أعزاءنا الكرام نحييكم في لقاء جديد مع هذا البرنامج الذي يتولى الرد على أسئلتكم واستفساراتكم، والتي يسرنا في هذه الحلقة أن نعرضها على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====السؤال: وأول سؤال نطرحه على فضيلته ورد إلينا من المستمع أبو بكر شعيب عثمان سوداني الجنسية مقيم في جدة يقول: هل يجوز للرجل أن يتزوج بمهر ابنته أو يتفق مع رجل آخر كل واحد منهما يأخذ بنت الثاني زوجة له بدون مهر أم لا، وماذا يسمى هذا في الشرع؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا حرج في أن يتزوج الرجل من مهر ابنته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم) فإذا أخذ من مهرها ما لا يضرها ودفعه في زوجة له فلا حرج، لكن لا يضرها بل يدع لها شيئاً ينفعها عند زوجها ويغنيها عن الحاجة إلى الغير ويكون سبباً لوئامها مع زوجها وبقائها مع زوجها هذا هو الذي ينبغي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فلا يضرها ويشق عليها ولا يكون سبباً لفراقها من زوجها بأخذه مهرها، ولكن لا حرج أن يأخذ منه شيئاً لا يضرها فيستعين به في حاجاته يجعله مهراً لزوجة أو بغير ذلك.
أما المسألة الثانية وهي كونه يزوج ابنته على شخص آخر ليزوجه ابنته هذا لا يجوز، وهذا يسمى شغاراً في الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا شغار في الإسلام) ونهى عن الشغار في أحاديث كثيرة قال عليه الصلاة والسلام: (والشغار أن يقول الرجل: زوجني ابنتك وأزوجك بنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي)هذا هو الشغار وهو حرام وفاسد، وهو أن يشرط كل واحد منهما نكاح الأخرى كبنته أو أخته أو بنت أخيه، سواء كان هذا له أو لولده أو لابن أخيه ونحو ذلك، هذا كله لا يجوز والصحيح أيضاً أنه لا يجوز ولو سمي مهراً حتى ولو سمي مهراً وقد خالف في هذا من خالف من أهل العلم وقالوا: إذا سمي لكل منهما مهر العادة وتراضتا بذلك فلا بأس ولكن هذا قول مرجوح وليس بصواب، والصواب أنه متى وقع الشرط بينهما فإن المهر لا يحل ذلك سموا مهراً أو لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار ولم يستثن ولم يقل: إلا أن يكون لهما مهر، وما جاء في حديث ابن عمر في تفسير الشغار أنه ليس بينهما صداق فهو من كلام نافع، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الراوي نافع وكلامه ليس بحجة الحجة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين الشغار الذي فيه مهر والشغار الذي لا مهر فيه، ويدل على هذا ما رواه أحمد و أبو داود بإسناد جيد عن معاوية رضي الله عنه: أنه كتب إليه أمير المدينة وذكر له أن بعض رجال قريش تزوج امرأة وجعل لها مهراً وتزوجها شغاراً، فكتب إليه معاوية رضي الله عنه يقول له: فرق بينهما، فإن هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يلتفت معاوية إلى المهر وهذا هو الصواب؛ لأن العلة موجودة ولو فيه مهر، وهذه العلة هي أن هذا الشرط يفضي إلى ظلم النساء وإلى استحلال فروجهن من غير حق، وإلى النزاع الكثير والخصومات بين الطرفين وإلى تزويجهن بدون إذنهن وهذه كلها نتائج وثمرات لهذا العقد الفاسد وهي ثمرات خبيثة ونتائج رديئة.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالسقي ولم يلتفت إلى ما بعد ذلك من جهة الحصاد ولا إلى ما قبل ذلك من جهة تسوية الأرضين هذا شيء آخر لا تعلق له بالزكاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم بشيء غير هذا.
الرسول صلى الله عليه وسلم يشرع للأمة كلها أولها وآخرها، ليست شريعته لأهل زمانه بل هي لأهل زمانه وإلى من يأتي بعدهم إلى يوم القيامة، والله عز وجل يعلم ما يكون في مستقبل الزمان من حدوث الآلات ومسيس الحاجة إلى الوقود في المكائن التي يحتاج إليها في حصد وفي ذري وفي غير ذلك، فهذه الأشياء التي ذكرها السائل فيما يتعلق بالأراضي التي تزرع بماء المطر لا تؤثر في الزكاة، والواجب في ذلك هو العشر، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه البخاري في الصحيح وله أيضاً شواهد.
فهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يراع ما بعد السقي وما بعد تمام الزرع ولا ما قبل ذلك حين البذر وإنما الحكم مناط بالسقي فما سقي بالعيون الجارية والأنهار والأمطار فهذا فيه العشر كاملاً واحد من عشرة، من كل ألف مائة وهكذا، وما سقي بالدوالي بالمكائن بالإبل بالبقر ونحو ذلك أو بالرش كل هذا فيه نصف العشر من أجل المئونة التي تحصل في سقيه والله ولي التوفيق.
الجواب: إذا كانت هذه الرواتب تنفق وتصرف ولا تبقى سنة، بل تنفقها في حاجاتك وصدقاتك النافلة فلا زكاة عليك، أما إن كان يبقى منها شيء يحول عليه الحول فإن ما حال عليه الحول منها يزكى، وعليك أن تحفظ ذلك وأن تعتني بالذي ينفق والذي يبقى فيكون للمدخر محل أو دفتر أو صندوق خاص وما كان للنفقة يكون له محل آخر حتى لا يشتبه الأمر، فما حال عليه الحول من المدخرات من هذا الراتب زكيته ربع العشر من كل ألف خمسة وعشرون وما أنفقته قبل الحول فليس عليك فيه زكاة، وما دفعته إلى السائلين أو إلى قراباتك بنية الزكاة وهم فقراء احتسب من الزكاة، إذا كنت نويته عند الدفع أنه من الزكاة وهن فقيرات النساء اللاتي أعطيتهن فقيرات فإنه يحسب من الزكاة، وهكذا ما تعطيه السائلين الشحاذين إذا كنت تحتسبه من الزكاة فإنه من الزكاة، أما ما أعطيت قراباتك أو السائلين من المال بغير نية الزكاة فإنه لا يحسب من الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
الجواب: الله سبحانه أباح لنا طعام أهل الكتاب فقال عز وجل الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5] وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وقد غيروا و بدلوا قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم وقد حرفوا، ومع ذلك أباح الله لنا طعامهم والمحصنات من نسائهم.
فدل ذلك على أنه لا حرج علينا أن نأكل من طعامهم وطعامهم ذبائحهم، أما الفواكه وأشباهها هذه تؤكل من جميع أجناس الناس حتى من غير أهل الكتاب حتى الوثنيون بأصنافهم لا بأس أن نأكل من فواكههم وحبوبهم وثمارهم لا بأس، بينما المحرم الذبائح فالذبائح تحرم من غير أهل الكتاب كالوثنيين والمجوس ومن لا دين له هؤلاء ذبائحهم لا تحل للمسلمين مطلقاً وإنما يباح لنا ذبائح أهل الكتاب خاصة اليهود والنصارى، فإذا كنت لا تعلم كيف ذبحوا فكل والحمد لله ولا تسأل ما دمت تعرف أن هذا من ذبائح أهل الكتاب اليهود أو النصارى فهي حل لك، لكن متى علمت أنهم ذبحوها ذبحاً غير شرعي مثلاً خنقوها خنقاً فلا تأكل؛ لأنهم ليسوا أعز من المسلمين والمسلم لو خنقها حرمت ولو ضرب رأسها حتى ماتت حرمت ولو ضرب بطنها حتى ماتت حرمت وهو مسلم كيف باليهودي والنصراني اليهودي والنصراني أنقص من المسلم فإذا أخل بالذبح وعرفت ذلك أنه ذبحها ذبحاً غير شرعي بأن خنقها أو ضربها حتى ماتت فلا تحل.
المقدم: أو بوسيلة الكهرباء، مثلاً.
الشيخ: أو بوسيلة الكهرباء أخذ دمها نشف دمها من عروقها حتى ماتت أو ضرب رأسها حتى فقأ رأسها فلا تحل.
وكذلك لو تعاطى نوعاً آخر غير هذه الأشياء المعروفة لكن غير الذبح أو ذبحها لغير الله أهل بها للمسيح أو للعزير أو لأصنام أخرى لا تحل لأن الله حرم ما أهل به لغير الله، أما إذا لم تعلم فأنت تأكل أو علمت أنهم ذبحوها ذبحاً شرعياً في الحلقوم والمريء والودجين الذبح الشرعي هكذا في الحلقوم والمريء والودجين هذا الذبح الشرعي، إذا قطع الحلقوم والمريء والودجين هذا ذبح كامل، وإن قطع الحلقوم والمريء أجزأت وإن قطع معهما أحد الودجين كان ذلك طيباً، ولكن الكمال في الذبح أن يقطع الحلقوم والمريء والودجين جميعاً، وهما العرقان المحيطان بالعنق هذه الأربعة الأشياء إذا قطعهما الذابح كان أكمل، وإن اكتفى بالحلقوم والمريء حلت على الصحيح وإن قطع معهما أحد الودجين كذلك حلت، وإن قطعها قطع الأربعة كلها صار هذا أكمل في الذبح.
والسنة أن يسمي يقول: بسم الله بل هذا واجب عند التسمية يسمي الله فإذا نسيها أو جهل الحكم فلا حرج لو ذبح ولم يسم جاهلاً أو ناسياً سواء كان مسلماً أو كافراً فلا حرج.
الجواب: إذا كان الطلاق طلقة واحدة أو طلقتين فإن العودة إليها بنكاح جديد لا بأس به، إذا كان الطلاق الذي وقع منك أيها السائل! طلقة واحدة قلت: أنت طالق أو أنت مطلقة ثم رجعت إليها بنكاح جديد؛ لأنها خرجت من العدة فلا بأس أو كانت طلقتين قلت: أنت طالق أنت طالق أو أنت مطلقة أنت مطلقة أو أنت طالق ثم طالق أو أنت طالق وطالق تسمى طلقتين يبقى لها واحدة.
فإذا راجعتها بعقد جديد فلا بأس، وهكذا لو قلت: أنت طالق بالثلاث على الصحيح يعتبر واحدة خلاف قول الجمهور، الجمهور يمضونها ويحرمونها بهذا، لكن الصحيح أنه إذا قال: أنت طالق بالثلاث بكلمة واحدة أو مطلقة بالثلاث أو طلقتك بالثلاث بهذا اللفظ أو بالكتابة تعتبر واحدة، لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طلاق الثلاث واحدة، فلما كان عمر قال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم أمضى عليهم الثلاث، يعني: بلفظ واحد.
هذا القول ذهب إليه الجمهور رحمهم الله، ولكن الصواب أنه يحتسب واحدة كما كان الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وأول خلافة عمر يحسب واحدة إذا قال: هي مطلقة ثلاثاً أو أنت طالق بالثلاث أو كتب لها هذا، فهذا يكون طلقة واحدة على الصحيح، عملاً بحديث ابن عباس هذا.
أما إذا قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق فتحسب ثلاث، لأنه كررها، أو قال: أنت طالق وطالق وطالق أو أنت مطلقة ومطلقة ومطلقة أو ما أشبه ذلك تحسب ثلاثاً وإذا حسبت ثلاثاً لم تحل، حتى تنكح زوجاً غيره إذا حسبت ثلاثاً فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً آخر، نكاح رغبة ما هو نكاح تحليل إنما نكاح رغبة ويطؤها فإذا نكحها ووطئها ثم طلقها أو مات عنها حلت للأول، أما نكاح ليس فيه وطء لا يحلها للأول أو نكاح بنية التحليل إنه يحلل للأول فهذا نكاح باطل لا ينفع، يسمى صاحبه التيس المستعار ما يصلح، ولا يحلها للزوج الأول، فلابد أن يكون الزوج الثاني زوجاً شرعياً تزوجها للرغبة ثم طلقها بعد الوطء بعد دخوله بها أو مات عنها فإنها تحل للأول بهذا النكاح الشرعي الذي فيه الوطء وليس فيه نية التحليل.
المقدم: أحسن الله إليكم.
أيها الإخوة الكرام! في ختام لقائنا هذا اليوم نشكر فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد على تفضله بالإجابة على أسئلة الإخوة المستمعين أبو بكر شعيب عثمان سوداني الجنسية مقيم في جدة، والمستمع من تركيا قرية شيخمير عثمان شيجل ميش، والمستمع العسكري عواض علي عائض القرني من الدمام، وأخيراً إلى سؤالي الأخ العمري محمد المغربي الجنسية والمقيم في فرنسا.
أعزاءنا الكرام! نشكركم على حسن متابعتكم وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر