مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: نعود مع مطلع هذه الحلقة إلى رسالة أحد الإخوة المستمعين من نيجيريا في مدينة لاجوس هو المستمع زكريا محمد حسن ، أخونا زكريا عرضنا له سؤالاً في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل عن تفسير آية، وهي قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآية الكريمة مضمونها التحذير من أن تسمع ما لا يحل لك، أو تنظر إلى ما لا يحل لك، أو تعتقد ما لا يحل لك، فأنت مسئول عما سمعت وعما نظرت إليه وعما اعتقدته بقلبك، والفؤاد: هو القلب، فالإنسان مسئول عن سمعه وبصره وفؤاده.
فعلى المؤمن أن يتقي الله في سمعه وبصره وقلبه، وأن لا يسمع ما حرم الله عليه من سماع الأغاني وآلات اللهو أو سماع الغيبة والنميمة لما فيهما من الضرر العظيم أو ما أشبه ذلك مما يضر سماعه، بل يستمع الخير كاستماعه للقرآن الكريم أو للسنة المطهرة أو للأحاديث المفيدة، وسماعه لكلام أهله المباح أو كلام إخوانه وما أشبه ذلك مما هو مباح أما المحرم فليحذر.
ومن ذلك أن يستمع لقوم يكرهون سماعه ولا يرضون أن يسمع حديثهم فلا يجوز له ذلك، كما في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة) رواه البخاري ، والآنك يعني: الرصاص، هذا تحذير من سماع أحاديث الناس وهم يكرهون ذلك، كأن تستمع لهم من عند الباب سراً أو من طاقة أو من سماعة التلفون، أو أشباه ذلك، ليس لك أن تستمع حديث قوم يكرهون ذلك، لهذا الحديث العظيم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة) يعني: الرصاص نسأل الله العافية.
وهكذا البصر أنت مأمور بغض البصر عما حرم الله، غض البصر عن النساء، لئلا تفتن بهن، كما قال جل وعلا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] تغض بصرك عما حرم الله عليك من النساء الأجنبيات، كزوجة أخيك أو زوجة عمك أو ما أشبه ذلك من غير المحارم.
وهكذا عن المردان إذا خشي الفتنة، تغض بصرك عن النظر إلى الأمرد إذا خشيت الفتنة، وهكذا مما أشبه ذلك مما يحرم النظر إليه كعورات الناس، ليس لك أن تنظر إلى عورات الناس ولا من خلال بيوتهم؛ لأنك ممنوع من ذلك.
وهكذا يجب عليك أن تحذر الاعتقادات الباطلة، بل يجب أن تنزه قلبك وعقلك عما حرم الله، فلا تعتقد ما حرم الله عليك من حل ما حرم الله، أو اعتقاد عدم وجوب ما أوجب الله، أو عمل بقلبك لما حرم الله، كاعتقاد -مثلاً- أن الزنا حلال، هذا من مرض القلب، وهو كفر نسأل الله العافية، وهكذا اعتقاد أن شرب الخمر حلال، هذا من مرض القلب وهو كفر أكبر نسأل الله العافية.
وهكذا سوء ظنك بالله وسوء ظنك بإخوانك من غير دليل أيضاً من أمراض القلب، وهكذا قنوطك من رحمة الله وأمنك من مكر الله كلها أعمال قلبية خطيرة منكرة من كبائر الذنوب، وهكذا النفاق مرض قلبي، كونك تظهر الإسلام وتعتقد الكفر في القلب، تعتقد أن الرسول ليس بصادق، أو أن الدين ليس بحق أو ما أشبه هذا من اعتقادات أهل النفاق.
والخلاصة: أن السمع والبصر والفؤاد كلها يجب أن تصان عما حرم الله، عليك أن تصون سمعك عما حرم الله، وبصرك عما حرم الله، وقلبك عما حرم الله، وأن تنظر وتسمع لما ينفعك ويرضي الله عنك، أو ما أباح الله لك، وتعتقد في قلبك ما شرعه الله وما أباح الله، تعمل بذلك كحب الله ورسوله.. خوف الله ورجائه، كل هذه أعمال قلبية مفروضة، حسن الظن بالله، اعتقاد أنه الواحد الأحد المستحق للعبادة، واعتقاد ما أوجب الله عليك كالصلاة والصوم، تعتقد هذا بقلبك أن الله أوجب الصلاة على المكلفين من المسلمين، أوجب الزكاة لمن لديه مال فيه الزكاة، أوجب صوم رمضان لمن استطاع ذلك، أوجب الحج على من استطاع ذلك وهكذا.
وأنت مسئول عن هذه كلها يوم القيامة، فإن كنت حافظت عليها وصنتها سلمت وحمدت العاقبة، أما إن كنت أسأت التصرف ولم تصنها عما حرم الله فإنك على خطر عظيم، وفيه تفصيل كما تقدم.
الجواب: بناء المساجد على القبور منكر عظيم ومن وسائل الشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فلا يجوز البناء على القبور ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا جعلها مصلى، فالمسجد الذي فيه قبر أو أكثر لا يصلى فيه، والصلاة فيه غير صحيحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنها ولعن من فعل ذلك وقال في الحديث الآخر الذي رواه مسلم في الصحيح: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، فنهى عن اتخاذ القبور مساجد، وقال: إنه ينهى عن هذا، ولعن من فعل هذا وذمه.
فلا يجوز للمسلمين أن يصلوا في المساجد التي فيها قبور، بل يجب نبشها.. يجب على الدولة وعلى أهل الحل والعقد أن ينبشوها ويجعلوها في مقابر المسلمين، لتبقى المساجد ليس فيها قبور، على الدولة إذا كانت تدين بالإسلام أن تنبش هذه القبور التي في المساجد وأن تجعلها مع المسلمين في مقابرهم، حتى تخلو المساجد من القبور.
هذا إن كانت القبور بعد المسجد، أما إن كان المسجد بني عليها وهي قديمة فالواجب أن يهدم المسجد، ولا يصلى فيه ويلتمس أهل الحي أرضاً أخرى ليس فيها قبور فيعمروا بها مسجداً ويصلون فيه.
أما المسجد الذي بني على القبور فالواجب هدمه؛ لأنه أسس على معصية الله، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها) رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه.
والخلاصة: أن القبر إن كان جديداً والمسجد هو الأسبق وجب نبش القبر ونقل الرفاة إلى المقابر الأخرى، تجعل في حفرة ويسوى ظاهرها كالقبر، وهكذا لو كان أكثر من قبر.. قبرين.. ثلاثة كلها تنقل، كل رفاة قبر تجعل في حفرة وحدها في المقابر العامة ويجعل ظاهرها كظاهر القبور حتى لا تمتهن ويبقى المسجد خالياً يصلى فيه.
أما إن كانت القبور هي الأصل والمسجد هو الحادث بني عليها فإنه يهدم، لأنه أسس على غير التقوى على المعصية فيهدم، ويبنى لأهل الحي مسجد في محل آخر ليس فيه قبور، طاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وعملاً بما دلت عليه النصوص، وتحذيراً للمسلمين من الشرك وقطعاً لوسائله؛ لأن وجود القبور في المساجد من وسائل الشرك ومن وسائل الغلو فيها، ومن وسائل دعائها والاستغاثة بها والنذر لها، ثم الطواف بها ولا حول ولا قوة إلا بالله فيجب الحذر من ذلك.
أما إن كان القبر خارج المسجد عن يمنيه أو شماله أو أمامه أو خلفه وليس في داخله فالصلاة صحيحة، لكن لو تيسر إبعاده في المقابر يكون أولى حتى لا يغلو فيه أحد، إذا كان خارج بناء المسجد عن يمين أو شمال أو أمام أو خلف فالأولى والأفضل أن ينقل لا يبقى قبر عند المسجد لئلا يغلى فيه، فينقل للمقابر العامة، ولكن الصلاة به صحيحة؛ لأن المسجد سليم من القبور ليس بداخله قبور.
ونسأل الله أن يوفق ولاة أمور المسلمين لتطهير بلادهم من آثار الشرك ووسائله، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم وبطانتهم، وأن يوفق العلماء للقيام بما يجب من النصيحة لولاة الأمور وإرشادهم إلى الخير وإعانتهم عليه، فإن واجب العلماء عظيم في كل مكان، في السودان وغير السودان واجب العلماء عظيم، يجب عليهم أن يرشدوا الناس إلى أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أمر منكر بل شرك أكبر، وأنه لا يجوز الغلو في القبور ولا الطواف بها ولا دعاء أهلها والاستغاثة بهم ولا أن يطلب منهم المدد، هذا منكر عظيم وشرك أكبر.
فالواجب على أهل العلم في السودان، وفي مصر وفي الشام وفي الأردن وفي كل مكان وفي هذه الجزيرة كلها في اليمن وفي الخليج وفي كل مكان، الواجب على العلماء أن يبينوا أمر الله، وأن يرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعة الله، وأن ينكروا عليهم المنكرات حتى يعرف الناس المنكر وحتى يحذروه، فالعلماء هم ورثة الأنبياء وعليهم واجب عظيم هو واجب الدعوة والبلاغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في كل بلد وفي كل دولة.
وعلى العلماء إذا كانت الدولة كافرة أن يرفعوا إليها ويبينوا لها أن هذا الأمر كذا وكذا حتى تسمح لهم بعمل ما شرعه الله؛ لأنه لابد من قوة تعين على إزالة المنكر؛ لأن العامة الجهلة قد يعترضون على أهل العلم فلابد من الاستعانة بالله ثم بالدولة حتى تعينهم على هدم المساجد التي بنيت على القبور، وحتى تعينهم على نقل القبور التي وضعت في المساجد تنقل رفاتها إلى المقابر العامة، وليس لأحد أن يفعل ما يحصل به التشويش بل عليه أن يستأذن من ولاة الأمور حتى تجري الأمور على طريقة حسنة مضبوطة من جهة ولاة الأمور، وإذا كان ولي الأمر قد جعل الأمر لأمير البلد وعلماء البلد قاموا بالواجب، فالعلماء يرفعون لأمير البلد وأمير البلد ينفذ ويتعاون الجميع على البر والتقوى، كما قال الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ولا يجوز للعالم السكوت عن هذا الأمر العظيم والخطر الكبير، يجب على أنصار السنة في مصر والشام وفي السودان وفي كل مكان وعلى العلماء جميعاً في كل مكان أن يبينوا للناس أمر الله، وأن يشرحوا لهم حقيقة الدين، وأن يوضحوا لهم أنواع الشرك الأكبر والأصغر وسائر المعاصي حتى يجتنبوها ويحذروها، ويجب على العلماء أن ينكروا على الناس دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر للأموات والذبح لهم وأن يجعل صناديق للنذور، هذا منكر عظيم وشرك وخيم، يجب أن ينكر.. يجب على العلماء أن ينكروه بغاية النشاط وبالأساليب الحسنة التي يحصل بها إنكار المنكر، ولا يحصل بها التشويش مع ولاة الأمور بل يتصلون بولاة الأمور ويخبرونهم بما يجب حتى تتفق الكلمة مع ولاة الأمور في إنكار المنكر، والقضاء على أسباب الشر والفساد والشرك.
فالعلماء واجبهم عظيم وهم مسئولون أمام الله يوم القيامة، مسئولون عما قصروا فيه وعما لم يقوموا به من الواجب، هم ورثة الرسل، هم خلفاؤهم، يقول الله سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93]، ولاسيما فيما يتعلق بالعقيدة، ما يتعلق بالشرك والتوحيد فإنه أعظم من غيره، فأصل الدين وأساس الملة عبادة الله وحده، وهو معنى: لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، كما قال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، وقال سبحانه في سورة الحج: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
فدعوة الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم وطلبهم المدد هذا من الشرك الأكبر، سواء كانوا أنبياء أو صالحين أو غيرهم، هذا حق الله، العبادة حق الله وحده لا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا به، فالأموات قد انقطعت أعمالهم إلا مما شرع الله من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو لأبيه وأمه.
المقصود: أنهم لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم ولا يذبح لهم، ولا يطلب منهم المدد ولو كانوا عظماء في الدين، كالعلماء والرسل لا يجوز هذا أبداً، بل دين الله سبحانه إخلاص العبادة لله وحده، قال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] .. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ويقول عز وجل: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر:14] .. فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2].
أما الحي القادر لا بأس أن يستعان به، تقول لأخيك: أعني على كذا يسمع كلامك، أو من طريق الهاتف أو من طريق الكتابة تقول: يا أخي! ساعدني على كذا، أعني على مزرعتي، على إصلاح سيارتي، اشتر لي كذا، لا بأس بالتعاون بين الأحياء. أما دعاء الأموات أو دعاء الغائبين يعتقد أن لهم سراً يسمعون وهم غائبون بدون واسطة، هذا شرك أكبر، أو دعاء الجن، أو دعاء الملائكة أو الاستغاثة بهم هذا هو الشرك الأكبر، الذي بعث الله الرسل بإنكاره والنهي عنه والتحذير منه، وهو مصادم لقوله عز وجل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ولقوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
نسأل الله أن يوفق ولاة الأمور من الأمراء والعلماء لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة وأن يجعلهم هداة مهتدين وإيانا وسائر إخواننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً.
المقدم: يسأل أيضاً سماحة الشيخ فيما يسأل عنه ويقول: هل لي أن أبلغ في هذا المسجد والحال كما ذكرت؟
الشيخ: ما دام القبور في المسجد لا يصلي معهم.
المقدم: إذا كان القبر داخل المسجد.
الشيخ: يجلس فإذا صلوا ينبههم أو في أوقات أخرى، في غير المساجد، في الاجتماعات الأخرى، أما إذا كان القبر خارج المسجد فلا بأس أن يصلي معهم ويذكرهم بالله ويعلمهم دينهم، أما إذا كان القبر في داخل المسجد أو القبور في داخل المسجد فلا يصلى فيها (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، ولكن المؤمن يتحرى الأوقات المناسبة، فإذا جاءهم وقد صلوا ذكرهم أو ذكرهم قبل الصلاة وقال: إني أحب أن أصلي معكم لولا هذا القبر، والمساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، يعلمهم ويرشدهم أو بعد الصلاة كذلك يرشدهم ولا حرج في ذلك، والحمد لله.
الجواب: إذا تاب يكفيه إن شاء الله أن يخرج المائة التي أخذها من طريق الرشوة، والتوبة تجب ما قبلها، وإن تصدق بالجميع وأغناه الله عن الجميع فذلك أحوط؛ لأن العلماء منهم من قال: إنه يتصدق بالجميع أو يرد المال إلى صاحبه، إذا كان يعرف صاحب الرشوة يرد المال إليه المائة الجنيه، أما إذا كان لا يعرفه فإنه يتصدق بها في وجوه البر مع التوبة إلى الله والندم.
أما الأرباح التي حصلت عن عمله وبيعه وشرائه فهي ماله في أحد قولي العلماء؛ لأنه نماها بعمله واجتهاده فيكون المال الذي دخل عليه من طريق الرشوة حراماً، ولكن ما عمله فيه باجتهاده وبيعه وشرائه يكون له؛ لأنه تسبب عن عمله وعن تصرفاته.
وقال آخرون: إنه نتاج لهذا المال الخبيث فينبغي أن يتصدق به أو يرده مع أصله إلى صاحبه، وهذا أحوط للمؤمن وأبعد عن الشر إذا استطاع ذلك فإنه يرد المال إلى صاحبه في الأصل إذا عرفه، وإذا رد الربح أو استباحه وقال: سامحني في الربح أو في بعضه فهذا طيب، أما إذا لم يعلم ونسي صاحبه ولم يعلمه فإنه يتصدق به، والربح ينبغي له أن يتصدق به من باب الاحتياط (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) عملاً بقول من قال: إنه تبع أصله، والمؤمن يحتاط لدينه ولاسيما إذا كان عنده ما يسد حاجته، فإنه ينبغي له أن يحتاط ويبتعد عن كسب أصله خبيث، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجواب: إذا استطعت أن تذهب وتعلمهم وتنكر المنكر فهذا هو واجبك، تذهب وتعلم وتنكر المنكر في المآتم وفي الزواجات، وإذا لم تستطع ذلك فلا حرج عليك أن تترك الذهاب إليهم، وإذا قاطعوك فهم الآثمون، أما أنت فقد فعلت ما شرع الله لك من ترك حضور المنكر، لكن لو أنكرت إذا استطعت ذلك تحضر وتنكر المنكر، في المأتم وفي حفل الزواج.
والغناء في الزواج إذا كان من النساء لا حرج فيما بينهن، الأغاني التي يعتادها الناس في الزواج يمدحون الزوج والزوجة وآل الزوج والزوجة ونحو ذلك، بالدف لا بالعود ولا بالطبل ولا بالمزامير ولكن بالدف، هذا لا بأس به، وهذا من إعلان النكاح، وكان يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة.
أما إذا كان في الاحتفال اختلاط الرجال بالنساء في الأعراس واستعمال ما حرم الله من المزامير والعود والطبول وأشباه ذلك، فإنك لا تحضر لكن إذا استطعت أن تحضر وتنكر لعلهم يستجيبون لك وجب أن تحضر وتنكر المنكر.
وهكذا في المآتم إذا كان المأتم من أهل الميت يحيون أياماً وليالي يصنعون طعاماً للناس ويحيون المأتم هذا منكر ومن أمور الجاهلية، يعلمون أن هذا لا يجوز، ولكن يشرع لهم أن يقبلوا الطعام من غيرهم، إذا صنع لهم أقاربهم أو جيرانهم طعاماً يقبلونه، هذا مشروع للجيران والأقارب أن يصنعوا لأهل الميت طعاماً، لأنهم قد شغلوا بميتهم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهله لما جاء نعي جعفر يوم مؤتة قتل في مؤتة في الشام، أمر أهله أن يصنعوا لأهل جعفر طعاماً قال: (اصنعوا لهم طعاماً، فإنه قد أتاهم ما يشغلهم) فإذا صنع الجيران أو الأقارب طعاماً لأهل الميت ودعوا إليه من يأكل معهم من جيرانهم فلا بأس بذلك، ولا بأس أن يصبوا القهوة أو الشاي لمن جاء يعزيهم لا بأس بذلك، لكن يجتمعون على طبول أو أغاني أو ملاهي أو يصنعون طعاماً هم للناس لأجل الميت، هذا هو المنكر لا يجوز.
أما إذا جاءهم ضيف من بعيد وصنعوا طعاماً له ولهم لا بأس بهذا، أو صبوا له القهوة الذي جاء يعزي صبوا له الشاي أو أسقوه شراباً لا بأس بذلك، هذا من مكارم الأخلاق، أما أن يجتمعوا اجتماعاً خاصاً من أجل الميت على الطبول أو المزامير أو على الذبائح والأكل ونحو ذلك هذا هو الذي من عمل الجاهلية ولا يجوز صنعه للميت.
ولكن يصنع الناس لهم ويهدون إليهم طعاماً من جيرانهم وأقاربهم لأنهم شغلوا بمصيبة، فالسنة أن يهدى لهم طعاماً من جيرانهم وأقاربهم، وإذا جاءهم الطعام كثير ودعوا إليه من يأكل معهم فلا بأس بذلك ولا حرج في ذلك.
الجواب: الطلاق السني: هو الذي يقع في حالة الحمل أو في حالة كون المرأة طاهراً لم يجامعها زوجها، هذا هو الطلاق السني، ويكون طلقة واحدة فقط، هي طالق أو مطلقة طلقة واحدة، ويكون ذلك في حال كونها حاملاً أو في حال كونها طاهرة طهراً لم يجامعها فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض: (راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شئت طلقها طاهراً أو حاملاً قبل أن تمسها) وفي اللفظ الآخر: (ثم ليطلقها قبل أن يمسها) وفي اللفظ الآخر: (طلقها طاهراً أو حاملاً).
فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلقها في حالة طهر ما مسها فيه، أو في حال كونها حاملاً، وهذا هو معنى قوله جل وعلا: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] قال العلماء: معنى ذلك: أنهن طاهرات بغير جماع، أو في حال الحمل، هذا الطلاق للعدة وأن يكون طلقة واحدة لا ثنتين ولا ثلاث، فإن طلق ثنتين بلا سبب لا يجوز، وإن طلق بالثلاث لا يجوز.
أما الطلاق البدعي فهو بالقول لا يطلقها ثلاث، هذا بدعي، لا يجوز له أن يطلقها بالثلاث.
أما في حالها لا يطلقها إذا كانت حائض أو نفساء بل يطلقها وهي حامل، هذا بدعي.. إذا كانت حائضا أو في النفاس أو في طهر جامعها فيه وليست آيسة ولا حامل فإن هذا يكون بدعي، أما إذا كانت حاملاً أو آيسة كبيرة السن فإنه يطلقها في أي وقت؛ لأنه ليس لديها حيض ولا نفاس ولا خشية الحمل.
المقدم: سماحة الشيخ في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
مستمعي الكرام كان لقاءنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر