أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم في لقاء جديد مع فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والذي يسعدنا في لقائنا اليوم أن يتولى الإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم في هذه الحلقة.
====السؤال: وهذه أولى رسائلنا وردت من المستمع أحمد صالح العلي من القصيم بعث بسؤالين، في سؤاله الأول يقول: من لم يجد حوله من يستحق زكاة الفطر ليدفعها إليه فماذا يفعل؟ وما الحكم لو تركها إلى ما بعد صلاة العيد؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فزكاة الفطر فريضة فرضها الله جل وعلا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم على الرجال والنساء والصغير والكبير والحر والمملوك، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، فالذي لا يجد حوله فقراء، يلزمه أن يقدمها إلى فقراء آخرين في القرى المجاورة، ويسارع إلى إخراجها قبل صلاة العيد، وليس له تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد؛ لأن هذا خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمر عليه الصلاة والسلام بأن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وقال: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات).
فالواجب عليك أيها السائل أن تعنى بهذا الأمر وأن تخرجها قبل صلاة العيد، ولو قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاث لا بأس، في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين،، كان ابن عمر يخرجها قبل العيد بيومين، وهكذا الصحابة وربما أخرجها قبل العيد بثلاثة أيام ابن عمر رضي الله عنه، المقصود أنه لا حرج في ذلك، يبدأ إخراجها من اليوم الثامن والعشرين، ويستمر إلى صلاة العيد، فليس لك أن تؤخرها إلى ما بعد الصلاة، وإذا كان مكانك ليس فيه فقراء، فاطلب الفقراء في مكان آخر، ولو بالسفر.
الجواب: صلاة العيد وصلاة الجمعة من الشعائر العظيمة للمسلمين، فالجمعة عيد الأسبوع، وصلاة العيد عيد الأضحى والفطر عيد سنوي، وكلاهما وكلتاهما واجبة: الجمعة فرض عين وصلاة العيد فرض كفاية عند الأكثر وفرض عين عند بعض أهل العلم كالجمعة، واختلف العلماء في العدد المشترط لهما، وأصح ما قيل في ذلك: أن أقل عدد ثلاثة فأكثر، وأما من اشترط أربعين فليس له دليل واضح يعتمد عليه، ومن شرطها: الاستيطان تكون في البلد أما أهل البر أهل البادية والمسافرون فليس عليهم جمعة ولا عيد؛ ولهذا لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع صادف الجمعة، ولم يصل جمعة ولم يصل عيداً يوم النحر؛ فدل ذلك على أن المسافرين ليس عليهم عيد ولا جمعة.
وهكذا سكان البادية لا عيد ولا جمعة، وإذا وافق العيد يوم الجمعة جاز لمن حضر العيد أن لا يصلي الجمعة، وأن يصليها ظهراً؛ لما ثبت عن النبي في هذا عليه الصلاة والسلام، فإنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص في الجمعة لمن حضر العيد وقال: (اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شهد العيد فلا جمعة عليه) فالمقصود أو ما هذا معناه من كلامه صلى الله عليه وسلم، المقصود أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على الرخصة لمن شهد العيد أن لا يصلي الجمعة، ولكن لا يدع الظهر، بل عليه أن يصلي ظهراً؛ لأنه أوجب علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، فإذا لم يصل جمعة صلى ظهراً، وليس لدينا يوم لا يجب فيه إلا أربع بل علينا خمس صلوات سوى العيد، العيد صلاة سادسة، فإذا صادف العيد يوم الجمعة فإن عليه أن يصلي الظهر، إذا لم يصل الجمعة.
أما الإمام فيصلي بالناس بمن حضر.
الجواب: أما إن كانت رضعت من أمك خمس رضعات أو أكثر؛ فإنها تكون أختاً لك والنكاح باطل، أما إن كان الرضاع أقل من خمس بأن كان أربعاً ولو مشبعات أو ثلاثاً أو أقل؛ فإنه لا يعول على ذلك، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـسهلة بنت سهيل : (أرضعي
أما رضاع أخيك من أمها فلا يضرك، ليس له نكاح إحدى بناتها؛ لأنه صار أخاً لبناتها، وأما أنت لا، إذا كانت أرضعته خمس رضعات أو أكثر في الحولين؛ فيكون أخاً لأولادها ويحرم عليه أن يتزوج من بناتها، أما أنت فأجنبي إلا أن ترضع من أمك أو ترضع أنت من أمها رضاعاً شرعياً يبلغ خمس رضعات فأكثر، نعم، في الحولين.
الجواب: إذا جمع المسلم مالاً يبلغ نصاب الزكاة وأرصده لقضاء دين أو للزواج أو ليذهب به إلى أهله أو ليشتري به مسكناً أو لغير ذلك، فإن هذا المال تجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، ولا يكون إرصاده من أجل الزواج أو قضاء الدين أو الذهاب إلى الأهل لا يكون عذراً في إسقاط الزكاة ولا مسوغاً لذلك، هذا هو المعروف من الأدلة الشرعية ومن كلام أهل العلم، فعليك يا أيها السائل أن تؤدي زكاة المال إذا حال عليه الحول، ولو كنت أرصدته لتذهب به إلى بلادك للإنفاق على والديك أو للزواج أو لأسباب أخرى.
الجواب: إذا كانت حالكما واحدة وأنتما شريكان في الأموال؛ فلا بأس أن يخرجها عنك وعن أسرتك في البلاد، ولكن الصواب والأولى والأحوط أن تخرجها عن نفسك في محلك وعن أسرتك زوجتك ومن تحت يدك في محلك في البلد التي أنت فيها؛ لأن كثيراً من أهل العلم يوجبون إخراجها في بلد المزكي التي هو مقيم فيها، فعليك أيها السائل أن تحتاط لنفسك وأن تخرجها أنت، ولو أخرجها هو، عليك أن تخرجها في بلدك الذي أنت فيه عن نفسك وعن أهل بيتك؛ لأنها مواساة لفقراء البلد وإحسان إليهم وكف لهم عن السؤال؛ حتى يتفرغوا لما يتفرغ له إخوانهم من السرور والفرحة بالعيد وعدم التشاغل بسؤال الناس.
فالحاصل أن الأولى والأحوط والذي ينبغي أن تخرجها في محلك عن نفسك وعن أسرتك، لكن لو أخرجها عنك بإذنك أو لأنكما شريكان؛ صح على الصحيح وأجزأت، ولكن كونك تخرجها في محلك عن نفسك وعن أسرتك سواء كنت شريكاً أو لست بشريك، هو الذي ينبغي.
الجواب: الصواب أن هذا الطلاق له حكم اليمين؛ لأنك لم تقصد إيقاعه وإنما قصدت المنع من دخول أمها وتهديدها بهذا الأمر، فهذا الطلاق يكون له حكم اليمين في أصح قولي العلماء وعليك كفارتها وإن طال المدى، عليك أن تكفر عن يمينك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، كما بينه الله في كتابه العظيم في سورة المائدة، ويكون الفقير الواحد له نصف الصاع من التمر أو من الأرز أو غيرهما من قوت البلد، يدفع إلى عشرة مساكين لا ينقص عنهم، أو تكسوهم كسوة تجزئهم في الصلاة كقميص أو إزار ورداء، ويكفي هذا والحمد لله ولا يقع الطلاق، زوجتك معك وعشرتكما -العشرة التي بينكما- باقية، ولا حرج في هذه المدة الطويلة إلا أنك أخطأت في عدم إخراج الكفارة هذه المدة الطويلة، وأما القول بأنه يقع الطلاق فهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أنه لا يقع ما دام للتهديد والمنع وليس للإيقاع.
الجواب: إذا كانت الأرض للبيع وأنت جزمت على أنك أعددتها للبيع ونويت ذلك؛ فإن عليك الزكاة عن كل عام بحسب قيمتها: في العام الأول له حال والثاني له حال وهكذا، تسأل أهل الخبرة عن قيمتها كل سنة، وتزكي كل سنة عن هذه الأرض بحسب قيمتها عند تمام الحول حسب طاقتك، وإذا كنت معسراً يؤجل عليك أمر الزكاة حتى يتيسر لك المال ثم تزكي، أو إلى أن تبيعها ثم تزكي من ثمنها، هذا إذا كنت أردتها للبيع، أما إذا كنت ما أردتها للبيع بل أردتها للسكن أو متردداً لم تجزم بشيء، أو تريد أن تبني عليها بيوتاً للتأجير أو تجعلها مزرعة تريد أن تجعلها مزرعة، ولكن لم يتيسر ذلك؛ فليس عليك زكاة، إنما الزكاة لمن أعدها للبيع فيزكيها كل سنة بحسب قيمتها في كل سنة عند رأس الحول، وإذا عجز عن الزكاة أجلت عليه حتى يتيسر له الزكاة، لقول الله سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، وهذه الآية تعم حق الله وحق العباد، ومتى تيسر لك المال من هبة أو إرث أو غير هذا أديت الزكاة التي عليك عن هذه الأرض، أو بعتها كذلك تؤدي الزكاة.
المقدم: وإذا باعها يزكيها عن الثمان السنوات؟
الشيخ: عن السنوات الماضية كلها، كل سنة بحسبها، قد تكون في السنة الأولى تساوي مثلاً عشرة آلاف، وفي الثانية تساوي خمسة عشر، وفي الثالثة تساوي عشرين، وهكذا كل سنة بحسابها.
أفيدوني لأنني في حيرة كبيرة، ولأنني مسافر إلى بلدي بعد فترة قصيرة، فماذا أفعل، هل هي طالق فعلاً وتحتاج إلى عقد جديد لإعادتها إلى عصمتي، مع العلم أن كل الكلام مني لم يكن من القلب؟
الجواب: هذا الطلاق أولاً منكر، لا يجوز أن يقول: ستون طلقة ولا ثلاث طلقات ولا أربع ولا عشر، المشروع أن يطلق واحدة المؤمن طلقة.. ويقول لها: أنت مطلقة، أنت طالق، وأن لا يأتي بأزيد من هذا فيقول: عشرين أو ثلاثين أو ستين، كل هذا منكر، ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً طلق بالثلاث غضب وقال: (أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم)، قال ابن عمر لما بلغه أن رجلاً طلق ثلاثاً قال: (قد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك)، فلا يجوز للزوج أن يطلق بالثلاث أو بالستين أو بالمائة، كل هذا لا يجوز، أما الواقع وهو أنك قلت لها: ستون طالق في عشرة أيام مرتين، فهذا ينظر فيه، فإن كان الغضب قد اشتد معك حتى صار عقلك غير مضبوط فاختل شعورك أو اشتد معك الغضب جداً حتى لم تملك نفسك بسبب شدة النزاع والكلام الذي جرى بينكما؛ فهذا على الصحيح لا يقع به طلاق عند شدة الغضب الذي يغلب عليه عدم قدرته على ضبط نفسه، ومنعه من الطلاق وعدم تعقله مضار الطلاق؛ فهو شبه المجنون وشبه المعتوه أو ما يقرب من ذلك، فهذا لا يقع طلاقه، وهكذا لو كان عنده بعض العقل، ولكنه قد اشتد به الغضب، وصار سبعين في المائة ثمانين في المائة أخو المجنون وأخو المعتوه لشدة الغضب؛ فهذا لا يقع طلاقه في هذه الأحوال التي اشتد فيها الغضب، وغلب عليه الغضب حتى عجز عن ضبط نفسه وعن ملكها وعن الإمساك عن الطلاق.
وهكذا لو كانت في طهر جامعتها فيه وليست حاملاً وليست آيسة، بل تحيض أو في نفاس أو في حيض، فإن هذا الطلاق لا يقع إذا كان في حال حيض أو نفاس أو طهر جامعتها فيه وليست حاملاً، وهي ممن يحيض؛ فإن الطلاق لا يقع في هذه الحالة على الصحيح من أقوال أهل العلم، أما إن كانت في طهر لم تجامعها فيه أو في حال حمل؛ فإن الطلقتين واقعتان إذا كان شعورك معك والغضب ليس قد بلغ الشدة التي تمنع من وقوع الطلاق، الغضب العادي؛ فإن الطلاق يقع ويقع بكل جملة طلقة في المرة الأولى طلقة والثانية طلقة على الصحيح؛ لأن الصحيح أن الطلاق بالثلاث بلفظ واحد وهكذا ما في حكمه: كالطلاق بالأربع وبالعشر وبالمائة، فالصحيح أنه يقع واحدة؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وأول خلافة عمر رضي الله تعالى عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؛ فأمضاه عليهم)، خرجه مسلم في الصحيح.
وثبت معناه من حديث ابن عباس في قصة أبي ركانة عند أحمد بإسناد جيد أنه طلقها بالثلاث، فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجعلها واحدة، فهذا هو الصواب فيما يقع من قول الرجل: أنت طالق بالثلاث أو بالستين أو بالمائة أو بالألف أو ما أشبه ذلك، فهذا حكمه حكم الطلاق واحدة على الصحيح، فتكون هذه المرأة قد وقع عليها طلقتان إذا كان شعور المطلق معه، وليس عنده الغضب السابق بل كان غضبه عادياً، فإنه يقع عليها طلقتان إذا كانت حاملاً أو في طهر لم تجامعها فيه طلقتان، ويبقى لك واحدة، وإذا كنت جامعتها بعد هذا فإن الجماع في معنى الرجعة، فتكون في حبالك وفي عصمتك، ويبقى لك واحدة، ولك الرجوع إليها ومباشرتها، وإن أشهدت شاهدين على الرجعة علاوة على الجماع فهذا حسن، لأن: بعض أهل العلم يرى أن الجماع لا يكفي في الرجعة، وبعضهم يرى أنه لا بد من النية معه بنية الرجعة، فإذا أشهدت شاهدين أنك راجعتها فالمدة قريبة، الشهر بعد جماعك لها أو بعد الطلقتين الشهر قريب ليس في الغالب حصول خروجها من العدة، بل تحتاج إلى أكثر من ذلك في مرور ثلاث حيض عليها بعد الطلقة الثانية.
فالحاصل: أن الرجعة حصلت بالجماع، وبقي لها طلقة، ولك العود إليها والاتصال بها؛ لأنها زوجتك، لكن إن أشهدت شاهدين عدلين على أنك راجعتها؛ حرصاً على اتباع السنة، فهذا أولى وأفضل؛ لأن الله أمر بذلك سبحانه وتعالى في قوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2]، فهذا اللفظ في هذه الآية الكريمة تعم شهادة الطلاق وشهادة الرجعة، مع مراعاة ما تقدم في حكم الطلاق حال الغضب العادي أو الغضب الشديد الذي أفقدك شعورك أو قارب ذلك، ومع مراعاة أيضاً كونها في طهر جامعتها فيه أو في حيض أو في نفاس، أما إذا كانت في حالة من هذه الأحوال الثلاث: في حيض أو نفاس أو في طهر جامعتها فيه وليست حاملاً؛ فإن الطلاق لا يقع، علاوة على ما حصل منك من شدة الغضب.
المقدم: حفظكم الله وأثابكم. مستمعينا الكرام! كانت رسالة الأخ صلاح خيري حسن آخر رسائلنا في حلقة اليوم، لم يبق إلا أن نتوجه بشكرنا الجزيل إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد أجاب جزاه الله خيراً عن أسئلة الإخوة: أحمد صالح العلي من القصيم، ومحسن صابر عبد اللطيف مصري يعمل بالطائف، و(ع. ع. ح. اليماني)، والمستمع (أ. أ. أ)، والمستمع صلاح خيري حسن من جمهورية مصر العربية يعمل بالرياض.
أيها الإخوة المستمعون الأعزاء! لكم جزيل شكرنا وإلى اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر