أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقاء جديد من لقاءات نور على الدرب.
أيها الإخوة في الله! يسرنا ويشرفنا أن يكون ضيف هذه الحلقة صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====
السؤال: وأولى رسائل هذه الحلقة جاءتنا من المستمع محمد إبراهيم عبد العليم الشهير بـالطيب ، مصري الجنسية، ويعمل في الخرج في منطقة أصحنة بالدلم كما يقول، سؤاله عن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من كل عام، حيث يقول: أنا أعرف أنه بدعة، ولكنني سمعت من يقول بأن هناك بدعة حسنة أو بدعة مستحبة، وهناك من يعملون الحفلات في كل عام هجري في شهر ربيع الأول، فأرجو الإيضاح بارك الله فيكم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام أمر قد كثر فيه الكلام، وقد كتبنا فيه كتابات متعددة، ونشرت في الصحف مرات كثيرة، ووزعت مرات كثيرة، وكتب فيه غيري من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم، وبين أولئك العلماء أنه بدعة، وأن وجوده من بعض الناس لا يبرر كونه سنة ولا يدل على جوازه وشرعيته.
وقد نص على ذلك أيضاً الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وكتب في هذا أيضاً شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم رحمه الله كتابة وافية، وليس في هذا بحمد الله شك عند من عرف الأصول وعرف القاعدة الشرعية في كمال الشريعة والتحذير من البدع، وإنما يشكل هذا على بعض الناس الذين لم يحققوا الأصول، ولم يدرسوا طريقة السلف الصالح دراسة وافية كافية، بل اغتروا بمن فعل المولد من بعض الناس وقلدوه، أو اغتروا بمن قال: إن في الإسلام بدعة حسنة، والصواب في هذا المقام: أن الاحتفال بالموالد كلها بدعة، بمولده عليه الصلاة والسلام وبمولد غيره، كمولد البدوي، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو غيرهما، لأنه لم يفعلها السلف الصالح، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم احتفالاً بمولده وهو المعلم المرشد عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة، وما ترك سبيلاً يقرب من الله ويدني من رحمته إلا بينه للأمة وأرشدهم إليه، وما ترك سبيلاً يباعد من رحمة الله ويدني من النار إلا بينه للأمة وحذرهم منه، وقد قال الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] مضى لسبيله عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاثة عشر سنة، في المدينة عشر سنين ولم يحتفل بهذا المولد، ولم يقل للأمة: افعلوا ذلك، ثم صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم من الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان من التابعين وأتباع التابعين من القرون المفضلة، كلهم على هذا السبيل لم يفعلوا شيئاً من هذا لا قولاً ولا عملاً، ثم أتى بعض الناس في القرن الرابع ممن ينسب إلى البدعة من الشيعة الفاطميين المعروفين من حكام مصر والمغرب فأحدثوا هذه البدعة، ثم تابعهم غيرهم من بعض أهل السنة جهلاً بالحق، وتقليداً لمن سار في هذا الطريق، أو أخذاً بشبهات لا توصل إلى الحق.
فالواجب على المؤمن أن يأخذ الحق بدليله، وأن يتحرى ما جاءت به السنة والكتاب حتى يكون حكمه على بينة وعلى بصيرة، وحتى يكون سيره على منهج قويم، والله يقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
وإذا نظرنا فيما يفعله الناس من الاحتفالات ورددناه إلى القرآن العظيم لم نجد فيه ما يدل عليها، وإذا رددنا ذلك إلى السنة لم نجد فيها ما يدل على ذلك لا فعلاً ولا قولاً ولا تقريراً، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة بلا شك يجب تركها ولا يجوز فعلها، ومن فعل ذلك من الناس فهو بين أمرين: إما جاهل لم يعرف الحق فيعلم ويرشد، وإما متعصب لهوى وغرض فيدعى إلى الصواب ويدعى له بالهداية والتوفيق، وليس واحد منهما حجة لا الجاهل ولا المتعصب، ليس كل منهما حجة، وإنما الحجة فيما قاله الله ورسوله لا في قول غيرهما.
ثم القول بأن البدع تنقسم إلى حسنة وسيئة وإلى محرمة وواجبة قول بلا دليل، وقد رد ذلك أهل العلم واليقين وبينوا خطأ هذا التقسيم، واحتجوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني: فهو مردود، متفق على صحته، وروى مسلم في صحيحه رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: فهو مردود، وفي الصحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب يوم الجمعة فيقول: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ولم يقل البدعة فيها كذا وفيها كذا، بل قال: (كل بدعة ضلالة)، وقال في حديث العرباض بن سارية : (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
والبدع في أمور الدين في أمور التقرب لا في أمور الدنيا، أما أمور الدنيا في المآكل والمشارب فللناس أن يحدثوا في مآكلهم وطعامهم وشرابهم صناعات خاصة، يصنعون الخبز على طريقة، والرز على طريقة، والأنواع الأخرى على طريقة، لهم أن يتنوعوا في طعامهم ليس في هذا حرج، وإنما الكلام في القربات والعبادات التي يتقرب بها إلى الله، هذا هو محل التبديع، وكذلك الصناعات وآلات الحرب، للناس أن يحدثوا أشياء يستعينوا بها في الحرب من قنابل.. من مدافع.. من غير ذلك، يحدثون مراكب من طائرات.. من سفن فضائية.. من قطارات، ليس في هذا شيء، إنما الكلام فيما يتقرب به إلى الله ويعده الناس قربة وطاعة يرجون ثوابها عند الله هذا هو محل النظر، فما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولم يدل عليه صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه بل أحدثه الناس وأدخلوه في دين الله فهو بدعة، شاء فلان أو غضب فلان، والحق أحق بالاتباع، ومن هذا الباب ما أحدثه الناس من بناء المساجد على القبور، واتخاذ القباب عليها، هذا من البدع التي وقع بسببها شر كثير، حتى وقع الشرك الأكبر وعبدت القبور من دون الله بأسباب هذه البدع.
فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره وإن عظمه من يشار إليهم من أهل الجهل أو التقليد الأعمى أو التعصب، فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى ولا بأهل التعصب ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل، واحتج بالدليل، وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. والله المستعان.
الجواب: أولاً: الواجب على الزوجة طاعة زوجها في المعروف، ومعاشرته بالمعروف؛ لأن حقه عظيم، وقد قال الله جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بالسمع والطاعة لزوجها، وقال: (إذا باتت المرأة وزوجها ساخط عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) وفي لفظ آخر : (كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها) فالأمر عظيم والخطر كبير، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة) هذا وعيد شديد، فسؤال الطلاق من غير علة من غير بأس لا يجوز، وعلى المرأة السمع والطاعة، والكلام الطيب، والمعاشرة الحسنة في المعروف فيما أباح الله وشرعه سبحانه وتعالى، وليس لها عصيان زوجها ولا تكديره وإيذاؤه لا بالكلام ولا بالفعال، متى طلبها لحاجته في نفسها أجابت، ومتى أمرها أطاعت فيما يتعلق بشئونهما، وهكذا ما يتعلق بخدمة البيت وإحضار الطعام، وما جرت به العادة بين الزوجين، هذه أمور يلزمها أن تطيع زوجها في ذلك، وأن تخاطبه بالتي هي أحسن، وأن تسير معه المسيرة الحسنة التي عرفها الأخيار من المسلمين فيما بينهم.
وأما الطلاق فقد حدد الله الطلاق وجعله ثلاثاً، فإذا طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، وهو عاقل، طلقها على الوجه الشرعي، ثم طلقها الثالثة فإن الطلقة الثالثة تحرمها، وليس له أن ينكحها إلا بعد زوج شرعي يطؤها ثم يطلقها أو يموت عنها، بعد ذلك تحل له أن يراجعها، أما التحليل فلا يجوز، بل هو منكر، وهو نكاح باطل، والرسول صلى الله عليه وسلم (لعن المحلل والمحلل له) والعياذ بالله! فكونه ينكحها زوج محلل يتفقان معه على أنه ينكحها ثم يفارقها، هذا منكر ومن كبائر الذنوب وصاحبه ملعون، المحلل والمحلل له جميعاً، ولا يحلها للزوج السابق؛ فالذي فعلوا مع المحلل أمر منكر وطريق فاسد، وصاحبه قد تعاطى كبيرة عظيمة، وهي لا تزال محرمة على زوجها، وعليها أن تفارقه حتى تتزوج زوجاً شرعياً، وحتى يطأها الزوج الشرعي ثم يفارقها بموت أو بطلاق ثم تعتد.
أما الأولاد الذين جاءوا بعد ذلك بهذا النكاح الباطل فهم أولاد زوجها بالشبهة لأجل الشبهة؛ لأن هذا وقع عن شبهة وعن جهل فيلحق الأولاد هذا الزوج وينسبون إليه، ولكن عليها وعلى زوجها التوبة إلى الله، والندم، والإقلاع، والعزم الصادق أن لا يعودا إلى مثل هذا المنكر، ومتى تزوجت زوجاً شرعياً لا محللاً ثم وطئها ثم طلقها أو مات عنها فإنها تحل لزوجها هذا.
الخلاصة أنها مقيمة معه على حرام، وعليها أن تفارقه ويفارقها، وعليهما التوبة إلى الله جل وعلا جميعاً، أما أولادهما فلاحقون بأبيهم؛ لأجل وطء الشبهة، وليس لها أن تعود إليه أبداً إلا بعد زوج شرعي يطؤها ثم يفارقها بموت أو طلاق، ثم بعد ذلك يتزوجها زوجها الأول إذا شاء، نسأل الله السلامة.
المقدم: أحسنتم، وجزاكم الله خيراً.
الجواب: ليس بين الآية المذكورة الكريمة وبين الحديث الشريف المذكور تخالف ولا تضاد، بل الآية والحديث متفقان، الله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] المعنى: عليكم أن تجاهدوا أنفسكم، عليكم إصلاح أنفسكم فـ: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] أي: لا يضركم من ضل إذا أديتم الواجب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بما أوجب الله على العبد، فإن هذه هي الهداية، ما يكون العبد مهتدياً حتى يقوم بالواجب، وكونه يرعى من تحت يده ويقوم بما يلزم، وكونه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله كل هذا من طرق الهداية، فلا يكون مهتدياً حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من الواجبات العينية والواجبات المتعلقة بالمجتمع من أمر بمعروف ونهي عن منكر، وغير هذا مما يلزم للمجتمع.
فالحاصل أن قوله سبحانه: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] معناه إذا أديتم الواجب.
أما من ترك الحبل على الغارب ولم يأمر بمعروف ولم ينه عن منكر، ولم يقم بحق الرعية فما أدى الواجب، ولا اهتدى الهداية الكاملة، بل هدايته ناقصة غير تامة فيكون مؤاخذاً بذلك، يكون هذا الرجل الذي قصر في الواجب مؤاخذاً بما قصر فيه؛ لأن هدايته ناقصة، والله يقول: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] والذي لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، ولم يقم بالرعاية التي عليه لا يكون مهتدياً الهداية المطلقة الكاملة، بل تكون هدايته ناقصة ضعيفة، فيها خلل فيؤاخذ بهذا الخلل وهذا النقص.
الجواب: ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بل هو عام، وأسباب ذلك: قلة النفقة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم تكن عنده النفقة الكافية لأزواجه عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا جرى منهن ما جرى، فأمره الله أن يخيرهن فمن اختارت الله والدار الآخرة بقيت ومن أبت طلقها من أجل عدم القدرة على النفقة الكاملة، فإنه صلى الله عليه وسلم عرض له أوقات في المدينة ليس عنده ما يكفي للإنفاق على أزواجه، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر عليه الصلاة والسلام، وتأتيه الوفود فيتألفهم على الإسلام بما عنده من المال، فقد ينفد المال ويقل المال ويبقى الأزواج محتاجين، فلهذا لما طالبن بحقهن خيرن بين الله والدار الآخرة وبين الدنيا وحاجتها فاخترن الله ورسوله رضي الله عنهن، وصبرن على ما يصيبهن من حاجة حتى قالت عائشة رضي الله عنها: (لقد هل هلال، ثم هلال، ثم هلال ما أوقد في أبيات محمد نار -عليه الصلاة والسلام- فقال لها ابن أختها
المقصود: أنه صلى الله عليه وسلم كانت تمر عليه أوقات كثيرة ليس عنده ما يكفي لزوجاته التسع في الإنفاق عليهن حاجاتهن، فخيرن إن صبرن على ذلك فلهن الجنة والسعادة، وإن أبين طلقهن أو طلق من لم تصبر منهن حتى تجد من يقوم عليها القيام الكامل من جهة الدنيا، ولكمال إيمانهن وكمال يقينهن وكمال بصيرتهن لما خيرن اخترن الله ورسوله وندمن على ما جرى سابقاً، وكلهن اخترن الله ورسوله والبقاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان هناك حاجة، وإن كان هناك شدة.
فهكذا الناس اليوم، إذا كان الزوج عنده زوجة وهو عاجز عن نفقتها تخير، إن صبرت فجزاها الله خيراً، وإن أبت وجب عليه طلاقها حتى تجد من ينفق عليها.
الجواب: هذه المسألة مبنية على أصل وهو الحكم في تارك الصلاة، فمن قال: إنه كافر كفراً أكبر وإن لم يجحد وجوبها قال: إن هذا النكاح باطل؛ لأن الكافرة لا تصلح للمسلم، والله يقول في حقهن: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] وقال: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] فالتاركة للصلاة مشركة على القول الحق، فلا تنكح حتى تتوب إلى الله عز وجل؛ لقوله سبحانه: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] ولقوله في سورة الممتحنة: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].
أما على القول الآخر وهو: أن تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً ليس بكافر كفراً أكبر ولكنه كفر أصغر وعاصي وحكمه حكم أهل الكبائر، فعلى هذا القول يكون النكاح صحيحاً، ويكون له عذر إذا فارقها؛ لأن ترك الصلاة عيب عظيم.
ولكن الصواب أنه كفر أكبر، وأنها إذا كانت لا تصلي فهي كافرة، فإذا تابت ورجعت إلى الله لابد من تجديد النكاح، هذا هو الصواب؛ لأنها ليست كالكتابية، بل ترك الصلاة ردة، فلابد من توبة صادقة، توبة نصوح، فإذا تابت جدد نكاحها إذا رغب فيها، وإلا تركها ومتى خرجت من العدة ساغ لها أن تتزوج وينبغي له أن يطلقها طلقة واحدة خروجاً من الخلاف، حتى لا يبقى هناك خلاف، وحتى تتزوج على بصيرة، فإن المسألة خلافية فإذا طلقها طلقة واحدة كان ذلك قطعاً للتعلق بها وقطعاً لتعلقها به، وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بأن النكاح ليس بفاسد؛ لأن ترك الصلاة عندهم ليس بكفر أكبر.
والمقصود في هذا: بيان الحكم الذي هو أولى بالدليل وأحق بالدليل، ولا شك أنه القول بكفر تارك الصلاة كفراً أكبر إذا كان تركها تهاوناً غير جاحد لوجوبها، أما من جحد وجوبها فإنه يكفر بإجماع المسلمين كفراً أكبر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وإنما النزاع فيمن تركها تهاوناً وهو يؤمن بوجوبها هذا هو محل النزاع، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه أهل السنن والإمام أحمد بإسناد صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه مسلم في صحيحه، وهذا دليل على أن تركها كفر أكبر، نسأل الله السلامة.
فالمستمع في هذه الحالة إن كان يرغب في البقاء معها فعليه أن يجدد عقد نكاحه
بعد توبتها.
الجواب: نعم؛ لأن خمسة كيلو مسافة بعيدة لا يسمع فيها النداء، فله أن يصلي وحده؛ لأن المسافة بعيدة، أما لو كان بقربه مسجد يسمع منه النداء وجب عليه السعي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) فإذا كان في هذا المكان البعيد الذي لا يسمع فيه النداء فإنه لا يلزمه الحضور، فإن تجشم المشقة وصبر ولاسيما إذا كان صاحب سيارة فهذا خير له وله فضل عظيم.
المقدم: أحسنتم، جزاكم الله خير.
الجواب: أما الأيمان الثلاث الأولى التي بقصد التهديد وليس بقصد إيقاع الطلاق ولكن لتخويفها وتهديدها، فهذه الصواب فيها أنها في حكم اليمين، وعلى السائل كفارة اليمين في كل واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، والكسوة: إزار ورداء أو قميص، أما الإطعام: فهو نصف صاع من التمر أو من الرز أو غير ذلك من قوت البلد، هذا هو الإطعام، وإن غداهم أو عشاهم كفى ذلك، ولا يقع الطلاق بذلك في أصح قولي العلماء، وذهب الجمهور إلى أنه يقع الطلاق بهذه اليمين إذا قال: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، أو إن ذهبت إلى بيت أهلك فأنت طالق، أو إن فعلت شيئاً آخر فأنت طالق، وقصده التهديد، فالأكثرون على أنه يقع ولا تنفعه هذه النية، ولكن الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم أن هذا في حكم اليمين، ولا يكون طلاقاً بل عليه كفارة اليمين، وهذا هو الذي نفتي وهو الأصح، وهو الذي أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والعلامة ابن القيم ، وهو ظاهر ما نقل عن جماعة من السلف الصالح من التابعين، وهو ظاهر ما نقل عن ابن عمر وعن صفية زوجته بنت أبي عبيد، وعن جماعة فيمن حلفت بالعتق والصدقة بمالها وعتق عبيدها على أنه لا يفعل كذا فلم يفعل، قالوا لها: عليك كفارة يمين؛ لأنها إنما قصدت إلزامه ولم تقصد العتق ولا الصدقة، وإنما أرادت إلزام هذا الشخص بأن يطلق زوجته، فقالوا: عليك بهذا كفارة يمين، ولا يلزمك أن يكون مالك صدقة ولا عتق الرقاب؛ لأنها لم ترد ذلك وإنما أرادت إلزامه والتأكيد عليه، فإذا كان هذا في المحبوب إلى الله من الصدقة والعتق وهما محبوبان إلى الله، فالطلاق المبغوض إلى الله من باب أولى أنه لا يقع مع التهديد وقصد التأكيد والتشديد والتخويف لا بقصد إيقاع الطلاق، هذا هو الصواب.
أما الرابعة التي علقها على شرط يريد إيقاع الطلاق فهي تقع، فإذا قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، وقصده إيقاع الطلاق وقع إذا خرجت، أو قال: إن كلمت فلاناً وقصده إيقاع الطلاق وقع على نيته؛ لأن الأعمال بالنيات.
المقدم: جزاكم الله خير، بارك الله فيكم.
أيها الإخوة المستمعون الكرام! بهذا نأتي إلى ختام هذه الحلقة المباركة والتي أجاب فيها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، نشكر لسماحة شيخنا ما تفضل به، ونشكر لكم حسن متابعتكم، ولكم تحية من الزميل خالد خميس من الهندسة الإذاعية، وإلى أن نلتقي على خير نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر