أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى لقاء طيب مبارك من برنامج نور على الدرب، ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز فأهلاً ومرحباً سماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
====
السؤال: سماحة الشيخ! في بداية هذا اللقاء حدثونا عن شيء عن نعيم الجنة وعن الطرق الموصلة إليها نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن الله جل وعلا بين في كتابه الكريم صفة الجنة، وصفة نعيمها، وصفة أهلها، كما بين سبحانه صفة النار وأغلالها وأنواع شرها وصفات أهلها، فالواجب على كل مكلف أن يحذر صفات أهل النار، وأن يجتهد في التخلق والاتصاف بصفات أهل الجنة، كما يقول جل وعلا: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:15-19]، كما يقول سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45-48]، ويقول سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُم [الطور:17-18]، وقال جل وعلا في سورة النبأ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] في آيات كثيرة، فالواجب على المؤمن أن يهتم بهذا الأمر وأن يعنى بصفات أهل الجنة، وأهم شيء أداء الواجبات وترك المحارم، فيعتني بأداء فرائض الله وترك محارم الله والوقوف عند حدود الله، هذا هو السبب الذي جعله الله موصلاً للجنة بفضله ورحمته سبحانه وتعالى، وليحذر كل الحذر من صفات أهل النار الذين بين الله حالهم في كتابه العظيم: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف:74-78]، هذه حالهم نسأل الله العافية، بينت لهم الحقيقة ودعوا إلى أسباب السعادة وبلغتهم الرسل وأنزل الله عليهم الكتب ولكنهم تابعوا الهوى والشيطان فندموا غاية الندامة، قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:71-73].
هذه حال هؤلاء وحال هؤلاء، فجدير بالمؤمن وجدير بالمؤمنة العناية بأخلاق المؤمنين والاتصاف بصفاتهم العظيمة من توحيد الله والإخلاص له والمحافظة على الصلاة وأداء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والاجتهاد في كل خير وبر الوالدين وصلة الرحم والإكثار من ذكر الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلى غير هذا من وجوه الخير، ثم الحذر من جميع ما نهى الله عنه وأعظمها الشرك، أعظم ما نهى الله عنه الشرك الأكبر، قال جل وعلا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66]، وقال في صفات أوليائه المؤمنين صفات عباد الرحمن: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، هذه صفات عباد الرحمن وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63] هذه من صفاتهم العظيمة.
فينبغي للمؤمن أن يتصف بصفات أولياء الله وليحذر من صفات أعداء الله أينما كان، وعباد الرحمن هم المتقون، هم أولياء الله، هم المحسنون، هم الذين أطاعوا الله ورسوله واستقاموا على دينه، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، ويقول سبحانه في صفة عباده المتقين: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:17-28].
فأنت يا عبد الله الآن في دار المهلة ودار العمل، وهكذا أنت يا أمة الله في دار المهلة في دار العمل، فالواجب على كل منكما تقوى الله سبحانه وتعالى وذلك بتوحيده والإخلاص له في جميع الأعمال: الصلاة والصوم والصدقة والاستغفار والذكر، والإنسان يتوجه بقلبه إلى الله ويخلص عمله لله، إن تصدق فلله.. إن صلى لله.. إن صام لله.. إلى غير ذلك، كما قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، ويقول سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3]، ويقول جل وعلا في كتابه الكريم: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14]، ومن أهم المهمات أيضاً الحذر من جميع المعاصي: من الزنا، السرقة، الغش للمسلمين، الكذب، الربا، العقوق للوالدين أو أحدهما، قطيعة الرحم، الغيبة، النميمة.. إلى غير هذا مما حرم الله، الإنسان يحاسب نفسه في أداء فرائض الله والإكثار من طاعة الله، ويحاسب نفسه في الحذر من محارم الله ومعاصيه، يرجو ثوابه ويخشى عقابه سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لكل ما يرضيه، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من أسباب غضبه وأسباب نقمته إنه جل وعلا جواد كريم.
الجواب: الأحاديث كثيرة في ذلك؛ منها: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف يصلي بالناس بعدما تفرغ الإقامة التفت يميناً وشمالاً وحرضهم: (سووا صفوفكم)، (قاربوا بينها)، (حاذوا بالأعناق)، (من وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله)، فهكذا يحرضهم على تسوية الصفوف وإقامتها، ويقول: (سدوا الفرج فإن الشياطين تدخل بين المسلمين في الفرج كأولاد الغنم) فهو صلى الله عليه وسلم يحثهم على إقامة الصفوف وسد الخلل وسد الفرج التي بينهم وأن يستقيموا، ويقول: (ألا تصفوا كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: يا رسول الله! كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول ويتراصون هكذا)، يعني يتمون الصف الأول فالأول ويتراصون فيها ثم يعتنون بذلك غاية العناية، فهكذا يجب على المؤمنين أن يتراصوا في الصفوف وأن يكملوا الصف الأول فالأول عملاً بأمره صلى الله عليه وسلم وتوجيهه عليه الصلاة والسلام، ويقول: (سووا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق) وهذا يتكرر منه عليه الصلاة والسلام في كل صلاة عليه الصلاة والسلام حتى ينتبه الناس وحتى يتواصوا بهذا الأمر ويتناصحوا، وحتى يبلغ بعضهم بعضاً في بعض الأوقات أراد أن يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره فقال: (عباد الله! لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم).
الجواب: ليس لهذا أصل، الخروج للقبور بعد صلاة العيد إنما هي عادة لبعض الناس، فإذا زاروا القبور يوم العيد أو يوم الجمعة أو في أي يوم؛ لأنه لا يوجد يوم مخصوص، أما تخصيص يوم العيد أو تخصيص الجمعة أو تخصيص يوم آخر ليس له أصل، ولكن السنة أن يزوروا القبور دائماً بين وقت وآخر على حسب التيسير، إذا كان وقتهم يسمح في يوم الجمعة في يوم العيد في أوقات أخرى يفعلون، أما أن يظنوا أن لهذا اليوم خصوصية فلا، لكن السنة أن يزوروا القبور عندما يتيسر ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يزورها عليه الصلاة والسلام ويدعو لأهلها، فلا فرق بين يوم العيد أو الجمعة أو الخميس أو غير ذلك ليس لهذا وقت معروف فيما نعلم ولكن المؤمن يتحرى الأوقات التي يحصل له فيها فرصة؛ لأن الإنسان قد تشغله المشاغل فإذا تيسر له فرصة في الجمعة أو في يوم العيد أو في غير ذلك فعل ذلك زار القبور وسلم عليها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، هذا تعليمه لأصحابه عليه الصلاة والسلام سواء كانت الزيارة في أول النهار، في وسط النهار، في آخر النهار، في الليل، في أوله في وسطه في آخره حسب التيسير.
أما النساء فليس لهن زيارة القبور، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور لكن يصلين على الميت في المساجد أو المصلى، يصلين مع الرجال على الموتى لا بأس، أما زيارة القبور فقد زجرهن عن ذلك عليه الصلاة والسلام ولعن زائرات القبور، والحكمة في ذلك والله أعلم لأنهن قليلات الصبر ولأنهن فتنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، فالواجب عليهن طاعة الله ورسوله وعدم الزيارة للقبور لكن الدعاء مطلوب من الجميع من الرجال والنساء، الدعاء لأموات المسلمين الدعاء لأقاربهم وأمواتهم: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، اللهم أنجهم من النار، اللهم ارفع درجاتهم في الجنة.. إلى غير هذا من الدعوات الطيبة، اللهم كفر سيئاتهم، اللهم تقبل حسناتهم، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، الدعاء مطلوب في البيت.. في الطريق.. عند القبر.. عند الزيارة.. كله طيب.
الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر أربع تكبيرات على الجنازة، فالسنة أن يكبر عليها أربع تكبيرات؛ في الأولى يقرأ الفاتحة، في الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلي في الصلاة، في الثالثة يدعو للميت: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، اللهم أدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار. كل هذا كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم للموتى، ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة، وكان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام في التكبيرة الأولى في الصلوات كلها، أما في الجنازة فقد ثبت عن ابن عمر أنه كان يرفع في التكبيرات كلها، قال بعض أهل العلم: وهذا يدل على أنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا لا يقال من جهة الرأي، ففعل ابن عمر رضي الله عنه ومن فعله من السلف يدل على أن هذا كان متوارثاً عندهم عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذه المسائل لا تقال من جهة الرأي، فالأفضل في هذا هو الرفع في جميع التكبيرات؛ تكبيرات الجنازة، وهكذا تكبيرات العيد في السبع الأولى والخمس الأخيرة في صلاة العيد، لما فعل ذلك بعض الصحابة دل ذلك على أنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس من محلات الاجتهاد بل هذا مما يتعلق بالرفع لئلا يتوهم فيه أنه من الرأي؛ لأنه لا مجال للرأي فيه بل الظاهر حمله على أنه تلقاه عن النبي عليه الصلاة والسلام، فالأفضل في هذا هو أنه يرفع يديه في جميع تكبيرات الجنازة وفي جميع تكبيرات صلاة العيد، هذا هو الأفضل كما فعل ذلك بعض السلف من الصحابة كـابن عمر وغيره، والخلف في هذا -بحمد الله- يسير لكن هذا هو الأفضل ، والعالم عليه أن يتحرى الحق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب على أهل العلم أن يتحروا الحق من القرآن والسنة الصحيحة ومما فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح بعدهم، فإن الأدلة الشرعية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع سلف الأمة ثم القياس الصحيح الذي تتوافر فيه الشروط، فالجمهور على أن القياس الصحيح الذي تتوافر فيه الشروط يعتمد إذا لم يوجد دليل من الكتاب والسنة والإجماع، وهذه المسائل مسائل عبادة تتلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ليست محل القياس، القياس في مسائل الأحكام في الفروع أما العبادات فهي محل توقيف، وليست محل قياس، إنما هي توقيفية عن الله وعن رسوله، والصحابة إذا فعل الواحد منهم ما لا مجال للرأي فيه وليس مما يتلقى عن الماضين فإن هذا يكون له حكم الرفع؛ لأن الصحابة تلقوا دينهم وتلقوا عباداتهم عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، فإذا لم يوجد نص من الكتاب أو السنة ولكن وجد من فعل الصحابة في المسائل التي لا مجال للرأي فيها وليس الراوي لها ممن يتلقى عن الأمم الماضية فإن هذا العمل يعطى حكم الرفع.
الجواب: السنة في التهجد بالليل السلام من كل ثنتين هذا هو السنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، فإذا أراد الوتر أوتر بواحدة مفردة قبل الفجر يقرأ فيها بالفاتحة و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، هذا هو السنة، وإن أوتر بثلاث سردها، هذا هو السنة، لا يجلس في الثانية بل يسردها كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبيه الوتر بالمغرب لكن يسردها، لا يجلس بعد الثانية بل يسرد الثلاث ويجلس في الأخيرة ويتشهد في الأخيرة إذا أوتر بثلاث ولكن كونه يسلم من الثنتين ويوتر بواحدة مفردة يكون هذا هو الأفضل والأكمل؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الركبة هي الفاصلة بين العورة وغير العورة، ما فوق الركبة من العورة والركبة وما تحتها ليست من العورة في حق الرجل، أما المرأة فكلها عورة إلا وجهها في الصلاة، وإذا كان عندها أجنبي سترت وجهها أيضاً، وفي الكفين خلاف هل تسترهما في الصلاة أم لا وسترهما أحوط وأولى في الصلاة، أما الرجل فعورته ما بين الركبة والسرة فالركبة ليست من العورة بل هي تبع الساق لكن ستر ذلك في الصلاة حتى في حق الرجل أولى.
الجواب: على أهل الحي أن يصلوا في المسجد المناسب لهم، وإذا كان مسجداً مهجوراً وهو مناسب لهم وهو قريب منهم وليس فيه محذور يصلون فيه.
فالمقصود أن على أهل الحي -سكان الحي المعين- عليهم أن يعمروا مسجداً لهم إن استطاعوا فإن لم يستطيعوا صلوا في محل معين واتخذوه مصلى لهم يصلون فيه ويجتمعون فيه؛ لأن الصلاة في الجماعة أمر لازم، أوجب الله الصلاة في الجماعة وأوجبها رسوله عليه الصلاة والسلام، الله يقول: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، وفي صلاة الخوف قال: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ [النساء:102]، فأمر بالجماعة حتى في صلاة الخوف لكن إذا كان عندهم مسجد مهجور وهو صالح فإنهم يصلون فيه والحمد لله، يجتمعون فيه ولا يهجرونه، وإذا كان بعيداً عنهم وتيسر لهم مسجد أقرب منه يعمرونه ويجتمعون فيه فذلك طيب وحسن.
المقصود أنهم يعملون الشيء الذي يجمعهم ويعينهم على أداء الصلاة جماعة سواء كان مسجداً مهجوراً أو غير مهجور إذا كان بعيداً عنه ويشق عليهم عمروا مسجداً متوسطاً بينهم حتى يجتمعوا فيه ويصلوا فيه جميعاً.
الجواب: الواجب على كل مسلم ومسلمة إذا فعل شيئاً من المعاصي أن يبادر بالتوبة، إذا فعل المعصية؛ لأن الله سبحانه يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]، هذا هو الواجب على كل مسلم ومسلمة إذا بدر منه ذنب بادر بالتوبة وسارع إليها، شرب مسكر.. عقوق.. ربا.. زنا.. إلى غير هذا متى وقعت منه المعصية بادر وسارع إلى التوبة والندم والإقلاع والعزم أن لا يعود مع الإكثار من العمل الصالح، كما قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وإذا حلف أو نذر إن رجع إليها أن يتصدق بكذا أو يصلي كذا أو يصوم كذا فهذا فيه تفصيل؛ إن أراد بهذا القربة إلى الله وأنه متى فعل وعاد إليها تاب وتقرب إلى الله بهذا زيادة في التوبة فهذا يلزمه؛ لأن الرسول يقول صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، نذر الطاعة يجب الوفاء به لهذا الحديث الصحيح: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، واجب، أما إذا كان أراد بهذا أن يردع نفسه حين قال: نذر علي إن عصيت أن أتصدق بكذا أو أن أصوم شهراً أو كذا.. مقصوده يردع نفسه يخوف نفسه حتى لا يلزمه الصوم والصدقة وما كان قصده التقرب إنما قصده أن يمنع نفسه من هذه المعصية، فإذا عاد إليها فعليه التوبة وعليه كفارة يمين عن نذره؛ لأنه ما أراد القربة بهذا إنما أراد أن يمنع نفسه وأن يردعها عن هذا الشيء فهذا يكون فيه كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وإطعام العشرة يكون لكل واحد نصف الصاع -كيلو ونصف- من قوت البلد أو كسوة قميص أو إزار ورداء، هذا هو الواجب على من فعل هذا.
الجواب: إذا كان على أمر واحد تكفيه كفارة واحدة فإذا قال: والله ما أكلم فلاناً، والله ما أكلمه، والله ما أكلمه قالها مرات كثيرة ثم كلمه، عليه كفارة واحدة؛ لأنه فعل واحد، أو قال: والله ما أزور فلاناً، والله ما أزور فلاناً، والله ما أزور فلاناً، ثم زاره عليه كفارة واحدة، أما إذا كان على فعلين قال: والله ما أزور فلاناً، والله ما أكلم فلاناً ثم كلم هذا وزار هذا كان عليه كفارتان؛ لأن كل واحدة يمين مستقلة على فعل مستقل.
الجواب: الراجح أنه لا حرج في ذلك؛ لأنه ورد عن بعض الصحابيات وعن بعض السلف التسبيح بالحصى وبالنوى والعقد، لكن الأصابع أفضل، كونه يسبح بأصابعه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح بأصابعه هذا هو الأفضل وهذا هو السنة، وإن سبح بالسبحة أو بالحصى أو بالنواة بعض الأحيان في بيته فلا بأس لكن في المساجد عند الناس الأفضل بالأصابع كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام.
الجواب: إذا رضعت من جدتك أم أبيك رضاعاً شرعياً كاملاً خمس رضعات أو أكثر في الحولين صرت أخاً لأبيك وأعمامك، وإن كانت جدتك أم أمك إذا رضعت منها خمس رضعات أو أكثر في الحولين صرت أخاً لأمك ولخالاتك، فالرضاع كالنسب (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، فإذا رضعت من أم أبيك صرت أخاً لأبيك وأخاً لأعمامك وعماً لبنات أعمامك لا يحلون لك، وهكذا إذا رضعت من جدة أم أمك رضاعاً شرعياً خمس مرات أو أكثر في الحولين فإنك تكون أخاً لأمك وأخاً لخالاتك وخالاً لبناتهن، فليس لك نكاحهن، والرسول يقول عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، اللهم صل عليه وسلم.
المقدم: اللهم صل وسلم عليه يقول: يا سماحة الشيخ! امتداداً للسؤال السابق أنا كتبت الكتاب على ابنة عمتي ولم أدخل عليها بعد، فما حكم هذا العقد في هذه الحالة؟
الشيخ: إذا كنت قد رضعت من جدة أم أبيك رضاعاً شرعياً خمس مرات أو أكثر وأنت في الحولين فالنكاح باطل لا يصح؛ لأنك حينئذ عمها، أخ لأبيها فالنكاح باطل.
الجواب: السنة للمؤمن أن يصلي الراتبة في بيته هذا هو الأفضل لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، هكذا علم أصحابه في المدينة في مسجده الشريف، ولك في صلاتك في البيت أفضل من صلاتك في المسجد لك أجر عظيم؛ لأنك امتثلت أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأطعت توجيهه عليه الصلاة والسلام، فإذا صليت الفريضة في المسجد فالرواتب تكون في البيت أفضل، فإذا كانت في المسجد بألف صلاة ففي البيت أكثر؛ لأنك أطعت الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثلت السنة، وهكذا في مكة وهكذا في كل مكان، ويلحق بالمكتوبة ما شرعت له الجماعة مثل صلاة التراويح في المسجد أفضل مثل صلاة الكسوف صلاة الجنازة في المساجد وفي المصلى أفضل من البيت.
المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم المسلمين.
كان معنا في هذا اللقاء الطيب المبارك سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، شكر الله لسماحته على ما بين لنا وشكراً لكم أنتم، وفي الختام تقبلوا تحيات الزملاء من الإذاعة الخارجية فهد العثمان ، ومن هندسة الصوت سعد خميس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر