أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====السؤال: فضيلة الشيخ عبد العزيز ! كنا في لقاء ماض قد استعرضنا رسالة وردتنا من المستمع فلاح السويد قرية الكوز محافظة الحسكة منطقة المالكية، وبقي له بعض الاستفسارات والأسئلة التي يمكن أن تغطي حلقة كاملة.
يقول: يا شيخ عبد العزيز ! في الاستفسار الأول: نسألكم عن مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم هل هو بدعة؟ وإني قد سمعت في بعض البلدان ومن بعض العلماء يقولون: إنها بدعة حسنة والله أعلم؟ وفقكم الله.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
الاحتفال بالموالد إنما حدث في القرون المتأخرة بعد القرون المفضلة بعد القرن الأول والثاني والثالث، وهو من البدع التي أحدثها بعض الناس استحساناً وظناً منه أنها طيبة، والصحيح والحق الذي عليه المحققون من أهل العلم أنها بدعة، الاحتفالات بالموالد كلها بدعة، ومن جملة ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، ولماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ولا القرون المفضلة، كلها لم تفعل هذا الشيء، والخير في اتباعهم لا فيما أحدثه الناس بعدهم، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور)، وقال عليه الصلاة والسلام: (وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: مردود، فالنبي صلى الله عليه وسلم وضح الأمر وبين أن الحوادث في الدين منكرة وأنه ليس لأحد أن يحدث في الدين ما لم يأذن به الله، وقد ذم الله من فعل هذا بقوله سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، والاحتفال أمر محدث لم يأذن به الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، والصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء وأحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم وأسرع الناس إلى كل خير ولم يفعلوا هذا لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا بقية العشرة ولا بقية الصحابة، وهكذا التابعون وأتباع التابعين ما فعلوا هذا، وإنما حدث من بعض الشيعة الفاطميين في مصر في المائة الرابعة كما ذكر هذا بعض المؤرخين، ثم حدث في المائة السادسة في آخرها أو في أول السابعة من ملك إربل ظن أن هذا طيب ففعل ذلك، والحق أنه بدعة؛ لأنها عبادة لم يشرعها الله سبحانه وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يكتم شيئاً مما شرعه الله بل بلغ كل ما شرعه الله وأمر به، وقال الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].
فالله قد أكمل الدين وأتمه وليس في ذلك الدين الذي أكمله الله الاحتفال بالموالد، فعلم بهذا أنها بدعة منكرة لا حسنة، وليس في الدين بدعة حسنة بل كل البدع ضلالة.. كلها منكرة، والنبي عليه السلام قال: (كل بدعة ضلالة)، فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يقول: إن في البدع شيئاً حسناً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة)، لأن هذه مناقضة ومحادة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه أنه قال: (كل بدعة ضلالة) فلا يجوز لنا أن نقول خلاف قوله عليه الصلاة والسلام.
وما يظنه بعض الناس أنه بدعة وهو مما جاء به الشرع فليس بدعة مثل كتابة المصاحف مثل التراويح ليست بدع كل هذه مشروعة، فتسميتها بدعة لا أصل لذلك، وأما ما يروى عن عمر أنه قال في التراويح: نعمت البدعة، فالمراد بهذا من جهة اللغة لا ليس من جهة الدين، ثم قول عمر لا يناقض ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يخالفه قول الرسول مقدم عليه الصلاة والسلام لأنه قال: (كل بدعة ضلالة)، قال: (وإياكم ومحدثات الأمور)، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) هذا حكمه عليه الصلاة والسلام، رواه مسلم في الصحيح، فلا يجوز لمسلم أن يخالف ما شرعه الله، ولا أن يعاند ما جاء به نبي الله عليه الصلاة والسلام بل يجب عليه الخضوع لشرع الله والكف عما نهى الله عنه من البدع والمعاصي، رزق الله الجميع الهداية.
الجواب: زيارة القبور للصالحين للمسلمين أيضاً عموماً سنة.. قربة، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور وحث عليها، وقال: (إنها تذكر الآخرة وتزهد في الدنيا وتذكر الموت)، قال عليه الصلاة والسلام: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام إذا زاروا القبور أن يقولوا (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) وفي حديث عائشة يقول: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين).
فعلينا معشر المسلمين أن نعلم هذا الحكم، ويشرع لنا أن نفعل ذلك؛ أن نزور القبور للذكرى والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، والإحسان للموتى بالدعاء لهم، الإنسان يزورهم ليدعو لهم بالمغفرة والرحمة والعافية، وليتذكر الآخرة وأنه صائر إلى ما صاروا إليه من هذا الموت حتى يستعد للآخرة.
أما تقبيل القبور فلا، لا يقبل النصائب ولا التراب ولا الجدران إن كان عليها جدران ولا القضبان إن كان هناك قضبان، كل هذا منكر لا يجوز، هذا من الغلو، ولا يجوز البناء على القبور بل يجب أن تكون مكشوفة ليس عليها بناء، واتخاذ القباب عليها من البدع، وهكذا بناء المساجد عليها من البدع التي أنكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ونهى عنها، قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقال جابر رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها والكتابة عليها)فليس لأحد أن يبني على القبور لا قباباً ولا مساجد ولا غير ذلك، وليس له أن يقبلها ولا أن يتبرك بترابها ولا أن يطلب الشيخ المدد كما يأتي، لا يجوز يقول: يا رسول الله! مدد مدد، ولا يا فلان كالشيخ عبد القادر أو يا شيخ البدوي السيد البدوي ، أو يا الحسن أو يا سيدي الحسن أو الحسين أو يا فلان أو يا أبا حنيفة أو يا أبا فلان، كل هذا لا يجوز، المدد لا يطلب من الميت يطلب من الله جل وعلا: يا رب أغثني، يا رب ارحمني، يا رب اشف مريضي، يا رب ارزقني، أما طلب المدد من الموتى فهو من الشرك بالله عز وجل، من الشرك الأكبر من عمل الجاهلية، فلا يقبل الحجارة ولا النصائب ولا التراب ولا يأخذ التراب للبركة ولا يطلب مدد من المخلوق من الميت، أما الحي الحاضر تقول: يا أخي! ساعدني بكذا أعني على كذا وهو حي حاضر قادر لا بأس، الحي الحاضر القادر لا بأس، لكن الميت لا، لا تقل: المدد المدد، ولا تقل: اشف مريضي وانصرني على عدوي انصرنا على المشركين لا يقل هذا للميت، الميت انقطع عمله وليس له التصرف في الكون، بل التصرف لله وحده سبحانه وتعالى هو المالك لكل شيء، وهو القاهر فوق عباده، وهو النافع الضار.. المعطي المانع.. المدبر للكون سبحانه وتعالى، وأما الميت فهو مرتهن بعمله ليس له تصرف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية -مثل الأوقاف التي يوقفها في حياته- أو علم ينتفع به -كتب ألفها أو طلبة علمهم له أجر ذلك- أو ولد صالح يدعو له) أما كونه يتصرف في الكون أو يمد هذا أو ينصر هذا! هذا منكر لا حقيقة له ولا صحة له بل الاستغاثة بالأموات والنذر لهم والتقرب إليهم بالذبائح وطلبهم المدد والغوث كل هذا من فعل الجاهلية من عمل أهل الشرك، وهو شرك أكبر يجب الحذر منه، ويجب عليك أيها السائل أن تبلغ من يفعل هذا أن هذا منكر وأنه شرك يجب ترك ذلك والتوبة إلى الله من ذلك؛ لأن هذا من عمل الجاهلية.
الجواب: كذلك المديح، المديح فيه تفصيل: ترك المديح أولى؛ لأنه قد يسبب الغلو وقد يعجب الممدوح بنفسه، فربما أكسبه الكبر والخيلاء، ترك المديح أولى، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، فالمدح فيه خطر، وقال وهو سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، نهى عن الزيادة في مدحه والإطراء والغلو؛ لأن هذا قد يفضي إلى الشرك، ولهذا خاف على أمته عليه الصلاة والسلام ونهاهم عن الإطراء كما فعلت النصارى حتى قالت في ابن امريم إنه ابن الله، وحتى عبدوه من دون الله بسبب الغلو والإطراء، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإطراء وألا يمدح إلا بحق، يمدح من صفاته أنه رسول الله وأنه عبد الله ورسوله، أنه الأمين، أن الله بعثه رحمة، أنه يشفع للناس يوم القيامة، أنه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، يمدح بما وصفه الله به عليه الصلاة والسلام، لكن لا يجوز الغلو فيه بأن يدعى من دون الله أو يستغاث به أو يطلب منه المدد أو النصر على الأعداء بعد موته عليه الصلاة والسلام لا، هذا غلو وهذا إطراء منكر، والمشايخ يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كراهة المدح وأن لا يتساهلوا في هذا؛ لأن إطلاق المديح لهم من أتباعهم أو من طلبتهم قد يفضي إلى شر وإلى عجب وإلى خيلاء وكبر، فالذي ينبغي للعلماء أن يكرهوا المدح وأن لا يسمحوا لأتباعهم وطلبتهم بالتوسع في هذا، أما المدح القليل الشيء القليل الذي للتشجيع على الخير والتقوية على الخير والتنشيط عليه فلا بأس، قد مدح النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة، وقال في عمر : (إنك
الجواب: هذا باطل، التصرف في الكون لله وحده، والعبد لا يملك ولو كان أصلح الصالحين ولو كان من الرسل لا يملك التصرف في الكون ولا إغناء الناس ولا إفقارهم، بل هذا بيد الله سبحانه وتعالى، هو الذي يغني ويفقر جل وعلا، وهو المتصرف في الأمور سبحانه ومدبر الأمر جل وعلا، وهو خالق كل شيء سبحانه وتعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] سبحانه وتعالى، أما العباد وإن كانوا أصلح الناس فليس لهم التصرف في الكون ولا يملكون تدبير الكون. نعم، قد يدعو المؤمن دعوة مباركة فتستجاب له، قد يدعو لأخيه أن الله يشفيه فيشفى، قد يدعو له بالمغفرة فيغفر له، هذا من باب استجابة الدعاء من فضل الله سبحانه وتعالى، قد يجيب دعوة المؤمن والمؤمنة لأخيهما فلا بأس هذا وقع، لكن ليس لأحد من الصالحين أو غيرهم التصرف في الكون أو تدبير الكون، هذا لله وحده سبحانه وتعالى، وما قد يقع لبعض الصوفية أو غيرهم من اعتقاد هذا في بعض مشايخهم وأنه يقول للشيء كن فيكون، وأنه يدبر الأمور، هذا كله غلو كله إطراء زائد وكله كفر وضلال لا يجوز هذا، بل هذا من الكفر بالله سبحانه وتعالى.
الجواب: أولاً: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) يعني: الكفرة، فالكفرة زينتهم الدنيا وهمهم الدنيا فهم أولى بهذا الشيء، أما المؤمن فشأنه أن يعد للآخرة وأن يعمل للآخرة، وليس من شأنه المباهات في الدنيا ولبس الذهب والفضة والحرير ليس من شأنه هذا، بل هو حريص على إعداد نفسه للآخرة والقيام بما أوجب الله عليه وترك ما حرم الله عليه، وتعاطيه الذهب والفضة لبساً أو أكلاً وشرباً في أوانيها قد يجره إلى الكبر والخيلاء فيكون ذلك من أسباب دخوله النار، وقد يجره إلى التشبه بأعداء الله في أخلاقهم وصفاتهم ورغبتهم في الدنيا وبعدهم عن الآخرة فيجره ذلك إلى الهلاك.
أما النساء من جهة الحلي فلأنهن مطلوب منهن الزينة لأزواجهن حتى يتحببن إلى أزواجهن، والذهب زينة والفضة زينة فلهذا أباحه الله للنساء حتى يتجملن به للرجال، وأما الرجل فليس في حاجة إلى هذا الشيء، ليس في حاجة أن يتجمل به، بل يكفيه اللباس الحسن والخاتم من الفضة فقط، ولا حاجة.. إلى التجمل لزوجته بالذهب والفضة، وهذا من حكمة الله جل وعلا ورحمته وإحسانه إلى عباده سبحانه وتعالى.
المقدم: شكراً، أثابكم الله.
أيها المستمعون الكرام! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسالة المستمع فلاح السويد من قرية الكوز محافظة الحسكة منطقة المالكية وما فيها من أسئلة واستفسارات عرضناها على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر