أولاً: نرحب باسم السادة المستمعين بسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: الرسالة الأولى وردت إلى البرنامج من المستمع: عثمان موسى أحمد من جيبوتي يقول في رسالته: وفي سؤاله الأول: أرجو أن تعطونا تفسيراً واضحاً لقول الحق تبارك وتعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
هذه الآية الكريمة أصل عظيم في الحج والعمرة، يقول الله سبحانه وتعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] الآية، احتج بها العلماء على أن الواجب على من دخل في الحج والعمرة أن يتمهما، وأنه ليس له الخروج منهما بل يجب عليه إتمامهما، فإذا أحرم بالحج وجب عليه تمام الحج، وإذا أحرم بالعمرة وجب عليه تمامها، وليس له الخروج منها إلا بالطريقة الشرعية، وهي أداء الأنساك التي شرع الله في الحج والعمرة، فإذا لبى بالحج لم يخرج منه حتى يقف بعرفات، وحتى يرمي الجمرة يوم العيد، ثم يحلق ويتحلل التحلل الأول، ثم بعد الطواف والسعي يتم له التحلل الكامل، هذا هو الذي شرعه الله سبحانه وتعالى، فالحاج حين يحرم بالحج يبقى حراماً، لا يتطيب ولا يقص أظفاره، ولا يأخذ من شعره، ولا يأتي أهله ولا يصيد إلى غير ذلك مما حرم الله في الإحرام.
فإذا وقف بعرفات في يوم التاسع، بات في مزدلفة ليلة العاشر، ثم في الصباح يرمي الجمرات، جمرة العقبة بسبع حصيات كما رماها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يشرع له أن ينحر هدياً إن كان عنده هدي ذبح، وإن لم يكن عنده ذبح أو لم يتيسر له حلق أو قصر وتحلل، يحلق رأسه أو يقصر أطرافه بالمقراض ويتحلل، وهذا يقال له: التحلل الأول، ثم بعدما يطوف ويسعى في يوم العيد أو بعده يتم حله من حجه الحل الكامل. بالتحلل الأول يباح له الطيب ولبس المخيط ونحوهما ما عدا النساء، وإذا طاف وسعى بعد الحلق والرمي حل الحل كله، حل له الطيب والنساء وجميع محظورات الإحرام، وبهذا تم حجه وعليه أن يكمل، ما بقي عليه من رمي الجمار أيام التشريق، وعليه مع ذلك المبيت في منى إن لم يعذر عن ذلك بمرض ونحوه، وعليه مع ذلك أن يطوف طواف الوداع عند إكماله حجه، وعند إرادته السفر.
وهكذا العمرة إذا أحرم بها ليس له أن يتحلل منها حتى يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق، فإذا طاف بالبيت العتيق سبعة أشواط وصلى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم حلق أو قصر تمت عمرته، وهذا معنى قوله سبحانه: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ثم قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] إذا أحصر ساغ له حينئذٍ أن يتحلل؛ لأنه معذور، ساغ له أن يتحلل قبل أن يطوف ويسعى، مثلما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحديبية ومنعه كفار مكة أن يدخل مكة، فنحر هديه وحلق رأسه وتحلل، وأمر أصحابه بذلك.
وفي هذا المعنى يقول الله جل وعلا: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] يعني: فاذبحوا ما تيسر من الهدي، وهو شاة واحدة عن الرجل والمرأة، وبدنة عن سبعة، وبقرة عن سبعة، هكذا المحصر يفعل إذا منع من مكة، منع من دخولها بعدو أو غيره مما يمنع من دخول مكة، أو مرض منعه حتى لا يستطيع على الراجح الدخول والعمل يتحلل فينحر هدياً: شاة، أو بقرة، أو بدنة، لكن الشاة عن الواحد فقط، أما البدنة والبقرة فتكون عن الواحد وعن السبعة، وإن ذبحها واحد فلا بأس، وإن ذبحها اثنان فلا بأس، وإن ذبحها ثلاثة فلا بأس، وإن ذبحها سبعة فلا بأس، يعني: البدنة والبقرة تجزئان عن الواحد وعن اثنين وعن ثلاثة وعن أربعة وعن خمسة وعن ستة وعن سبعة.
أما الشاة الواحدة من الضأن أو من المعز فإنها لا تجزئ إلا عن واحد، إما رجل وإما امرأة فقط في الحج، ثم قال: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] معناه: أن المحصر لا يحلق حتى يذبح، هذا في المحصر إذا أحصر فإنه ينحر أولاً ثم يحلق، ولا يبدأ بالحلق، بل يبدأ بالنحر؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا ثم يحلقوا.
أما في الحج فله أن يبدأ بالحلق، لا بأس يجوز كما بين النبي صلى الله عليه وسلم فإنه: (سئل عمن حلق قبل أن يذبح؟ فقال: لا حرج عليه الصلاة والسلام) لكن الأفضل في الحج أنه ينحر أولاً ثم يحلق، هذا هو الأفضل، لكن لو حلق قبل أن يذبح أو حلق قبل أن يرمي أجزأ ذلك، أما المحصر فلا، بل لابد أن يبدأ بالنحر ثم يحلق للآية الكريمة.
أما قوله سبحانه: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فهذا في حق من أصيب بالمرض، الذي يحتاج معه إلى حلق الرأس أو إلى لبس المخيط، أو إلى الطيب، فهذا له رخصة أن يحلق رأسه كما فعل كعب بن عجرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه آذاه رأسه فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه ويصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة أو يتصدق بثلاثة آصع لستة مساكين كل مسكين له نصف الصاع، وهذا تفسير الآية الكريمة: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ [البقرة:196] وهو ثلاثة أيام أَوْ صَدَقَةٍ [البقرة:196] وهي إطعام ستة مساكين، أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] وهي ذبح شاة، هذا في حق من احتاج إلى لبس المخيط أو غيره من المحظورات، فإنه يلبس المخيط عند الحاجة أو يتطيب عند الحاجة بسبب المرض، أو يحلق رأسه عند الحاجة بسبب المرض، وعليه أن يفعل واحدة من هذه الثلاث: إما أن يذبح شاة، وإما أن يتصدق بإطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف الصاع من التمر أو نحوه، من الأرز والحنطة ونحو ذلك من قوت البلد، أو يصوم ثلاثة أيام، هذه الأشياء الثلاثة التي أرادها الرب عز وجل في قوله سبحانه: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة.
ثم بين سبحانه وتعالى حكم المتمتع، و.. المتمتع بالعمرة إلى الحج عليه أن يهدي، إذا تمتع بالعمرة إلى الحج يعني: أحرم بالعمرة في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة، ثم حج من عامه فهذا يسمى: متمتع، فعليه أن يهدي ذبيحة يذبحها أيام العيد عن تمتعه، وهي شاة أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فإن لم يستطع صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج يعني: في مكة أيام الحج قبل عرفات، وإن لم يتيسر صامها أيام التشريق على الصحيح، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يستطع ذلك لمرض أو غيره صام العشرة كلها عند أهله ولا شيء عليه، بدلاً من الهدي والله ولي التوفيق.
الجواب: إذا كانت والدتك تستطيع الحج في حياتها؛ لأنها ذات مال، فإنك تحج عنها ثقة من الطيبين، أو تحج عنها بنفسك وذلك أفضل؛ لأنك ولدها وأقرب الناس إليها، فإذا حججت عنها بنفسك، فذلك أفضل إذا تيسر لك ذلك، وإن حجيت عنها بواسطة بعض الثقات الطيبين فلا بأس، وهذا واجب إذا كانت في حال حياتها مستطيعة، فالواجب أن يحج عنها من مالها، أو من نفسك من دون النظر إلى مالها من باب الإحسان إليها والبر بها، فأنت مخير إن شئت أخرجت من مالها، وإن شئت حججت عنها من نفسك بنفسك أو من مالك بواسطة الثقة الطيب المعروف بالديانة والخير والأمانة.
والحج عن الغير مشروع، وهل يجب إذا كان الغير توفي ولم يحج وهو مستطيع؟ وجب أن يحجج عنه من ماله، أما إن كان لم تجب عليه الحجة؛ لأنه فقير، فإن حج عنه أحد فلا بأس، وإن حج الإنسان عن أبيه أو عن أمه العاجزين فهذا مشروع وطيب ومن البر، لكن لا يجب عليك أن تحج عن أبيك ولا عن أمك إلا إذا كانا قادرين في حياتهما على الحج فتساهلا، فإنك تخرج من مالهما لمن يحج عنهما من الثقات الطيبين، أو تحج عنهما بنفسك، وأما إذا كانا قد حجا أو كانا غير مستطيعين للحج، فإنه يشرع لك أن تحج عنهما ولا يجب عليك، بل هذا من برهما.
الجواب: هذا فيه تفصيل: إن كان المانع حصل له قبل أن يحرم بأن حصل له في مصر أو في الطريق قبل أن يتلبس بالإحرام، فلا شيء عليه والحمد لله ويرجع إلى بلاده أو إلى غير ذلك مما أراد؛ لأنه لم يتلبس بالإحرام ولا شيء عليه، أما إن كان العذر حصل له بعدما أحرم، بعد ما لبى بالعمرة أو بالحج من الميقات مثلاً، أو قبل الميقات بعدما دخل في الإحرام، هذا فيه تفصيل:
إن كان العذر يمنعه من أداء النسك كأن كان محصراً من عدو أو من مرض شديد يمنعه من أداء الحج فإنه ينحر هدياً في مكانه، ويتصدق به على الفقراء والمساكين ويحلق رأسه أو يقصر ويتحلل ويرجع، مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في عام الحديبية لما حصره أهل مكة ومنعوه من أداء عمرته، فإنه نحر هديه وحلق رأسه وتحلل عليه الصلاة والسلام، فإن كان لا يستطيع هدياً صام عشرة أيام، وتحلل من إحرامه، وهذا هو الواجب والحمد لله.
الجواب: أما الصيد فليس له قتله، كما نص الله على هذا في قوله جل وعلا: لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] فالمحرم لا يقتل الصيد: كالضبي والأرنب والوعل ونحو ذلك والحبارى ونحو ذلك، فهو ممنوع من قتل الصيد حتى يحل من إحرامه.
أما الحيوان الضار كالذئب والكلب الذي تعدى عليه، أو بعض الطيور الضارة كالغراب والعقاب ونحو ذلك لا بأس أن يقتلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) وفي رواية: (والحية) وفي بعضها: (والذئب العادي) فالفواسق تقتل وهي هذه الخمس وما جاء في معناها: الغراب وشر منه العقاب والحدية وأشباهها، والفأرة تقتل والعقرب والكلب العقور والحية، وما أشبهها مما يؤذي كالذئب وكبقية الحشرات المؤذية: كالبعوض والذباب وشبه ذلك، كل هذا جائز للمحرم أن يقتله؛ لأنه من الفواسق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجواب: السنة للمحرم أن يجعل الرداء على كتفيه جميعاً، السنة أن يجعل الرداء على كتفيه جميعاً، وأن يجعل طرفيه على صدره، هذا هو السنة، وهذا هو الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا أراد أن يطوف طواف القدوم، اضطبع، فجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر، وكشف منكبه الأيمن في حالة طواف القدوم خاصة، وهو أول ما يقدم مكة في الحج أو في العمرة، هذا هو السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فعل خلاف ذلك فقد خالف السنة، الذي يكشف منكبه دائماً هذا خلاف السنة، والذي يكشف المنكبين دائماً خلاف السنة، وإنما السنة أن يسترهما بالرداء، هذا هو السنة حال كونه محرماً، ولو وضع الرداء ولم يسترهما في وقت جلوسه أو وقت أكله أو تحدثه مع إخوانه فلا بأس، لكن السنة إذا لبس الرداء أن يكون على كتفيه وأطرافه على صدره، هذا هو السنة، إلا في حال طواف القدوم أول ما يقدم مكة، فإنه يضطبع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والاضطباع هو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، ويكون المنكب الأيمن مكشوفاً، فإذا انتهى من الطواف عدل الرداء وجعله على منكبيه وصلى ركعتي الطواف وهو قد عدل الرداء وجعله على منكبيه كما كان قبل أن يطوف هذا هو السنة.
الجواب: الله سبحانه شرع الأنساك الثلاثة لحكمة بالغة ومنها: التيسير على الأمة والتوسعة لهم، فإن بعض الناس قد يريد العمرة فقط ولا يريد الحج؛ لأنه قد حج سابقاً فيأتي بعمرة وحدها، وينتفع بهذا النسك العظيم، والعمرة كفارة لما بينها وبين العمرة الأخرى، فيها خير عظيم، والحج مفرداً فيه أيضاً تيسير على الحاج؛ لأنه يؤدي الحج من دون عمرة ، فلا يتكلف العمرة ولا يتكلف بالدم؛ لأن المتمتع عليه دم، فيأتي بالحج مفرداً، فيلبي بالحج مفرداً ويفعل أفعال الحج إذا وصل إلى مكة، يطوف طواف القدوم ويسعى مع ذلك ويبقى على إحرامه حتى يقف بعرفات وحتى يكمل الحج، وليس عليه دم يسمى: مفرداً.
والنوع الثالث: يسمى: قارناً ويسمى: متمتعاً، وهو الذي يأتي بالعمرة والحج جميعاً، فإن جمع بينهما في التلبية قال: لبيك عمرة وحجاً، أو: اللهم لبيك عمرة وحجاً، أو: اللهم قد أوجبت عمرة وحجا، فهذا حكمه حكم المفرد في العمل، يطوف ويسعى إذا قدم مكة ، ويبقى على إحرامه، فإذا جاء يوم عرفة وقف مع الناس، وبات في المزدلفة ثم رمى الجمرة يوم العيد ثم كمل حجه وعليه دم؛ لأنه جمع بين الحج والعمرة ذبيحة، أو سبع بدنة أو سبع بقرة تذبح في مكة أو في منى للفقراء والمساكين، ويأكل منها ويطعم منها.
والنوع الثاني من التمتع: أن يحرم بالعمرة ثم يحل منها، يطوف ويسعى ويقصر ويحل في أشهر الحج: شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة، ثم يلبي بالحج مع الناس في اليوم الثامن من ذي الحجة أو قبله، فيقف مع الناس في عرفات وفي مزدلفة وفي المشعر الحرام. إلى غير ذلك ويكمل الحج على هذا، فهذا يسمى: متمتعاً، وعليه كالذي قبله دم كالقارن، عليه دم، وهو دم التمتع يذبح في مكة، أو في منى، ويأكل منه ويطعم كما فعل القارن.
هذا هو الفرق بين هذه الأنساك الثلاثة، والحكمة في ذلك والفائدة -والله أعلم- التوسعة والتيسير على الحجاج، من أراد الحج وحده أحرم بالحج وحده، ومن أراد العمرة وحدها أحرم بالعمرة وحدها في أي وقت، ومن أراد الحج والعمرة جميعاً جمع بينهما بنسك واحد، أو أحرم بالعمرة وفرغ منها ثم أحرم بالحج، فإذا قدم قارناً أو مفرداً بالحج قبل وقت الحج، فالسنة له أن يحل، السنة له والمشروع له أنه يحل ما يبقى محرماً؛ لأن هذا يشق عليه ويتعبه، وهو خلاف السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الحجاج.. أمر الصحابة لما قدموا في رابع ذي الحجة وقد أحرم بعضهم بالقران وبعضهم بالعمرة وتحلل منها أمرهم أن يتحللوا، وقد كان بعضهم قد أحرم بالقران وبعضهم أحرم بالحج مفرداً، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا، بأن: يجعلوها عمرة فيطوفوا ويسعوا ويقصروا ويحلوا، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا، وأمرهم بالهدي؛ هدي التمتع، ومن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، هذا هو الأفضل، وهو أنه يحرم بالعمرة فإذا فرغ منها، ثم يحرم بالحج ويهدي هذا هو الأفضل، وهذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولجعلتها عمرة) تمنى أنه فعل مثلهم، فالأفضل للقادم إلى مكة في أشهر الحج أنه يلبي بالعمرة ثم إذا فرغ منها وجاء وقت الحج أحرم بالحج ويسمى: متمتعاً وهذا هو الأفضل، وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأرشدهم إلى ذلك، وتمنى أنه يتمكن من ذلك لولا أن معه الهدي عليه الصلاة والسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
إلى علمائنا الأجلاء الأفاضل في برنامج نور على الدرب، أبلغكم تحياتي، لقد استمعت إلى برنامجكم الطيب والمفيد لجميع المسلمين في أنحاء المعمورة، واستفدت منه كثيراً، وأرجو منكم الإفادة عن سؤالي وهو أنني من أسرة مالكية، وذهبت إلى المملكة العربية السعودية، وتعلمت التجويد على يد أستاذ سعودي، وتحولت قراءتي من ورش إلى حفص ، وأخذت بعضاً من الفقه عن طريق كتاب: فقه السنة للسيد سابق ، وعندما عدت إلى الوطن انتقد علي بعض الإخوة أشياء كثيرة: أولها: القبض في الصلاة، والتسليمتان بعد الصلاة على اليمين والشمال، وكثيراً من السنن التي يطيل ذكرها ويقولون: إن الإمام مالكاً لم يأمر بها ولم يذكرها، ولا أطيل عليكم، كل السؤال هو: أني أتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل يجوز لي أن أتبع أحد الأئمة الأربعة، أم أن أبقى على ما أنا عليه من المذهب المالكي، وتلك هي السنة فقط لا غير، أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: أسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية لما فيه صلاح الدين والدنيا، اعلم يا أخي! أن الواجب على المسلمين جميعاً في أقطار المعمورة أن يتبعوا ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وليس عليهم أن يتقيدوا بمذهب مالك أو أبي حنيفة أو الشافعي أو أحمد رحمة الله عليهم جميعاً أو الظاهرية! لا، على العلماء أن يبحثوا ويعتنوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه وأصحابه، فما بان لهم أنه هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليهم الأخذ به والتقيد به، والدعوة إليه؛ لأن الله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه العظيم القرآن، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام، ثم إلى سنته بعد وفاته صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] ويقول سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض، وثبت عنه هذا في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يأمر الرجل أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، وقال
ونوصيك أيها الأخ بالبقاء على ما عرفت من السنة، وأن تنصح إخوانك في موريتانيا وغيرها بأن يعتنوا بالسنة، ولا يجوز أن يكون في قلوبهم شيء بعد الله أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز للمؤمن أن يكون في قلبه شيء بعد الله عز وجل أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو قدوة لنا وهو الإمام وهو السيد المتبع عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز لعالم أو غير عالم أن يكون في قلبه شيء أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الله عز وجل، فالله هو المعظم جل وعلا فوق كل أحد، ولكن بعده سبحانه وتعالى أعظم الناس وأولاهم بالاتباع وأولاهم بالتعظيم الجائز شرعاً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الإمام المتبع عليه الصلاة والسلام.
المقدم: أحسن الله إليكم! أيها الإخوة في الله! باسمكم جميعاً نشكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد على هذا اللقاء في برنامج نور على الدرب، الذي أجاب فيه سماحته مشكوراً على أسئلة الإخوة المستمعين: المستمع عثمان موسى أحمد من جيبوتي، المستمع: حسين بن علي السامرائي من العراق، المستمع عادل محمد حسنين من جمهورية مصر العربية طنطا، المستمع محمد علي بن عبد الوهاب من عمان، المستمع سليمان محمد بن مسعود من دولة قطر، المستمع رفعت كمال الدين ، من جمهورية مصر العربية، وأخيراً رسالة المستمع الحافظ حمة موريتاني ومقيم بالجماهيرية الليبية.
أيها الإخوة الأكارم! شكراً لكم على حسن إنصاتكم للبرنامج ومتابعتكم وإلى لقاء آخر إن شاء الله، من لقاءات الخير والبركة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر