مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة، نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العليمة والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: شيخ عبد العزيز اجتمع لي في هذه الحلقة ثلاث رسائل يسأل أصحابها عن تارك الصلاة: فأخونا أحمد عبد الله أحمد علي من جمهورية مصر العربية، ويقيم وقت كتابة رسالته في الطائف، أخونا يقول: سمعت في برنامج نور على الدرب المذاع في (25/ صفر / 1407هـ) من أحد المشايخ، بأنه إذا عقد المسلم عقد النكاح على إحدى الفتيات المسلمات وهي لا تصلي يكون العقد باطلاً ولو صلت بعد الزواج، وعندنا في قرى مصر (50%) لا يصلون قبل الزواج وخاصة البنات، أرجو من سماحتكم توضيحاً كاملاً لهذا السؤال جزاكم الله خيراً.
أما أخونا (م. ل) من بنجلادش فيسأل أيضاً نفس السؤال عن أولئك الذين لا يصلون ولا سيما إذا كانوا من قرابته.
ثم هناك مستمعة تقول الراسلة (ع. م) من المملكة، أختنا تسرد جملة صفات في أخت لها ومن أسوئها تركها للصلاة، ثم أيضاً تقول: إن حتى والدتها لا تصلي إلا إذا أتت عندها في البيت. كل هؤلاء يرجون سماحة الشيخ التوجيه بخصوص هذا الركن الثاني من أركان الإسلام لو تكرمتم.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد دل الكتاب والسنة على أن الصلاة أهم عبادة وأعظم عبادة بعد الشهادتين، وأنها عمود الإسلام، وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] الآية من سورة البقرة، وقال سبحانه أيضاً في سورة البقرة: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] وقال في سورة براءة (التوبة) لما ذكر قتال المشركين قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله بل يقاتل، قال جل وعلا: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] دل على أن من لم يصل ليس بأخ في الدين.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) وصح عنه أيضاً عليه الصلاة والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) والتعبير بالرجل لا يخرج المرأة فإن الحكم إذا ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك، وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل، إلا بدليل يخص أحدهما.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على أن تارك الصلاة يكون كافراً من الرجال والنساء بعد التكليف.
وثبت في الحديث الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي هل نقاتلهم؟ قال: (لا، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وفي لفظ آخر قال: (ما أقاموا فيكم الصلاة) فدل على أن من لم يقم الصلاة قد أتى كفراً بواحاً.
وقد اختلف العلماء في هذه الأحاديث، فقال بعضهم: إنها على الزجر والتحذير والترهيب وليس المراد الكفر الأكبر، بل المراد كفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء، وقالوا: إنه كفر دون كفر.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أن المراد به الكفر الأكبر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) والكفر متى عرف، والشرك متى عرف فالمراد به الكفر الأكبر والشرك الأكبر، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فدل ذلك على أنه أراد الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه عليه الصلاة والسلام على أمر واضح وهو أمر الصلاة، فإن أمر الصلاة أمر عظيم وهي عمود الإسلام فكون تركها كفراً أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة. فهذا يدل على أنه يرونه الكفر الأكبر؛ لأن هناك أشياء يعرفون أنها كفر لكنها كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، مثل القتال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) هذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن كفراً بكم تبرؤ من آبائكم) وقوله عليه الصلاة والسلام: (اثنتان في الناس هما بهما كفر: النياحة والطعن بالنسب) هذا كله معناه كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكراً ودلت الأدلة الأخرى على أن المراد به غير الكفر الأكبر.
بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أول ركن بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وقد بين الرب عز وجل لما شرع قتال الكفار قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] فدل على أنهم لا يخلى سبيلهم وهم يتركون الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: (نهيت عن قتل المصلين) فدل على أن من لم يصل يقتل.
والخلاصة: أن القول الصواب والذي تقتضيه الأدلة هو أن ترك الصلاة كفر أكبر، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة وليس المناط كثرة القائلين، الحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) فيفسره قوله في الحديث الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام) فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة؛ ولأن من لم يقم الصلاة ما أدى حق التوحيد، فالمراد بقول: لا إله إلا الله وأنها تعصم من قالها إذا التزم بحقها، ومن حقها أن يؤدي الصلاة؛ ولأن الموحد الذي يقول: لا إله إلا الله إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام لم ينفعه قول: لا إله إلا الله، فلو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم جحد وجوب الصلاة كفر إجماعاً، أو جحد وجوب الزكاة كفر إجماعاً، أو جحد وجوب صوم رمضان كفر إجماعاً، أو سب الدين كفر إجماعاً، أو سب الرسول كفر إجماعاً، أو استهزأ بالدين كفر إجماعاً، ولم ينفعه قول: لا إله إلا الله، فعلم بذلك أن إتيانه بالتوحيد والشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة إنما ينفعه إذا لم يأت بناقض من نواقض الإسلام، فأما إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام فإنه لا تنفعه الشهادة، كالأمثلة التي ذكرنا، كسب الدين، كالاستهزاء بالدين، كجحد وجوب الصلاة، كجحد وجوب الزكاة، كالاستهزاء بدين الله.
ولو أن إنساناً يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم ويتعبد ثم جحد تحريم الزنا، قال: الزنا حلال، كفر عند جميع المسلمين، أو قال: إن الخمر حلال كفر عند جميع المسلمين، أو قال: إن اللواط حلال كفر عند جميع المسلمين، أو بال على المصحف متعمداً أو وطئه برجله متعمداً استهانة له، أو جلس عليه استهانة له كفر عند جميع المسلمين، باستهانته بكتاب الله، ولم ينفعه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فكيف يستنكر أن يكون كافراً بترك الصلاة إذا تركها وتساهل بها، وهي أعظم أركان الدين وأهمها بعد الشهادتين؟!
ليس هذا بمستغرب؛ ولهذا القول الصواب أن المسلم إذا تزوج امرأة لا تصلي فالنكاح باطل، وهكذا إذا تزوجت المسلمة إنساناً لا يصلي فالنكاح باطل، فمتى تاب إلى الله جدد العقد، متى تاب الذي لا يصلي يجدد العقد.
أما إذا كانا جميعاً لا يصليان فالنكاح صحيح، لأنهما كافران جميعاً، نسأل الله السلامة، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
الجواب: الواجب نصيحتهم وتخويفهم من الله عز وجل تحذيرهم من مغبة أعمالهم الخبيثة، فإن تابوا فالحمد لله وإلا وجب هجرهم، لا يزارون ولا تجاب دعوتهم، ولا يدعون إلى وليمة ولا غيرها بل يهجرون حتى يتوبوا إلى الله، هكذا ذكر أهل العلم، يجب هجرهم؛ لأنهم أتوا منكراً عظيماً حتى يوفق الله ولاة الأمور لإقامة الحد عليهم باستتابتهم، فإن تابوا وإلا وجب على ولي الأمر قتلهم، وهذا لا إشكال فيه وهو الذي عليه جمهور أهل العلم، أن من لم يتب يقتل، إذا ترك الصلاة واستتيب ولم يتب فإنه يقتل لقوله سبحانه: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] فدل على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إني نهيت عن قتل المصلين) فدل على أن من لا يصلي لا يترك بل يقتل إذا لم يتب، في أدلة كثيرة دلت على هذا المعنى. نعم.
أما الوالدة فلها شأن، الوالدة والوالد لهما شأن، يجتهد في نصيحتهما ولكن لا يهجرهما، الوالدان لهما حق عظيم ولو كانا كافرين؛ لأن الله قال جل وعلا في حق الوالدين الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ثم قال بعدها: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] فأمر بمصاحبتهما في الدنيا معروفاً مع أنهما كافران، وما ذاك إلا لعظم حق الوالدين، فالولد إذا كان أبوه لا يصلي أو أتى بكفر آخر أو أمه كذلك فإنه ينصحهما كثيراً ولا يقطعهما بل يحسن إليهما، ويجتهد في دعوتهما إلى الخير والإسلام والاستقامة لعل الله يهديهما بأسبابه، وبكل حال يتلطف معهما، ويحسن إليهما ويدعوهما إلى الخير، حتى يموتا أو يهديهما الله.
الجواب: مثلما تقدم، إذا كان الزوج لا يصلي والمرأة لا تصلي صح نكاحهما؛ لأنهما إما مسلمان عند الجمهور، أو كافران على القول الصحيح، فهما مستويان فنكاحهما صحيح، وإنما الخلاف إذا كان أحدهما لا يصلي والآخر يصلي، يعني: الآخر مسلم والثاني ليس بمسلم، بسبب تركه الصلاة، هذا هو محل الخلاف، والصواب: أنه لا يصح النكاح كما تقدم، بل يجب التجديد إذا تاب من لا يصلي.
الجواب: نسأل الله أن يهدي ولاة الأمور في كل مكان، وينبغي بل الواجب على والد البنت وعلى والدتها وعلى إخوتها الطيبين أن يعلموها ويرشدوها ويفقهوها حتى لا تدع الصلاة، وهكذا الشاب ينصح ويوجه ولو بالتأديب ولو بالضرب، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اضربوهم عليها لعشر) فكيف بالكبير؟ الكبير يضرب ويقتل أيضاً، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، لكن من جهة ولي الأمر لا من جهة أفراد الناس، أما الأدب أبوه يؤدب ويؤدبها أيضاً، يضربها ويضربه حتى يصليا، أخوهما الكبير كذلك أو عمهما إذا استطاع يؤدبهما كذلك، أما القتل فليس لأحد إلا لولاة الأمور بعد الاستتابة. نعم.
المقدم: إذا كان ولي الأمر لا يقيم شأناً لمثل هذه الأمور سماحة الشيخ كيف يتصرف المسلمون؟
الشيخ: ليس لهم حيلة إلا هذا النصيحة والتأديب من القادر، لا يقتل، إنما ينصح ويؤدب إذا كان له قدرة كالأب والعم والأخ الكبير والمسلمون جميعاً ينصحون ويوجهون.
الجواب: الواجب على أبيهن أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يلاحظهن ويعتني بهن، ويزورهن كثيراً، ويتفقد أحوالهن هذا الواجب عليه، هو مسئول وهو وليهن فعليه أن يتقي الله في ذلك وأن يجتهد في تزويجهن إذا خطبهن من يصلح لهن من المسلمين، عليه أن يجتهد ولو كان ليس بكامل ولو كان عنده شيء من المعاصي، ما دام مسلماً فإنه يزوجهن؛ لأن تركهن بدون زواج فيه خطر كبير، فإذا شاورهن أو أخبرهن بحاله ورضين زوجهن، لكن لا يزوجهن بكافر يزوجهن بمسلم، وإن كان هناك شيء من النقص من بعض المعاصي، لكن إذا وجد الطيب إذا وجد الكفء الذي هو سليم مستور ليس عنده معاصي فهو مقدم على غيره، وهو الغنيمة العظيمة، لكن بكل حال عليه أن يعتني ويقدم الأفضل فالأفضل من المسلمين الخاطبين، ويجتهد في الحرص على سترهن وبعدهن عن الفتنة وعن أسباب الفتنة، وعلى الجدة كذلك أم الأب أن تساعد في هذا الخير، وأن تقول لابنها: اتق الله في بناتك، وإذا كان لهن أعمام كذلك، ينصحون والد البنات، ويجتهدون في توجيهه إلى الخير حتى لا يهمل بناته، هذا هو الواجب التعاون على الجميع، التعاون على البر والتقوى، وإذا كانت أمهن موجودة كذلك تنصح أباهن بالكلام الطيب بالأسلوب الحسن حتى لا يسبب طلاقاً يجتهد، تجتهد المرأة التي هي أمهن والجدة التي هي أم أبيهن، وهكذا إذا كان لهن عمات أو أعمام يشتركون في هذا الخير.
الجواب: الحجاب فيه تفصيل، أما كونها تستر شعرها وبدنها كله إلا الوجه والكفين فهذا لازم عند أهل العلم، وهكذا القدمان عند جمهور أهل العلم، عليها سترهما عن الرجال، هذا محل ليس محل خلاف كونها تستر شعرها وبدنها وصدرها وجميع بدنها حتى القدمين هذا واجب على النساء عن جميع الرجال الأجانب حتى ابن عمها، وحتى ابن خالها الأجنبي، عليها أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين هذا محل الخلاف، وهكذا القدمان فيهما خلاف يسير والذي عليه جمهور أهل العلم أن الواجب سترهما أيضاً.
أما الوجه والكفان فقد نازع بعض أهل العلم في ذلك وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجب سترهما عن الأجانب إذا كان الوجه ليس فيه محسنات، لا مكياج ولا كحل ولا شيء من أنواع الجمال الذي تأتي به المرأة يعني المستجلب، وهكذا الكفان إذا كان ليس فيهما شيء من الحلي، قال بعض أهل العلم: إنهما ليس بعورة في هذه الحالة إذا كان الوجه ليس فيه ما يدعو إلى الفتنة من كحل أو زينة أخرى، والكفان ليس فيهما زينة أيضاً من حلي أو نحوها، هذا قول بعض أهل العلم.
والقول الآخر: أنهما أيضاً يجب سترهما عن الأجانب، وهذا هو القول الراجح، والأدلة على هذا القول كثيرة؛ لأن الوجه زينة المرأة وعنوانها، جمالاً ودمامة، فالواجب ستره إلا عن المحارم أو الخاطب الذي يريد أن ينظر إليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أذن للخاطب أن ينظر، وأما ما سوى ذلك فالواجب ستر الوجه والكفين حذراً من الفتنة.
ومن الأدلة على هذا قوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] وإن كانت الآية في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فالحكم عام إلا بدليل يخصهن؛ ولأن العلة عامة ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فإذا كان أطهر لقلوب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فغيرهن أحوج إلى ذلك؛ لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أتقى لله وأكمل إيماناً ممن بعدهن، فإذا كان الحجاب أتقى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأطهر للقلوب فما بعدهن في أشد الحاجة إلى ذلك.
ولأن الرب عز وجل لم يستثن لم يقل: إلا الوجه والكفين بل أطلق، وهكذا قوله سبحانه: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] ولم يقل: إلا الوجه والكفين بل أطلق، وأما قوله في أول الآية: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] فقد فسره ابن مسعود بأن المراد: الملابس التي تلبسها المرأة، وأما ما يروى عن ابن عباس وجماعة أن المراد به: الوجه والكفان فهذا محل نظر؛ لأن بعض أهل العلم قالوا: إن المراد بذلك قبل الحجاب، مراد ابن عباس ما كان قبل الحجاب.
وقال آخرون: أن مراده بعد الحجاب، وبكل حال فقول ابن مسعود يعارض قول ابن عباس ، فإذا تعارض القولان وجب تحكيم الأدلة والرجوع إلى الأدلة، والله يقول سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] فإذا رجعنا إلى كتاب الله وإلى حكمه وجدناه سبحانه يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ومن استثنى عليه الدليل، وهكذا قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] والجلباب: ثوب تطرحه المرأة على رأسها وبدنها للستر، ولم يستثن من ذلك الوجه.
ثالثاً: قوله سبحانه: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، ولم يستثن شيئاً، ومعلوم أن الوجه من الزينة بل هو أعظم الزينة، فتقرر بهذا وجوب ستر الوجه والكفين حذراً من الفتنة.
وقد يحتج بعض من أجاز الوجه والكفين بحديث ضعيف رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت علي
الوجه الأول: أنه ضعيف لعدة علل: العلة الأولى أنه لم يثبت عن عائشة بل هو منقطع، لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة ولم يسمع منها، والحديث المنقطع لا يحتج به بل هو ضعيف.
العلة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج به عند أهل العلم.
العلة الثالثة: أنه من رواية قتادة عن خالد بن دريك وهو مدلس ولم يصرح بالسماع من خالد ، والمدلس إذا روى بالعنعنة لا يحتج به، هذه ثلاث علل.
وهناك علة رابعة: وهي أن الحديث لم يصرح أنه بعد الحجاب، فقد تكون هذه القضية قبل الحجاب، قبل أن ينزل الحجاب، فلهذا لو صح كان تكشف الوجه والكفين؛ لأن النساء كن قبل الحجاب يكشفن عن وجوههن وكفيهن، هكذا كان قبل الحجاب.
وعلة خامسة عندي أنها أيضاً وجيهة: وهي أنه يستغرب جداً أن تكون أسماء زوج الزبير بن العوام وهي أكبر من عائشة وقد تفقهت في الدين بنت أبي بكر الصديق تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق ترى منها العورة هذا بعيد على أسماء ، فهو يدل على نكارة في المتن، وأنه منكر وغير صحيح؛ لأن تقواها لله وإيمانها بالله وتقدمها في الإسلام والهجرة، كل ذلك يقتضي أن تكون في غاية من البعد عن هذه الصفة، والله المستعان. نعم.
المقدم: نفع الله بعلمكم وجزاكم الله خيراً، إذاً الزوج الذي ينهى زوجته عن الحجاب يعد مخطئاً ولا شك؟
الشيخ: لا شك أنه غالط نسأل الله أن يهديه، قد يكون جاهلاً فيعلم، ونسأل الله له الهداية، نعم، لكن لا يلزمها طاعته (إنما الطاعة في المعروف) يقوله النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: جميع المشاكل التي تقع بين الأسر إذا كانت مشاكل لا تخالف النصوص وإنما هي عادية بين الناس، ويكون حلها من طريق اتفاقهم عليها لا بأس، فالأمور العادية والعرف العادي في المآكل أو مشارب أو أنواع الملابس أو ما أشبه ذلك، أما مشكلة قد جاء النص بإيضاحها من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد بينها الله عز وجل أو رسوله فلا قول لأحد يخالف شرع الله، من قال بخلاف الشرع لا يطاع (إنما الطاعة في المعروف) كالسفور أو التبرج في الأسواق أو وقوف مواقف التهم أو ما أشبه ذلك كل هذه الأمور الشرع قضى فيها، فالواجب الالتزام بعمل الشرع، فلا يجوز للمرأة أن تتبرج بين الرجال، ولا يجوز لها أن تبدي زينتها، ولا يجوز لها أن تقف مواقف التهم، وهكذا الرجل ليس له أن يقف مواقف التهم.
فالمقصود أن هذه أمور حلها الشرع، وبينها الشرع، فالواجب التزام الشرع. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم، سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير.
الشيخ: نسأل الله ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا: خالد منور خميس . شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر