مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمعة (هـ. ف. م) من المنطقة الشرقية أختنا تسأل مجموعة من الأسئلة من بينها سؤال يقول: ما حكم الصلاة بالملابس المطبوع عليها صور؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالصلاة في الملابس التي فيها صور من صور الحيوانات لا تجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (لما رأى عند
فالخلاصة: أنه لا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة الصلاة في ثوب فيه تصاوير، ولا يجوز أيضاً للمؤمنة أن تجعل لأولادها وأطفالها ملابس فيها تصاوير، كل هذا لا يجوز، وإذا أزيل الرأس كفى، إذا جعل على الرأس رقعة خيط على الرأس رقعة تخفيه فلا بأس وزال المحذور والحمد لله.
الجواب: لا مانع إذا كان مع المرأة شخص ثالث يحصل به زوال الخلوة فلا بأس، فإذا ركبت مع السائق ومعه أمه أو أخته أو زوجته أو معها أخوها أو زوجها أو أمها أو امرأة أخرى على وجه ليس فيه ريبة فلا بأس بذلك تزول الخلوة والحمد لله.
المقدم: بارك الله فيكم! لكن يفضل سماحة الشيخ أن يكون الراكب من أقاربها أو من أقارب ذلك الرجل؟
الشيخ: المهم الثقة، أنهم ثقات ليس في ركوبهم ريبة.
الجواب: سماع الأغاني من حيث هي التي تتعلق بذكر النساء والرجال ومحاسن الرجل ومحاسن المرأة وما يتعلق بإثارة الشهوات والغرائز الجنسية كل هذا محرم لا يجوز ولو كانت خالية من الموسيقى، فإن كان معها موسيقى صار التحريم أشد، أو معها عود أو كمان أو طبول كل هذا لا يجوز.
وهكذا الأغاني التي تتعلق بالأطفال إذا كان معها الموسيقى لا تجوز، أما إذا كان أناشيد ليس فيها محذور تسلي الأطفال وليس فيها محذور فلا بأس بذلك، أناشيد في مدح الوطن أو مدح أمه أو مدح أبيه أو أشياء تسلي ليس فيها محذور شرعاً فلا بأس بذلك، وهكذا الأشعار العربية التي فيها الحث على الجود والكرم والشجاعة والصدق والبر والصلة وأشباه ذلك، كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع من حسان ومن غيره الأشعار التي ينشدونها في مدح الإسلام والدعوة إليه وهجاء المشركين وذمهم كل هذا لا بأس به.
الجواب: الواجب على من لديه أموال للتجارة للبيع والشراء أن يراعي سعرها عند تمام الحول لا سعرها في أول الحول ولا في أثناء الحول ولا ثمنها، إنما يراعى سعرها عند تمام الحول، فإذا كانت في وسط الحول أو في أول الحول بمائة ألف أو اشتراها بمائة ألف ولكن عند تمام الحول صارت تساوي مائتي ألف أو ثلاثمائة ألف فإنه يزكي الأخير، يزكي سعرها عند تمام الحول.
الجواب: أولاً عليك التوبة إلى الله من هذه الخيانة والندم وكثرة الاستغفار، والعزم أن لا تعود في ذلك مع الإكثار من العمل الصالح، والله سبحانه يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] وعليك مع ذلك أن ترسل المال إلى صاحبك بأي طريق، عليك أن تجتهد في ذلك وأن ترسل إليه ماله بأي طريق، وتقول: هذا مال بقي لك عندي، وتخبره بأن هذا حق لك وإن لم تخبره بأنك خنته، تخبره بأن هذا حق لك عندي اتضح لي أن هذا حق لك عندي فتعطيه إياه وعليك التوبة والاستغفار والحمد لله.
الجواب: الصحيح أنه لا شيء عليها، لكن يكون الأمر معلقاً، فإن تيسر محرم قبل أن تموت وهي قادرة حجت، وإن لم يتيسر فلا شيء عليها ولا حرج، والحمد لله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فهي معذورة شرعاً، فلو ماتت ولم يتيسر المحرم فلا شيء عليها، والحمد لله.
المقدم: بارك الله فيكم، هل من كلمة للمحارم حول هذا الموضوع شيخ عبد العزيز؟
الشيخ: نعم، نوصي أخواتي المسلمات بتقوى الله وأن يحذرن من السفر إلا بمحرم، ونوصي المحارم أن يتقوا الله وأن يحسنوا في محارمهم إذا احتجن إليهم لحج أو لأمر آخر مما أباحه الله، أن يساعدوا وأن لا يمتنعوا، فالله جل وعلا يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) ويقول صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فالوصية للنساء أن لا يتساهلن في هذا الأمر، وأن لا يخرجن مع النساء ولا مع غير النساء إلا بمحرم في الأسفار، لا للحج ولا لغير الحج.
والوصية للرجال أن يتقوا الله وأن يحسنوا في محارمهم إذا دعت الحاجة إلى سفر المرأة إلى الحج أو إلى أمر مهم شرعاً فإنه يشرع لهم أن يساعدوا وأن يسافروا معهم لقضاء هذه المهمة التي ليس فيها إلا الخير.
المقدم: كأني أفهم من رسالة هذه الأخت المستمعة أن بعض الرجال يأنفون من خدمة النساء سماحة الشيخ، هل من كلمة لو تكرمتم؟
الشيخ: ليس في هذا خدمة، وإنما في هذا مساعدة على الخير وإحسان وأداء لواجب وهو الحج، فهو يساعدها في أداء الواجب، فإذا سافر معها إلى الحج فإنما هو محسن، وإذا خدم محرمه في سفره معها فهذه خدمة شريفة يؤجر عليها والحمد لله، وإذا خدمها في صلة رحمها، في نقلها للطبيب بالمجيء إليها بالدواء، في مساعدتها إذا كانت فقيرة، كل هذا خدمة طيبة مشروعة، (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) وكون المسلم يخدم أخاه في الله أو أخته في الله أو محرمه، هذا شرف له، وأجر له عظيم ليس فيه نقص.
الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله في جواز قراءة الحائض والنفساء للقرآن عن ظهر قلب، والصواب أنه لا حرج في ذلك، والصواب أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب وأن تقرأه النفساء أيضاً ولاسيما إذا خشيت النسيان فإن الأمر يكون آكد، والصواب أنه يجوز مطلقاً ولو لم تخش النسيان لكن لا تمس المصحف إنما تقرأ عن ظهر قلب، وإذا دعت الحاجة إلى مس المصحف من وراء حائل كلبس القفازين أو غيرهما مما يكون حائلاً بينها وبين المصحف للحاجة؛ كمراجعة آية أشكلت عليها أو ما أشبه ذلك فلا بأس بذلك.
وهكذا الكتب التي فيها القرآن لا بأس بقراءتها مثل كتب التفسير، تراجم معاني القرآن كل هذا لا بأس به، إنما الممنوع مس المصحف فقط من دون حائل، أما كونها تقرأ كتباً فيها آيات، تقرأ كتب التفسير، فهذا لا حرج فيه، والصحيح أنها تقرأ الآيات أيضاً عن ظهر قلب مطلقاً.
المقدم: حتى وإن كانت معذورة؟
الشيخ: ولو كانت معذورة، لها أن تقرأ وتدرس كتاب ربها عن ظهر قلب، تدرس الكتب المفيدة في التفسير وغيرها من كتب الحديث الشريف، لكن لا تمس المصحف إلا من وراء حائل عند الحاجة إليه.
أما الجنب فليس له مس المصحف ولا قراءة القرآن حتى يغتسل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ القرآن حتى يغتسل ويقول في حق الجنب: (ولا آية) يعني: لا يقرأ ولا آية؛ لأن الجنب مدته يسيرة متى فرغ من حاجته استطاع أن يغتسل ويقرأ بخلاف الحائض فإن مدته تطول وليس الأمر بيدها إنما يحصل لها الطهر بعد انقطاع الدم.
فالحاصل أن الحائض والنفساء ليستا مثل الجنب، مدتهما تطول وليس الأمر بأيديهما، أما الجنب فالأمر بيده متى فرغ استطاع أن يغتسل ويقرأ.
سؤاله الأول يقول: ما حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور، مع العلم أنني أعيش في بلد تكثر فيه هذه الظاهرة، أرجو توجيهي ولاسيما إذا لم يكن حولي وقريب مني إلا مسجد واحد خال من القبور؟
الجواب: ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا. وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) ونهى عن الصلاة إلى القبور، فدل ذلك على أنه لا يجوز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، فإذا بني المسجد على القبر أو على قبرين أو أكثر لا يصلى فيه، بل يصلى في المساجد الخالية من ذلك والتي ليس فيها قبور.
وإذا لم يجد شيئاً صلى في بيته أو مع إخوانه في بيوتهم، وإن وجدوا مسجداً ليس فيه قبور صلوا فيه، ولا يجوز بقاء القبور في المساجد، بل يجب نبشها وإبعادها عن المساجد إذا كانت بعد بناء المسجد دفن في المسجد فإنه ينبش وتنقل رفاته إلى المقابر العامة وتبقى المساجد سليمة من ذلك.
أما إن كان المسجد هو الأخير بني على القبور، فهذا المسجد أسس على غير التقوى، أسس على باطل فيجب هدمه، يجب على ولاة الأمور أن يهدموه ويزيلوه؛ لأنه بني على القبر، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى على اتخاذهم القبور مساجد، فالواجب على ولاة الأمور أن يعنوا بهذا الأمر في أي مكان، في أي دولة إسلامية، الواجب على ولاة الأمور أن ينزهوا المساجد من القبور، فإن كان القبر هو الأخير نبش ونقل إلى المقبرة العامة، وإن كان القبر هو القديم وبني عليه المسجد هدم المسجد وأزيل طاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
وعلى المسلمين أن ينتبهوا لهذا، وأن يحذروا الصلاة في المساجد التي فيها القبور؛ لأن الصلاة فيها وسيلة للشرك للشرك بأهل القبور ودعائهم من دون الله كما قد وقع ذلك في بلدان كثيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجواب: الموالد يعني الاحتفال بالموالد وهي بدعة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم، ولا صحابته المرضيون رضي الله عنهم جميعاً ولا التابعون في القرن الأول والثاني والثالث، وهي القرون المفضلة فاتضح أنها بدعة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم في الصحيح، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني: مردود، ويقول عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) خرجه مسلم في الصحيح، زاد النسائي بإسناد صحيح: (وكل ضلالة في النار) وفي حديث العرباض بن سارية: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) فهذه الاحتفالات بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم أو مولد البدوي أو مولد الحسين أو مولد فاطمة أو مولد فلان أو فلان أو الشيخ عبد القادر أو غير هذا كلها من البدع، والواجب على المسلمين تركها والحذر من التشجيع عليها، الواجب علينا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه ومنهاج أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.
أما أن يحدث شيئاً ما شرعه الله فهذا لا يجوز لنا، الدين كامل الحمد لله، يقول الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ليس لنا أن نفعله، هم أعلم منا وخير منا وأفضل منا وأعلم منا بالشرع، وأحب منا للرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا فعلوا شيئاً تابعناهم فيه.
وأما أن نحدث فلا، ليس لنا أن نحدث، الله يقول: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]فيكفينا الاتباع وعلينا أن نحذر الابتداع، ولهذا يقول الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يوصون التابعين يقولون لهم: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، قد كفينا والحمد لله، أرأيت لو أن إنساناً أحدث صلاة سادسة وقال: أنا قصدي الخير ويجب أن نصلي الساعة العشر بالتوقيت الزوالي ضحى، صلاة أخرى سادسة أو الساعة التاسعة؛ لأن الوقت طويل بين الفجر وبين الظهر، فينبغي أن نجعل صلاة سادسة في هذا الوقت الطويل، هل يكون مأجوراً أو مأزوراً؟ بإجماع أهل العلم أنه مأزور وأنه مبطل وأنه مبتدع، مع أنه يقول: صلوا، ما قال: ازنوا ولا قال: اسرقوا، قال: صلوا صلاة سادسة، لماذا؟ لأنه مبتدع؛ لأنه شرع ديناً لم يأذن به الله.
وهكذا لو قال: علينا أن نحج مرتين بدل مرة في السنة مرة في ذي الحجة ومرة في مثلاً رجب أو في جمادى أو في رمضان، لو قال أحد هذا صار مبطلاً عند جميع أهل العلم، مع أنه ما دعا إلا إلى حج، ما دعا إلا إلى ذكر وطاعة لكنها ليس في محلها بدعة.
وهكذا لو قال: رمضان ما يكفي، نصوم شهراً آخر، نصوم مع رمضان شهراً ثان، ودعا إلى هذا، نصوم مثلاً ربيع الآخر أو جمادى الأولى مع رمضان أو المحرم أو صفر؛ لأن هذا مزيد خير وطاعة أو عبادة يكون هذا مبتدعاً أيضاً، فهكذا إذا قال: علينا أن نحتفل بالرسول صلى الله عليه وسلم في مولده، أو نحتفل بيوم الفتح أو يوم بدر أو نحتفل بمولد الصديق أو مولد عمر أو مولد عثمان أو مولد علي أو مولد فاطمة أو مولد هود أو صالح من أنبياء الله، أو مولد غير ذلك من الأخيار يقال: هذا بدعة، ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعله وهو أنصح الناس وأفضل الناس وأعلم الناس وأتقى الناس وأخشى الناس لله ومع هذا ما فعله ولا دعا إليه ولا قال: إذا جاء يوم مولدي فاحتفلوا بي، وافعلوا كذا وافعلوا كذا، ولا فعله الصديق الأكبر أفضل الخلق بعد الأنبياء، ولا فعله الفاروق عمر ولا فعله عثمان ذو النورين ولا فعله علي رضي الله عنه المرتضى أبو الحسن رضي الله عنه ولا فعله بقية الصحابة ولا فعله التابعون ولا أتباعهم بإحسان في القرون المفضلة وإنما أول من أحدثه طائفة الفاطميين الذين هم شيعة رافضة أحدثوه، وجعلوا هناك موالد للنبي صلى الله عليه وسلم ولحاكمهم ولـفاطمة وللحسين فكيف يقتدى بهؤلاء؟ لا يقتدي بهم من يعقل ولا من يعظم دين الله، لكن تابعهم بعض الناس بعد هذا ومن تابعهم ليس بقدوة والواجب التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأصحابه وبالمسارعة إلى نهيه، هذا هو الواجب على المسلمين أينما كانوا، فنسأل الله أن يوفق المسلمين للتأسي به صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه وأن يوفقهم لترك البدع كلها.
الجواب: هذا فيه تفصيل، أما النذر للأموات والاستغاثة بهم ودعاؤهم فهذا من الشرك الأكبر ومن العبادة لغير الله، فإذا قال: لله علي كذا وكذا من المال للشيخ البدوي أو للرسول صلى الله عليه وسلم، أو للصديق أو للشيخ عبد القادر أو علي ذبيحة أو ذبيحتان للشيخ عبد القادر أو للسيد الحسين أو للبدوي أو للرسول صلى الله عليه وسلم، هذا من الشرك الأكبر لأن النذر عبادة، لا ينذر إلا لله سبحانه وتعالى وحده، أو قال: يا رسول الله! أغثني، أو اشف مريضي أو يا سيدي الحسين أو يا علي أو يا فاطمة أو يا سيدي البدوي أو يا فلان أو يا فلان، كل هذا من الشرك الأكبر، لأنه دعوة لغير الله، والله سبحانه يقول في كتابه العظيم: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] (أحداً) نكرة في سياق النهي تعم الأنبياء وتعم الصالحين وتعم الملائكة وتعم الأصنام عامة، ويقول سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] يعني: المشركين، وجميع المخلوقات لا ينفعون ولا يضرون إلا بالله هو الذي ينفع ويضر سبحانه وتعالى، ويقول عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] فسمى من دعا غير الله كافراً، فدل ذلك على أنه من الشرك الأكبر، وقال عز وجل: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13] والقطمير: اللفافة التي على النواة، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:13-14]، فسمى دعاءهم إياه شركاً ونفى أنهم يسمعون؛ لأنهم ما بين ميت لا يستطيع السمع وما بين ملك مشغول بما هو فيه أو جني مشغول أو لا يعرف شيئاً من ذلك ولا يدري عن شيء من ذلك، أو ميت أو صنم أو شجرة، كلها لا تجيب داعيها، كل هؤلاء لا يجيبون داعيهم، لا يسمعون ولا يستجيبون وهم مع هذا لو قدر أنهم سمعوا كالملك أو غيره لا يستطيعون أن يجيبوا؛ لأن أمرهم بيد الله سبحانه وتعالى هو مالكهم ومالك غيرهم سبحانه وتعالى، وإذا كانوا أمواتاً فلن يستطيعوا وإذا كانوا جماداً لن يستطيعوا وإذا كانوا ملائكة أو جناً فلم يشرع لنا أن ندعوهم من دون الله، وهم لا يتصرفون إذا كانوا ملائكة إلا بإذن الله، والله لا يأذن لهم أن يعبدوا من دون الله ولا أن يرضوا بذلك، وهكذا الجن المؤمنون لا يرضون بذلك، والكافرون لا يجوز أن يعبدوا، فلا يعبد هؤلاء ولا هؤلاء، فالمؤمنون من الجن والإنس لا يرضون بذلك ولو رضوا لكفروا بذلك، والجن لا يرضون بذلك إذا كانوا مؤمنين وأما كفار الإنس وكفار الجن فليسوا أهلاً لأن يعبدوا من دون الله، ولو عبدوا من دون الله لكان عابدهم كافراً من باب أولى، ولهذا قال سبحانه: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:14]، هؤلاء وهؤلاء المعبودون كلهم سيكفرون بشرك العابدين من جن وإنس وملائكة، فعلم بذلك أن عبادة غير الله من جن أو إنس أو ملائكة أو صنم أو شجر أو غير ذلك كله كفر بالله، كله شرك بالله عز وجل، ولهذا يقول سبحانه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:40-41]، قال سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6]، نسأل الله العافية.
فالخلاصة: أنه لا يجوز دعاء غير الله ولا النذر لغير الله ولا الاستغاثة بغير الله، ولا سؤاله شفاء المرضى ولا رد الغياب ولا الرزق ولا غير هذا مما يحتاجه الناس، سواء كانوا أنبياء أو ملائكة أو شجراً أو صنماً أو جناً أو غير ذلك، يجب أن تكون العبادة لله وحده سبحانه وتعالى.
أما كونه يدعو للميت ويستغفر له لا بأس إذا كان ميتاً مسلماً، قال: اللهم اغفر لفلان، اللهم اغفر للحسين، اللهم ارض عن الحسين، اللهم اغفر لـأبي بكر اللهم ارض عن أبي بكر أو دعا لغيرهم من الصالحين من المسلمين، هذا مأجور، دعاء المسلم لأخيه فيه أجر عظيم وخير كثير، قال الله تعالى عن الصالحين أنهم قالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10] فالدعاء للميت المسلم والاستغفار له هذا طيب، المنكر أن يدعوهم من دون الله، أن يستغيث به، أن ينذر له، أن يسأله الشفاعة، أن يسأله شفاء المريض، هذا هو المنكر، وهذا هو الشرك، أما إذا دعا له قال: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم ارفع درجته في الجنة، اللهم اغفر سيئاته، هذا لا بأس هذا طيب مأمور به.
المقدم: أخونا يسأل سماحة الشيخ عن حكم أولئك الذين يدعون أصحاب القبور؟
الشيخ: مثل ما تقدم حكمهم أنهم مشركون، إذا دعوا أصحاب القبور أو دعوا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو الملائكة أو الجن كلها طريقها واحد، كله كفر بالله عز وجل، ويستثنى من هذا شيء واحد وهو أنه لا بأس أن يستعين المؤمن بأخيه الحاضر أو بغير المؤمن كما لو اشترى سلعة من كافر أو قال له يبني هذا المحل أو يصلح السيارة وهو يسمع كلامه ويقدر، هذا مستثنى ليس من الشرك، مثل ما قال الله سبحانه في قصة موسى : فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] فإذا قال الإنسان لأخيه الحاضر أو لغير أخيه من كافر قال له: اصنع لي كذا، أو اعمل لي كذا، أو اعمر لي هذا البيت، أو أصلح لي هذه السيارة أو احرس لي هذه الأرض بكذا وكذا، واتفق معه على شيء لا بأس، هذه أمور عادية يقدر عليها المخلوق الحي الحاضر، المنكر أن يدعو غائباً أو ميتاً أو إنساناً حياً لكن يعتقد فيه السر، أموراً ما يقدر عليها بطبيعته يعتقد أن له السر وأنه إذا دعي مع الله، إذا سئل أن يغفر الذنوب أو سئل أن يدخل الجنة أنه يستطيع هذه الأمور لسر فيه فهذا هو المنكر ولو كان حياً كمن يعبد من بعض الصوفية شيوخهم وكبارهم ويستغيثون بهم ويطلبونهم شفاء المرضى، هذا من الشرك الأكبر ولو كان حياً؛ لأنه سأل شيئاً ليس من طاقته وليس من قدرته، بخلاف إذا قال: سلفني كذا، أقرضني كذا، اعمر لي هذه الدار بكذا، أصلح لي هذه الأرض، أصلح هذه السيارة، ناولني هذا المتاع في السيارة.. أمور بين الناس عادية لا بأس بها.
المقدم: بارك الله فيكم. سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير وفي صحة وعافية.
الشيخ: نسأل الله التوفيق لذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا: مطر محمد الغامدي. شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر