مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، وعلى بركة الله نستعرض بعضاً من رسائل السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من ليبيا باعثها أحد الإخوة من هناك يقول: إبراهيم محمد العبدلي ، أخونا له مجموعة من الأسئلة:
في سؤاله الأول يقول: هناك بعض الناس يقولون بأن الخطوط التي في كفي يدي الإنسان إنها على شكل رقمين (18) في اليد اليمنى و(81) في اليد اليسرى والمجموع تسعة وتسعين ويقول: إنها بعدد أسماء الله الحسنى، فهل لهذا أثر صحيح؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الذي قاله بعض الناس لا أصل له، ولم يبلغنا عن أحد من أهل العلم أنه قاله، بل هو شيء مؤتفك لا أصل له ولا ينبغي التعويل عليه.
الجواب: هذه من خرافات الناس وضلالهم، وقد يدعيها بعض الصوفية الذين يزعمون أنهم لهم كرامات يستطيعون بها أن يصلوا إلى مكة من دون سيارات ولا طائرات ولا غير ذلك، هذه من خرافاتهم وضلالاتهم، وقد يكون لبعضهم اتصال بالجن وخدمة للجن وعبادة للجن فتحمله الجن إلى مكة وإلى غيرها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله وغيره.
هذا قد يقع لبعض عباد الجن وخدمة الجن، وهؤلاء لا عبرة بهم ولا يعول عليهم؛ لأن من عبد الجن هو من المشركين وحجه باطل.
فالحاصل أن هذه الأخبار إما أن تكون من قبيل الخرافات التي يقولها الصوفية وأشباههم من يزعم أنه ولي وأن له كرامات وهو يكذب، وإما أن يكون من أولياء الشيطان ممن تحمله الشياطين وتنقله من مكان إلى مكان؛ لأنه عبدها وأطاعها، فلما خدمها وعبدها خدمته في نقله من مكان إلى مكان، نسأل الله العافية.
الجواب: لا نعلم في هذا بأساً أنها توضع مع القمائم لا بأس في ذلك ولا نعلم في هذا حرجاً، الأظفار والشعور التي تسقط من الإنسان توضع في القمائم أو تدفن كله واسع.
الجواب: ليس للغياب مدة معلومة، ولم يحدد الشارع عليه الصلاة والسلام لغيبة الرجل عن زوجته مدة معلومة فيما بلغنا، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه حدد لبعض الجنود ستة أشهر ثم يرجعون إلى نسائهم وهذا من اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه فيما يتعلق بالغزاة.
فإذا مكث الرجل عن زوجته ستة أشهر في طلب الرزق أو في طلب العلم ثم رجع إليهم وزارهم شيئاً من الزمن ثم رجع إلى عمله فهذا حسن إن شاء الله وفيه تأس بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه، وفيه عناية بالأهل ولكن هذا لا يصلح في كل زمان، قد تكون الحاجة ماسة إلى أقل من هذه المدة، فالإنسان ينظر الأصلح ويتأمل فقد تكون زوجته ليس عندها من يقوم بحالها، وقد يخشى عليها من الفتنة، فينبغي له أن لا يبقى عنها ستة أشهر ولا خمسة أشهر بل ينبغي له أن يلاحظها بين وقت وآخر، ما بين شهر أو شهرين أو نحو ذلك أو ينقلها معه إذا استطاع ذلك فإن الوقت تغير والزمان تغير بتغير أهله، فقل بلاد اليوم تؤمن فيه الفتنة على المرأة.
فالحاصل أن المرأة على خطر بسبب تغير الأحوال وكثرة الشرور وكثرة أهل المعاصي والطامعين في النساء إلا من رحم ربك، فينبغي للمؤمن أن يجتهد في نقل زوجته معه إذا غاب أو يقلل الغيبة وتكون المدة قليلة حتى يرجع إلى أهله ويتفقد أحوالهم ويقضي وطره من أهله ثم يرجع إلى حاجته التي يضطر إليها.
والمقصود من هذا كله: العناية بالأهل والحرص على مراعاة أمورهم وشئونهم حتى لا تتخطفهم الشياطين وحتى لا تقع فتنة تكون عاقبتها الطلاق والفرقة.
الجواب: المرأة يباح لها من الحلي ما تدعو الحاجة إليه، الله أباح لها الحلي؛ لأنها في حاجة إلى التزين لزوجها، ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف:18]، فهي تنشأ في الحلية وتزين بالحلية حتى تكون أرغب للأزواج وحتى تكون عند زوجها مرغوبة محبوبة، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورهم).
فالمرأة محتاجة إلى التزين بالحلي، وإذا اقتصدت في ذلك واكتفت بما يكفي في الزينة ويرغب في اتصال الزوج بها وأنسه بها فهذا يعتبر شيئاً طيباً وحسناً.
أما القول بأن ما زاد على ما يبلغ النصاب يكون إسرافاً فهذا لا أعلم له أصلاً ولا دليل عليه، فلها أن تلبس ما يبلغ النصاب والنصابين والثلاثة وأكثر من ذلك، ثم هو مال تحفظه له ينفعها في المستقبل، الحلي مال ينفعها في المستقبل فلا حرج عليها في لبس ما دعت الحاجة إليه أو ما جرت العادة به في بلادها من قلائد أو أسورة أو خواتم أو غير هذا مما جرت به العادة، ولا نعلم بأساً في شيء من ذلك ولا نعلم حداً محدوداً لحلي المرأة، لكن متى بلغ النصاب عليها الزكاة في أصح قولي العلماء.
وفي القول الآخر: لا زكاة عليها فيما يلبس.
والقول الثاني: أن عليها الزكاة، هو الصواب وهو الأرجح لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لما دخلت عليه امرأة وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، قال: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله فيهما يوم القيامة بسوارين من نار؟ فألقتهما وقالت: هما لله ورسوله)، وكانت أم سلمة تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: (يا رسول الله أكنز هذا؟ قال: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز)، ولم يقل لها: إن الحلي ليس فيها زكاة.
أما ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في الحلي زكاة)، فهو حديث ضعيف عند أهل العلم لا يحتج به، فالزكاة واجبة في الحلي إذا بلغت النصاب، والنصاب من الذهب: عشرون مثقالاً، ومقداره بالجنيه السعودي: أحد عشر جنيه وثلاثة أسباع جنيه، يعني: إحدى عشر ونص، وبالجرام مقداره اثنان وتسعون جراماً بعد التحليل، فهذا هو النصاب، فإذا كان الذي عليها من الذهب يبلغ هذا ففيه الزكاة ربع العشر في كل ألف خمسة وعشرون ريـال، وفي المائة اثنان ونصف، وإذا كان الذي عليها أقل من ذلك فلا زكاة عليها، وإن كان أكثر فبالحساب، كل ما زاد فعليها ربع العشر، فإذا كان الذي عليها يبلغ أربعين ألفاً فعليها ألف واحد كل سنة وهكذا..
والفضة كذلك فيها الزكاة إذا بلغت النصاب؛ وهو مائة وأربعون مثقالاً، ومقداره بالدراهم ستة وخمسون ريال فضة بالذهب السعودي، إذا بلغت النقود الفضية ستة وخمسين وجبت فيها الزكاة، وهكذا ما يعادلها من العمل التي يتعامل بها الناس من الدولار والجنيه الاسترليني والجنيه المصري والريال السعودي.. وغير ذلك، متى بلغت النصاب من الذهب أو الفضة وجبت فيها الزكاة.
الجواب: الأضاحي التي يتولاها الوكيل سواء كان رجلاً أو امرأة ليس هو مضحياً، فلا حرج عليه أن يأخذ له من شعر شاربه، ويأخذ شعر إبطيه ويقلم أظفاره لا بأس، وهكذا المرأة، لها أن تكد شعرها، ولها أن تقلم أظفارها؛ لأنها غير مضحية، إنما هي وكيل، فالوكيل الذي على السبالة -وكيل الضحايا- الذي يضحي عن أمه أو عن أبيه أو عن أقاربه ليس عليه شيء من ذلك وهكذا المرأة، إنما الذي لا يأخذ هو الذي يضحي من ماله، يتبرع من ماله عن نفسه أو عن أهل بيته أو عن أبيه وأمه من ماله، يتقرب إلى الله بذلك، هذا هو الذي إذا دخلت العشر عشر ذي الحجة لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً سواء كان رجلاً أو امرأة إذا تبرع من ماله، يعني: أخرج من ماله ضحية عنه أو عن أبيه أو عن أمه، أو عنه وعن البيت، هذا هو السنة، فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته يعني: جلده، لا يأخذ شيئاً حتى يضحي بعد دخول الشهر؛ شهر ذي الحجة.
وإذا كان الرجل هو الذي يضحي عن أهل بيته كما هو المشروع، فإن أهله لا يلزمهم الحكم وإنما يلزمه هو، فإذا أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً، أما زوجته وبناته وأولاده فلا بأس أن يأخذوا؛ لأنه يضحي هو.
وأما قول بعض الفقهاء: يحرم على من يضحي أو يضحى عنه، فقولهم: (أو يضحى عنه) ليس عليه دليل، وإنما التحريم يختص بمن يضحي، يعني: بالذي يشتري الضحية من ماله أما الوكيل فلا، وأما زوجة المضحي فلا وهكذا أولاده المضحى عنهم لا حرج عليهم أن يأخذوا من الشعر أو من الظفر.
الجواب: هذا فيه التفصيل؛ لأن بعض الناس يشتبه عليه الأمر في هذا، إذا كان الرجل حين لبس الإزار والرداء، أو المرأة إذا لبست الثياب المعدة لإحرامها لم تلب ولم تنو الإحرام حتى الآن، يعني: لبس الإزار والرداء الرجل ليحرم، أو لبست المرأة ثياباً معدة وهي ما يلزمها ثياب معدة، أي ثوب تلبسه يكفيها، لكن لو أعدت ثياباً ليس فيها ما يلفت النظر غير جميلة أعدتها للإحرام فإنها لا تكون محرمة ولا يكون الرجل محرماً بلبسه الرداء والإزار إلا بالنية، إذا نوى الرجل أو المرأة الدخول في العمرة أو في الحج والشروع فيها فإنه يلبي حينئذ ولا يباح له بعد هذا أن يلمس طيباً ولا يقص ظفراً ولا شعراً بعد ذلك صار محرماً، بالنية صار محرماً.
فإذا استعد للإحرام بلبس الإزار والرداء، أو المرأة استعدت للبس ملابس أعدتها لذلك فإنها لا تكون محرمة إلا بالنية، فله أن يأخذ الطيب، ولها أن تأخذ الطيب قبل ذلك ولو كانت قد لبست الملابس المعدة للإحرام، ولو كان الرجل قد لبس الإزار والرداء له أن يتطيب وله أن يقلم أظفاره، وله أن يأخذ من شاربه أو من إبطه لا بأس حتى ينوي، فإذا نوى الدخول في الحج بقلبه أو نوى الدخول في العمرة بقلبه، وهكذا المرأة نوت الدخول في الحج أو في العمرة بقلبها فإنه في هذه الحال يلبي، فيقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجة، وهي تقول كذلك: لبيك عمرة، أو لبيك حجة عند النية، بعد نية الدخول في النسك الذي هو الحج والعمرة، بهذا إذا نوى هذه النية ودخل في النسك بنيته فإنه في هذه الحال لا يأخذ طيباً ولا يقلم ظفراً ولا يقص شعراً ونحوه مما حرم عليه، أما قبل ذلك فلا بأس.
والأفضل أنه لا يحرم إلا بعد ركوبه السيارة، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يلبي إلا إذا ركب دابته، فيفعل ما يحتاجه وهو في الأرض، يقص شاربه.. يقلم أظفاره.. يتطيب، ولو أن عليه الرداء والإزار، ولو أنها لبست ملابسها المعدة للإحرام، تفعل ما ترى من أمور الإحرام من نتف الإبط.. من قلم الظفر.. من تطيب والرجل كذلك يتطيب، يقلم ظفراً إلى غير هذا لا بأس، حتى يركب حين ركب نوى الدخول في العمرة أو نوى الدخول في الحج ثم لبى، وعند ذلك لا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره ولا يتطيب؛ لأنه دخل في النسك.
والخلاصة: أنه لا يكون محرماً ولا تكون المرأة محرمة إلا بنية الدخول في النسك، من حج أو عمرة، ثم يلبي بعد ذلك، أما كونها لبست الملابس المعدة للإحرام أو كونه لبس الإزار والرداء ليحرم فلا يكونان بذلك محرمين حتى ينويا بقلبهما الدخول في الحج أو في العمرة، ثم بعد هذا يلبيان، فينبغي الفرق وينبغي التفصيل، ونسأل الله للجميع التوفيق.
وبعد:
أنا سيدة متزوجة وعندي طفلان، والآن مرافقة لزوجي الذي يعمل في إحدى الدول العربية الشقيقة، وكنت أعمل في إحدى الجامعات وحاصلة على إحدى الدرجات العلمية، وأوشكت إجازتي أن تنتهي التي وافق العمل عليها لمرافقة الزوج، ولما يتطلبه عملي من حضور ومواصلة دراسة ولحبي لعملي وإحساسي أنني أقدم شيئاً في الحياة يدخر لي للآخرة، وليس لدنيا أو منصب أفكر في العودة إلى بلدي وعملي وبصحبة أطفالي معي، ولكني في نفس الوقت أخاف الله أن يكون في بعد أطفالي عن والدهم وأيضاً بعدي عن زوجي إجحاف وهضم حق لهم علي، أفيدوني أفادكم الله، أأرجع إلى عملي أم أستقيل وأمكث مع زوجي وأولادي وبذلك أنال ثواب الآخرة؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. والمرسلة إحدى الأخوات تقول: (س. م) من مصر.
الجواب: أولاً: لابد من سماح الزوج، فإذا سمح الزوج لك بالرجوع فانظري في الأصلح، فإن رأيت أن الأصلح الرجوع لدينك ودنياك وزوجك سامح فارجعي إلى بلدك أنت وأطفالك، أما إذا لم يسمح فلا ترجعي بل عليك السمع والطاعة، فابقي عند زوجك وعند أولادك واعملي ما يلزم من نصح للزوج وخدمته وخدمة الأولاد، واستعيني بالله على طاعته من القراءة والإكثار من قراءة القرآن وذكر الله، ومن الأعمال الصالحات حتى ترجعا جميعاً إن شاء الله.
أما إذا سمح زوجك وقال: لا بأس، فانظري في الأصلح، إن كان جلوسك عنده أصلح لك ولزوجك ولأولادك فاجلسي عنده ولو سمح لك، حتى يتمتع بك وحتى يطمئن إليك وحتى يبتعد عن أسباب الشر، وأنت كذلك تطمئنين إليه وتبتعدي عن أسباب الشر وتقومي بأطفالك في حضرة أبيهم وتحسني إليهم، هذا كله أنفع لكم جميعاً فيما يظهر وأصلح لكم جميعاً فيما يظهر، لكن متى اتفقت مع الزوج على الرجوع واتضح لك أنه أصلح لأمر ديني، في رجوعك ينفع الناس وهو سامح وليس عليه خطر من رجوعك فلا بأس أن ترجعي بأطفالك وتقومي بما يلزم هناك من الإحسان إلى أطفالك وتربيتهم التربية الشرعية الإسلامية، والدعاء لهم بالصلاح والدعاء لزوجك بالتوفيق ولا حرج في ذلك.
المقدم: بارك الله فيكم، لكن يرجح سماحة الشيخ عبد العزيز أن تبقى مع زوجها وبصحبة الأطفال أيضاً ليجتمع شمل الأسرة وليتربى الأطفال تربية صحيحة؟
الشيخ: نعم، نعم.
المقدم: ترجحون هذا؟
الشيخ: بدون شك.
الجواب: المؤمن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان ونظر الشرع ونظر التجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم فإن هجره حق، وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا هجر من أعلن المعاصي وأظهرها أقل أحواله أنه سنة، فإن كان عدم الهجر أصلح؛ لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين وإرشادهم إلى السنة وتعليمهم ما أوجب الله عليهم أن ذلك يؤثر فيهم وأنه يفيدهم فلا يعجل في الهجر، ومع ذلك يبغضهم في الله كما يبغض الكافر في الله، يبغض العصاة في الله على قدر معاصيهم وعلى قدر البدعة.
بغض الكافر أشد، وبغض المبتدع على قدر بدعته إذا كانت غير مكفرة على قدرها، وبغض العاصي على قدر معصيته، ويحبه في الله على قدر إسلامه.
أما الهجر ففيه تفصيل، يقول ابن عبد القوي رحمه الله في قصيدته المشهورة:
وهجران من أبدى المعاصي سنة وقد قيل أن يردع وأوجب وآكد
وقيل على الإطلاق ما دام معلنا ولاقـه بوجـه مكفهر مربد
وقوله: (وقيل على الإطلاق) يعني يجب الهجر مطلقاً.
فالحاصل: أن الأرجح والأولى النظر في المصلحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم هجر قوماً وترك آخرين لم يهجرهم مراعاة للمصلحة الشرعية الإسلامية، فهجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر هجرهم خمسين ليلة حتى تابوا فتاب الله عليهم، ولم يهجر عبد الله بن أبي ابن سلول وجماعة من المتهمين بالنفاق لأسباب شرعية اقتضت ذلك.
فالمؤمن ينظر في الأصلح وهذا لا ينافي بغض الكافر في الله وبغض المبتدع في الله وبغض العاصي في الله، ومحبة المسلم في الله ومحبة العاصي على قدر إسلامه، ومحبة المبتدع الذي لم يكفر ببدعته على قدر ما معه من الإسلام لا ينافي ذلك.
أما هجرهم فينظر في المصلحة، فإذا كان هجرهم يرجى فيه الخير لهم يرجى فيه أن يتوبوا إلى الله فيه من البدعة ومن المعصية فإن السنة الهجر، وقد أوجب ذلك جمع من أهل العلم.
وإن كان هجرهم وتركه سواء لا يترتب عليه لا شر ولا خير، فهجرهم أولى أيضاً إظهاراً للأمر المشروع وإبانة لما يجب من إظهار إنكار المنكر، فهجرهم في هذه الحال أولى وأسلم، وحتى يعلم الناس خطأهم وغلطهم.
والحالة الثالثة: أن يكون هجرهم يترتب عليه مفسدة وشر أكبر فإنه لا يهجرهم في هذه الحال، إذا كان هذا المبتدع إذا هجر زاد شره على الناس وانطلق في الدعوة إلى البدعة وزادت بدعه وشروره، واستغل الهجر في دعوة الناس إلى الباطل فإنه لا يهجر بل يناقش ويحذر الناس منه، ولا يكون الناس عنه بعيدين حتى يراقبوا عمله، وحتى يمنعوه من التوسع في بدعته، وحتى يحذروا الناس منه، وحتى يكرروا عليه الدعوة لعل الله يهديه حتى يسلم الناس من شره.
وهكذا العاصي المعلن إذا كان تركه وهجره قد يفضي إلى انتشار شره وتوسع شره وتسلطه على الناس فإنه لا يهجر بل يناقش دائماً وينكر عليه دائماً، ويحذر الناس من شره دائماً حتى يسلم الناس من شره وحتى لا تقع الفتن بمعصيته، نسأل الله السلامة.
المقدم: سماحة الشيخ في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا مطر محمد الغامدي . شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر