ولعلنا في لقائنا هذا نتمكن من عرض رسائل السادة: المرسل (ع. م. العسيري ) الذي يسأل عن طواف الوداع، وصالح عليان الحويطي من المنطقة الشمالية، وحمد سليم العامري والمرسل (س. ب. ف)، ومحمود عثمان سلامة، والمرسلة (م. م. س).
مرحباً بفضيلة الشيخ عبد العزيز .
====السؤال: أولاً نبدأ شيخ عبد العزيز برسالة المستمع المرسل (ع. م) العسيري، يقول في رسالته: إني شاب أبلغ من العمر ما يقارب ثمانية وعشرين عام، وقد حجيت لعام تسعة وتسعين وألف وثلاثمائة، وألف وأربعمائة، يقول: عندما أردت مغادرة مكة المكرمة لم آخذ طواف الوداع، وفي الحقيقة ما أدري ماذا يترتب علي في هذه الحالة؟ أفيدوني جزاكم الله عني ألف خير.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا ريب أن الله عز وجل شرع للحاج أن يودع البيت قبل خروجه إلى وطنه، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت)،رواه مسلم في الصحيح، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)، متفق عليه، والصحيح أن ذلك واجب؛ لأن الأمر أصله الوجوب، والنهي أصله التحريم، فوجب على كل حاج من رجل وامرأة أن يودع البيت قبل أن يغادر مكة إلى وطنه بعد انتهائه من مناسك الحج، بعدما يرمي الجمرات في اليوم الثاني عشر إن تعجل، أو في اليوم الثالث عشر إن لم يتعجل، فإنه بعد ذلك يطوف للوداع سبعة أشواط بالبيت، وليس فيه سعي، فإذا غادر إلى بلاده ولم يطف هذا الطواف فإن عليه دماً، يعني: ذبيحة يذبحها في مكة وتوزع بين الفقراء، سواء ذبحها بنفسه أو وكل من يذبحها بمكة، فإن رجع وطاف للوداع أجزأه عند جمع من أهل العلم، ولكن ذبحه للهدي وتوزيعه بين الفقراء أولى وأحوط؛ خروجاً من خلاف من قال: إنه لا يجزئه العودة، مع التوبة والاستغفار، فإن التارك لطواف الوداع قد ترك واجباً وترك الواجب معصية، فالواجب التوبة والاستغفار، والندم وعدم العود إلى مثل هذا، مع الفدية المذكورة وهي ذبيحة من جنس الضحايا والهدايا، يعني: جذع ضأن أو ثني معز، سليم من العيوب، يذبح في مكة، ويقسم بين الفقراء.
الجواب: لا، الحراسة عذر، الحارس على الشيء المهم الذي يخشى عليه ليس له أن يدعه ويذهب إلى صلاة الجمعة والجماعة، بل عليه أن يصلي في محله ويسقط عنه حضور الجمعة والجماعة في هذه الحال، إلا إذا وجد من ينوب عنه ممن لا جمعة عليه: كالمملوك والنساء وأشباه ذلك.
الجواب: الصلاة لا ينوب فيها أحد عن أحد، الصلاة لا ينوب فيها أحد عن أحد، فإن كانت عاجزة عن الصلاة قائمة صلت قاعدة؛ إذا كان عقلها معها، فإن عجزت عن القعود تصلي على جنبها، فإن عجزت عن الجنب تصلي مستلقية ورجلاها إلى القبلة، هذا هو الواجب عليها فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، أما إن كانت عاجزة بمعنى أنها قد تغير عقلها وأصابها خرف، يعني: خرفت وصارت كبيرة السن لا تعي؛ فلا صلاة عليها، ولا تصلي عنها، وهكذا لو كانت معتوهة مجنونة ليس عليها صلاة، أما العاقل فعليه الصلاة على حسب حاله، العاقل المكلف عليه أن يصلي على حسب حاله: قائماً أو قاعداً أو على جنبه أو مستلقياً، هكذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
الجواب: هذا شيء واقع من الناس، وهو نقل ما يفضل من الولائم من اللحوم والأطعمة إلى القمامات أو وضعه في كراتين ثم توضع في القمامات، كل هذا واقع من الناس، وفيه خطر عظيم، والواجب مع القدرة أن يوزع هذا الباقي من اللحوم والأطعمة على الفقراء والمساكين في أي مكان، فإن لم يوجد؛ يوضع في مكان نظيف في البرية، صحراء، حتى ينتفع به من شاء الله من حيوانات ومن بني آدم، ولا يطرح مع القمامة ومع النجاسات، هذا لا يجوز، وقد نبهنا على هذا غير مرة وكتبنا في الصحف غير مرة للتنبيه على هذا، وعلى البلديات أن تلاحظ هذا، وأن تجعل ما يوضع من الأطعمة واللحوم في كراتين نظيفة أو في براميل نظيفة خاصة ينقل إلى محلات مناسبة حتى ييبس أو تأكله الدواب أو ييبس ويعطاه أهل الدواب فينتفعون به.
الجواب: البلاد تختلف؛ إن كانت البلدة بلد نصارى أو يهود؛ فهؤلاء ذبيحتهم حل لنا، الله سبحانه أباح لنا طعام أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، فإذا كنت في بلد من بلادهم: كأمريكا فرنسا هولندا بلجيكا إنجلترا وأشباه ذلك؛ فإنك تأكل ما وجدت من اللحوم، إلا إذا علمت أنه من الخنزير فلا تأكل، أو علمت أنهم ذبحوه بالخنق أو بالصرع من دون ذبح فلا تأكل، أما إذا لم تعلم فإنك تأكل وهو حل لك، وعليك أن تتحرى تسأل المسئول هل هذا اللحم خنزيل أو بقر أو غنم، فإذا علمت أنه بقر أو غنم أو دلك غيرك على ذلك كل، وإذا علمت أنه خنزير فدعه ولا تأكل منه، ولا ينبغي التكلف والتشدد الذي يخالف أمر الله، فإن الله أباح لنا سبحانه طعام أهل الكتاب وهو يعلم حالهم وكفرهم وضلالهم وتحريفهم الكلم عن مواضعه، وعدم قيامهم بالواجب، هو يعلم هذا سبحانه وتعالى، هم كفار كفرهم الله في كتابه العظيم، ومع هذا أباح لنا طعامهم، فعلينا أن نقبل هذه الرخصة من الله، وأن لا نشدد على أنفسنا، بل ما علمنا أنه محرم تركناه، وما لم نعلم فالأصل إباحته والحمد لله.
أما إذا كنت في بلاد الشيوعيين في بلاد الوثنيين؛ فلا تأكل إلا ما ذبحه المسلمون أو ذبحه أهل الكتاب، مثل الهند، مثل بلاد السوفيت، مثل الصين، مثل بلغاريا، وما أشبه ذلك من البلاد التي فيها الشيوعيون والوثنيون، فإن ذبائحهم غير حلال لا تحل لنا، فعليك أن تتحرز في ذلك وألا تأكل منها، إلا ما علمت أنه ذبحه مسلم أو كتابي. نعم.
المقدم: لكن هل يجب على المسلم أن يسأل في البلاد الغربية مثلاً التي هي ليست بلاد الشيوعية؟
الشيخ: إذا خاف أن يكون خنزيراً يسأل ويتحرى حتى لا يأكل الخنزير، أما الذبيحة فقد لا يتيسر له من يخبره عن الذبيحة، قد يكون هذا فيه مشقة كبرى؛ لأن الغالب قد يكون ما عندهم علم، وقد يكون أيضاً في خبرهم.. غير موثوق به في الخبر؛ لأنهم ما بين عامل أو شبهه من لا يعرف الحقائق، فإذا تيسر من يعرف الحقائق عن هذا المطعم المعين وسأله فلا بأس.
الجواب: الصواب أنه لا قضاء عليها، من أصيب بحادث حتى غاب عنه شعوره؛ فهو من جنس المعتوه والمجنون، لا قضاء عليه، أما إن كانت المدة قليلة مثل يوم يومين ثلاثة فلا بأس أن يقضي، كالنائم كالمغمى عليه، أما إذا طالت المدة حتى صارت كثيرة؛ فإنه أشبه بالمجنون والمعتوه فلا قضاء عليه، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء، أما إن كانت الغيبة يومين أو ثلاثة فهو أشبه بالنائم فيقضي، كما روي عن بعض الصحابة أنهم أغمي عليهم المدة اليسيرة اليوم واليومين والثلاث فقضوا.
الجواب: إذا كانت المزرعة يستوطنها أهلها ويقيمون فيها شتاءً وصيفاً مستوطنون فيها وهم ثلاثة؛ فأكثر وجب عليهم أن يقيموا الجمعة، ومن حضر صلى معهم، أما إذا كانت عارضة يقيمون فيها أيام أو مدة للزراعة،ثم ينزلون البلد وليست محل استيطان وليست محل إقامة، فهذه لا تقام فيها الجمعة؛ لأنها ليست وطناً وليست محل استيطان، وهم بعيدون عن الجمعة فتسقط عنهم الجمعة لبعدهم، ويصلون ظهراً، أما إن كانوا مستوطنين مقيمين فيها شتاءً وصيفاً، قد عمروا فيها مساكن واستقاموا فيها؛ فيصلون جمعة إذا كانوا مستوطنين إذا كانوا ثلاثة فأكثر.
الجواب: الاحتفال بالموالد ليس بمشروع، بل هو من البدع، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم احتفلوا بالمولد النبوي، وهكذا في القرون المفضلة: القرن الأول والثاني والثالث لم يجود في هذه القرون المفضلة من يحتفل بالمولد النبوي، فهو من البدع التي أحدثها الناس، وقال بعض أهل العلم: إن أول من أحدثها حكام المغرب ومصر، وهم بنو عبيد القداح المسمون بالفاطميين، وهم من الشيعة، قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية : إن ظاهرهم الرفض وإن باطنهم الكفر المحض.
قال بعض الناس: إنهم أحدثوا الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وبمولد علي رضي الله عنه والحسين وفاطمة والحاكم الذي يحكمهم، وهؤلاء ليسوا قدوة؛ فلا يقتدى بهم، ثم أحدث ذلك بعد ذلك ملك إربل، وهذا كله لا يجعل هذا الشيء سنة، بل هو حدث وبدعة ولو فعله هؤلاء، وليسوا هؤلاء بقدوة، إنما القدوة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا لم يقع منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تعظم سنته وأن يتأسى به دائماً دائماً في جميع الأيام والليالي، لا في ربيع أول فقط، بل الواجب أن يعتنى بـسنته وأن تدرس في كل زمان وأن يتعلمها المسلمون، وأن يدرسوا أوامره ونواهيه وما كان عليه؛ حتى يعملوا بذلك، أما أن يحتفل بالمولد في ربيع أول في الثاني عشر من ربيع أول أو قبل ذلك أو بعد ذلك بالطريقة المعروفة: جمع الناس وإقامة الولائم وقراءة المولد، هذا بدعة لا أصل له، والذي يجب تركه.
أما تدريس سنته ومولده الدرس المعروف في المساجد وفي المدارس، هذا طيب سنة ومطلوب حتى يعرف الناس مولده وما جاء فيه وسنته وسيرته عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي قرره المحققون من أهل العلم، ونبه عليه أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، ونبه عليه أيضاً الإمام الشاطبي رحمه الله في كتاب الاعتصام، ونبه عليه آخرون.
ثم هذا المولد وهذا الاحتفال يقع فيه بعض الأحيان -من بعض الناس- أمور شركية وأمور منكرة، علاوة على أنه بدعة يقع فيه المنكرات وغلو في بعض الأحيان، وربما وقع فيه شركيات ودعاءً للرسول صلى الله عليه وسلم واستغاثة به، كما في البردة التي ينشدها كثير من الناس في المولد، وهي قصيدة فيها أنواع من الشرك للبوصيري ، فهذا كله من آفات هذا المولد ومن آفات هذه البدعة، فينبغي للمسلمين تركها، والواجب عليهم عدم هذا الاحتفال، وهكذا بقية الموالد: مثل مولد علي رضي الله عنه أو الحسين أو فاطمة أو غيرهم، أو مولد البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهم، كل هذه الموالد لا يجوز إحداثها ولا الاحتفال بها، وهكذا غيرها من الموالد: كالذي يحتفل بمولد أمه أو أبيه؛ تأسياً بـالنصارى وغيرهم، كل هذا بدعة لا وجه له ولا يجوز، وفيه تشبه أيضاً بـالنصارى وغيرهم، والله المستعان. نعم.
المقدم: شكراً، أثابكم الله.
أيها المستمعون الكرام! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة: المرسل (ع. م) العسيري يسأل عن طواف الوداع ، وصالح عليان الحويطي من المنطقة الشمالية، وحمد سليم العامري ، والمرسل (س. ب. ف) يسأل عن فوات الصلاة بسبب حادث وإغماء لمدة تزيد على شهرين، ومحمود عثمان سلامة الذي يسأل عن إقامة الجمعة في المزرعة لعدد خمسة عشر رجلاً، والمستمع (م. م. س) الذي يسأل عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد علي كرم الله وجهه.
عرضنا هذه الأسئلة والاستفسارات على الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر