أيها الإخوة الأحباب.. أيها الإخوة المستمعون الكرام .. هذا لقاء طيب مبارك من برنامج نور على الدرب.
ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء أرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز أجمل ترحيب، فأهلاً ومرحباً سماحة الشيخ.
الشيخ: بارك الله فيكم.
المقدم: وفيكم.
====
السؤال: على بركة الله نبدأ هذا اللقاء بسؤال لسوداني مقيم بالمملكة رمز لاسمه بهذا الرمز يقول: فضيلة الشيخ، كتب هذا السائل بأسلوبه الخاص يقول بأنه سوداني مقيم في المملكة يبلغ من العمر الخامسة والأربعين يقول: مشكلتي -يا فضيلة الشيخ- قبل حضوري إلى المملكة كنت أملك غنماً في السودان، وفي يوم من الأيام حصل بيني وبين أحد المزارعين خلاف، وعليه حضرت ليلاً إلى المزرعة وإلى زرع هذا الرجل المذكور بغنمي وأتلفت الزرع عن بكرة أبيه، وهربت ليلاً من ذلك المكان، وكان ذلك قبل ما يقارب من عشر سنوات أو ثلاثة عشر عاماً تقريباً، واعترفت بذلك -يا فضيلة الشيخ- بكل ما فعلت في ذلك الوقت كان عمداً وبقصد مني، ولكن بعد أن من الله علي بالهداية ندمت ندماً شديداً لا يعلم به إلا الله عز وجل واستغفرت الله كثيراً على ما ارتكبت من جرم في حق هذا الرجل، والآن -يا سماحة الشيخ- أود أن أكفر على ما فعلت، أنا في انتظار فتواكم، مع العلم بأن هذا الشخص المذكور توفي، فأرجو الإفادة حول سؤالي؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالواجب عليك -يا أخي- التوبة إلى الله جل وعلا؛ لأن هذه جريمة وظلم، فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى توبة صادقة بالندم على ما مضى منك والإقلاع والعزم أن لا تعود في مثل هذه الأمور، وعليك أن تغرم له ما أتلفت عليه، بقيمته عليك أن تغرم لورثته قيمته تعطيهم القيمة وافية مع سؤال الله جل وعلا العفو والتوبة سبحانه وتعالى، وهذا منكر عظيم وظلم عظيم، فعليك أن تحتاط في غرامة القيمة وتعطيهم قيمة ما أتلفت عليه، ومع التوبة يعفو الله عما سلف، الحمد لله.
الجواب: الواجب عليك أن تعمل الأصلح، إن كنت تستطيع العدل والقيام بالواجب في حق الزوجتين فالحمد لله، اجتهد واصبر وصابر واتقي الله، أما إن كنت لا تستطيع فعليك أن تطلقها طلقة واحدة، وصبرت عليها كثيراً، فالمقصود: أنك تنظر الأصلح في موضوعها وموضوع الأخرى، فإن استطعت الصبر عليها كما صبرت هذه المدة الطويلة فاصبر ولعل الله أن يهديها ويصلح حالها، وإن طلقتها فطلقها طلقة واحدة ولا حرج، والحمد لله، قد صبرت كثيراً، وإن رأيت الأصلح أن تبقيها وتصبر على أذاها وعلى نقصها فهذا لا حرج عليك فيه.
الجواب: رؤية الخاطب للمخطوبة سنة، النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي سأله قال: (أنظرت إليها؟ قال: لا. قال: اذهب فانظر إليها)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)، هو سنة؛ لأنه يعين على الرغبة أو عدمها.
فالسنة للمؤمن إذا أراد أن يتزوج أن يرى، يجتهد ويستأذن لعلهم يسمحون له بالرؤية أو يراها ولو ما دروا، إذا كان في محل يمكن أن يراها من دون خلوة، أو عند جيرانها أو ما أشبه ذلك، ينظرها لكن من دون خلوة، بحضور أبيها أو أمها أو أخيها أو غيرهم، أو ينظرها من بعيد من الفرجة أو مع باب أو ما أشبه ذلك، يقول جابر رضي الله عنه لما أراد أن يخطب امرأة قال: تخبأت لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها.
فالمقصود: أنه يفعل ما يستطيع، إن استطاع أن يستأذن منهم من أبيها أو جدها أو أخيها حتى يراها فلا بأس، هذا أكمل، وإن لم يتيسر ذلك سأل العارفين بها حتى كأنه يراها، سألهم واستفصل، وإن رآها من دون أن يعلموا من فوة باب أو عند جيران فلا حرج، لكن من دون خلوة.
والسؤال يا سماحة الشيخ: في حالة كوني صائماً ودخلت المسجد حين الأذان هل أصلي تحية المسجد أم أذهب لتناول الفطور علماً بأن فطوري داخل المسجد؟ أفتونا في ذلك مأجورين.
الجواب: أما ما يتعلق بمدافعة الحدث وما يتعلق بالبداءة بالطعام هذا هو السنة؛ لأنه يتفرغ للصلاة حتى يصليها بخشوع، فلا صلاة بحضرة الطعام والحديث الآخر: (إذا حضر الطعام وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء)، والحديث الآخر: (إذا حضر العشاء وحضرت المغرب فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب) يبدأ بالعشاء حتى يستريح حتى يطمئن قلبه .. حتى يؤدي الصلاة بخشوع وطمأنينة، لا يصلي وقلبه مشغول بالطعام أو بمدافعة الأحدثين، هذا هو الواجب عليه .. هذا هو المشروع للمؤمن، والأحاديث في هذا صريحة، (لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان)، وكذلك الأمر بتقديم العشاء قبل أن يصلي؛ لأنه بهذا يطمئن.
أما إذا دخل المسجد على المغرب وهو صائم فإنه يبدأ بتحية المسجد ولو كان صائماً يبدأ بالركعتين ثم يفطر والحمد لله؛ لأن المدة قليلة، دقيقتين ثلاث الحمد لله، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، وفي اللفظ الآخر: (فليركع ركعتين قبل أن يجلس)، فليبدأ بالركعتين إذا كان على طهارة يبدأ بالركعتين ثم يجلس يفطر الحمد لله.
السؤال: له سؤال ثاني علي مطلق من الكويت يقول: سماحة الشيخ! نسمع كثيراً ممن يتكلم فيقول: لابد من العالم أن يكون عنده فقه بالواقع لكي يفتي، والحقيقة -يا سماحة الشيخ- بأنه أصبح عندي تناقض؛ لأن الدين ثابت على مر الأزمان؛ لأنه دين سماوي من رب العالمين، فهل هذا الكلام صحيح شرعاً؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين.
الجواب: هذا فيه تفصيل، الواجب على المفتي أن يعرف موضع الفتوى، ولا يفتي إلا على بصيرة، حتى يطبق الحكم على الواقع، وهكذا شأن العلماء عندما يفتون إذا عرفوا الواقع، فإذا سأله سائل عن الطلاق يستفصل: كيف الطلاق؟ كيف وقع الطلاق، طلقة أو طلقتين؟ وكيف حال المرأة هل كانت في حيض أو نفاس؟ يستفصل حتى يطبق أحكام الله كما شرع الله، لابد أن يكون عنده بصيرة، وإذا سأله السائل قال: إنسان قتل آخر. يستفصل كيف قتله بقصاصاً أو دفاعاً عن نفسه.. صال عليه.. كيف قتله؟ إن كان دفاعاً عن نفسه قد صال عليه ودافعه لم يستطع السلامة إلا بدفعه عن النفس فلا يضمنه؛ لأن الصائل يدفع بالأسهل فالأسهل، إن كان قتله في حد مع القاتلين مثل: الزاني فأمر ولي الأمر بإقامة الحد عليه، فقتله مع الناس فرجمه مع الناس، هذا مشروع وليس عليه شيء.
سئل عن النفقة: كيف النفقة على الزوجة والأولاد؟ يسأل: كم الأولاد؟ وايش عادة البلاد؛ حتى يعلم بالنفقة يخبرهم بالنفقة الواجبة، ينفق عليها النفقة المعروفة بالمعروف، حتى يعطيهم الحجة واضحة والفتوى واضحة، يعتمد على الدليل ويستفصل حتى تكون الفتوى في محلها.
كذلك السلم، إذا أراد أن يسلم في شيء يسأل، فلابد يكون مضبوطاً، إن كان في طعام يكون في شيء معلوم وشيء مضبوط، حب .. رز .. شعير يكون مضبوطاً ويفهم الواقع ما هو.
سأله عن القصاص مثلاً: القصاص في اليد .. القصاص في الرجل كيف محل القصاص؟ القصاص في الأصبع، القصاص في الشجة في الرأس يبين كيف القصاص على ما بين أهل العلم، يوضح لهم حتى تكون الفتوى على طبق الواقع.
وهكذا فعل العلماء يفهمون الواقع هذا شيء تحصيل حاصل، المفتي هكذا يكون، من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، المفتي لابد يعرف موضع الفتوى ويكون على بصيرة في الفتوى، حتى لا تقع الفتوى في غير محلها، لا يتسرع في الفتوى على غير بصيرة، لابد يعرف السؤال، ويكون على بصيرة في السؤال ومحل السؤال حتى تكون الفتوى مطابقة للواقع.
الجواب: إذا كانت راضية وسامحة لا شيء عليه، إذا سمحت أمك أنها تبقى في عصمته ولا ينفق ولا يراها فلا بأس، الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلق سودة فقالت: (يا رسول الله! أبقني في حبالك وحقي ساقط) ويومي لـعائشة فوافق النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت في حباله ولا يأتيها ولا ينظر إليها ولا ينفق عليها، فإذا سمحت أمك ورضيت عنه فلا حرج.
أما إذا قالت: لا، أنا ما أرضى إما أنفق وإلا طلق يلزمه الطلاق، يلزمه أن يطلق طلقة واحدة، أما إذا كانت لا راضية تقول: لا أنا صابرة وأبغى عند عيالي وأنت مسامح ولا تجيني ولا تنفق أنا أصنع نفسي فلا حرج والحمد لله، لكن إذا كانت لا. تقول: لا. إما اعدل وإلا طلق. يلزمه إما العدل وإلا الطلاق هذا الواجب.
المقدم: جزاكم الله خيراً.
المقدم: يقول في سؤال له سماحة الشيخ: بالإضافة إلى هجره لأمنا فهو يعاملنا بقسوة ولا يعطينا شيئاً علماً بأنه يملك الكثير من الأموال مما أحدث في قلوبنا شيء من الكراهية لها، فماذا توجهونه مأجورين؟
الشيخ: الواجب عليه أن ينفق على أولاده إذا كانوا فقراء، الواجب عليه أن ينفق عليهم، وأن يعاملهم باللطف والإحسان والخلق الحسن، والواجب على الأولاد أيضاً أن يعرفوا قدره، وأن يبروه، وأن يخاطبوه بالتي هي أحسن، وإذا دعت الحاجة إلى أن يرفعوا الأمر إلى المحكمة فلا بأس، يقولون: والدنا احنا فقراء ولم ينفق علينا، يرفعوا الأمر إلى المحكمة، وإذا توسط لهم بعض الطيبين من الجيران والأقارب لدى الوالد حتى ينفق فهذا أحسن من المحكمة، أحسن من الخصومة.
وصيتي للأولاد: الرفق والبر بالوالد والكلام الطيب مع الوالد، ووصيتي للوالد أن يتقي الله وأن ينفق على أولاده المحتاجين، وأن لا يحوجهم إلى الشكوى إلى المحكمة أو إلى توسط الناس، يجب أن يعدل من نفسه وأن يعرف ما أوجب الله عليه وأن ينفق عليهم ما داموا فقراء، وأن يحسن إليهم، وأن لا يحوجهم إلى شكوى ولا إلى غيرها، وعلى الأولاد جميعاً أن يجتهدوا في بر والدهم والكلام الطيب معه ومخاطبته بالتي هي أحسن، وإذا دعت الحاجة إلى أن يطلبوا من أعمامهم أو من بعض جيرانهم أو أصدقاء والدهم أن يتوسطوا لدى والدهم في الإحسان إليهم وفي أداء حقهم بدلاً من الشكوى فهذا أطيب وأحسن.
الجواب: النداء: هو الأذان يعني لو يعلموا ما فيه من الفضل لاستهموا عليه لاقترعوا يعني: كل واحد يقول: أنا الذي أؤذن، دعوني أؤذن. لما فيه من الفضل العظيم؛ لأنه ينادي على الناس بتوحيد الله وتعظيمه وتكبيره ويدعو إلى الصلاة ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون)، فهم يشهدون لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ويدعون الناس إلى الصلاة والفلاح، فهو ذكر عظيم على رءوس الأشهاد، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) فضل عظيم، فلو أن الناس علموا هذا الفضل واستحضروه لاستهموا لاقترعوا، يعني: كل واحد يقول: أنا الذي أؤذن حتى يحتاجوا للقرعة حتى يؤذن من خرج له القرعة، من شدة الرغبة، لكن إن أكثر الخلق ما عنده بصيرة ولا يحرص على الفضائل، لكن لو أن الناس عرفوا هذا الفضل وتأكدوه وصارت عندهم الرغبة في الخير لاستهموا على ذلك.
المقدم: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ، ألا يدخل في ذلك -سماحة الشيخ- إجابة النداء وهو الذهاب إلى المصلى والتبكير، ألا يدخل في الأفضلية أيضاً؟
الشيخ: هذا من باب المسارعة إلى الصلاة، هذا من باب المسارعة إلى الصلاة والمسابقة إليها، مثلما في قوله جل وعلا: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21] .. وَسَارِعُوا [آل عمران:133] .. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [المائدة:48] هذا من باب المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى، لكن (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) هذا مقصوده في النداء يسعى إلى النداء، أما الصف الأول معناه المسارعة إلى الصلاة حتى يكون في الصف الأول، يعني: يبكر حتى يفوز بالصف الأول، أما إذا تأخر قد لا يحصل له إلا الصف الثاني أو الثالث أو .. إذا كان المسجد كبير فيه ناس كثير، لكن ما يتعلق بالأذان معناه أنهم يتنافسون فيه حتى كل واحد يقول: دعوني أنا الذي أؤذن وقد يحتاجوا إلى القرعة.
الجواب: ما يحتاج يومي إيماء مثلما جاء في الحديث، حديث مرفوع وموقوف أن جابر رأى رجلاً يصلي على وسادة فأمره بإلقاء الوسادة وأن يومي بركوعه وسجوده، ولا حاجة إلى وسادة يرفعها بل يسجد في الهواء ويخفض سجوده عن الركوع ويكفي والحمد لله.
لكن لو سجد على شيء رفعه لو سجد عليه لا يضر لا حرج، لكن الأفضل أن يكون بالإيماء، إذا شق عليه السجود يسجد في الهواء ويخفضه عن الركوع، هذا هو السنة لمن عجز عن السجود في الأرض، ولا حاجة إلى وسادة ولا كرسي ولا شيء يسجد عليه.
الجواب: الواجب عليها بقاءها في البيت حتى تكمل العدة، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتوفى عنها: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله) ، ولا تخرج للمناسبات زيارات الناس، هذا هو الواجب عليها، ثم الخروج إلى الناس يفضي إلى تعاطيها الزينة وتعاطيها الطيب وهذا محرم ممنوعة من الطيب والزينة، فعليها أن تلبس ملابس عادية ليس فيها زينة، وعليها أن تجتنب الطيب والحلي والكحل، والحناء، فهذا الخروج للمناسبات والزواجات يفضي إلى الحلي وإلى الطيب، فالمقصود: ليس لها الخروج إلا للحاجة، مثل: الخروج لحاجاتها من السوق، تجيب حاجة من السوق .. خبزة من السوق.. حاجة من السوق.. تذهب إلى المستشفى عند الحاجة.. إلى المحكمة عند الحاجة لا بأس.
الجواب: المشروع أن ينتهي حيث انتهت الصفوف لا يزاحم الناس، إذا كان الصف الأول انتهى يصف الثاني، الصف الثاني انتهى يصف الثالث وهكذا، إلا إذا وجد فرجة ما سدوها هم الذين أخلوا يذهب إليها، أما إذا كان ما في فرجة إنما يزاحمهم يقول تفحسوا، لا. لا يرح لهم، يصف في منتهى الصف الذي وجده اثنين.. ثلاثة.. أربعة، على حسب الحال، ولا يزاحم الناس ولا يقطع الصفوف ولا يتخطى رقاب الناس، إلا إذا كان الصف الأول ما تم وصفوا في الثاني يروح للصف الأول يكمله أو تركوا فرج وذهب إلى فرجة يسدها لا بأس؛ لأنهم هم الذين قصروا.
الجواب: التعلق بالقبور ورجاء نفعها ودفع الضرر منها بدعائها أو التمسح بها أو الاستغاثة بها أو الطواف بها كله كفر أكبر، هذا شرك المشركين، هذا ضلال الأولين.
لا يجوز التعلق بالقبور لا بقبور الصالحين ولا بقبور الأنبياء ولا غيرهم، فالذي يتعلق بها يطوف بها يرجو نفعها أو يستغيث بأهلها، أو ينذر لهم، أو يتمسح بقبورهم يرجو منهم النفع، أو يستعين بهم أو يذبح لهم، أو يسجد لهم، كل هذا من الكفر بإجماع أهل السنة والجماعة، بإجماع أهل العلم، وهذا شرك المشركين الأولين، الله يقول جل وعلا: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] سماهم كفار، وقال جل وعلا: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:13-14] سموه شرك دعاهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، فالذي يدعوهم قد عبدهم، فإذا قال: يا سيدي! انصرني أو اشف مريضي، أو اشفع لي، أو أنا في جوارك، أو أنا في حسبك، أنا متوكل عليك، أنا أرجوك، أنا أخافك، هذا شرك أكبر، هذا ما يفعل إلا مع الله جل وعلا، يخاطب الله، يا رب! انصرني .. اشف مريضي .. أنا أخاف من فلان مع الله سبحانه، أما مع المخلوق هذا الشرك الأكبر، أو مع النجوم، أو مع الجن، أو مع الأصنام ، كل هذا كفر أكبر، هذا شرك المشركين، وهكذا ما يفعله عباد الحسين، أو عباد الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، أو عباد العيدروس أو زينب أو غير ذلك، كل هذا كفر أكبر، إذا دعاه دعا العيدروس ، أو دعا الحسين، أو الحسن، أو استغاث بـعلي رضي الله عنه، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو استعان به، أو قال: يا رسول الله! انصرني، أو اشفع لي، أو اشف مريضي، أو ثبتني على الدين، هذا كله كفر أكبر.
الشفاعة تطلب منه يوم القيامة بعد البعث والنشور، وفي حياته قبل الموت يقال: اشفع لي يا رسول الله، لا بأس، أما بعد الموت لا. لا يطلب منه لا شفاعة ولا غيرها، لكن حين كان حياً يقول الصحابي: يا رسول الله! اشفع لنا، استغث لنا، لا بأس لأنه قادر، ويوم القيامة كذلك بعدما يبعث الله الناس وعند شدة الهول يذهب المؤمنون إلى آدم يقولون: اشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من كرب الموقف، يقضي بيننا فيتعذر آدم ويحيلهم إلى نوح، ويتعذر نوح ويحيلهم إلى إبراهيم، ويتعذر إبراهيم ويحيلهم إلى موسى، فيتعذر موسى ويحليهم إلى عيسى فيتعذر عيسى ويقول: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال صلى الله عليه وسلم: (فيأتوني -يأتيه الناس- فأقول: أنا لها أنا لها، ثم يذهب عليه الصلاة والسلام فيسجد بين يدي ربه -يسجد بين يدي الله تحت العرش، ويحمد الله بمحامد يفتحها عليه، يثني عليه كثيراً حتى يقال له: يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع) لا يشفع إلا بعد الإذن؛ لأن الله يقول: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] فإذا أذن له شفع في الناس أن يقضى بينهم، ويشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، ويشفع في أناس من العصاة دخلوا النار أن يخرجوا منها شفاعات كثيرة عليه الصلاة والسلام.
وهكذا يشفع المؤمنون في العصاة.. تشفع الملائكة.. يشفع الأفراط، هذا جاءت به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم. نعم.
المقدم: شكر الله لكم -يا سماحة الشيخ- وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم المسلمين.
أيها الإخوة الأحباب .. أيها الإخوة المستمعون الكرام! أجاب عن أسئلتكم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، شكر الله لسماحته على ما بين لنا في هذا اللقاء الطيب المبارك.
وفي الختام تقبلوا تحيات الزملاء معي في الإذاعة الخارجية الزميل فهد العثمان ومن هندسة الصوت سعد عبد العزيز خميس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر