مرحباً بفضيلة الشيخ عبد العزيز .
فضيلة الشيخ عبد العزيز! لعلنا في لقائنا هذا نتمكن من عرض رسائل السادة (س. ق. ع) ، والمستمع مرشد راشد البقومي من الرياض.
====السؤال: وهذه رسالة المستمع (س. ق. ع) يقول: رجل أراد السفر لطلب العلم وله أهل من الزوجة والأولاد، وشاور مع زوجته في طلاقها وعدم نفقتها، وقالت: لا تطلقني وقد عفوت عن نفقتي وخلافه، فهل تبقى بدون نفقة ولا يضره شيء أم لا؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالحق للمرأة لا لغيرها، فإذا سمحت عن نفقتها فلا حرج، ويجوز للزوج إبقاؤها في عصمته من دون أن ينفق عليها إذا سمحت، ومتى عادت وطلبت النفقة فإنه يخير، إما أن ينفق وإما أن يطلق.
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والأرجح أنه لا حرج عليه في الخطبة وفي العقد؛ لأنه قد تحلل وصار غير محرم، يتطيب ويقلم أظفاره ويقص شعره ولا حرج عليه، ما بقي عليه إلا جماع النساء، فلا حرج في ذلك، وإن تورع وترك الخطبة وترك عقد النكاح حتى ينتهي من أعمال الحج من الطواف والسعي فهذا أحوط من باب الخروج من الخلاف، وإلا فالعقد صحيح والخطبة لا بأس بها.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا ينكح)، فهذا المراد به إذا كان في حال الإحرام، أما الذي قد تحلل التحلل الأول فقد فسخ الإحرام وصار من جملة الحلال ما عدا شيئاً واحداً، وهو مساس النساء، يعني: جماع النساء.
الجواب: رمي الجمرات نسك مستقل، والمبيت نسك مستقل، والواجب على الحاج هذا وهذا، على الحاج أن يبيت في منى في الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة إن تعجل، فإن لم يتعجل بات الثالثة عشرة أيضاً، وعليه أن يرمي الجمار في الأيام كلها، يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر إن تعجل، وعليه أن يرميها في الرابع والثالث عشر إن لم يتعجل، فإذا ترك المبيت لعذر كالسقاة والرعاة والمريض الذي احتاج إلى المستشفى والنقلة إليه، أو نحوه ممن له شغل شاغل يشغله عن المبيت وهو شغل مهم، فلا حرج عليه، وكذلك الرمي مستقل، إن تيسر أن يرمي يوم العيد وفي الأيام الثلاثة كل شيء في وقته، فهو سنة وهو الأفضل، ويرمي جمرة العقبة يوم العيد نهاراً هذا هو الأفضل، وإن رماها في آخر الليل كالضعفة أجزأت على الصحيح.
وهكذا في اليوم الحادي عشر يرميها بعد الزوال نهاراً، وإن شق عليه ذلك رماها ليلاً في الليلة الثانية عشرة لليوم الحادي عشر على الصحيح، والمسألة خلافية في الليل لكن هذا هو الأرجح، يجوز رميها بعد غروب الشمس إلى آخر الليل، تبعاً لليوم الذي قبلها، وهكذا في اليوم الثاني عشر له أن يرمي في النهار وهو السنة بعد الزوال، فإن شق عليه ذلك رمى بعد الغروب لليلة الثالثة عشرة وأجزأه ذلك على الصحيح، وعليه أن يبيت ويوم من يوم الثالث عشر لكونه أدركه المساء ولم يتعجل.
ولا يجوز الرمي أبداً قبل الزوال في الأيام الثلاثة؛ لأن الرسول رمى عليه الصلاة والسلام رمى بعد الزوال في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وقال: (خذوا عني مناسككم)، وما يروى عن بعض السلف من الترخص والرمي قبل الزوال، وما أفتى به بعض المتأخرين كله غلط ولا يجوز الأخذ به، بل يجب التقيد بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو الرمي بعد الزوال، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يحدد النهاية، ولم يقل لا ترموا بعد غروب الشمس، فمن هذا جاز الرمي بعد غروب الشمس توسعة للمسلمين؛ لأن العدد كثير والوقت الذي بين الزوال والغروب ضيق؛ فلهذا ترجح قول من قال بجواز الرمي بعد الغروب إلى آخر الليل تابعاً لليوم الذي قبل الليلة. نعم..
السؤال: أيضاً يقول: من أحرم بعمرة من ميقاته ثم تحلل..
الشيخ: من تمام السؤال الأول ولو أخر الرمي أخر رمي الحادي عشر إلى الثاني عشر ثم رتبهما بالنية بعد الزوال، أو أخر الثاني عشر إلى الثالث عشر ورتبهما بالنية، فرمى اليوم الأول كاملاً بنيته ثم رمى اليوم التي بعده كاملاً بنيته، فلا حرج عند جمع من أهل العلم، ولكن رمي كل شيء في وقته هو الأولى والأفضل، والعاجز الذي لا يستطيع الرمي يوكل كما يرمى عن الصبيان لعجزهم، فهكذا يرمى عن العجائز والشيوخ الكبار والمرضى وأشباههم ممن يخشى عليهم من الرمي، لما يقع فيه من المزاحمة والمضايقة.
الجواب: هذا يقع من الناس كثيراً ظناً منهم أن تحللهم من العمرة كافي، ولا حاجة إلى أن يحرموا بعمرة أخرى ولا بحج مبكر، والذي ينبغي في مثل هذا أنه إذا عاد من المدينة يعود بإحرام بحج أو بعمرة، وإذا كان الوقت مبكراً عاد بعمرة ثانية، والعمرة فيها خير عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، فإذا عاد بعمرة أخرى كان خيراً له، وإن عاد بحج وصبر على البقاء إلى وقت الحج فلا بأس؛ لأنه قد تحلل من العمرة، وإن قلبه إلى عمره وفسخه إلى عمرة وتحلل منها، تحلل منه بالعمرة فلا بأس أيضاً إذا كان الوقت طويلاً، أما عوده بدون إحرام فلا ينبغي؛ لأن ظاهر النصوص تدل على أنه لا بد من إحرام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج و العمرة)، وهذا قد قدم من المدينة يريد الحج، فظاهر النص أنه يلزمه الإحرام، والقاعدة الشرعية الذي عليها جمهور أهل العلم أن من ترك الإحرام من الميقات وهو يلزمه؛ وجب عليه دم، يذبح ويوزع في مكة المكرمة، فهذا وأشباهه إن فدوا، يعني: أهدوا هدياً لأنهم تركوا الإحرام فهو أحوط لهم وأولى؛ لظاهر الأدلة وظاهر كلام أهل العلم رحمة الله عليهم، والله سبحانه وتعالى.. ولا شك أن في الموضوع بعض الشبهة لهم؛ ولهذا قلنا: الأحوط لهم أن يهدوا، لأن لهم شبهة بأنهم قد حلوا من العمرة وأتوا راجعين إلى مكة لينتظروا الحج، فهذه شبهة لهم؛ فلهذا في وجوب الهدي عليهم توقف، لكن بكل حال إذا أهدوا فهو أولى وأحوط.
المقدم: طيب إذا تجاوز الحاج ميقاته، هل له أن يأتي بحج مفرد؟
الشيخ: ما ..معنى هذا الكلام.
المقدم: مثلاً لو خرج للطائف أو للمدينة، مثلاً خرج للطائف وهو من أهل نجد بعد أن اعتمر العمرة في أشهر الحج، فهل له أن يأتي بحج مفرد؟
الشيخ: مثلما تقدم، مثلما تقدم في قصة أهل المدينة، إذا جاء من الطائف يحرم من ميقات الطائف بحج أو بعمرة ثانية، وكذلك الذي جاء من المدينة أو جاء من اليمن أو جاء من الشام أو غيره، إذا عاد يحرم من الميقات بعمرة ثانية إذا كان الوقت واسع أو بالحج.
المقدم: لكن لو أحرم بالحج هل يلزمه هدي؟
الشيخ: الصواب أنه يكون متمتعاً، وأن خروجه إلى الطائف أو إلى المدينة ما يخرجه عن التمتع؛ لأنه في مواضع الحج وفي موسم الحج في أشهر الحج على الصحيح، إلا إذا عاد إلى أهله، إذا عاد إلى أهله ثم جاء بحج مفرد؛ فهذا يكون مفرداً للحج عند الأكثر؛ لأنه جاء عن عمر رضي الله عنه وابنه أنهما قالا: فيمن ذهب إلى أهله ثم عاد بحج أنه ليس بمتمتع وأنه لا هدي عليه؛ لأن ذهابه إلى أهله خروج من عهدة العمرة السابقة وانتقال منها إلى حاله الطبيعية الأولى، ثم عاد بالحج إلى مكة المكرمة، فصار حجاً مفرداً، بخلاف الذي جاء للحج والعمرة وبقي للحج والعمرة، لكنه تردد بين المدن المجاورة لمكة والقريبة منها، فهذا لم يخرج عن كونه جاء للحج وتمتع بالعمرة إلى الحج.
الجواب: الذي جاوز الميقات وأتى جدة وأحرم منها عليه دم عند أكثر أهل العلم؛ لكونه ترك واجباً عليه لعمرته أو حجه، ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من ترك نسكاً أو نسيه فليرق دماً، يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويروى موقوفاً على ابن عباس وهو أصح، لكنه في حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الكلام تأسيس قاعدة شرعية لا يقال من جهة الرأي، ولهذا أخذ به الجمهور وقالوا: على مثل هذا دم؛ لأنه ترك واجباً، ثم ينبغي لمثل هذا أن ينتبه، فإذا جاء وقت الإحرام وليس معه ملابس الإحرام يحرم فيما عليه، إن كان عليه سراويل كفت السراويل ونزع القميص والعمامة وجعل بعضها على كتفيه يكفي، ويبقى السراويل عليه ولا عليه شيء، وإن شاء اتخذ قميصه إزاراً حتى يصل إلى جدة، وكفى وأزال ما على رأسه.
وبهذا يسلم من تجاوز الميقات بغير إحرام ويسلم من الفدية، فإن أحرم على حاله فهو أولى، إن أحرم على حاله ولم يغير فهو أولى من التأخير، لكن إذا أمكنه أن يخلع القميص ويبقى عليه السراويل إذا كان عليه سراويل، فهذا هو الواجب عليه، يبقى في السراويل ويزيل القميص والعمامة التي على رأسه، وهو مخير إن شاء وضع القميص كذا على كتفيه أو عمامته على كتفيه تقوم مقام الرداء، وإن شاء ترك، فإذا وصل إلى جدة أمكنه أن يغير، فإن لم يفعل؛ لزمه أن يحرم ولو على ثيابه هذه التي هي عليه، لزمه أن يحرم، وإذا وصل مكة، فدى بأحد ثلاثة: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، كما أفتى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كعب بن عجرة لما حلق رأسه.
هذا الذي أحرم في ثيابه المخيطة وعمامته ولم يخلعها؛ عليه أن يفدي بإحدى هذه الثلاث؛ إما صيام ثلاثة أيام، وإما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر أو من الأرز أو غيرهما من قوت البلد، وإما ذبح شاة، هذا عن المخيط، ومثل ذلك عن تغطية الرأس إذا لم يكشف رأسه، فيكون عليه كفارتان: إحداهما عن تغطية الرأس إذا لم يكشفه، والثانية عن المخيط الذي عليه، وهذا أولى له من التأخير من تأخير الإحرام إلى جدة ونحوها، بل يحرم وهو الواجب عليه، ويكون إحرامه في ثيابه ويفدي هذه الفدية، لكن إذا أمكنه أن يخلعها ويبقى في السراويل؛ وجب عليه ذلك كما تقدم.
الجواب: ليس عليه زكاة إلا إذا استلمها وعرفها واستقرت في يده ونواها للتجارة.
الجواب: الصواب أنه لا حرج عليه، ولا حرج في تقديم السعي على الطواف، السنة أن يكون بعد الطواف، كما طاف النبي صلى الله عليه وسلم وسعى، هذا السنة، لكن من جهل أو نسي؛ صحت عمرته وصح حجه، فإذا سعى قبل الطواف في العمرة أو سعى قبل الطواف في الحج؛ أجزأه ذلك لأمرين:
أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أعمال الحج يوم العيد: (افعل ولا حرج افعل ولا حرج)، سئل عن التقديم والتأخير فكان يقول: (افعل ولا حرج -قال الراوي- فما سئل يؤمئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج)، وهذا يعم الطواف والسعي، وإذا جاز في الحج جاز في العمرة؛ لأن أحكامهما سواء والحج أعظم.
الأمر الثاني: أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام بإسناد صحيح عند أبي داود أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، قال: افعل ولا حرج)، لما سأله عن السعي قال: (لا حرج) يعني: السعي قبل الطواف، قال: (لا حرج) وهذا نص صحيح صريح يؤيد العموم السابق، وهذا قول جماعة من أهل العلم، والأكثر على أنه لا بد من تقديم الطواف على السعي، ولكن الصحيح هو جواز تقديم السعي وإن كان خلاف قول الأكثر؛ لأن المعول هو الدليل، المعول عليه هو الدليل، والله يقول سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.. [النساء:59]الآية، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]الآية.
المقدم: شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز .
أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة (س. ق. ع) الذي يسأل عن بقاء الزوجة بدون نفقة على ملاك زوجها، ويسأل عن عقد القران بعد التحلل الأول، ورسالة المستمع مرشد راشد البقومي من الرياض.
عرضنا هذه الأسئلة والاستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة، إلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر