مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، وعلى بركة الله نبدأ في استعراض بعض رسائل السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلينا من السودان كسلة، باعثها أحد الإخوة من هناك يقول: أبو عمار محمد نور محمود، أخونا بدأ رسالته يقول: نحن جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان كسلة، لدينا جهاز فيديو استعملناه لتصوير المتأثرين بالجفاف والتصحر لإنفاق المحسنين عليهم، وقد أدى بالفعل دوره ورد عليهم أموالاً حسنت من أحوالهم من جميع الدول العربية، ثم استعملناه في نقل المحاضرات التي يقيمها الدعاة السلفيون من الجماعة والمحاضرات والمؤتمرات وأسابيع للعقيدة التي تقيمها الجماعة هناك، نسبة لأن هذا الجهاز موجود في الأسر، لكن يستعمل في الشيء الفاسد، فبدأنا بتسليف المحاضرات للأسر التي بحوزتها هذا الجهاز لينتفعوا به وبالدعوة من خلال الأشرطة المسجلة، وسؤالنا: ما حكم الإسلام إذا عرض هذا الجهاز لتلك المحاضرات في وسط النساء وأنتم تعلمون أن المحاضر من الرجال، جزاكم الله خيراً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا شك أن تسجيل المحاضرات والندوات العلمية من طريق الأشرطة فيه فائدة كبيرة ونفع كبير للناس؛ لأنهم يسمعون الصوت الذي يعرفون صاحبه فينتفعون بذلك أكثر من مجرد الشيء المكتوب، لكن ما يتعلق بالأفلام لأنها تشتمل على الصور، ينبغي عدم استعمال ذلك لعدم الحاجة إليه، فالشريط الذي يحفظ الصوت يحصل به الكفاية والحمد لله.
وأما تصوير النساء في الأفلام فمضرته كبيرة وخطره عظيم فلا يجوز ذلك، وإنما يستعمل الشريط المعروف الذي يحفظ الصوت من دون صورة؛ لأنه يحصل به المقصود والحمد لله. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم! يستعينون بهذا التصوير -سماحة الشيخ- على إيضاح الأحوال التي وصل إليها حال بعض الناس من المجاعة وقلة الأمطار؟
الشيخ: هذا انتهى، هذا ذكروا أنه انتهى والحمد لله، فلا حاجة إلى بقائه بعد ذلك.
المقدم: لكن فيما إذا وجد في مناطق أخرى؟
الشيخ: نرجو أن لا يكون هناك بأس ولكن ليس بضرورة؛ لأن وصف أحوال المتضررين بالكلام يكفي، فليس هناك ضرورة فيما أعتقد إلى التصوير، وإنما الكلام عنهم وبيان حاجاتهم وأنهم أصابهم كذا، وأصابهم كذا، كاف إن شاء الله؛ لأن الوعيد في التصوير شأنه عظيم وخطير، والرسول صلى الله عليه وسلم شدد في التصوير، فلا يصار إليه إلا للضرورة القصوى والنبي عليه الصلاة والسلام (لعن آكل الربا وموكله)، (ولعن الواشمة والمستوشمة)، ولعن المصور، وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم) فهذه تدل على شدة الوعيد، وأن هذا من أعظم الكبائر، فلا يجوز أن يصار إليه إلا لضرورة لا حيلة فيها.
المقدم: بارك الله فيكم، إذاً والحالة هذه التصوير بالكلمة يغني؟
الشيخ: يكفي.
الجواب: تخفيف الحواجب لا يجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم : (لعن النامصة والمتنمصة) فلا يجوز للمؤمن أن يسمح لزوجته أو أخته أو بنته بذلك، وهي في نفسها ليس لها أن تخالف أمر الله وأن تتعدى حدوده، بل يجب على المرأة أن تكف عما نهى الله عنه، ومن ذلك النمص فإنه من الكبائر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك، واللعن يقتضي أنه كبيرة من كبائر الذنوب، سواء كان النمص بالمنقاش أو بأي آلة لأخذ شعر الحاجبين.
الجواب: المريض شرع الله له الإفطار، قال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فإذا ثبت بقول الطبيب الثقة أو الطبيبين أن هذا المرض الداخلي يضرها إذا صامت فلا بأس بالإفطار، تعتمد قول الطبيب الثقة، وإذا احتاطت بطبيبين يكون أكمل وأطيب، فإذا قررا أن الصوم يضرها بالنسبة إلى القرحة أو مرض آخر فإنها تفطر، هذا هو الأفضل لها، ثم تقضي بعد ذلك قضاء لا يضرها.
الجواب: يقول مثل سجود الصلاة سواء بسواء: (سبحان ربي الأعلى.. سبحان ربي الأعلى.. اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين .. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) ويدعو في سجوده كما يفعل في سجود الصلاة سواء بسواء.
وسؤالي: هل يجوز لي الكذب على أهلي في هذه الحالة أم هو إثم فعله، مع العلم بأن الكلية تمنعنا من لبس النقاب، أرجو الإفاضة في هذا الموضوع؛ لأنه يقلقني جزاكم الله خيراً؟
الجواب: قد أحسنت فيما فعلت ما دامت الكلية على ما ذكرت من الاختلاط وتصوير الأشخاص، فقد أحسنت في تركها والاجتماع بالأخوات في الله لتعلم الدين والتفقه في الدين، وقراءة القرآن والأحاديث النبوية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقراءة كلام أهل العلم الموثوق بهم من أهل السنة والجماعة كل هذا طيب، ولا حرج في الكذب على أهلك حتى لا يلزموك بالكلية، وأنت بهذا بخير وعلى خير، والكذب إذا كان في مثل هذا لا يترتب عليه ضرر وإنما يحصل به إصلاح فلا بأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الكذاب الذي يقول خيراً وينمي خيراً) وفي اللفظ الآخر: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً).
فالحاصل: أنه إذا كان الأمر كما قلت فلا حرج عليك في ذلك، بل أنت محسنة ولك أجر كبير، ونسأل الله لك التوفيق على الحق والثبات عليه.
المقدم: اللهم آمين. سيكتشف الأهل ذلك، بم تنصحونها إذا حدث ذلك شيخ عبد العزيز ؟
الشيخ: إن اكتشفوا فعليك بالبيان الوافي، وأن هذا شيء يلزمك من جهة الدين، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فليس للابن ولا للبنت أن يطيعا الأم أو الأب في معصية، وإنما الطاعة في المعروف، ولا ريب أن التصوير حرام، وأن عدم الحجاب حرام عن الرجال الأجانب، والذهاب إلى الكلية يفضي إلى هذا وهذا.
الجواب: لا شك أن الذي يترك الصلاة كافر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) والمرأة كذلك في الحكم الشرعي؛ لأن القاعدة الشرعية أن الأحكام التي تثبت للرجال تكون للنساء، وهكذا العكس؛ لأن الجميع مكلف، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث للجميع، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) فالذي لا يصلي ليس لزوجته البقاء معه وهي مسلمة، ليس لها أن تبقى معه، بل عليها أن تفارقه وأن تمنعه من الاتصال بها حتى يتوب فيتوب الله عليه.
وهكذا المرأة التي تترك الصلاة ليس لزوجها المسلم أن يبقى معها، بل يجتنبها حتى تتوب، فإن تابت وإلا فارقها وسوف يعوضه الله خيراً منها؛ لأن الله سبحانه يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] ويقول سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وترك الصلاة من المصائب العظيمة.
فالواجب على المسلمين جميعاً أن يحذروا ذلك وأن يتناصحوا في ذلك، وأن يهجروا من ترك الصلاة، وأن لا يقبلوا دعوته، وأن لا يسلموا عليه، وأن لا يردوا عليه السلام، وأن لا يدعوه إلى وليمة ولا غيرها، بل يجب أن يهجر كالبعير الأجرب، لا يقرب ولا يزار إلا للدعوة إلى الله، إذا كان للدعوة يدعى وينصح فلا بأس.
وأما طرح الخمار عند الكافرة فلا بأس على الصحيح، سواء كانت تاركة للصلاة أو يهودية أو نصرانية أو وثنية، لا حرج على المسلمة أن تراها الكافرة ولا تحتجب منها، هذا هو الصواب، وهذا هو الصحيح من قولي العلماء أن التحجب إنما يكون عن الرجل الأجنبي أما عن المرأة فلا، أما قول الله سبحانه: أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31] فالمراد: نساء بني آدم، فالمرأة لا يحتجب عنها على الصحيح وإنما يحتجب عن الرجل الأجنبي الذي ليس بمحرم، وأما المرأة فإنها من جنس المرأة وإن كانت كافرة لا حرج على المسلمة أن لا تحتجب عنها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر نساءه أن يحتجبن عن اليهوديات اللاتي كن في المدينة ولا عن غيرهن من الوثنيات، ولا نعلم أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أو بناته احتجبت عن امرأة كافرة.
وقد ثبت في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أن أمها وفدت إليها في المدينة في وقت الصلح بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة وهي كافرة، جاءت تطلب من بنتها الرفد والمساعدة، فاستأذنت أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم في أن تصلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صليها) ولم يأمرها أن تحتجب عن أمها لأنها كافرة، والقضايا في هذا كثيرة كلها دالة على أنه ليس على المرأة المسلمة أن تحتجب عن المرأة الكافرة، والله ولي التوفيق.
الجواب: لا حرج عليك في ترك الصيام، لما ذكره لك الطبيبان حتى يشفيك الله، فإن سمح لك الأطباء بالصيام فالحمد لله، وإلا فعليك أن تكفر عن كل يوم إطعام مسكين، نصف صاع من تمر أو رز أو حنطة، أو غير هذا من قوت البلد، ولا حرج أن تجمعها وتعطيها واحداً في آخر الشهر، أو اثنين أو أكثر، أو تخرجها كل يوم الأمر واسع، إن جمعتها وأعطيتها بعض الفقراء أو أخرجتها كل يوم، أو بعد العيد كل ذلك لا حرج فيه والحمد لله، كل سنة إلى أن يسمح لك الأطباء بالصوم، فلعل الخطر يزول إذا مضى بعض السنوات واستقرت سلامة الكلية لعلهم يسمحون لك بالصوم، فإن سمحوا لك فالحمد لله، وإلا فاستمر على الإطعام.
الجواب: لا حرج عليها في الإفطار إذا كان الرضاع يضرها مع الصوم، فالحاصل أنها مأذون لها، المرضع والحامل والمريضة، كلهن معذورات، حتى تستطيع الصيام، فإذا جاء رمضان الآخر وهي ترضع ولم تستطع الصيام بل يشق عليها من أجل الرضاع فإنها تفطر رمضان الآخر ثم تصومهما بعدما يحصل لها القوة على ذلك، إما بفطم الولد أو بقوة تعينها على الصوم، أو بغير هذا من أسباب القدرة.
فالحاصل: أنها ما دامت يشق عليها الصوم من أجل الرضاع أو من أجل الحمل، أو من أجل بعض الأمراض فإنها تفطر ولا كفارة عليها؛ لأنها غير يائسة من الصوم بل ترجو القدرة عليه، فإذا يسر الله لها الصوم فالحمد لله تصوم الجميع، تصوم ما مضى عليها متتابعاً أو مفرقاً لا حرج، ولا كفارة عليها.
المقدم: إذا أفطرت من أجل الإرضاع، هل يلزمها مع القضاء شيء أو لا..؟
الشيخ: لا يلزمها شيء؛ لأنه كالمرض.
الجواب: الحديث على ظاهره، وهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) والدعاء يقول: اللهم اغفر لأبي، اللهم ارحمه، اللهم أسكنه الجنة، اللهم ضاعف حسناته، اللهم كفر سيئاته، اللهم ارفع درجته في المهديين، وما أشبه هذا من الدعوات الطيبة، هذا الدعاء.
أما قراءة القرآن كونه يقرأ ويثوب هذا فيه خلاف بين أهل العلم:
من العلماء من قال: إنه يلحق الميت وأنه ينتفع بذلك، وبهذا قال جم غفير من العلماء، وقاسوه على الصدقة.
وقال آخرون: لا. لأن العبادات توقيفية، لا يسمح فيها إلا بما جاء به الشرع نصاً، ولم يرد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في الكتاب العزيز ما يدل على شرعية تثويب القرآن، أو الصلاة، أو الصوم لمن ليس عليه صوم واجب، فلما لم يأت هذا وجب تركه؛ لأن المؤمن إنما يفعل ما أمر به وشرع له، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: هو مردود، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) هذا وجه هذا القول الذي قاله جمع من أهل العلم وهو أظهر في الدليل وأقرب إلى الدليل، وفيما شرع الله الكفاية من الصدقة والدعاء والحج عن الميت، وأداء الصيام الواجب عنه إذا مات وعليه صيام من رمضان أو كفارة أو نذر، يؤدى عنه، يؤدي عنه أقاربه، أما صوم يتطوعون به عنه أو صلاة أو قراءة قرآن، فهذا لم يرد فيه دليل يدل عليه، فوجب ترك ذلك وقوفاً مع النصوص.
الجواب: إذا سمح بذلك، وإلا فليس لها ذلك، لكن تتصدق من مالها على الفقراء والمساكين في أي وقت، أما من مال الزوج فلابد من إذنه.
الجواب: لا حرج في ذلك على الصحيح، الإبر المقوية والمسكنة للآلام كل هذا لا بأس به، الممنوع الإبر المغذية، الحقن التي تغذي هذه تفطر الصائم، لكن إذا اضطر إليها واحتاج إليها يعطى إياها ويفطر، حكمه حكم المرضى، أما إبر للتقوية أو تسكين الألم أو أخذ عينة من الدم أو ما أشبه ذلك، لا تفطر على الصحيح.
الجواب: هاتان بدعتان، الاحتفال بالنصف من شعبان والاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب، كلتاهما بدعة، ليس عليهما دليل، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة الإسراء والمعراج، وما جاء فيها من بعض الأحاديث فهو غير صحيح عند أهل العلم، ولو ثبت أنها ليلة المعراج لم يجز الاحتفال بها حتى لو ثبتت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها ولا أصحابه وهم القدوة، والله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] يعني: في الفعل وفي الترك، فلما ترك نترك، وإذا فعل فعلنا عليه الصلاة السلام، فالاحتفال بليلة النصف من شعبان أو بليلة سبعة وعشرين من رجب لأنها ليلة الإسراء والمعراج، أو بالمولد النبوي في اثني عشر ربيع الأول، أو بالموالد الأخرى للبدوي أو للحسين أو لـعبد القادر الجيلاني أو لفلان أو فلان كله لا يجوز، وكونه تشبه بالنصارى واليهود في أعيادهم، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وقال: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، فلا يليق بالمسلمين أن يتشبهوا بأعداء الله في هذه الأمور ولا في غيرها.
ولو كان الاحتفال بليلة النصف من شعبان أمراً مشروعاً؛ لبادر إليه سيد ولد آدم، وأفضل خلق الله، وخاتم رسل الله عليه الصلاة والسلام، ولشرعه لأمته وعلمهم إياه؛ لأنه أنصح الناس، وهو الناصح الأمين عليه الصلاة والسلام، ما ترك من خير إلا دل عليه، وما ترك من شر إلا نبه عليه وحذر منه كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم) ونبينا أكملهم وأفضلهم وخاتمهم ليس بعده نبي، فهو أولى بهذا الوصف، فما ترك من خير إلا دلنا عليه، وما ترك من شر إلا حذرنا منه.
فلو كان الاحتفال بليلة النصف من شعبان أو بالمولد النبوي أو بليلة سبعة وعشرين من رجب أمراً مشروعاً لبادر إليه عليه الصلاة والسلام قولاً وفعلاً، ولعلمه أمته عليه الصلاة والسلام، ولو فعل لنقله الصحابة رضي الله عنهم فإنهم الأمناء، وهم خير الناس بعد الأنبياء، وأفضل الناس بعد الأنبياء، وهم الذين نقلوا لنا القرآن، ونقلوا لنا السنة الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، فهم الأئمة والقدوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن نخالفهم ونحدث شيئاً لم يفعلوه من القربات والطاعات.
ثم التابعون لهم بإحسان لم يفعلوا ذلك، لو كان الصحابة فعلوه لفعله التابعون، ثم أتباع التابعين، فلما لم يفعلوا ذلك ومضت القرون الثلاثة المفضلة لم يقع فيها احتفال بمولد، ولا بليلة النصف من شعبان، ولا بليلة السابع والعشرين من رجب علم أن ذلك من البدع التي أحدثها الناس، ثم لو أحدث بعض الناس شيئاً من البدع في القرن الثاني أو الثالث لم يكن حجة؛ لأن الحجة فيما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكن هذه البدعة -بدعة المولد- لم تفعل لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد القرن الأول، ولا في عهد القرن الثاني ولا الثالث، إنما جاءت في القرن الرابع.
وهكذا القول في جميع البدع، الواجب تركها والحذر منها ومن جملتها ما تقدم بدعة ليلة المعراج ليلة سبع وعشرين بدعة الاحتفال بها، كذلك بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، كذلك بدعة صلاة الرغائب، يفعلوها بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب، وهي بدعة أيضاً، والبدع كثيرة عند الناس، نسأل الله أن يعافي المسلمين منها، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفقهم للتمسك بالسنة والاكتفاء بها والحذر من البدعة.
المقدم: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم دائماً على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا خالد منور خميس ، شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر