مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الجماهيرية العربية الليبية، باعثها مستمع من هناك رمز إلى اسمه بالحروف: (ن. ع. ف)، أخونا يسأل ويقول: هناك من يقول: بدعةٌ حسنة، ودليله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن سنة حسنة؛ فله أجرها، وأجر من عمل بها، ومن سن سنةً سيئة؛ فله وزرها ووزر من عمل بها), وحينما أرد عليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار), فهنا لفظ (كل) شمل البدع كلها، فيردون علي بهذا الحديث، فهل قولهم صحيح؟ وهل هناك تضاربٌ بين هذين الحديثين؟ أفيدونا يرحمكم الله جزاكم الله خيرا.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فليس بين الحديثين بحمد الله اختلاف ولا تضارب، بل قوله عليه الصلاة والسلام-: (كل بدعة ضلالة), كلامٌ عامٌ محكم، يشمل جميع البدع، ولا يستثنى منه شيء، وقد جاء هذا عنه في عدة أحاديث، منها ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر رضي الله عنه، قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة), زاد النسائي رحمه الله: (وكل ضلالةٍ في النار), ومنها ما رواه أبو داود وغيره من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة), وهذا عام لا يستثنى منه شيء، فجميع البدع التي أحدثها الناس: قوليةً، أو فعلية، أو عقدية، كلها داخلة في هذا الحديث، كما أنها داخلة في قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد), متفقٌ على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي روايةٍ لـمسلم ، عنها رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) والمعنى: فهو مردود.
فجميع البدع التي أحدثها الناس كلها داخلة في هذه الجملة : (وكل بدعةٍ ضلالة)، ويجب الحذر منها، والتحذير منها.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنةً حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا), فهذا الحديث في إحياء السنن، وإظهارها، وليس في إحداث البدع، ولكنه في إظهار السنن، ونشرها بين الناس، عند جهلهم بها، وإماتتهم لها، فالذي يحيي السنن، ويظهرها، وينشرها بين الناس؛ له هذا الأجر العظيم، له أجر ذلك، ومثل أجور من عمل بالسنة بأسبابه، فقوله: (من سن) يعني: من أظهر السنن، وأحياها، وبينها للناس، ويدل على هذا سبب الحديث، فإن سبب الحديث أنه صلى الله عليه وسلم (رأى جماعةً من مضر مجتابي النمار قد ظهرت عليهم الفاقة والحاجة، فخطب الناس بعد الصلاة عليه الصلاة والسلام، وقرأ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1], وآية الحشر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18], ثم قال: تصدق رجلٌ من درهمه، من ديناره، من ثوبه، من صاع بره، من صاع شعيره.. الحديث فجاء رجلٌ من الناس بصرةٍ من فضة، كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، ورأى تتابع الناس في الصدقة بسبب أسبابه، قال: من سن في الإسلام سنةً حسنة), يعني: أظهرها، وبينها، وسارع إليها، حتى اقتدى به الناس فيها، وبذلك يتضح للسائل وغيره أن معنى الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة..), معناه: إظهارها، وبيانها، ونشرها بين الناس، والمسارعة إلى ذلك، وأن هذا الفاعل يكون له أجره، ويكون له مثل أجور من تابعه في ذلك.
الجواب: نعم.. نعم، بيان أسباب الحديث مما يعين على فهمه، وجاء بينه وبين غيره من الأحاديث التي قد يبدو لبعض الناس أن هناك تخالفاً وتعارضا، فإذا سمع القارئ أو اطلع القارئ على سبب الحديث زال عنه الإشكال، واتضح له اتفاق السنة وائتلافها، وأن بعضها يصدق بعضا.
الجواب: الذي قاله صاحبك هو الصواب، فقد ثبت في صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته -يعني: إذا سلم من صلاته- قال: أستغفر الله -ثلاثا-، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام), فهذا هو المشروع.
أما الحمدلة، وقول: حينا بالسلام، و ما ذكرت في كلامك، هذا لا أصل له بعد السلام، وإنما المشروع ما قاله صاحبك: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله), ثم تقول (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام), هذا هو السنة، وإذا كان القائل إماماً انصرف إلى الناس بعد ذلك، بعد قوله: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام), ينصرف إلى الناس، ويعطيهم وجهه.
المقدم : يستغفر الله ثلاثاً، ثم يقول هذه العبارة.
الشيخ: يستغفر الله ثلاثاً، ويقول: (اللهم أنت السلام..) إلى آخره، ثم ينصرف إلى الناس، ويعطيهم وجهه، إذا كان إماماً.
أما المأموم والمنفرد فيبقى على حاله، مستقبل القبلة، ويقول الجميع بعد ذلك: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون), رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن الزبير -عبد الله بن الزبير- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذا إذا سلم من صلاته، يعني: بعد الاستغفار ثلاثا، وبعد: (اللهم أنت السلام).
المقدم : نعم, نعيدها مرةً ثانية، لو تكرمتم سماحة الشيخ.
الشيخ: يقول ابن الزبير: النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الصلاة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون).
وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد الصلاة إذا سلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وقد اتفق مع ابن الزبير على قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير), وزاد على ابن الزبير: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد), وابن الزبير زاد عليه: (لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون), وكلا الحديثين صحيح، فالسنة الإتيان بالجميع، السنة الإتيان بما ذكره ابن الزبير، وبما ذكره المغيرة رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام، مع ما ذكره ثوبان حين السلام، فيبدأ أولاً بما قاله ثوبان: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام), من حين يسلم، ثم يأتي بهذه الأذكار بعد ذلك، والإمام يأتي بها بعد انصرافه إلى الناس، بعدما يقول: (اللهم أنت السلام) إلى آخره، يأتي بهذه الأذكار، وفي بعضها زيادة: (يحيي ويميت)، (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير) فإذا زاد: (يحيي ويميت), فلا بأس، كله طيب، كله حسن، وإذا قالها تارةً، وتركها تارة، كله حسن.
السؤال الأول: أنا متزوج، وملتزم والحمد لله، ولكن دائماً أحلف، سواءً في الغضب، أو في غير الغضب، وأقول: علي اليمين، أو علي الطلاق، فمثلاً أقول: علي اليمين ما أفعل كذا، فهل هذا الحلف يعد يميناً، ويجب فيه كفارة، إذا لم أف بما حلفت عليه؟ وجهوني جزاكم الله خيرا.
الجواب: هذا الكلام فيه تفصيل، فإذا كنت أردت منع نفسك من هذا الشيء، قلت: علي الطلاق لا أفعل كذا، علي الطلاق لا أكلم فلانا، علي الطلاق لا أزور فلانا، تقصد منع نفسك من هذا الشيء، وليس في قصدك فراق زوجتك، إنما أردت منع نفسك من هذا الفعل، أو حملها عليه، كأن تقول: علي الطلاق لأفعلن كذا، علي الطلاق لأكلمن فلاناً، علي الطلاق لأكرمن فلاناً، أو لأزورن فلاناً، أو علي الطلاق لأسافرن إلى كذا، فإذا كان المقصود حث نفسك على الفعل، أو الترك، وليس المقصود فراق أهلك، إن لم تفعل، أو إن فعلت، فهذا له حكم اليمين، وفيه الكفارة المذكورة في كتاب الله في سورة المائدة، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، مخير، كل مسكين يعطى نصف الصاع، يعني: كيلو ونص من التمر، أو غيره من قوت البلد، أو يعطى كسوة، إزار ورداء، أو قميص، أو يعتق رقبة، فإن عجز عن الثلاث؛ فإن عليه أن يصوم ثلاثة أيام، هذه كفارة اليمين، وهذا الطلاق الذي وصفنا له حكم اليمين.
أما إذا أردت إيقاع الطلاق مع منع نفسك من هذا الشيء، قلت: علي الطلاق لا أفعل كذا، علي الطلاق لا أكلم فلانا، علي الطلاق لا أزور فلانا، ومقصودك الامتناع وفراق أهلك أيضاً، إن فعلته فإنه يقع الطلاق طلقةً واحدة بهذا الكلام؛ لأنك أردت إيقاع الطلاق، والأعمال بالنيات، وهكذا أشباه ذلك، ومثل: علي الحرام لأفعلن كذا، أو علي الحرام لا أفعل كذا، إن قصدت التحريم والمنع، أو قصدت التحريم وحده، فعليك التحريم إذا لم تفعل، تكون زوجتك حرام عليك، حتى تكفر كفارة الظهار.
أما إذا ما أردت التحريم، وإنما أردت منع نفسك عليك، قلت: علي الحرام لأفعلن كذا، تريد حث نفسك على الفعل، ومنعها من عدم الفعل، لا تحريم زوجتك، فإن هذا له حكم اليمين، وعليك كفارة اليمين على حسب النية.
أما إذا نويت تحريمها إن لم تفعل؛ فإنه يكون ظهارا.
الجواب: مثل هذا لا يكون إماماً، لأنه عاجز عن القيام، فالواجب أن يولى الإمامة من يستطيع القيام، لكن لو كان راتب إماماً حياً راتباً، ثم أصابه علة، وجلس ، فلا بأس أن يصلوا خلفه قياماً، أو جلوساً، أما أن يعين وينصب وهو عاجز؛ فلا، لا ينصب وهو عاجز عن القيام، ولكن يلتمس من يستطيع القيام.
الجواب: النساء مخيرات في اللباس، أسود، أو أخضر، أو أحمر، أو غير ذلك، اللباس بابه واسع، أما إن كن يتقيدن بذلك عن اعتقاد وأنه قربة؛ فيكون بدعة، وأما إذا كن يرين أنه يناسبهن السواد؛ لأنه أستر لهن عند الرجال؛ فلا بأس بذلك، أو لأسبابٍ أخرى، لأنه أرخص، أو لأسباب أخرى، لا لاعتقاد أنه قربة وطاعة، فلا حرج، أما اعتقاد أن الأسود له مزية، وقربة، وطاعة عند الله، فهذا بدعة، لا يصلح.
المقدم: جزاكم الله خيرا، إذا كان هناك فرقة من المتصوفة يلبسون هذا اللباس؟
الشيخ: إذا كان القصد التشبه بهم، كذلك لا يجوز التشبه بأهل البدع ولا بالكفار، إذا كان المقصود من الأسود التشبه بطائفةٍ من الصوفية، أو طائفة من الكفرة؛ فلا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم؛ فهو منهم).
الجواب: الحلقات في العلم بعد العشاء قربة وطاعة، ولكنها لا تغني عن قيام الليل، ولكنها أفضل من قيام الليل.
المقدم : أفضل؟
الشيخ: طلب العلم أفضل من قيام الليل، كونه يطلب العلم، ولو فاته قيام الليل، أفضل له من قيام الليل، مع بقائه في الجهل، فحلقات العلم أمرها عظيم، وفوائدها كبيرة، لا تعدلها بقية التطوعات، لكن إذا تيسر له الجمع بين الأمرين، يحضر حلقات العلم، أو ما تيسر منها، ويقوم من الليل ما تيسر، ولو بثلاث ركعات، أو خمس ركعات، كان هذا أفضل، جمعاً بين المصلحتين، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة، رضي الله عنهم.
الجواب: لا أعلم بسبيلٍ لهذا إلا التواصي بين العلماء، التواصي، أو الدولة تلزم بذلك، إذا كان الدولة إسلامية تلزم العلماء بأن يعيدوا هذه الحلقات في الأوقات المناسبة، بعد العشاء قد لا يناسب بالنسبة إلى كثير من الناس، لكن بين المغرب والعشاء، بعد العصر، بعد الفجر، بعد الظهر، كلها أوقاتٌ مناسبة.
فالحاصل أن العلماء ينبغي أن يتذاكروا في هذا الشيء، وينظروا في الأوقات المناسبة، ويتناوبوا في ذلك؛ حتى يعلموا الناس ما شرع الله لهم، حتى يفقهوهم في دينهم، في الأوقات المناسبة، للمعلم والمتعلم، فالأوقات التي لا تناسب المعلم تشق عليه، والأوقات التي لا تناسب المتعلم كذلك تشق عليه، ولكن يتواصون ويتشاورون في الأوقات المناسبة للجميع، وإذا كان هناك إمامٌ في الدولة، أو أميرٌ في البلد يلزمهم بذلك، ويأمرهم بذلك، كان ذلك حقاً عليه، إذا لم يتيسر فعله إلا بإلزام؛ لأن تفقيه الناس، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم أمرٌ لازم، على ولاة الأمور أن يقوموا به بواسطة أهل العلم.
الجواب: لا ريب أن حلقات العلم لها شأنٌ عظيم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلها، ويجلس لأصحابه يعلمهم، ويذكرهم بين وقتٍ وآخر ، ويتحلقون حوله، ويجتمعون رضي الله عنهم، وهكذا الصحابة بعده كانوا يستعملون الحلقات للعلم والتعليم، وهكذا العلماء إلى زماننا هذا، فالفائدة من الحلقات عظيمة، فطالب العلم يحضر ويستمع، والعامة يحضرون، ويستمعون، وطالب العلم يحضر بكتابه الذي فيه الدرس، حتى يستفيد، وحتى يكتب بعض الفوائد، ولهذا فائدة عظيمة، فإنه إذا استمع وكتب ما قد يفوته لولا الكتابة، يكون هذا عملاً طيباً، وهكذا العامة يحضرون ويستفيدون، ويسألون عما أشكل عليهم، كل هذا مما يحبه الله، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر), وفي الصحيحين أنه كان عليه الصلاة والسلام كان ذات يوم في المسجد، وحوله أصحابه يذكرهم عليه الصلاة والسلام، فدخل ثلاثة والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس وحوله الحلقة، فجاء أحدهم فدخل في الحلقة، والثاني جلس خلف الحلقة، والثالث خرج، فلما فرغ النبي من حديثه عليه الصلاة والسلام، قال: (ألا أنبئكم بشأن الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أما أحدهم فآوى، فآواه الله، وهو الذي دخل في الحلقة، وأما الثاني فاستحيا ، فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض، فأعرض الله عنه).
المقدم: الذي استحيا الذي بقي في.
الشيخ: الذي خلف الحلقة، ما زاحم ولا دخل في الحلقة، (وأما الثالث فأعرض، فأعرض الله عنه), وهذا وعيد شديد، يفيد الحذر من الإعراض عن حلقات العلم، وعن طلب العلم، وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين), وهذا حديثٌ عظيم، يدل على أن من علامات السعادة، وأن الله أراد بالعبد خيرا؛ أن يفقه في الدين، وأن يتبصر في الدين، كما يدل على أن من علامات الهلاك، وعدم الخير، أن لا يتفقه في الدين، وأن يعرض، ويغفل، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له به طريقاً إلى الجنة), فطلب العلم من أفضل القربات، ومن أهم المهمات، فنصيحتي لكل مسلم، ولكل مسلمة الحرص على التفقه في الدين، والتعلم، وعلى طلب العلم بكل وسيلة، ومن ذلك سماع هذا البرنامج: نور على الدرب، سماعه من طلب العلم، ومن العناية بالعلم، فهو برنامج مفيد، يصل إليك وأنت على فراشك، وفي مجلسك، وفي سيارتك، فنصيحتي لكل مسلم ولكل مسلمة العناية بهذا البرنامج للاستفادة، وهكذا نصيحتي للجميع سؤال أهل العلم عما أشكل، وعدم الحياء، بالبرقية، بالهاتف، بالمكاتبة، بالمشافهة إذا كان طالب العلم قريبا، ولا ينبغي لأحد أن يسكت على الجهل، لا رجل، ولا امرأة، الواجب السؤال عما أشكل، قال الله سبحانه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7], ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومٍ أفتوا بغير علم: (ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال).
فالنصيحة أكررها: الحرص على طلب العلم، والتفقه في الدين، من طريق المكاتبة، من طريق الهاتف -التلفون- من طريق سماع هذا البرنامج في كل مكان، من طريق حضور حلقات العلم في المساجد، إلى غير ذلك.
الجواب: ينبغي إذا تيسر العلماء، ينبغي التوسع في ذلك ، ولو كان في كل مسجد؛ لأن كل مسجد جماعته في حاجة إلى التعلم، والفائدة، فإذا وجد في البلد علماء فالمشروع لهم أن يعلموا الناس من طريق الحلقات، ومن طريق الدروس بعد العصر، أو بعد المغرب، أو بعد العشاء؛ حتى يستفيدوا، وكلٌ على حسب طاقته، الذي يستطيع الحلقة يقيم الحلقة، والذي لا يستطيعها ولو بالدرس بعد صلاة العصر، أو غيرها، ولو درساً مختصراً؛ فإنه مع الدوام ينفع الله به، ولو قليلاً، والذي لا يستطيع، يتوسط في حق من يستطيع، ويشير عليه، وينصحه أن يقوم بهذا الدرس، أو بهذه الحلقة، إذا كان أهلاً لذلك، عنده من علم الكتاب والسنة ما يؤهله لذلك، وإذا كان في البلد عالمان، صار كل واحد في ناحية من البلد، وإذا كانوا ثلاثة هكذا، أو أربعة، أو أكثر، كلٌ إنسان يكون في حيٍ من الأحياء، وفي مسجدٍ واسع، حتى يعلم الناس، وحتى يفقه الناس. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرا.
الواقع هذا الموضوع يحتاج إلى مزيدٍ من الطرح، ومزيدٍ من العناية، ولاسيما وأن الناس -سماحة الشيخ- يشكون أحياناً كيف يقضون أوقات فراغهم؟
الشيخ: لا شك أن هذا موضوعٌ جديرٌ بالعناية، من الدولة، ومن العلماء، ومن الناس، فعلى الدولة أن تقوم بذلك، وأن تؤكد على العلماء أن يقوموا بهذا، ولو بالإلزام، ولو بفرض مرتبات لمن ليس له راتب يقوم بحاله، ويحتاج إلى راتب حتى يقوم بهذه المهمة، في القرى والأمصار، وعلى العلماء فيما بينهم أن يقوموا بهذا الواجب حسب طاقتهم، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16], في الأوقات التي يستطيعونها، ولو في وقتٍ قصير، فإن التكرار ينفع الله به، ولو كانت المدة غير طويلة، في الوقت المناسب، بعد العصر، أو بعد المغرب، أو بعد العشاء، أو بعد الفجر، فإن الجلسة ولو كانت غير طويلة، بالتعليم والتوجيه ينفع الله بها الناس، عملاً بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
المقدم: جزاكم الله خيرا، آمل أن نتمكن من العودة إلى هذا الموضوع في حلقاتٍ قادمة سماحة الشيخ.
الشيخ: إن شاء الله.
المقدم: إن شاء الله، أستودعكم الله الآن، وأتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر