاصل أنه إذا كان هذا البخر شديداً يتأذى به من يجاوره في المسجد فإنه يعذر في ترك الجماعة والصلاة في بيته بعد أن يجتهد في العلاج وأسباب إزالته، فإذا عجز عن ذلك فهو معذور.
أما الحج فلا، الحج يحجه كل أحد، فالحج يحج ولو كان فيه هذا الأمر، يحج ويعتمر وليس يلزمه أن يلاصق أحداً في هذا، وعند الزحام هو كغيره لا يضر زحامه مع الناس في الطواف أو في السعي أو في رمي الجمار، لا نرى هذا عذراً في الحج ولا في العمرة، إنما هذا في صلاة الجماعة خاصة.
المقدم: وبالنسبة للزيارة سماحة الشيخ؟
الشيخ: أما الزيارة فهذا يختلف، إن كان المزور يسمح له بذلك ولا يتأذى بزيارته لقرابته منه أو صداقته له أو أسباب أخرى فلا بأس عليه.
فأما إن كان المزور يتأذى به فإنه لا يزوره بل يسعى في قضاء حاجته من الطرق الأخرى كالمكاتبة والهاتف وإرسال مندوب منه في حاجاته التي يريد أن يباشر بها ذلك الشخص.
الجواب: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم سنة وقربة، إذا كانت زيارة القبور الأخرى سنة فمن باب أولى زيارة قبره عليه الصلاة والسلام.
والصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم سنة وقربة، ومن أجلها تشد الرحال إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وإلى المسجد الحرام وإلى المسجد الأقصى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) وقال عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام).
إنما الذي يمنع في أصح قولي العلماء شد الرحال من أجل القبر وحده.
كونه يشد الرحل من أجل القبر لا من أجل المسجد ولا من أجلهما معاً ولكن من أجل القبر وحده، هذا هو الذي يمنع في أصح قولي العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ..) فإذا منع شد الرحال إلى مسجد غير هذه الثلاثة فمن باب أولى شد الرحال إلى بقعة أخرى أو إلى قبر، من باب أولى أن يمنع؛ لأن المساجد أفضل بقاع الأرض، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير بقاع الأرض مساجدها وشرها أسواقها).
فإذا كانت المساجد التي هي خير بقاع الأرض لا تشد الرحال إليها للتقرب فيها إلا هذه الثلاثة المساجد، فهكذا يمنع من باب أولى أن تشد الرحال إلى قبر من القبور، لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، أو إلى بقعة يقال: إنه جلس فيها رجل صالح، أو صلى فيها أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن شد الرحل للقبر يتخذ وسيلة إلى الغلو ودعاء صاحب القبر والاستغاثة به، أو النذر له، أو الصلاة عند قبره، أو الدعاء عنده، وهذه وسائل للشرك، لأن الصلاة عند القبر أو الدعاء عنده أو القراءة من وسائل الشرك.
أما دعاء صاحب القبر والاستغاثة بصاحب القبر فهذا نفس الشرك وعين الشرك الذي حرمه الله عز وجل، فمن أجل هذا والله أعلم حرم الله شد الرحال إلى غير الثلاثة المساجد سداً لذرائع الشرك، وحسماً لوسائله، فإذا شد الرحل ليصلي في المسجد وليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس، دخلت الزيارة تبعاً، أما أن يكون شده للرحل من أجل القبر فقط فهذا هو الذي يمنع.
ولكن لا أظن مسلماً يقصد هذا، فإن المسلم الذي يفهم الإسلام لا يقصد القبر وحده وإنما يشد الرحل ليصلي في المسجد وليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون الزيارة تابعة للمسجد، فلا حرج في ذلك.
وأما من كان في المدينة مقيماً فهذا يشرع له أن يزور بين وقت وآخر، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، كما يزور البقيع وشهداء أحد ويسلم عليهم بين وقت وآخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة) وكان يعلم أصحابه رضي الله عنهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)، وغيره في حديث عائشة : (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين).
وكان إذا زار البقيع يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، غداً مؤجلون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) فيدعو لهم عليه الصلاة والسلام، هذه هي السنة؛ زيارة القبور للدعاء لهم، للترحم على الموتى ولذكر الآخرة والزهد في الدنيا، لا تزار القبور لدعاء أهلها أو الاستغاثة بهم، أو الدعاء عند قبورهم، أو الصلاة عندها، أو القراءة عندها، ولكن تزار للاستغفار لهم والترحم عليهم، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، ولذكر الآخرة وذكر الموت والزهد في الدنيا، هذه هي المقاصد لزيارة القبور.
لكن أهل الجهل والغلاة يزورون القبور ليدعوا الموتى، ليدعوهم من دون الله، ليستغيثوا بهم، ليطلبوهم المدد والعون، وهذا هو الشرك الأكبر، أو يزوروهم من أجل البدع كالصلاة عند قبورهم ويظنون أنها أجوب وأنفع وأفضل، أو الدعاء عند القبور، أو القراءة عندها، وهذا أيضاً بدعة؛ لأنه وسيلة إلى الشرك، اليوم يصلي عندها لله وفي يوم آخر قد يصلي لأهلها، قد يجعل الصلاة للميت والسجود له فيقع في الشرك.
وهكذا الدعاء عندها، وهكذا القراءة عندها، هذه بدعة وقد تجر هذه البدعة إلى أن يقصد الميت بأن يدعوه من دون الله أو يستغيث به من دون الله أو نحو ذلك من أنواع الشرك، نسأل الله السلامة.
المقدم: إذن زيارة أخينا هذا وإن كان في فمه بخر ليس فيها شيء من ناحية الشرع؟
الشيخ: نعم، ليس فيها شيء.
الجواب: عليك أيها الأخ وعلى كل مسلم إذا تأخرت الإجابة أن يرجع إلى نفسه وأن يحاسبها، فإن الله عز وجل حكيم عليم، قد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة ليكثر دعاؤك، وليكثر إبداء حاجتك إلى ربك، وليتضرع إليه، وتخشع بين يديه، فيحصل لك بهذا من الخير العظيم والفوائد الكثيرة وصلاح قلبك ورقة قلبك ما هو خير لك من الحاجة.
وقد يؤجلها لأسباب أخرى سبحانه وتعالى، وقد يعجلها لحكمة بالغة، فإذا تأجلت الحاجة فلا تلم ربك ولا تقل: لماذا يا رب؟! ارجع إلى نفسك فإن ربك حكيم عليم، ارجع إلى نفسك وانظر فلعل عندك شيئاً من الذنوب والمعاصي كانت هي السبب في تأخير الإجابة، ولعل هناك أمراً آخر تأخرت الإجابة من أجله يكون فيه خير لك.
فأنت لا تتهم ربك ولكن عليك أن تتهم نفسك، وعليك أن تنظر في أعمالك وسيرتك حتى تصلح من شأنك، وحتى تستقيم على أمر ربك، وحتى تعبده على بصيرة، وحتى تمتثل أوامره، وحتى تنتهي عن نواهيه، وحتى تقف عند حدوده، ثم اعلم أنه سبحانه حكيم عليم، قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة كما أخر إجابة يعقوب في رد ابنه عليه يوسف وهو نبي عليه الصلاة والسلام.
فقد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة، وقد يعطيك خيراً مما سألت، وقد يصرف عنك من الشر أفضل مما سألت، كما جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك، قالوا: يا رسول الله! إذاً نكثر، قال: الله أكثر) فبين في هذا الحديث عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه قد يؤخر الإجابة إلى الآخرة ولا يعجلها في الدنيا لحكمة بالغة؛ لأن ذلك أصلح لعبده وأنفع لعبده.
وقد يصرف عنه شراً عظيماً خيراً له من إجابة دعوته وقد يعجلها له، فعليك بحسن الظن بالله، وعليك أن تستمر في الدعاء وتلح في الدعاء، فإن الدعاء خير لك كثيراً.
وعليك أن تتهم نفسك وأن تنظر في حالك وأن تستقيم على طاعة ربك، وأن تعلم أن ربك حكيم عليم، قد يؤجل الإجابة لحكمة، وقد يعجلها لحكمة، وقد يعطيك بدلاً من دعوتك خيراً منها.
وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي) فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء، فلا ينبغي لك أن تستحسر، ولا ينبغي لك أن تدع الدعاء بل الزم الدعاء واستكثر من الدعاء وألح على ربك واضرع إليه وحاسب نفسك، واحذر أسباب المنع من المعاصي والسيئات، وتحر أوقات الإجابة كآخر الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الصلاة قبل السلام، وفي السجود، كل هذه من أسباب الإجابة.
وعليك بإحضار قلبك عند الدعوة حتى تلح وحتى تدعو بقلب حاضر، عليك بالمكسب الطيب، فإن الكسب الخبيث من أسباب حرمان الإجابة، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
الجواب: العمل تختلف، فإذا باع عملة بعملة أخرى يداً بيد فهذا ليس فيه ربا، كأن يبيع الدولار بالجنيه المصري أو بالعملة اليمنية يداً بيد فلا بأس، وهكذا إذا باع أي عملة بعملة أخرى يداً بيد فإنه ليس في هذا ربا، أما إذا باع العملة بعملة أخرى إلى أجل كأن يبيع الدولار بالعملة اليمنية إلى أجل أو بالجنيه المصري أو الاسترليني أو الدينار الأردني والعراقي أو غير ذلك إلى أجل هذا يكون ربا؛ لأنها منزلة منزلة الذهب والفضة، فلا يجوز بيع بعضها ببعض نسأ بل لابد من القبض في المجلس.
أما ربا الفضل فهذا يقع في العملة بنفسها، إذا باع العملة بالعملة نفسها متفاضلاً، كأن يبيع الجنيه الاسترليني بجنيه استرليني وزيادة كجنيه استرليني بجنيهين فهذا ربا، ولو كان يداً بيد ربا، أو يبيع العملة السعودية عشرة بعشرة أو زيادة، عشرة ريالات بأحد عشر ريالاً هذا ربا فضل.
وإذا كان إلى أجل صار ربا فضل ونسيئة جميعاً فيه نوعا الربا، وهكذا أشباه ذلك كالدولار بدولارين بثلاثة إلى أجل أو حالاً، إن كان حالاً يداً بيد فهو ربا فضل، وإن كان إلى أجل كان ربا فضل ونسيئة جميعاً اجتمع فيه الأمران، هذه وجوه الربا.
المقدم: بارك الله فيكم.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وأرجو أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير إن شاء الله تعالى.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
وسجلها لكم من الإذاعة الخارجية الزميل أحمد الغامدي ، شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر