أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
فضيلة الشيخ عبد العزيز لدينا مجموعة كبيرة من الأسئلة، والاستفسارات التي تدور حول حج هذا العام، أو يدور معظمها حول حج هذا العام، منها رسالة المستمع صالح زيد العتيبي من مكة المكرمة، والمستمع علي سالم من جدة، والمستمع (م. م. ع) من مكة المكرمة.
====السؤال: نبدأ برسالة المستمع صالح زيد العتيبي من مكة المكرمة، يقول فيها: ما حكم من ترك الرمي للأيام الثلاثة بدون عذر، أو بعذر؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
أما من تركها بغير عذر فهذا عاص لربه، وهو على خطر من عاقبة هذه المعصية، وعليه التوبة إلى الله عز وجل، والإنابة إليه، صادقاً بالندم على ما مضى منه، والعزيمة أن لا يعود في ذلك.
وعليه دم أيضاً، مع التوبة دم يذبحه في مكة للفقراء؛ لأن الرمي واجب وقد تركه، فعليه أن ينحر عن هذا دماً يوزع بين الفقراء في مكة، والدم المراد منه إذا أطلق: رأس من الغنم؛ ثني معز، أو جذع ضأن، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، هذا هو المراد بالدم.
أما المعذور فهذا لا إثم عليه، وعليه أن يوكل، كالمريض ونحوه، لا حرج عليه في التأخر، ولكن يلزمه أن يوكل من يرمي عنه.
الجواب: لا حرج، ركعتي الطواف سنة، فلو تركها؛ طوافه صحيح، وحجه صحيح، وعمرته صحيحة، لكنها سنة مؤكدة، لا ينبغي تعمد تركها، بل ينبغي له أن يحافظ عليها خلف المقام إذا تيسر، أو في أي بقعة من المسجد الحرام، أو في أي بقعة من الحرم فعلها أجزأت، وإذا فعلها بعد السعي أجزأت أيضاً، ولا حرج.
الجواب: حكمه أنه لا يزال في إحرامه، ما دام أحرم بالعمرة والحج، أو بالعمرة قاصداً التمتع بها إلى الحج، ثم مرض بعد دخوله مكة، حكمه أنه لا يزال في إحرامه، وعليه إذا شفاه الله أن يطوف ويسعى، وعليه أن يزيل الملابس المخيط، ويبقى في الإزار والرداء، إلا إذا قال الطبيب:إنه يحتاج إلى التدفئة، ويغطي رأسه، ويلبس لباساً، يعني: مخيطاً، فلا بأس، وعليه الفدية، وهي إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صوم ثلاثة أيام كما تقدم، عن اللبس، وهكذا عن تغطية الرأس إذا غطاه لحاجته، للمرض، هذا كله إذا كان لم يستثن ، أما إذا كان استثنى، قال: فإن حبسني حابس؛ فمحلي حيث حبستني؛ فإنه يحل، ولا شيء عليه، أصابه مرض يمنعه من أداء النسك، فإنه يتحلل، ولا شيء عليه؛ لأنه اشترط.
والنبي عليه السلام قال لضباعة بنت الزبير ، بنت عمه الزبير بن عبد المطلب ، لما دخل عليها وهي شاكية، وقالت: (يا رسول الله! إني أريد الحج؟ قال: حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني)، قال العلماء: معناه: أنه إذا اشترطت المرأة، أو اشترط الرجل في إحرامه أن محله حيث يحبس، أو فإن حبسني حابس؛ فمحلي حيث حبستني، أو قال: فإن حبسني حابس؛ فأنا حلال، أو فأنا في حل، أو ما أشبهها من العبارات، فإنه إذا حبسه حابس من مرض، أو ضياع نفقة، أو ما أشبه ذلك مما يمنعه من الحج،فإنه يحل.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس في عرفات وفي مزدلفة وفي منى قصراً، ركعتين ركعتين، الظهر والعصر والعشاء، ومعه أهل مكة وغيرهم، ولم يأمرهم بالإتمام، فدل ذلك على أن أهل مكة مع الناس، سواء سمينا الخروج إلى منى وعرفات سفراً، أو لم نسمه سفراً، سواء سميناه سفراً، أم لم نسمه سفراً، فإنهم يقصرون مع الحجيج، وهكذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات وفي مزدلفة، بين الظهر والعصر في عرفة، والمغرب والعشاء في مزدلفة، والناس معه، ولم يقل: يا أهل مكة أتموا، ولم يقل لهم: لا تجمعوا، فدل ذلك على أنه لا حرج عليهم في الجمع والقصر، وهذا هو المختار، وهو الأرجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
الجواب: هذا مجمل، لكن يفسر على حسب ما تحتمله العبارة، إذا قال: والله لا أفعلن كذا، لا أزاورنكم، أو والله لأعيننكم على كذا وكذا، أو والله إن فلاناً ما فعل كذا، أو ما فعل كذا، بطريق الإصلاح، فهو في حلفه بقصد الإصلاح حلفاً لا يضر أحداً لا حرج عليه في ذلك، والله إن فلاناً قال فيك كذا، والله إن الجماعة أثنوا عليك، ويشكرونك، ويقولون: إنه صاحبنا، وكذا، ليصلح بينهم، أو قال: والله لأزورنكم، وأساعدنكم على المهمة، إذا صلحتم، وإذا تركتم هذا الشقاق؛ فإنه عليه أن يوفي لهم بهذا الشيء؛ لأن الوعد له شأن، ومن خصال المؤمن الوفاء بالوعد، قال الله في حق إسماعيل : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، ولا ينبغي له أن يخل بالوعد؛ لأن الإخلال بالوعد من صفات أهل النفاق، المنافق إذا وعد أخلف، وعليه كفارة يمين إذا أخل بذلك، مع كونه اتصف بصفات أهل النفاق، في الإخلال بالوعد، عليه أيضاً كفارة اليمين، إذا قال: والله لأزورنكم في يوم كذا، أو والله لأساعدنكم، ولم يفعل؛ فعليه كفارة اليمين، وعليه معرة إخلاف الوعد، وقد يأثم عند من يقول يلزمه الوفاء، وهو ظاهر الأدلة، وقد لا يأثم؛ لكنه وقع في خصلةٍ من خصال أهل النفاق، ينبغي له ألا يقع فيها، وظاهر الأدلة الشرعية: أن الوفاء بالوعد أمر واجب، وأن الإخلال به محرم، ومن صفات أهل النفاق، فلا يليق بالمصلح والموجه أن يخلف الوعد؛ لأن هذا يخل بالإصلاحات المستقبلة، فلا ينبغي له أبداً أن يخلف الوعد، بل ينبغي له أن يفي بالوعد، ويحرص في ذلك.
وهكذا الأيمان الأخرى، ما كان منها كذباً للإصلاح، ولا يترتب عليه مضرة أحد، فلا حرج عليه في ذات الإصلاح، كما في الحديث الصحيح من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، قالت: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فيقول خيراً، وينمي خيراً -قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: في الإصلاح بين الناس، وفي الحرب، وفي حديث الرجل امرأته، والمرأة زوجها)، فالإصلاح يباح فيه الكذب الذي لا يضر الناس، ولكنه ينفع الجماعة فيصلح بينهم، ولا يضر غيرهم.
الجواب: هذا إلى الجهة المسئولة، كل موظف يرجع إلى الجهة المسئولة.
الجواب: هذا محل نظر؛ لأنهم غير مستوطنين، ولأنهم غير وافدين في وقت الحج، فهم بين هؤلاء وبين هؤلاء، الله سبحانه لما ذكر المتعة والهدي فيها، قال: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]؛ ولهذا اختلف أهل العلم في مثل هذا، هل يعتبر مثل هذا من حاضري المسجد الحرام لأنه مقيم قبل العمرة، وقبل الحج، أم يعتبر أفقياً؛ لأنه ليس بمستوطن، وإنما أقام لحاجة، وسوف يرجع إلى بلاده؟ هذا موضع نظر واحتمال، والأحوط عندي، والأقرب عندي: أن مثله ليس من حاضري المسجد الحرام، في الحقيقة؛ لأنه إنما جلس لعارض، وأقام لعارض، من تدريس، أو طلب، أو عمل آخر، ثم يرجع إلى بلاده، فالأحوط له الهدي، وأن يعامل نفسه معاملة الوافدين للحج، هذا هو الأحوط.
والقول بأنه من حاضري المسجد الحرام، وأنه يلحق بهم، قول قوي، لا يدفع، قول قوي جداً، ولكن الأحوط في مثل هذا، والأقرب في هذا أنه يهدي وأن جانب كونه أفقياً، أقرب من جانب كونه من حاضري المسجد الحرام.
الجواب: ثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه: (نهى أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها)، وبين أهل العلم أن العمة تكون قريبة، وتكون بعيدة، والخالة كذلك، فليس للرجل أن يجمع بين المرأة وبنت أخيها التي هي عمتها، ولا بنت ابن أخيها، التي هي عمة أبيها، مثل هذا السؤال، فإن عمة الرجل عمة لأولاده وإن نزلوا، وهكذا خالته خالة لأولاده وإن نزلوا، فليس له أن يجمع بين امرأةٍ وبنت أخيها، ولا بنت بنت أخيها، ولا بنت ابن أخيها، ولا بنت ابن ابن أخيها، وهكذا؛ لأنها عمة الجميع، وهكذا ليس له أن يجمع بين المرأة وبين بنت أختها، ولا بنت بنت أختها، ولا بنت ابن أختها؛ لأنها خالة الجميع وإن نزلوا.
الجواب: القنوت مشروع في الليل، وليس في العشاء، بل بعد العشاء إلى آخر الليل، هذا مشروع عند الجميع، القنوت في الليل مشروع عند جميع أهل العلم، سنة، الوتر بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ويشرع فيه القنوت؛ لحديث الحسن بن علي قال: (علمني الرسول كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت).. الحديث، فهذا المشروع، الوتر عند الجميع.
أما القنوت: فلست أدري عنه الآن هو محل إجماع، أو محل خلاف، لكنه سنة بلا شك، وإن لم يكن فيه إجماع، وهو سنة لحديث الحسن ، في قنوت الوتر في الليل.
أما القنوت الذي يفعله بعض أهل العلم في الصباح: كالشافعية والمالكية، فهو -على الصحيح- غير مشروع، إلا في النوازل، إذا حدث نازلة بـالمسلمين، مثل عدو أحاط بالبلد، أو ببلد من بلدان المسلمين، يقنتوا في الفجر، وفي غير الفجر، للدعاء عليه.
أما القنوت الدائم في الفجر، فهذا غير مشروع على الصحيح، وقد احتج من قال بـشرعيته، بحديث جاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا)، لكنه حديث ضعيف، وجاءت الأحاديث تفسره بأنه لم يزل يقنت، يعني: في النوازل خاصة.
وأما من قال: إنه لا يشرع في الصبح، فحجته أظهر، وهو ما رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم عن سعد بن طارق قال: قلت لأبي طارق بن أشيم : يا أبتاه إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث، فهذا الحديث يدل على أنه محدث، وأنه لا ينبغي في الصبح إلا في النوازل، أما كونه يفعل دائماً، فالصواب أنه محدث، ولا يشرع.
والذين قالوا بشرعيته، لعله خفي عليهم هذا الحديث، ما بلغهم هذا الحديث، حديث سعد بن طارق ، ولو بلغهم؛ لقالوا به، لكن لعله لم يبلغهم، أو بلغهم وتأولوه على غير ظاهره.
فالحاصل: أن الصواب والأرجح أن القنوت يكون في الوتر في الليل، وفي النوازل أيضاً في الفجر وغيرها، أما الاستمرار على القنوت في صلاة الفجر دائماً فهذا الصواب تركه، وأنه ليس بمشروع لحديث طارق بن أشيم ، هذا الذي سمعته، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما قام عليه الدليل، ولكن لو صلى الإنسان خلف واحدٍ من هؤلاء فلا بأس، يتابعه في ذلك؛ لأنه له شبهة في هذا الشيء، فلا حرج إذا صلى مع واحد يقنت في الفجر، وتابعه لا حرج في ذلك، لكن ينصح من يفعل ذلك، ينصح بأن الأفضل والأولى والأرجح ترك ذلك؛ لأن طارقاً ذكر أن هذا محدث، وأنه ليس من عادة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عادة أصحابه خلفائه الراشدين، وما كان كذلك؛ فالواجب تركه، إلا إذا وجد سبب لذلك، من جنس ما تقدم، كجنس النوازل.
المقدم: شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز .
أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا، الذي عرضنا فيه رسائل السادة: صالح زيد العتيبي ، من مكة المكرمة، وعلي سالم ، من جدة، و (م. م. ع) من مكة المكرمة، عرضنا هذه الأسئلة والاستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
وقد عرضنا في هذا اللقاء وفي لقاءين قبله أسئلة تتعلق بالحج، وذلك نظراً إلى أن هذه الأسئلة لم تصلنا إلا متأخرة، وخشينا من تأخير الإجابة عليها إلى حج العام القادم، أن يكون هناك التزام كأن يكون على السائل دم، أو خلافه، ولو تركنا الإجابة على أسئلتهم لحصل تأخير بالنسبة لأداء ما عليهم، فرأينا عرض هذه الأسئلة على فضيلة الشيخ عبد العزيز ليجيب عليها، وليتمكن من عليه هدي أو فدي في ذلك، شكراً للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر