مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك الله فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة سماحة الشيخ رسالة تتحدث عن موضوع من حجت بدون رضا زوجها، باعثة الرسالة هي أختنا: صالحة مغضب بخيت ، من ينبع البحر تقول: أطلب إفادتكم في الآتي: لقد طلبت من زوجي أداء فريضة الحج معه ولكن بيني وبينه سوء تفاهم، ولم أذهب معه وبعد عام أديت فريضة الحج والعمرة مع إخواني من غير رضاه، ويقال: الزوج إذا كان زعلان عليها لا ترضى الملائكة إلا برضا زوجها، والرجاء إفادتي هل حجي صحيح من غير رضاه أم لا، ولكم الشكر؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالحج الفريضة لا يشترط فيه رضا الزوج، لكن إذا تيسر رضاه فهو أحسن وأطيب وإلا فلا يشترط، وحجك صحيح والحمد لله، وهذا شيء لازم لك ولغيرك من المكلفين، كل من استطاع الحج وجب عليه الحج، فالزوجة إذا لم يأذن زوجها لها في الحج الفريضة يسقط حقه وعليها أن تحج، كما أن عليها أن تصوم رمضان ولو لم يرض، وإنما هذا في النافلة ليس لها حج النافلة ولا صوم النافلة وهو شاهد إلا بإذنه، فأما حج الفريضة فلها أن تحج بغير إذنه إذا لم يسمح لها؛ لأن الله أوجب على المسلمين حج الفرض في قوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] رزق الله الجميع التوفيق والهداية. نعم.
المقدم: اللهم آمين جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! أختنا لم تذكر رضا الله سبحانه وتعالى وإنما ذكرت رضا الملائكة لعل لهذا شيء من التصحيح شيخ عبد العزيز؟
الشيخ: هذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا بات الرجل وهو غضبان على زوجته كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها) وفي اللفظ الآخر: (لعنتها الملائكة حتى تصبح) فالواجب على المرأة أن تطيع زوجها في المعروف إذا دعاها إلى فراشه ولا تغضبه إلا من علة، فإذا أغضبته وبات وهو غضبان عليها هذا فيه خطر عليها من غضب الله وغضب الملائكة جميعاً، فينبغي للمرأة أن تحذر هذا وأن تجتهد في طاعة زوجها، والتماس رضاه في المعروف لا في المعاصي، إلا أن تكون هناك علة كأن تكون مريضة مرضاً لا يمكنها من تمكينه من حاجته فهي معذورة، أو كان قصر في حقها ولم يقم بواجبها فلها المطالبة بحقها فإذا أدى حقها وجب عليها السمع والطاعة في أداء حقه.
والعمرة مثل الحج مثلما تقدم؛ لأنها فريضة على الصحيح فإذا لم يسمح لها بالعمرة فلها أن تؤدي العمرة بغير إذنه، وهي مرة في العمر كالحج، الحج مرة في العمر والعمرة مرة في العمر، والباقي نافلة.
ما الفرق بين الآيات الكريمة: في الآية الخامسة عشرة من سورة الجن قال الله تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:15]وفي الآية السابعة من سورة الممتحنة قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] وفي الآية الثانية والأربعين من سورة المائدة قال الله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42].
الجواب: القسط -الذي أمر الله بالحكم به-: هو العدل، والمقسطون: هم أهل العدل الذين يعدلون في حكمهم وفي أهليهم وفيما ولاهم الله عليه، يقال: أقسط إذا عدل في الحكم، وأدى الحق ولم يجر.
أما القاسط: فهذا هو الجائر والظالم، يقال له: قسط يقسط قسطاً فهو قاسط إذا جار وظلم، ولهذا قال تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:15] يعني: وأما الظالمون الجائرون المتعدون لحدود الله، فهم الذين توعدهم الله بأن يكونوا حطباً لجهنم.
فأما المقسطون (بالميم) المقسطون: من أقسط من الرباعي فهؤلاء هم أهل العدل، هم الموفقون المهديون الذين يعدلون في حكمهم وفي أهليهم، وفيما ولاهم الله عليه، ولهذا قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42]يعني: يحب أهل العدل والاستقامة والإنصاف، ومن هذا قوله في الحديث الصحيح: (المقسطون على منابر من نور يوم القيامة، الذين يعدلون في حكمهم وفي أهليهم وما ولوا).
الجواب: هذه عادات لا أصل لها ولا أساس لها، بل هي من البدع ومن أمر الجاهلية، كونه يقيم وليمة إذا مات الميت يدعو إليها الجيران والأقارب ونحو ذلك، ويقيمونها بالبكاء أو بالقراءة أو نحو ذلك، هذه بدعة لا تجوز، وهكذا إقامتها على رأس الأربعين، أو على رأس الأسبوع أو على رأس الشهر أو على رأس السنة كلها من بدع الجاهلية، كلها مما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى.
وإنما المشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب والعزاء يعني: العزاء مما أصابهم أن يتعزوا بالله ويرضوا عما قدر عليهم سبحانه وتعالى، ويحتسبوا الأجر عنده عز وجل، ولا مانع من أن يصنعوا لأنفسهم الطعام العادي لأكلهم وحاجاتهم، وهكذا لو نزل بهم ضيف صنعوا له الطعام العادي لا بأس، أما أن يصنعوه من أجل الموت ومن أجل المأتم من أجل إقامة مأتم، يجمعون الناس ليقرءوا القرآن أو ليقرءوا الأحاديث أو الأشعار أو ليبكوا معهم وينوحوا معهم، كل هذا من البدع المحدثة وليس له أصل في الشرع المطهر.
ويشرع لأقاربهم وجيرانهم ونحو ذلك أن يصنعوا لهم طعاماً يرسلونه إليهم؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة فإذا صنع لهم جيرانهم أو بعض أقاربهم طعاماً يوم الموت أو اليوم الثاني أو نحوه، وأرسلوه إليهم جبراً لمصابهم وإعانة لهم على المصيبة لأنهم مشغولون، قد لا يتفرغون للطبخ، قد يكسلون عن ذلك لشدة المصيبة هذا أمر مشروع، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في مؤتة في الشام وجاء خبره إلى المدينة رضي الله عنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا طعاماً لأهل جعفر، قال: (اصنعوا لهم طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) يعني: ابعثوا لهم طعاماً من أهله صلى الله عليه وسلم إلى أهل جعفر لأنه قد أتاهم ما يشغلهم، يعني: يشغلهم عن صنع الطعام، فهذا أمر مشروع وليس فيه بأس.
السؤال: أخونا (ع. س) أيضاً يسأل -سماحة الشيخ- ويقول: ما رأيكم في حجاب كبيرات السن هل هو كغيرهن أو لا؟
الجواب: الكبيرات في السن قد سامحهن الله وعفا عنهن، إذا كن لا يرجون النكاح ولا يتبرجن بالزينة، مثلما قال سبحانه وتعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60] فالقواعد: هن العجائز كبيرات السن اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا ما عندهن رغبة في النكاح لكبر السن وضعف القوة، قال الله: فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ يعني: حرج أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ يعني: أن يكشفن عن وجوههن وأيديهن لأنهن لا رغبة للناس فيهن ولا طمع للرجال فيهن، بشرط أن لا يكن متبرجات بزينة، أي: يلبسن الملابس الجميلة، ويعتنين بهذا الأمر كالكحل وتحسين الوجه، ولبس الملابس الجميلة، إذا كن يفعلن ذلك فعليهن جناح ليس لهن الكشف، وعليهن التستر والحجاب.
أما إذا كن لا يتبرجن بالزينة بل أمرهن عادي، الوجه عادي واللباس عادية، اللباس عادي فلا بأس بالكشف لعدم الرغبة فيهن، ولكن عدم الكشف أفضل حتى ولو كن كبيرات ولو كن غير متبرجات، ولو كن لا يرجون النكاح كونهن يتعففن أولى، ولهذا قال: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ يعني: وأن يستعففن ولا يظهرن شيئاً إلا ما أباح الله إظهاره كالملابس الظاهرة هذا لا بأس به، فهذا أفضل لهن وخير لهن. نعم.
الجواب: إذا لم يكن هذا عن اتفاق وإنما هو شيء بذله البنك الذي تحول من طريقه الرواتب، أعطى الموظفين هذه الزيادة من دون مشارطة ولا اتفاق بينه وبين الدولة ولا بينه وبين أهل الرواتب إنما هو شيء منه، بالنظر إلى أنه انتفع بها واستفاد منها، فهذا لا يضر ولا حرج على صاحب الراتب في أخذه.
أما إذا كان عن اتفاق بينه وبين الدولة على أنها تحول من طريقه الرواتب وأنه يعطي بدلاً من هذه الرواتب يعطي زيادة في مقابل انتفاعه بها فإذا حولوا من طريقه مثلاً مائة ألف دولار، أعطى أهلها مع المائة ألف، ألف دولار زيادة من اتفاق بينه وبين الدولة، أو بينه وبين الموظفين لو كان الأمر باختيارهم هذا يكون من الربا، أما شيء ليس باختيار الموظفين وليس من عمل الدولة، لم تشرط عليهم الدولة هذا الشيء، وإنما هم بذلوه فقط من أجل أنهم انتفعوا بهذه الدولارات أو بهذه الدراهم أو الجنيهات أو نحو ذلك هذا لا بأس به، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن خيار الناس أحسنهم قضاء) الذي انتفع بمالك وأعطاك شيئاً من نفسه عن طيب نفس من دون شرط منك فلا حرج في ذلك.
فلو أنك أقرضت إنساناً مائة ألف قرضاً حسناً من دون مشارطة في شيء، ثم لما قضاك المبلغ زادك شيئاً مكافأة حسنة شكراً لك على إقراضك إياه، هذا لا حرج فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن خيار الناس أحسنهم قضاء) وقد اقترض النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً فرد ثمانين ألفاً كما ذكر ذلك ابن القيم وجماعة.
فالحاصل: أنه إذا كان القرض ليس فيه مشارطة وإنما أقرضته شيئاً فلما قضاك زادك فهذا لا بأس به، أما أن يزيد يعطيك قبل الوفاء حتى تمهله فلا يجوز، أو تشترط عليه قبل ذلك أنه يعطيك كذا وكذا هذا ربا، أما إذا كان عند الوفاء أعطاك شيئاً من دون شرط ولا اتفاق ولا تواطؤ هذا ليس من الربا في شيء، وإنما الربا الذي نهى عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت السنة به وجاء القرآن به أيضاً هو الشيء المتواطئ عليه والمتفق عليه أنك تؤجله ويعطيك زيادة عن التأجيل، أو يهدي لك هدايا حتى تمهله حتى تؤخر كما قال عبد الله بن سلام وزيد بن ثابت وابن مسعود وجماعة قالوا: إذا كان لك على شخص دين فأهدى إليك حمل قت أو كذا أو كذا فلا تقبله فإنه ربا؛ لأنه إنما أهدى إليك حتى تمهله حتى تنظره، فكأنه يقول: أمهلني ولك كذا وكذا، فهذا من ربا الجاهلية.
أما هو لما قضى دينك لما أعطاك وأوفاك زادك من عنده شيئاً من دون مواطأة منك ولا شرط منك بل مجرد إحساناً منه، مجرد مكافأة فلا حرج في ذلك.
وهكذا هؤلاء الذين تحول لكم الرواتب من طريقهم إذا أعطوكم ذلك من دون مشارطة ولا تواطؤ لا منكم ولا من الدولة فلا حرج في ذلك.
الجواب: الواجب في إثبات الأهلة في الحج وفي رمضان الواجب هو الرؤية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) في عدة أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وذكر بيديه الثنتين.. بسط يديه الثنتين وكررها ثلاثاً يعني: ثلاثين (وهكذا وهكذا وهكذا وخنس واحدة) خنس الإبهام، يعني: تسعاً وعشرين (فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) في لفظ: (فأكملوا ثلاثين) في لفظ آخر: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) في لفظ ثالث: (فصوموا ثلاثين) هكذا أوضح النبي عليه الصلاة والسلام.
أما الحساب فلا يعتمد ولا يجوز التعويل عليه، وقد نبهنا على هذا غير مرة وكتبنا في هذا مرات كثيرة، وذكر أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله أن العلماء أجمعوا على أن الحساب لا يعتمد في إثبات الأهلة، وإنما العمدة هو رؤية الهلال أو إكمال العدة فإذا رئي شعبان -مثلاً- ليلة الأحد وجب إكماله فيكون الصوم بالثلاثاء لأن كماله يوم الإثنين، والصوم بالثلاثاء، إذا لم ير الهلال ليلة الإثنين ولو قال الحاسبون: إنه يدخل يوم الإثنين، ما عليه عمل، وكذلك لو قال الحاسبون: إنه لا يدخل إلا يوم الأربعاء فلا عبرة بقولهم، يصام بالثلاثاء؛ لأنا كملنا شعبان ثلاثين؛ لأنه دخل ليلة الأحد فإذا لم ير ليلة الإثنين كملناه ثلاثين لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) (فأكملوا العدة ثلاثين) وقد أكملنا بحمد الله ثلاثين وهكذا.
فالمقصود أنه لا يعول على الحساب وعلى قول الحاسبين، وإنما التعويل على الرؤية، هكذا أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا درج سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، وهكذا نقل الإجماع على ذلك من ذكرنا وهو أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام وبين ذلك آخرون من أهل العلم.
وأما وجود من خالف في هذا من المتأخرين فلا يلتفت إليهم، ولو كانوا كباراً ولو كانوا علماء لا يلتفت إليهم في هذا الأمر؛ لأنهم خالفوا السنة والله سبحانه يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] وهذه المسألة إذا ردت إلى كتاب الله فالله يقول: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92] ويقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ويقول سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] ويقول عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] هكذا جاء في كتاب الله العظيم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الأحاديث: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن غمي عليكم فأكملوا العدة) وفي لفظ آخر: (لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكلموا العدة، فإن غبي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)فهذا أصرح شيء وأبينه في كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن يعول على ما يخالف ذلك، والله ولي التوفيق.
السؤال: أخونا من تشاد محمد أحمد شوي -فيما يبدو- وهو مقيم في جدة، عرضنا سؤالاً له في أول الحلقة وهو يسأل الآن ويقول: عندنا أناس كثيرون متمسكون بطريقة التيجانية، وأنا سمعت في برنامجكم أن الطريقة التيجانية مبتدعة لا يجوز اتباعها، لكن أهلي عندهم ورد الشيخ أحمد التيجاني وهي صلاة الفاتح، ويقولون: إن صلاة الفاتح هي الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأسأل الآن: هل صلاة الفاتح هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ أرجو توضيح ذلك حيث يقولون: إن من كان يقرأ صلاة الفاتح وتركها يعتبر كافراً، ويقولون: إذا ما كنت تتحمل هذا وتركتها ما عليك شيء، وإذا تحملتها وتركتها تعتبر كافراً، وقد قلت لوالدي: إن هذا لا يجوز، فقالوا: أنت وهابي وشتموني. ويستمر على هذا المنوال سماحة الشيخ ويرجو منكم التوجيه والإرشاد؟
الجواب: الطريقة التيجانية لا شك أنها طريقة مبتدعة ولا ينبغي لأهل الإيمان أن يتبعوا الطرق المبتدعة لا التيجانية ولا غيرها، بل الواجب اتباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، يعني: قل يا محمد! للناس: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويقول سبحانه: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3] ويقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ويقول عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]والسبل: هي الطرق المحدثة من البدع والأهواء والشبهات والشهوات المحرمة، فالله أوجب علينا أن نتبع صراطه المستقيم وهو ما دل عليه كتابه العظيم القرآن، وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام الصحيحة الثابتة.
هذا هو الطريق الذي يجب اتباعه أما طريق التيجاني أو الشاذلي أو فلان أو فلان أو فلان فهذا لا يجب اتباعه ولا يجوز اتباعه إلا ما وافق شرع الله منه، ما وافق شرع الله من هذه الطرق قبل؛ لأنه موافق لشرع الله لا لأنه طريق التيجاني أو الشيخ عبد القادر أو الشاذلي أو فلان أو فلان لا، نأخذه ما في الطريقة من خير نأخذه لأنه وافق الشرع المطهر، وما في هذه الطرق من أشياء تخالف شرع الله يجب تركه.
وصلاة الفاتح هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما ذكروا، لكنها صيغة لم ترد عن الشارع، حيث قالوا فيها: اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، والناصر للحق بالحق، هذا لفظ اخترعوه من أنفسهم ليس له أصل في.. ومعناه صحيح، المعنى صحيح لكن الشيء الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه الأمة يكون أفضل، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه: كيف يصلون عليه، قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وبصيغة أخرى قال لهم صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وفي لفظ ثالث قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) فهذه الألفاظ التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء في معناها هي الصلاة التي ينبغي الأخذ بها واستعمالها.
أما صلاة الفاتح وإن صح معناها في الظاهر لكن العدول عما بينه النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه الأمة، فيه نظر وفيه نوع من الإعراض عما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام، فكأن التيجاني أعلم بما شرع الله وأولى بما ذكر هو مما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلمه الأمة وأرشدهم إليه.
ولا ينبغي لعاقل أن يقول هذا الكلام، ولا ينبغي لمسلم أن يقول هذا الكلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعلم بما ينفع أمته، وأعلم بما هو أقرب إلى رضا الله، وأعلم بالشرائع؛ لأنه المعلم المبلغ الذي يأتيه الوحي من السماء عليه الصلاة والسلام، فهو أعلم بما شرع الله وهو أعلم بما يرضي الله، وهو أعلم بالألفاظ المناسبة من غيره عليه الصلاة والسلام.
ثم في قوله: الفاتح لما أغلق فيه شيء من الإجمال، قد يقال: إنهم أرادوا بذلك، يعني: من النبوة لما انقطعت برفع عيسى عليه الصلاة والسلام انفتحت ببعثه صلى الله عليه وسلم فيكون حقاً، وقد يكون أرادوا شيئاً ما بينوه ولا أوضحوه، فإن الفاتح لما أغلق فيه إبهام فإن كانوا أرادوا بذلك أنه فتح النبوة يعني: أن الله فتح به النبوة بعدما أغلقت برفع عيسى عليه الصلاة والسلام، وأنه ليس بعد عيسى نبي إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا معنى صحيح، هو النبي بعد عيسى مثلما قال صلى الله عليه وسلم: (ليس بيني وبينه نبي) يقول صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي) عليه الصلاة والسلام فهذا معنىً صحيح، وإن كانوا أرادوا بقولهم: (الفاتح لما أغلق) معنىً آخر فلم يبين حتى ينظر فيه.
أما الخاتم لما سبق فهذا صحيح هو الخاتم للنبوة، خاتم الأنبياء، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
وهو أيضاً نصر الحق بالحق عليه الصلاة والسلام وهدى إلى الصراط المستقيم كل هذا حق.
إنما الإجمال في قولهم: الفاتح لما أغلق، هذه فيها بعض الإجمال.
وبكل حال: لو كانت في غاية من السلامة وليس فيها شيء من الإجمال، فاستعمال اللفظ الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه ودل عليه الأمة أولى وأولى، فلا ينبغي للأمة أن يعدلوا عن شيء قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وأرشد إليه وهو المعصوم فيما يبلغه عن الله عز وجل، وهو أنصح الأمة وأنصح الناس وأعلم الناس بشرع الله، ما ينبغي للعاقل من المسلمين أن يعدل عما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء قاله غيره، سواء كان القائل أحمد التيجاني أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو فلان أو فلان أو حتى من الصحابة، ولو كان من الصحابة ولو كان أبو بكر الصديق ، وهو أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رضي الله عنه، فلو قال الصديق كلمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وأرشد إليها لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدماً على أبي بكر وعلى عمر وعلى عثمان فكيف لا يقدم على من كان في القرن الثاني عشر وهو أحمد التيجاني .
رزق الله الجميع التوفيق والهداية. نعم.
المقدم: سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا فهد العثمان . شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر