إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (485)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    الراتبة القبلية والبعدية للظهر ونافلة العصر

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: نعود مع مطلع هذه الحلقة إلى رسالة وصلت إلينا من مدينة المرج في ليبيا، وبعثت بها إحدى المستمعات من هناك اسمها نوارة سالم محمد ، نوارة عرضنا بعض أسئلتها في حلقة مضت، وها نحن في هذه الحلقة نستأنف عرض أسئلتها، فتسأل هذا السؤال وتقول: ثبت عن سيد المرسلين قوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)و (حرم الله النار على رجل صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعد الظهر)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهل هذه الثمان الركعات التي هي قبل الظهر وبعده هي الراتبة، وهل الأربع ركعات التي قبل العصر هي التي تصلى بعد سماع الأذان وقبل الفريضة، أم تصلى قبل ذلك كله، أرجو إفادتنا بذلك بارك الله فيكم؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فالأربع الركعات التي قبل العصر تصلى بعد دخول الوقت، لقوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى أربعاً قبل العصر)، فظاهر الحديث أنها قبله، يعني: بعد دخول الوقت، وهذه ليست راتبة ولكنها مشروعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ندب إليها ودعا لصاحبها، فهي سنة وقربة وطاعة بعد دخول الوقت.

    وتصلى ثنتين ثنتين، هذا هو السنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، يعني: ثنتين ثنتين، هذا هو السنة.

    أما أربع قبل الظهر وأربع بعدها فإنه يدخل فيها الراتبة، والراتبة المحفوظة عنه صلى الله عليه وسلم أربع قبل الظهر وثنتان بعدها، جاء ذلك من حديث عائشة ومن حديث أم حبيبة ومن أحاديث أخرى، والمعنى: تسليمتان قبل الظهر وتسليمة واحدة بعدها.

    وجاء في حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار)، وفي لفظ: (من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله تعالى على النار)، فهذه الثمان يدخل فيها الراتبة، الست التي هي الراتبة داخلة فيها، إذا صلى أربعاً قبل الظهر وصلى أربعاً بعدها حصل بذلك المقصود، الراتبة وزيادة ركعتين، وكلها فيها فضل عظيم وخير كبير.

    1.   

    حكم استقبال الحمام أثناء التوجه إلى الصلاة

    السؤال: لها سؤال صاغته على النحو التالي تقول: أصلي أحياناً في حجرتي عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في حجرتها أفضل من صلاتها في بيتها) الحديث، لكن عندما أريد الاتجاه نحو القبلة فإن الحمام يكون أمامي وليس بيني وبينه إلا متر تقريباً، ولكن هناك فاصل بين الحجرة والحمام وهو الجدار المشترك، فما حكم صلاتي على النحو الذي ذكرت؟

    الجواب: لا حرج في ذلك، والمنهي عنه هو الصلاة في الحمام، أما كونه في قبلة المصلي أو عن يمينه أو شماله فلا حرج في ذلك، وصلاتها في الحجرة أفضل؛ لأنها أبعد عن الرياء وأبعد عن رؤية الرجال، فهي أفضل كلما كانت المرأة في محل أبعد عن الرجال كان أفضل كما بينه النبي عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    معنى حديث: (ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه ...)

    السؤال: أرجو بيان معنى الحديث الآتي: (ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة

    الجواب: هذا الحديث لا بأس به، ولفظه المعروف: (من رد عن عرض أخيه في الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، وهذا يدل على فضل الذب عن أخيه، والمسلم يذب عن أخيه، والمرأة تذب عن أخيها في الله وأختها في الله، فإذا رآه يتكلم في عرضه يقول: يا أخي! اتق الله ما بلغنا هذا ولا نعلم عليه إلا خيراً، إذا كان يعلم عنه الخير ولم يبلغه عنه إلا الخير، لأن الغيبة شرها عظيم وفسادها كبير، والله سبحانه يقول: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنه رأى ليلة عرج به إلى السماء رجالاً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فسأل عنهم فقيل له: إنهم الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)، يعني: هم أهل الغيبة.

    فالمقصود: أن الغيبة محرمة ومن الكبائر، فيجب الحذر منها وإذا سمع المسلم أو المسلمة من يغتاب يرد عليه، ويقول: يا أخي! اتق الله يقول له الرجل: يا أخي! اتق الله أو يا فلانة! اتقي الله، هذا لا يجوز، الغيبة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رد عن عرض أخيه في الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، ولأن هذا من إنكار المنكر، والله جل وعلا أمر بإنكار المنكر، قال جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

    1.   

    صحة حديث: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)

    السؤال: هل هذا حديث: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) ؟

    الجواب: حديث صحيح ومعناه أنه ينبغي للمؤمن أن يأخذ حذره إذا لدغ من جحر من إنسان، إذا كان زيد خدعه مرة فليحذره حتى لا يخدعه مرة أخرى، وإذا كان عمرو ظلمه في المعاملة فليحذر أن يخدعه في معاملة أخرى وهكذا، يعني: ينبغي له توقي الشر ممن خدعه أولاً أو أضره أولاً.

    1.   

    حكم تكرار العمرة في نفس الموسم

    السؤال: إذا أتى الشخص إلى مكة المكرمة لأداء الحج أو العمرة فهل يجوز له بعد الانتهاء من حجته أو عمرته أن يؤدي عمرة أخرى له أو لغيره في نفس هذا الموسم الذي أتى فيه، بحيث يخرج من مكة إلى التنعيم للإحرام ثم يقضي هذه العمرة، أرجو الإفادة بارك الله فيكم؟

    الجواب: لا حرج في ذلك والحمد لله، إذا قدم للعمرة أو للحج فحج عن نفسه أو اعتمر عن نفسه أو حج عن غيره أو اعتمر عن غيره وأحب أن يأخذ عمرة أخرى لنفسه أو لغيره فلا حرج في ذلك، لكن يخرج من مكة إلى الحل، التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما فيحرم من هناك ثم يدخل فيطوف ويسعى ويقصر، سواء عن نفسه أو عن ميت من أقاربه وأحبابه، أو عن عاجز شيخ كبير أو عجوز كبيرة عاجزين عن العمرة فلا بأس.

    وقد فعلت هذا عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها اعتمرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم استأذنت في ليلة الحصبة مساء ثلاثة عشر ليلة أربعة عشر استأذنت بل ليلة ثلاثة عشر استأذنت في ليلة الحصبة وهي مساء اليوم الثالث ليلة أربعة عشر استأذنت أن تعتمر فأذن لها عليه الصلاة والسلام، وأمر عبد الرحمن بن أبي بكر وهو أخوها أن يذهب معها إلى التنعيم فاعتمرت رضي الله عنها، وهذه عمرة ثانية من داخل مكة.

    فالحاصل: أنه لا حرج أن يؤدي الإنسان الحج عن نفسه أو العمرة عن نفسه ثم يعتمر لشخص آخر أو يعتمر عن غيره أو يحج عن غيره ثم يعتمر لنفسه، لا حرج في ذلك.

    المقدم: جزاكم الله خيراً. إذا كانت العمرة الأولى والثانية لنفسه فهل تشترطون فاصلاً زمنياً معيناً؟

    الشيخ: ليس هناك دليل، وبعض أهل العلم كره تقارب العمرتين لكن ليس عليه دليل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق على صحته، ولم يقل: بينهما كذا ولا كذا، وعائشة رضي الله عنها اعتمرت بعد عمرتها الأولى بأقل من عشرين يوماً، لبت بالعمرة في آخر ذي القعدة من المدينة وكملت حجها مع النبي صلى الله عليه وسلم قارنة لأنه منعها الحيض من أداء العمرة فحجت قارنة، ثم استأذنت في العمرة الجديدة في ليلة الحصبة ليلة أربعة عشر، وقالت: (إنكم تنطلقون بحجة وعمرة -يعني: مفردين- وأنا أنطلق بحج) يعني: حج معه عمرة مقرونة، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم واعتمرت.

    المقصود: ليس على اشتراط مدة بين العمرتين دليل واضح، وإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) يعم القليل والكثير، لكن إذا كان هناك زحمة أو مشقة فالأولى ترك ذلك حتى لا يشق على غيره، أيام الحج يكون مشقة فإذا كثر المعتمرون شقوا على الناس فترك ذلك أولى؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يعتمروا بعد الحج ما عدا عائشة ، بل سيكتفون بعمرتهم الأولى، فإذا تأسى بهم المؤمن وترك العمرة هذا أفضل، وإن اعتمر بعدما يخف الناس وتقل الزحمة فلا حرج في ذلك.

    1.   

    حكم صيام ست من شوال بنية القضاء والتنفل

    السؤال: تسأل أختنا سؤالاً آخر وتقول: هل يجوز للمرأة الجمع بين صيام ستة أيام من شوال وقضاء ما عليها من رمضان في هذه الأيام الستة بنية القضاء والأجر معاً، أم لا بد من القضاء أولاً ثم صيام ستة أيام من شوال؟

    الجواب: نعم تبدأ بالقضاء ثم تصوم الست إذا أرادت، الست نافلة فإذا قضت في شوال ما عليها ثم صامت الست في شوال فهذا خير عظيم، وأما أن تصوم الست بنية القضاء والست فلا يظهر لنا أنه يحصل لها بذلك أجر الست، فالست تحتاج إلى نية خاصة في أيام مخصوصة.

    1.   

    حكم قصر المرأة عند سفرها إلى بيت أبيها

    السؤال: السؤال الأخير لأختنا نوارة يقول: هل يجوز للمرأة قصر الصلاة إذا أرادت زيارة بيت والدها الذي يبعد عن بيت زوجها مسافة قصر أم لا؟ وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.

    الجواب: نعم إذا أرادت السفر إلى زيارة أبيها أو غيره في مسافة قصر فإنها تقصر الصلاة، سواء عند أبيها، أو عند غير أبيها ما دامت ساكنة في محل آخر عند زوجها، فإذا رجعت إلى أبيها تزوره أو إلى أمها أو إخوتها فإنها تقصر إذا كانت المسافة مسافة قصر، وهي يوم وليلة، يعني: بدبيب الأقدام والإبل ونحوها، أما اليوم فهي بمقدار ثمانين كيلو.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا...)

    السؤال: هنا رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين ضمنها جمعاً من الأسئلة، من بينها سؤال عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:279-280] صدق الله العظيم، فسروا لنا هذه الآيات لو سمحتم؟ وما هو رأس المال المذكور في هذه الآية؟

    الجواب: كان أهل الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يرابون، يبيعون المتاع من أرض أو إبل أو غير ذلك بالثمن إلى أجل، فإذا حل الأجل وصار المدين معسراً قالوا له: إما أن تقضي وإما أن تربي، المعنى: إما أن تعطينا حقنا الآن أو نزيد عليك في المال ونؤخر الأجل نفسح لك في الأجل، فإن كان عنده مال سلم لهم وإلا رضي بهذا.

    فإذا كانت القيمة مثلاً مائة ريال قالوا: نؤجلك أيضاً ستة أشهر أو عشرة أشهر تكون المائة مائة وعشرين .. مائة وثلاثين، هذه الزيادة في مقابل الأجل الجديد، وهذا معنى: إما أن تربي وإما أن تقضي، تربي يعني: تعطيه الزيادة وهي الربا وإما أن تقضينا حقنا الآن، فلما جاء الله بالإسلام نهاهم عن هذا وخطبهم النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وأخبرهم أن الربا موضوع، وأن لكل واحد رأس ماله فقط، وأنزل الله جل وعلا هذه الآيات، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279]، فأمرهم سبحانه أن يذروا، يعني: يتركوا ما بقي من الربا لهم في ذمم الناس، ويأخذوا رأس المال، فإذا كانت السلعة بمائة وأمهلوه وزادوا عليه عشرين يتركون العشرين أو ثلاثين يتركون الثلاثين، يأخذون رأس المال فقط والزيادة يتركونها، هذا معنى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278] وإذا كانوا قد قبضوا رأس المال وبقي الربا يتركونه ولا يأخذون الربا يكفيهم رأس المال، ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:279] يعني: فإن لم تدعوا الربا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] يعني: فاعلموا بحرب يعني: اعلموا أنكم محاربون لله ورسوله، وهذا وعيد عظيم لم يأت مثله في شيء من المعاصي، وهو يدل على عظم جريمة الربا وأنها جريمة عظيمة وكبيرة عظيمة.

    ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه: (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)، فالربا من أقبح الكبائر، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هن يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا -فجعله الرابع- وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف -يعني: يوم الحرب- وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، فجعل الربا من السبع الموبقات يعني: المهلكات. ثم قال سبحانه: وَإِنْ تُبْتُمْ [البقرة:279] يعني: من الربا فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، يعني: لهم رأس المال فقط، وهو المبلغ الذي بيعت به السلعة إلى أجل، الزيادة تبطل فإذا كان باع المطية أو السيارة إلى رمضان مثلاً من عام ألف وأربعمائة وأحد عشر بألف ريال .. بعشرة آلاف.. بخمسين ألف ريال، ثم حل الثمن فإنه يأخذ رأس المال فقط ولا يطلب زيادة، وإن أعسر ننظره، ولهذا قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، إذا جاء رمضان قال: أنا ما عندي أنا معسر، وثبت إعساره فإنه يمهل بدون زيادة ولا يأخذ ربا، هذا هو معنى قوله جل وعلا: وَإِنْ تُبْتُم فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279] يعني: إذا تبتم من الربا فلكم رءوس أموالكم التي عند الناس ما بعد قبضتموها لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] يقبض رأس المال ويترك الربا الزيادة، وإن كان قد قبض رأس المال وبقيت الزيادة يترك الزيادة ولا يأخذها لا تَظْلِمُونَ [البقرة:279] بأخذ الزيادة وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] بمنعكم من رأس المال لكم، فأنت لا تظلم بمنعك من رأس مالك، تعطى رأس مالك، وليس لك أن تظلم أخاك بأخذ الربا، بل لك رأس المال فقط.

    فإن كان المدين معسراً عاجزاً بالبينة الشرعية فإنه يمهل ولا يطالب بالزيادة؛ لقوله سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]، إن تصدق عليه وأبرأه فجزاه الله خيراً هذا طيب، وإلا فالواجب الإنظار إلى ميسرة، يقول أنا أنظرك إلى ميسرة والواجب على المدين تقوى الله إن كان صادقاً في الإعسار، فعليه أن يتقي الله ويتسبب حتى يحضر المال، وإن كان كاذباً فقد ظلم أخاه فليتق الله وليؤد حقه إذا ادعى الإعسار وهو يكذب.

    المقصود: أن المدين عليه أن يتقي الله، فإن كان صادقاً في الإعسار وجب إمهاله، وإن ثبت أنه مليء وجب أخذ الحق منه والحاكم ينظر في ذلك ويعتني، وإذا كان صاحب الدين يعلم أنه معسر فلا حاجة إلى المحكمة، يمهله وينظره حتى يحصل له اليسر، وإن تصدق عليه وسامحه فقد فعل خيرا كثيراً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينفس الله عنه كربات يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)، (ينفس) أي: بإنظاره (أو يضع عنه) يعني: بالصدقة عليه، وفي الحديث الآخر: (من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله)، وهذا فضل عظيم.

    فينبغي للمؤمن إذا عرف أن أخاه معسر -المدين- أن ينظره أو يسامحه الدين كله أو بعضه، يرجو ما عند الله من المثوبة.

    1.   

    حكم التوسل بالنبي وبيان التوسل المشروع

    السؤال: المستمع (م. م) مصري مقيم في المملكة يسأل أيضاً كسؤاله السابق عن حكم من يصلي بالناس الجمعة ويقول في خطبته: اللهم ربنا عليك توكلنا وبنبيك إليك توسلنا، وما حكم هذا التوسل أفيدونا بارك الله فيكم؟

    الجواب: هذا التوسل بدعة عند جمهور أهل العلم، لكن الصلاة صحيحة، التوسل بجاه نبينا أو بنبينا أو بحق نبينا أو بحق الأنبياء أو بحق الملائكة أو بذات الملائكة أو بحق فلان أو فلان ابن فلان أو بحق أبي أو ما أشبه ذلك كل هذا ليس من الشرع، الوسيلة تكون بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحات، كما قال الله جل وعلا: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترحمنا وأن تسقينا الغيث إلى غير ذلك، أو اللهم إني أسألك بإيماني بك وطاعتي لك واتباعي لنبيك يتوسل بأعماله الطيبة.

    أما التوسل بجاه فلان أو بنبينا أو بجاه نبينا أو بحق نبينا أو بحق الأنبياء أو الملائكة هذا كله بدعة عند أهل السنة ليس عليه دليل.

    وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه قال عليه الصلاة والسلام لما سمع رجلاً يقول: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال صلى الله عليه وسلم: لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)، لأنه توسل بصفات الله سبحانه وأسمائه، وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن ثلاثة آواهم المبيت والمطر إلى غار في البرية، فدخلوا فيه ليبيتوا فيه ويتقوا المطر فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم فم الغار -بإذن الله عز وجل- ليسن لعباده ويشرع لعباده ما فعله أهل الغار، وليعلم الناس علاج الكروب بما شرعه الله فلما انطبقت عليهم الصخرة أرادوا دفعها فلم يستطيعوا، فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذا البلاء إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون برحمة الله سبحانه وتعالى، بأسباب هذه الوسيلة العظيمة على أعمال صالحة فعلوها لله فنفعتهم عند الحاجة توسلوا بها عند الحاجة فنفعتهم.

    فهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحة من أعظم الوسائل ولا سيما عند الحاجة والشدة، وهو القائل جل وعلا: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] سبحانه وتعالى، وهو القائل جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] فهو سبحانه قدر هذه الصخرة ليتوسل هؤلاء وليعرفوا فضل أعمالهم وليعرف الناس أيضاً فضل أعمالهم، وليتوسلوا كتوسلهم إذا وقعت عليهم الشدائد، والنبي صلى الله عليه وسلم قص علينا هذه القصة لنعلمها ونعمل بها ونستفيد منها، وهو حديث صحيح متفق على صحته عند البخاري ومسلم رحمة الله عليهما، والله ولي التوفيق.

    المقدم: جزاكم الله خيرا ونفع بكم، إذاً نستخلص مما تفضلتم به أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم غير جائز، إنما التوسل بالأعمال الصالحة هو المطلوب وهو الجائز؟

    الشيخ: نعم بالأسماء الحسنى، أسماء الله وصفاته وبالإيمان والتوحيد وبالأعمال الصالحات، كلها وسائل، أما بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاه النبي أو جاه الأنبياء أو الملائكة أو غيرهم ليس بوسيلة.

    1.   

    مواطن رفع اليدين في الصلاة

    السؤال: المستمع أزرق يوسف حامد بعث برسالة يقول فيها: أسألكم عن صلاة الفريضة ما هو حكم رفع اليدين في الصلاة في كل ركعة جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: السنة رفع اليدين في أربعة مواضع: عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، في هذه المواضع الأربعة يستحب رفع اليدين حذاء المنكبين أو حذاء الأذنين فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعل هذا وهذا عليه الصلاة والسلام، عند الإحرام ترفع يديك وتقول: الله أكبر، أول تكبيرة، وعند الركوع ترفع يديك وتقول: الله أكبر، وعند الرفع من الركوع ترفع يديك، وتقول: سمع الله لمن حمده إن كنت إماماً أو منفرداً وإن كنت مأموماً تقول: ربنا ولك الحمد عند الرفع من الركوع رافعاً يديك، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة ترفع يديك تقول: الله أكبر قائماً للثالثة.

    المقدم: جزاكم الله خيرا.

    سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام! شكراً لحسن متابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985945