مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
لقاؤنا في هذه الحلقة سيكون بإذن الله مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية هذا اللقاء نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بالإجابة على أسئلة هذا البرنامج، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: حياكم الله، شيخ عبد العزيز! هذه الحلقة ستكون بإذن الله عن الصيام وعن المرضى، فهل من كلمة نستهل بها هذا اللقاء لو تكرمتم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سبق في حلقة مضت ما يتعلق بشأن الصيام وفضل صيام رمضان ووجوبه على المسلمين، وما يجب أيضاً على المسلمين من العناية بحفظه وصيانته عما حرم الله عز وجل حتى يوفوا أجورهم كاملة، ومعلوم أن الإنسان يعرض له عوارض من المرض والسفر، والله عز وجل قد بين هذا في كتابه العظيم، فمن نزل به المرض وشق عليه الصوم فله أن يفطر ثم يقضي بعد ذلك، وهكذا من عن له سفر لحاجة فلا بأس أن يسافر ويفطر ويقضي، وليس لأحد أن يسافر من أجل الإفطار والتحيل على الإفطار هذا لا يجوز؛ ولهذا يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم لما ذكر الصيام قال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] الآية، فالمؤمن يحاسب نفسه وهكذا المؤمنة، فإن وجد أحدهما مرضاً يشق عليه معه الصوم والله يعلم أنه صادق فلا حرج عليه في الفطر، وهكذا إذا سافر لحاجة فإنه لا بأس عليه أن يفطر ثم يقضي بعد ذلك والحمد لله.
الجواب: الأمراض متنوعة والمرضى أعلم بأنفسهم، فكل مرض يشق معه الصيام ويؤثر على المريض بزيادة المرض أو تأخر البرء فإنه يجوز له الإفطار، فالغسيل الذي يحصل لأصحاب الكلى إذا كان هذا الغسيل يؤثر عليه لو صام فإنه له الفطر ولا حرج عليه.
أما نفس الغسيل كونه يعطى دواءً يخرج منه شيئاً يضره ويبقى فيه شيء ينفعه فلا أعلم ما يمنع من ذلك إذا كان مثل الحقن، مثل الإبر التي يعطاها الإنسان لحفظ الصحة أو لإسكان المرض كالحمى، أو لإخراج دم فاسد من فمه أو دبره فهذا لا يعتبر مفطراً له في هذه الحالة؛ لأنه لم يتعمده وإنما هو من جهة العلاج الذي تحفظ به صحته، فهو يعطى هذا لحفظ الصحة وسلامته من الهلاك وما يترتب على العلاج من الإبر التي يعطاها خروج شيء ودخول شيء، فهو يدخل له شيئاً طيباً ويخرج منه ما يضره بقاؤه، هذا هو الذي يتبادر فيما نعلم من عملهم في الغسيل، وإذا كان صومه في هذه الحال يضره في تأخير المرض وطول أجله أو زيادته فإنه يفطر ويتعاطى هذا العمل وهو مفطر ولا حاجة إلى الصوم الذي يضره والله به أرحم سبحانه وتعالى وهو القائل عز وجل: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، هذا هو المتبادر في هذه المسألة، وإذا قضى بعد ذلك احتياطاً لإخراج هذا الذي يخرج منه ما نعلم بأساً في ذلك، أما الذي يظهر والله أعلم أنه في هذه الحال شبه من قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه)؛ لأنه إن ترك العمل أضره الترك، وإذا أعطي هذه الإبر التي تحفظ بها صحته خرج منه هذا الشيء كما قد يخرج من طريق الأسفل كونه يعطى مواد تجعله يصاب بالاستسهال وخروج ما يضره من أسفل، فهكذا خروج ما يضره من فوق من طريق القذف من نزيف، قذف الدم أو نحو ذلك، أو خروجه من أسفل من أجل العلاج ما يضره إن شاء الله.
الجواب: الفتوى صادرة في هذا بأنه لا يضر؛ لأنهم مضطرون إليه وهو ليس بأكل ولا شرب ولا يشبه الأكل والشرب، وإنما هو هواء يعطيهم شيئاً من الراحة، هواء فيه شيء من دواء خفيف يعطيهم شيئاً من الراحة.
الجواب: هذا مثلما تقدم إن كان المرض يضرهم ولا يستطيعون معه الصوم بل يشق عليهم الصوم بزيادة المرض عليهم والتعب عليهم تعباً كثيراً واضحاً أو يسبب عدم برئه فلهم الفطر، أما إن كان عادياً المرض معهم سواء صاموا أم لم يصوموا، هو معهم لا يتغير عليهم ولا يضرهم فالواجب عليهم الصوم؛ لأنه مرض عادي لا يضرهم معه الصوم فأشبه حال الهزالى وكبير السن الذي لا يضره الصوم.
المقدم: بارك الله فيكم. ماذا لو احتاجوا تعاطي نوعاً من الأدوية ربما يكون الإبر أو ما أشبه؟
الشيخ: أما الأكل فلا، حبوب أو شراب يفطر الصائم، أما الإبر في العضل أو في العروق يحصل بها تخفيف الربو أو ما أشبه ذلك فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن هذه الإبر فيما نعتقد وفيما نفتي به بعد البحث لا تعتبر أكلاً ولا شرباً وإنما هي علاج ودواء.
المقدم: هل هناك فرق بين الإبر التي تؤخذ عن طريق الوريد أو الإبر التي تؤخذ عن طريق آخر؟
الشيخ: الصواب لا فرق في ذلك، الصواب لا فرق وإن كانت إبر الوريد أبلغ لكن لا فرق في عدم الإفطار، أما الإبر التي تؤخذ للتغذية بدل الأكل والشرب يغذونه بها فهذه قامت مقام الطعام والشراب فهي إبر تغذية فتفطر، من تعاطها أفطر بها.
الجواب: إذا صاموا وأصابهم الصرع في أثناء النهار مثل النوم لا يضرهم صومهم صحيح، أما إذا غابت عقولهم يوماً كاملاً فهم مثل بقية المجانين لا صوم لهم ولا شيء عليهم ولا قضاء عليهم، فلو جن في آخر الليل أو صرع في آخره ولم يفق إلا في الليلة الآتية فلا صوم عليه، بخلاف الإغماء فإنه مثل النوم.
الجواب: والنزيف لا يضر أيضاً، مصاب النزيف سواء من فمه أو من أسفل مستمراً معه ليس باختياره فلا يضره مثلما تقدم في أهل الغسيل.
المقدم: كأهل الغسيل تماماً؟
الشيخ: نعم.
الجواب: صومه صحيح ومجزي لكنه فاته أجر عظيم في إضاعة الوقت فيما يضره وعدم حفظ الصيام بالذكر والدعاء والقراءة وأنواع العبادات في النهار وعظم وحصل عليه إثم في الليل بما يتعاطاه من الملاهي، إذا كان يتعاطى سماع الأغاني والملاهي وغير ذلك ويفوته فضل النوم والراحة الذي يعينه على العمل في النهار، أما الصوم فصحيح ولو سهر لكن إن كان سهره على معصية أثم بذلك، وإن كان سهره على غير معصية كره له ذلك وفاته أجر التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في النوم والاستعانة بالنوم على إحياء النهار بالعبادة والطاعة ونفع المسلمين ونحو ذلك.
الجواب: الصلاة أمرها عظيم وفي رمضان أشد وأعظم، فلذا كانت في حق المسلمين فريضة في كل وقت وتركها كفر وضلال وإن لم يجحد وجوبها كما تقدم في أصح قولي العلماء، والتكاسل عنها من صفات أهل النفاق ففي رمضان يكون أكثر، في رمضان يكون الأمر أعظم ويكون الإثم أكثر، فإذا تهاون بها في رمضان صار الإثم أكبر، وإذا تركها بالكلية مثلما تقدم لا صوم له؛ لأنه يكفر بتركها كفراً أكبر نعوذ بالله؛ لما تقدم في الأحاديث نسأل الله السلامة.نعم.
ومن هذا البلاء ما يفعله بعض الناس من النوم عن صلاة الفجر ولا يقوم إلا للعمل، فهذا لا حول ولا قوة إلا بالله لا يهمه إلا أمر دنياه، فقد أضاع الفريضة العظيمة، فإذا تعمد ذلك فهو داخل فيمن حكم بكفره؛ لأنه تعمد ترك الفريضة إلى الضحى إلى بعد طلوع الشمس فيكون بهذا قد تعمد تركها بالكلية، فيعمه الحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، ولا عبرة بكون الأكثرين من المتأخرين من العلماء والمشهورين قالوا بأنه كفر أصغر لا عبرة بهذا، العبرة بالأدلة العبرة بالنصوص ومرد الناس النصوص، كما قال الله سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، والتعلق بالرخص يفضي بالإنسان إلى ترك الدين بالكلية، فالواجب على المؤمن أن يحذر الرخص التي لا وجه لها ولا دليل عليها، والواجب عليه أن يأخذ لدينه بالحيطة وأن يحرص على سلامة دينه، ولاشك أن الصلاة أعظم واجب وأعظم فريضة بعد الشهادتين فإذا تساهل بها فأي شيء عنده بعد ذلك، ولهذا روى مالك رحمه الله عن نافع قال: كان عمر يبعث إلى عماله -أمرائه- ويقول لهم: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وروى الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوماً بين أصحابه، فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون و
وإن ضيعها بأسباب الوظيفة والوزارة شابه هامان وزير فرعون الذي طغى وبغى بأسباب وظيفته فيحشر معه إلى النار يوم القيامة ولا تنفعه هذه الوظيفة ولا تجيره من النار.
وإن ضيعها بأسباب المال والشهوات أشبه قارون تاجر بني إسرائيل الذي قال الله فيه في كتابه العظيم: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ [القصص:76] الآية، وقال بعدها: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]، فهذا الرجل شغل بأمواله وشهواته وعصى موسى عليه الصلاة والسلام واستكبر عن اتباعه وبغى، فصارت العاقبة أن خسف الله به الأرض وبماله جميعاً، خسف الله به وبداره الأرض فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، عقوبة عاجلة غير عقوبة النار نعوذ بالله.
فالذي ضيع الصلاة بأسباب المال والشهوات يكون شبيهاً بـقارون فيحشر معه إلى النار يوم القيامة نسأل الله العافية.
والرابع: الذي ضيعها بأسباب التجارة والبيع والشراء والأخذ والعطاء، شغل بالمعاملات والأخذ والعطاء والنظر في الدفاتر وماذا على فلان وماذا أدى فلان؟ حتى ضيع الصلوات، فهذا أشبه أبي بن خلف تاجر أهل مكة من الكفرة فيحشر معه إلى النار يوم القيامة نعوذ بالله، وهذا لاشك أنه وعيد عظيم وهو يدل على كفر من ضيعها نعوذ بالله.
الجواب: لا ريب أن صلاة التراويح قربة وعبادة عظيمة ومشروعة، النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ليالي بالمسلمين، قام بهم ليالٍ ثم خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك وأرشدهم إلى الصلاة في البيوت، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام وأفضت الخلافة إلى عمر بعد الصديق ورأى الناس في المسجد يصلونها أوزاعاً هذا يصلي لنفسه، وهذا يصلي لرجلين، وهذا يصلي لأكثر فقال: لو جمعناهم على إمام فجمعهم على إمام وصاروا يصلون جميعاً، واحتج على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، واحتج أيضاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي، وقال: إنه انتهى الوحي وانقطع الخوف بعد موته صلى الله عليه وسلم لا يخاف من الفريضة، فصلاها المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليالي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم صلوها مع عمر في عهد عمر واستمروا في ذلك جماعة، والأحاديث ترشد إلى ذلك، ولهذا في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، فدل ذلك على شرعية القيام جماعة في رمضان وأنه سنته صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه بعده عمر الفاروق ومن بعده.
وفي ذلك أيضاً مصالح كثيرة من جمع المسلمين واستماعهم لكتاب الله وما قد يقع من المواعظ والتذكير والاتصال من بعضهم لبعض، واجتماع بعضهم ببعض في هذه الليالي العظيمة، فكل هذا يسبب خيراً كثيراً، وكذلك دراسة القرآن في الليل والنهار من أفضل القربات، وكان السلف إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن وتركوا الحديث والتفقه وحلقات العلم، هذا هو الغالب على السلف.
فينبغي لأهل الإيمان من الذكور والإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبراً وتعقلاً ومراجعة لكتب التفسير وغير هذا من وجوه التعلق بالقرآن والعناية بالقرآن، وإذا سمعوا درساً في المسجد أو راجع بعض المسائل العلمية لا منافاة لا حرج في ذلك لكن ينبغي أن تكون العناية بالقرآن في رمضان أكثر كما فعله السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، وهكذا الإكثار من القراءة حتى يختم مرات كثيرة، كان بعض السلف يختم في كل يوم، وبعضهم في ثلاث لكن الأفضل أن لا يكون أقل من ثلاث، هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله عبد الله بن عمرو أرشده أن يختم في سبع ثم طلب الزيادة فقال: إلى ثلاث، فالأفضل أن تكون الختمة في ثلاث فأكثر حتى يطمئن وحتى يقرأ بترتيل وعناية وتدبر.
وبعض السلف رأى أن هذا في الجملة لكن في أيام رمضان ولياليه لا مانع من الختم في أقل من ذلك، ولكن التقيد بالحديث والأخذ بالحديث أولى ولو في رمضان، إذا ختم عشر مرات في رمضان أو تسع مرات أو ثمان فهذا خير كثير، مع الهدوء والطمأنينة والترتيل والعناية، والإنسان له حاجات أخرى، ثم الإكثار من الختمات قد يفضي إلى الهذرمة والسرعة والعجلة والمباهاة في الختمات فيخشى على الناس من هذا الشيء، فالركود والهدوء حتى لا يقع شيء من الخلل في القراءة، وحتى لا يقع شيء من المباراة للرياء والسمعة، فينبغي أن يكون الختم لثلاث فأكثر حتى يقرأ قراءة واضحة متدبرة ويعتني بمعانيها ويراجع ما أشكل عليه، هذا هو الأولى والأفضل حتى ولو في رمضان.
الجواب: هذا لأجل سماع الناس جميع القرآن، إذا تيسر أن يسمع جميع القرآن بحيث يكون كل ليلة فيها جزء أو أقل من جزء لكن في العشرة الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله هذا يكون أفضل إذا تيسر من دون مشقة، وهكذا دعاء الختم يدعو بهم حتى يؤمنوا كان السلف يفعلون ذلك فإذا فعل ذلك فلا حرج، وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله باباً في كتابه: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، وذكر في ذلك حال السلف في العناية بختم القرآن.
المقدم: الذين لا يتمكنون من الختم يشعرون بشيء من الألم سماحة الشيخ ماذا يقول لهم؟
الشيخ: لا حرج في ذلك، الأمر في هذا واسع، إن ختمت فهو أفضل حتى يسمع الناس وحتى يفوز بالأجر العظيم في هذا الشهر الكريم، وإن حال حائل ولم يتيسر له الختم وهو إمام إما لأجل الرفق بهم لأنهم أصحاب أشغال، أو لأسباب أخرى فلا حرج، الأمر واسع بحمد الله، والمؤمن يراعي المأمومين ولا يشق عليهم ويرفق بهم، وإذا كانوا تشق عليهم الإطالة فكونهم يقيمونها أولى من تركها خوفاً من الإطالة، فإذا صلى بهم إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة مع الترتيل ومع الركود في الركوع والسجود فهو أفضل من كثرة القراءة ومن صلاة عشرين أو أكثر، كونه يتحرى فعل النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة كان هذا أفضل، والإحدى عشر أفضل من الثلاث عشرة؛ لأن هذا هو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم في الغالب كما قالت عائشة رضي الله عنها، وربما صلى بعض الأحيان ثلاث عشرة، وربما صلى أقل من ذلك، وصلى الصحابة رضي الله عنهم عشرين ركعة مع الوتر، كل هذا بحمد الله واسع، فمن زاد أو نقص فلا حرج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى - ولم يحدد عدداً معلوماً ثم قال:- فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)، وهذا عام في رمضان وفي غيره، فمن زعم أنه يجب الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة فقد غلط، ومن كره الزيادة فقد غلط، ومن حرمها فهو أشد غلطاً وإنما ذلك أفضل إذا اقتصر على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة هذا أفضل من أجل التمكن من إطالة القراءة وإطالة الركوع والسجود، ومن أجل تمكين المأمومين من ذلك، ومن أجل موافقة السنة التي هي الغالبة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لكن من زاد فلا حرج.
الجواب: لا حرج في ذلك، الصواب أنه لا حرج في ذلك، فإذا احتاج إلى أن يقرأ من المصحف لأنه لم يحفظ القرآن فلا بأس يقرأ من المصحف، وقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها كان يصلي بها مولاها ذكوان من المصحف ذكره البخاري رحمه الله تعليقاً جازماً به، والأصل أنه لا بأس بهذا فمن منع فعليه الدليل، الأصل جواز القراءة حفظاً وقراءة من المصحف هذا هو الأصل، فمن قال: (يمنع من المصحف) فعليه الدليل، والأصل أنه لا دليل، فمعنى الأصل وهو جواز القراءة من المصحف، وقد فعلتها أم المؤمنين وهي من أفقه الناس رضي الله عنها.
الجواب: نعم، لا بأس بذلك أن يصلي النساء مع المسلمين في المساجد لكن مع العناية بالحجاب والتحرز من الفتنة وعدم الأطياب التي يمرون بها في الأسواق، تكون متحرزة من الطيب ومن التبرج وإظهار المحاسن، بل تكون محتجبة متسترة بعيدة عن أسباب الفتنة وإلا فبيتها خير لها، بيتها أولى بها وأكرم لها، لكن إذا دعت الحاجة إلى الخروج؛ لأنها تكسل في بيتها أو لأنها تريد أن تسمع المواعظ والذكر فهذا لا بأس به، لكن بهذا الشرط؛ التحفظ والعناية والتستر والبعد عن أسباب الفتنة لا من جهة الطيب ولا من جهة الملابس ولا من جهة إظهار المحاسن.
الجواب: هذا سألني عنه غير واحد، والذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا، وأن الأولى الإقبال على الصلاة والخشوع ووضع اليدين على الصدر اليمنى على كف اليسرى ورسغها وساعدها متدبراً لما يقرأه الإمام ومنصتاً هكذا، الله يقول سبحانه: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا)، فالسنة أن ينصت ولا يشتغل بشيء لا بالمصحف ولا بغيره، بل يضع يمينه على شماله على صدره خاشعاً مطمئناً منصتاً متدبراً متعقلاً لما يقرأه الإمام، هذا هو الأفضل والأولى، وأما الاستماع له بالمصحف فأقل أحواله الكراهة.
الجواب: الكلمة الختامية في هذا اللقاء الوصية المكررة بسؤال الله عز وجل أن يبلغ كل مسلم هذا الشهر الكريم، يسأل ربه أن يبلغه إياه وأن يعينه على صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، فكم لله من إنسان لا يبلغه وإن كان لم يبق إلا الشيء القليل، فوصيتي لكل مؤمن ولكل مؤمنة الضراعة إلى الله عز وجل ودعاءه بصدق وإخلاص أن يبلغه هذا الشهر الكريم وأن يعينه على صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، والعناية بالتوبة؛ تجديد التوبة قبل دخول هذا الشهر الكريم حتى يدخل عليك شهر رمضان وأنت في سلامة من ذنوبك قد محاها الله عنك بالتوبة الصادقة، ثم العزم الصادق أن تستقيم في رمضان وأن تبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل.
هكذا ينبغي للمؤمن أن يعزم عزماً صادقاً أن يجتهد في رمضان، وأن يصون جوارحه عن محارم الله وأن يستكثر من الخير في الليل والنهار، ثم عزم صادق آخر ألا يعود إلى الذنوب بعد رمضان، بل يصمم على أنه يستمر في الخير في رمضان وفي غيره، فهو لا يدري متى يهجم الأجل، فليصمم على الخير والعمل الصالح لعله يوفق فيستقيم إلى أن ينزل به الأجل.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وبلغ المسلمين جميعاً في كل مكان صيام هذا الشهر العظيم وقيامه، ورزقهم فيه الإيمان والاحتساب والصدق والإخلاص والمسارعة إلى كل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
المقدم: اللهم صل على سيدنا محمد. سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بالإجابة على أسئلة البرنامج، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم والمستمعون على خير.
الشيخ: نسأل الله ذلك نرجو من الله ذلك. نعم.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا: سليمان اللحيدان. شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وكل عام وأنتم بخير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر