مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: نعود مع مطلع هذه الحلقة إلى رسالة المستمع علي حمود سعيد البادي من باحة سلطنة عمان، أخونا علي عرضنا بعض أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل بعض الأسئلة، فيقول في السؤال الأول: إذا قال شخص: إن شاء الله سأذهب هذا العام للحج، فوافته المنية قبل موسم الحج، فماذا على ذويه أن يفعلوا، هل عليهم أن يحجوا عنه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا ليس عليه شيء، إذا قال: إن شاء الله سأحج هذا العام فتوفاه الله قبل ذلك فليس عليه شيء، ولا على أقاربه إذا كان قد حج الفريضة، أما إن كان لم يحج الفريضة وهو قادر في حياته على أن يحج، فإن عليهم أن يخرجوا من تركته ما يحج به عنه، أما إن كان فقيراً فلا شيء عليه.
الجواب: ليس عليه شيء؛ لأن هذا لا يسمى نذراً، هذا وعد معلق بالمشيئة فلم يشأ الله له ذلك، إذا قال: إن شاء الله أصوم يوم الخميس، إن شاء الله أصوم يوم الإثنين إن شاء الله أزور فلاناً، إن شاء الله أحج، إن شاء الله أصلي الضحى، كل هذا لا شيء عليه إذا لم يفعل ذلك.
الجواب: هذا السؤال فيه إجمال: إن كان قصده تصدق يعني نذر قال: صدقة لوجه الله أني أصوم شهراً، فهذا يسمى: نذر ولا يسمى صدقة فعليه أن يوفي بنذره إذا استطاع ذلك، فإن لم يستطع بقي في ذمته حتى يستطيع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، أما إن كان مجرد نية أنه يتصدق أو قال: إن شاء الله أصوم هذا ما يلزمه شيء، إنما يلزمه إذا قال: نذر لله أو علي لله أو صدقة لله أن أصوم كذا أو أصلي كذا، فإنه يلزمه، فإذا عرض له عارض يمنعه من مرض أو سفر فعله بعد ذلك.
الجواب: يجب على المسلم أن يحذر هؤلاء المخرفين الذين ينسبون إلى التصوف والشعوذة، إما بدعوى علم الغيب أو بدعاوى أخرى أن بينهم وبين شيوخهم صلة تمكنهم من أن يفعلوا كذا وكذا، فيشوشوا على الناس ويوهموهم أن لهم قدرة على شفاء المرضى أو قضاء الحاجات بالطرق غير الشرعية، فهؤلاء يجب الحذر منهم؛ لأنهم مخرفون ودعاة باطل، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، وقال: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، فهؤلاء الذين يدعون أمور الغيب، أو يدعون أن مشايخهم يرشدونهم إلى أشياء تتعلق بالغيب، وأن ما يقول مشايخهم صحيح، وأنهم معصومون، وأن أخبارهم لابد أن تقع وما أشبه هذا مما يقع لبعض الصوفية، أو يعتقد أنه يأتيه الوحي من السماء، فيقول: حدثني قلبي عن ربي بكذا وكذا، فكل هذه خرافات، والذي يدعيها كافر، الذي يدعي أنه يعلم الغيب، أو أنه يأتيه الوحي من السماء بعد محمد صلى الله عليه وسلم، كل هذا كفر وضلال، وهكذا من يصدقهم في دعوى علم الغيب فهو مثلهم.
وإذا جعل بخوراً أو غيره من الأشياء التي يشوش بها أو يلبس بها فلا يلتفت إليه، العمدة على ما يقول، إذا كان يدعي علم الغيب أو يدعي أنه يخدم الجن وأن الجن هم الذين يخبرونه بالمغيبات أو ما أشبه ذلك، هذا من الخرافيين ومن المشعوذين، فيجب الحذر منهم وعدم سؤالهم وعدم تصديقهم، ومتى ظهر منه أنه يدعي علم الغيب أو أنه يعبد الجن ويخدمهم بالطاعات والذبح لهم والنذر لهم صار بذلك مشركاً، إما بدعواه علم الغيب، وإما لكونه يعبد الجن ويستغيث بهم وينذر لهم ونحو ذلك، وإذا زعم أنه يعرف الأشياء بالطرق الأخرى فهو كذاب؟ لقصده التلبيس؛ لأنه لا يعلم المغيبات إلا الله سبحانه وتعالى، أما إذا كان يداوي المريض بالأدوية المعروفة الحسية كما يفعل الأطباء المعروفون .. يداوي بالكي .. يداوي بأشياء يستعملها من مأكولات أو مشروبات جربت ونفعت، ولا يدعي علم الغيب ولا يخدم الجن، هذا لا حرج عليه، هذا طب شعبي قد اعتاده الناس فيما بينهم، وقد يعتاد الناس أشياء يعرفونها فيما بينهم من أنواع من المأكولات أو المشروبات أو الدهونات والمروخات أو الكي، هذا لا بأس به، إذا كان سليماً ليس معه دعوى علم الغيب وليس معه عبادته للجن، وقد كانت العرب وغالب الناس على هذا، يعرفون عادات يفعلونها ويعالجون بها ويتطببون بها، فقد تنفع وقد لا تنفع، وليست من علم الغيب ولا من خدمة الجن، بل هي أمور اعتادوها من أشربة أو مأكولات أو بخور يتبخرون به وينفع الله به، أو ما أشبه ذلك من الأمور الواضحة والظاهرة التي ليس فيها تلبيس ولا عبادة للجن ولا دعوى علم الغيب، وهكذا الكي.
الجواب: مثل ما تقدم إذا كان ممن يدعي علم الغيب، أو يعرف بعبادة الجن فهذا لا يصلى خلفه؛ لأنه كافر، ويجب على أهل الإيمان هجره والتحذير منه ورفع أمره إلى ولاة الأمور، إذا كان في بلاد يمكن أن يحكم عليه ويمنع، عليهم أن يجتهدوا في القضاء عليه من طريق ولاة الأمور، ويحذروا الناس منه ولا يصلى خلفه، أما إذا كان دواؤه بالدواء المعتاد والعلاج المعتاد بين الناس الذي ليس فيه عبادة للجن وليس فيه دعوى علم الغيب، وإنما هي أمور معروفة معتادة بين الناس يستعملها في علاج المرضى فينفع الله به، فهذا لا حرج عليه، وإذا كان أهلاً للإمامة صلي خلفه.
الجواب: إذا أظهروا البدعة فالواجب هجرهم بعد النصيحة والتوجيه، فإن المسلم ينصح أخاه ويحذره مما حرم الله عليه من البدع والمعاصي الظاهرة، فإن تاب وإلا استحق أن يهجر ولا يعامل، لعله يتوب، لعله يندم، لعله يرجع إلى الصواب، إلا إذا كان الهجر يترتب عليه ما لا تحمد عقباه، فإنه يتركه إذا كان تركه أصلح في الدين وأكثر في الخير وأقرب إلى النجاح، فإنه لا يهجره بل يداوم نصحه وتحذيره من الباطل ولا يهجره رجاء أن يهديه الله بسبب ذلك.
فالمؤمن كالطبيب إذا رأى العلاج نافعاً فعله وإذا رأى أنه ليس بنافع تركه، فالهجر من باب العلاج، فإن كان الهجر يؤثر خيراً وينفع هجر، وكان ذلك من باب العلاج لعله يتوب ولعله يرجع عن الخطأ، إذا رأى من إخوانه أنهم يهجرونه، أما إذا كان الهجر يسبب مزيداً من الشر وكثرة أهل الشر وتعاونهم، فإنه لا يهجر ولكن يديم النصح والتوجيه وإظهار الكراهة لما عمل، ولا يبين له موافقته على باطله، ولكن يستمر في النصيحة والتوجيه.
الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن بعض أهل العلم يرى شرعية الجهر بها، فلا حرج في ذلك، ولكن الأفضل الإسرار بها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر بها في الجهرية، وروي عن بعض الصحابة الجهر بها، فإذا جهر بها بعض الناس يصلى خلفه؛ لأنه قول معروف لبعض أهل العلم.
الجواب: ليس هناك منافاة بين ما في النصوص في أن القلب هو محل الصلاح والفساد، وما يقول الأطباء من جهة المخ، فإن الدماغ له صلة بالقلب والقلب له صلة بالدماغ كما قال أهل العلم، ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46] فجعل العقل يتعلق بالقلب، فالعقل محله القلب ولكن له صلة بالدماغ، إذا خرب الدماغ اختل العقل، فالقلب له ارتباط بالدماغ والدماغ له ارتباط بالقلب، فإذا اختل هذا اختل هذا، وإذا اختل هذا اختل هذا، فليس هناك منافاة بين ما قاله الأطباء عن الدماغ وبين ما دل عليه القرآن والسنة من أن القلب هو محل الصلاح والفساد، فالقلب متى صلح صلح الجسد كله كما في الحديث، ومتى فسد فسد الجسد كله؛ لأنه محل الإيمان، ومحل الخوف من الله، ومحل تعظيم حرمات الله، لكن له ارتباط بالدماغ، فإذا اختل الدماغ اختل القلب، وهذا معروف عند الأطباء بالتجارب فإنه متى أصيب الرجل في رأسه اختل شعوره في كثير من الأحيان بالضربة التي تكون في رأسه، فالحاصل أن الرأس له صلة بالقلب، والقلب له صلة بالدماغ فلا منافاة بين هذا وهذا.
الجواب: أسباب التيمم هي أسباب الوضوء، فإذا وجب الوضوء على الشخص ولم يجد الماء وجب عليه التيمم، وهكذا إذا عجز عن الماء لمرض وجب عليه التيمم للصلاة.. لمس المصحف .. للطواف، فالمقصود أن التيمم يقوم مقام الوضوء، فإذا وجدت أسباب الوضوء ولم يوجد الماء، فإنه يتيمم بالصعيد، يضرب التراب بيديه ضربة واحدة، فيمسح بهما وجهه وكفيه، وهكذا المريض الذي لا يستطيع ويضره الماء فإنه يفعل التيمم، والصحيح أنه يقوم مقام الطهارة، يرفع الحدث إلى وجود الماء، فإذا تيمم للظهر صلى به العصر إذا كان على طهارة، وهكذا لو تيمم للمغرب صلى به العشاء إذا كان على طهارة، أو تيمم لصلاة الضحى وبقي على طهارة حتى جاء الظهر صلى بذلك، كما في الحديث: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين)، والله جل وعلا سمى التيمم: طهارة، قال جل وعلا: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، وجعل التيمم طهوراً كما أن الماء طهور، هذا هو الصواب في هذه المسألة عند المحققين من أهل العلم، أن التيمم يقوم مقام الماء في رفع الحدث إلى وجود الماء، وأنه لا يبطل بدخول الوقت ولا بخروجه.
الجواب: الصواب أنها كالرجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ولم يستثن النساء، فما شرع للرجال من رفع اليدين ووضع اليدين على الصدر، ووضعها في الركوع على الركبتين ووضعها في السجود حيال المنكبين أو حيال الأذنين كله في حق الرجل والمرأة جميعاً، وهكذا كونها تقرأ الفاتحة وما تيسر معها في الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهكذا في الفجر تقرأ مع الفاتحة ما تيسر، وفي الثالثة من المغرب تقرأ الفاتحة فقط، وفي الثالثة والرابعة من العشاء والظهر والعصر تقرأ الفاتحة، المقصود أنها كالرجل.
الجواب: هذه مصيبة عظيمة واقعة في بلدان كثيرة، والواجب على أهل العلم أن يرشدوا الناس إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، حتى يعلم هؤلاء العوام بطلان ما هم عليه، كونه يصلي ويحج ويصوم ويزكي ثم يعبد غير الله هذا يبطل عمله، قال تعالى : وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم والذبح لهم هذا شرك أكبر ينافي التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، وينافي ما دلت عليه الآيات من وجوب إخلاص العبادة لله، كما في قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وقوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ِ [البينة:5]، وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] .. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3] .. فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] .. وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14] سبحانه وتعالى، فجعل دعاءهم للأموات والأصنام والأشجار والأحجار شركاً بالله عز وجل، فالواجب تنبيه هؤلاء وتحذيرهم وحث العلماء على تنبيههم وتحذيرهم، حتى يتبصروا ويعلموا أنهم على باطل وعلى شرك، وأن صلاتهم تحبط بذلك، وهكذا صومهم وزكاتهم وحجهم وأعمالهم الأخرى، حتى يخلصوا العبادة لله وحده، وقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخلصهم من هذا الشرك، فأقام في مكة عشر سنين يدعوهم إلى توحيد الله وإلى ترك دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والأصنام والأشجار والأحجار، ويقول: (يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) قبل أن تفرض الصلاة، فلما فرضت الصلاة في مكة مكث بعد ذلك مدة يدعوهم إلى توحيد الله، ثم هاجر إلى المدينة، ولم يزل يدعو إلى الله وإلى توحيده سبحانه وتعالى.
فالواجب عليك يا أخي! أن تحرص على دعوة هؤلاء وإرشادهم بالحكمة والصبر والأسلوب الحسن، لعل الله يهديهم بأسبابك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، ويقول صلى الله عليه وسلم لـعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود يقول: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، فدعوة الأموات بقول: يا سيدي! اشف مريضي أو انصرني، أو المدد المدد يا فلان، أو بالنذر لهم أو ما أشبه ذلك من أنواع العبادة، كله شرك بالله، وهكذا الذبح لهم، ذبح البقر أو الغنم أو الدجاج أو غير ذلك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله)، والله سبحانه يقول: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) يعني: ذبحي: وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فالذبح لغير الله مثل الصلاة لغير الله، والذي يذبح للأموات يتقرب إليهم مثل الذي يصلي لهم، وهكذا من ينذر لهم القرابين إن شفى الله مريضي فللسيد فلان كذا فله ذبيحة له ثور وله كذا، أو يا سيدي البدوي اشف مريضي أو المدد المدد، أو يا سيدي الحسين أو يا شيخ عبد القادر ، أو يا رسول الله! اشف مريضي أو انصرنا أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر والواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس ذلك وأن ينصحوهم وأن يرشدوهم إلى الحق والصواب، وأن يصبروا على جهلهم وأذاهم حتى يتعلموا ويستفيدوا، هكذا كان الرسل يصبرون وهم أفضل الخلق عليهم الصلاة والسلام، أولاهم أقوامهم فربما قتلوهم على ذلك، ومع هذا صبروا عليهم الصلاة والسلام، وبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة حتى قبضهم الله، عليهم الصلاة والسلام، وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم، قد صبر على قومه ثلاث وعشرين سنة وهو يدعوهم إلى الله حتى هدى الله على يديه من هدى، وحتى أكمل الله به الدين وأتم عليه النعمة، فالواجب التأسي به في ذلك عليه الصلاة والسلام، والصبر على الدعوة والتوجيه والإرشاد؛ رجاء ما عند الله من المثوبة.
الجواب: لا شك أن اختلاط الرجال بالنساء على وجه ليس فيه حشمة وليس فيه حجاب من أعظم أسباب الفتنة، وذلك لا يجوز، بل لابد أن تكون النساء محتجبات مستورات بعيدات عن أسباب الفتنة إذا خالطن الرجال لحاجة من الحاجات أو لشراء متاع أو لأشباه ذلك، ولا يجوز لها الخلوة بالرجل كابن عمها أو أخي زوجها أو زوج أختها، لا يجوز لها الخلوة به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما).
فالواجب على النساء التحجب والحذر من أسباب الفتنة، وأن لا يخالطن الرجال مخالطة تحصل بها الفتنة، وأن لا تخلو المرأة بالرجل وأن لا تسافر معه، كل هذا من أسباب الفتنة، وهكذا المصافحة ليس لها أن تصافح الرجل، إلا إذا كان محرماً لها كأخيها وعمها؛ لأن المصافحة فيها فتن أيضاً، فليس لها أن تصافح الرجل إلا إذا كان محرماً لها كعمها وأخيها ونحو ذلك، وعند الحاجة إلى الاختلاط بالرجال تكون مستورة متحجبة بعيدة عن أسباب الفتنة، حتى تأخذ حاجتها من السوق ثم تنصرف، يقول الله جل وعلا لأزواج نبيه صلى الله عليه وسلم: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] ومعنى قرن، يعني: اقررن في بيوتكم، يعني: الزمن البيوت إلا إذا كان الخروج لحاجة ومصلحة، ثم نهاهن عن التبرج، فقال: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)، فالتبرج: هو إظهار المحاسن والمفاتن، بين الرجال كوجهها أو شعرها أو رقبتها أو يدها وقدمها وصدرها، كل هذا من أسباب الفتنة، فالواجب أن تكون مستورة متحجبة بعيدة عن أسباب الفتنة، وهكذا التغنج بالقول والخضوع بالقول يمنع؛ لقوله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] يعني: مرض الشهوة، فالخضوع بالقول للرجال واللين من أسباب الفتنة، بل يجب أن يكون الصوت معتدلاً، ليس فيه عنف وليس فيه خضوع، ولكن صوت عادي، لا بأس بالصوت مع الرجال وليس بعورة، وإنما العورة خضوعها وتغنجها وتكسرها بصوتها مما قد يطمع الرجال فيها، أما الصوت العادي فلا حرج في ذلك، كان النساء يكلمن النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه ويستفتينه، ويكلمن الصحابة رضي الله عنهم لا بأس بهذا.
المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى، على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر