إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (794)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم الحج والعمرة عن الحي القادر على أداء المناسك

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: نعود مع مطلع هذه الحلقة إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من الأخ المستمع: محمد صبحي محمود كرم مدرس مصري أخونا عرضنا جزءاً كبيراً من أسئلته في حلقة مضت، وكانت عن حكم رفع القبور للاضطرار، ولاسيما إذا كانت الأرض صلبة لا تنحفر، أو كانت تنحفر ولكنها تنهار على الموتى، تفضلتم سماحة الشيخ وبينتم وأجبتم إجابة شافية كافية في حلقة سبقت، وهذه الحلقة يعرض أخونا جزءاً من أسئلة أخرى، فيقول في أحدها: هل يجوز أن أحج عن أمي التي ما زالت على قيد الحياة، نظراً لعدم استطاعتها المادية؟ لكنها يمكنها أداء المناسك، مع العلم بأنني حججت عن نفسي والحمد لله، نسأل الله القبول؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الأخ السائل: ليس لك أن تحج عنها؛ ما دامت تستطيع الحج لنفسها، ولكن تبذل وسعك في أن تحججها من مالك إذا تيسر لك ذلك.

    أما الحج عنها فلا؛ لأن الحج عن الحي لابد أن يكون لعجزه بسبب كبر السن، أو مرض لا يرجى برؤه، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    أما الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا قادرين فلا يحج عنهما، كما لا يحج عن الشباب، بل إن استطاع الحج فالحمد لله، وإلا فهو معذور، يقول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، فمن استطاع الزاد والراحلة، استطاع أجرة السيارة تذكرة الطائرة، والمئونة حج وإلا فلا حرج عليه والحمد لله.

    وليس عليك أنت أن تحج عنها، بل إن قدرت أن تحججها من مالك، فجزاك الله خيراً وهذا من برها، وإلا فلا يلزمها الحج إلا إذا استطاعت بمالها هي.

    1.   

    حكم كشف المرأة وجهها وكفيها

    السؤال: يقول أخونا: بعض العلماء يفتون بأن الحجاب للمرأة إذا ما تركته ليس هو بحرام بإجماع العلماء، مستدلين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي معناه: (إن المرأة إذا بلغت لا يجوز أن يظهر منها إلا الوجه والكفان)؟ أثابكم الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟

    الجواب: هذا القول غلط، المرأة عليها الحجاب لقول الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة الأحزاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فبين سبحانه أنه لابد من الحجاب، ولم يقل: إلا الوجه أو الكفين بل أطلق فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] جدار أو خمار، أو جلباب تستر به نفسها، أي حجاب يحصل به المقصود، حتى لا ترى زينتها فالحمد لله.

    ثم بين سبحانه أن هذا أطهر لقلوب الجميع بين العلة قال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] يعني: أطهر من الميل إلى الفاحشة والوقوع في الفاحشة وأسلم للجميع؛ لأن بروز المرأة من أسباب الفتنة، فإذا احتجبت كان هذا من أسباب سلامة القلوب، ولهذا في الآية الأخرى في سورة النور يقول سبحانه: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ .. [النور:31] الآية.

    أما الحديث الذي ذكره السائل فهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يروى عن عائشة رضي الله عنها (أن أسماء أختها بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم جميعاً دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أسماء : إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه).

    احتج بهذا بعض الناس على أن المرأة الأجنبية لها أن تكشف وجهها وكفيها عند الأجنبي، كأخي زوجها، وزوج أختها، وابن عمها.. وغيرهم من الناس، وهذا غلط، والحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه عللاً كثرة:

    إحداها: أنه منقطع؛ لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة ولم يسمع منها.

    الثاني: أن في سنده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته.

    الثالث: العلة الثالثة: أنه من رواية قتادة عن خالد بن دريك وهو مدلس بالعنعنة.

    العلة الرابعة: أن هذا منكر في متنه؛ لأنه لا يليق من أسماء وهي المرأة الصالحة زوجة الزبير امرأة معروفة بالخير والاستقامة لا يليق منها أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق، هذا منكر المتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة والآيات.

    خامساً: أن هذا يحتمل أن يكون قبل نزول آية الحجاب، أن هذا كان حين كانت المرأة يباح لها أن تكشف، ثم نزل الحجاب وأمر النساء بالتستر.

    فهذه علل خمس في هذا الحديث، فهو مخالف لنص الآية الكريمة، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] مع ما فيه من العلل، ومع المخالفة لقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ.. [النور:31] الآية، والوجه من الزينة، والكفان من الزينة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ...)

    السؤال: أيضاً نعود في هذه الحلقة إلى رسالة المستمع: بشير محمد حسين من ليبيا، عرضنا جزءاً من أسئلته في حلقات مضت، وفي هذه الحلقة بقي له عدد آخر، يسأل أولاً عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]؟

    الجواب: هذه الآية الكريمة فيها الذم والعيب لمن اتخذ الأنداد من دون الله، يقول سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] يعني: بعض الناس، وهذا على سبيل الذم والعيب والتنفير

    مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165] والأنداد: هم الأمثال والنظراء، يعني في دعائهم إياهم، واستغاثتهم بهم، وذبحهم لهم، ونذرهم لهم، اتخاذهم أنداد في هذا المعنى، وإلا فهم يعلمون أنهم لا يخلقون ولا يرزقون، ولا ينفعون ولا يضرون، فلم يتخذوهم أنداداً لله في النفع والضر، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، لا، هم يعلمون أن هذا لله وحده.

    لكن اتخذوهم أنداداً في العبادات في دعائهم إياهم، ذبحهم لهم، نذرهم لهم، طلبهم الشفاعة، طلبهم النصر إلى غير هذا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى عن المشركين أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] وقال عنهم أيضاً في سورة يونس أنهم قالوا: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] قال: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] هذا وجه اتخاذهم أنداد، يطلبوا منهم الشفاعة والقربة إلى الله سبحانه وتعالى؛ بدعائهم إياهم، وذبحهم لهم، ونذرهم لهم، ونحو ذلك.

    والمحبة، قالوا: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] يحبون أندادهم حباً يجعلهم يعبدونهم مع الله، حب عبادة لجهلهم وضلالهم، ثم قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] يعني كما يحب المؤمنون الله، أو كما يحبون الله أي: ساووهم في ذلك.

    ثم قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] يعني: أشد حباً لله من هؤلاء لأندادهم؛ لأن حبهم لله خالص، وحب هؤلاء مشترك.

    فالمؤمن أشد حباً لله من هؤلاء المشركين في حبهم لأندادهم، وأشد حباً منهم لله أيضاً؛ لأن محبة المشركين لله مشتركة مبعضة ومحبة المسلمين لله وحده، كاملة ليس فيها نقص ولا شركة.

    فالحاصل أن المشركين وإن أحبوا الله لكن محبتهم ناقصة، محبتهم ضعيفة؛ لأنهم شركوا فيها حب الأنداد التي عبدوها من دون الله.

    أما المؤمنون فهم أحب لله، وأكمل حباً لله من أولئك لأندادهم، ومن أولئك لحبهم لله، فهم يحبون الله حباً أكمل من حب المشركين لله، وأكمل من حب المشركين لأندادهم أيضاً.

    وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165] الذين (ظلموا) يعني: أشركوا، الظلم هنا الشرك، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165] يعني: يوم القيامة، يعني: إذا لقوا الله جل وعلا، ووقفوا بين يديه لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [البقرة:165] حين يرون العذاب يعلمون حينئذ أن القوة لله جميعاً، وأنهم قد ضلوا عن سواء السبيل، وقد أخطئوا في اتخاذهم الأنداد، وذلك حين يرون العذاب يوم القيامة، حين يقدموا للعذاب يوم القيامة؛ بسبب كفرهم وشركهم، لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [البقرة:165] وعرفوا أنهم في باطل في الدنيا وفي غفلة، وفي جهل عظيم وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165] يعني وعرفوا ذلك أيضاً.

    فالحاصل أن المشركين في غفلة وضلال وجهل، ولهذا أشركوا بالله واتخذوا الأنداد مع الله، أما المؤمنون فلبصيرتهم وعلمهم بالله، أخلصوا العبادة لله وحده، وصارت محبتهم لله أكمل محبة، وأتم محبة، ليس فيها شركة ولا نقص، والله المستعان.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)

    السؤال: أيضاً يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]؟

    الجواب: هذه الآية آية عظيمة، وهي آية محكمة نزلت في أهل الشرك، إذا ماتوا على الشرك، إذا مات المشرك لا يغفر له، أما إذا أسلم وتاب إلى الله يغفر له، لكن إذا مات على الشرك فإنه لا يغفر له، ولهذا قال سبحانه في هذه الآية في موضعين من سورة النساء: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ[النساء:48] يعني لا يغفر له ذنوبه، بل يدخله بها النار، كما قال في الآية الأخرى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ[المائدة:72] فالمشرك إذا مات على الشرك لا يغفر له، بل له النار أبداً، أبد الآباد، والجنة عليه حرام، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام:88].

    فالمقصود أن الشرك هو أعظم الذنوب، وأقبح القبائح، فمن مات عليه لم يتب لا يغفر له، والجنة عليه حرام، بنص هذه الآية، وهو قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ[النساء:48] ثم قال سبحانه: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:48] يعني ما دون الشرك من الذنوب كالزنا والعقوق والخمر ونحو ذلك تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر لصاحبه يوم القيامة بأعماله الصالحة الأخرى، وبحسناته الأخرى، فضلاً من الله وجوداً وكرماً.

    وإن شاء عاقبه على قدر معاصيه التي مات عليها من عقوق لوالديه أو أحدهما.. من شرب مسكر.. من زنا.. من غيبة.. من نميمة.. من غير ذلك، ثم قال سبحانه: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا[النساء:48] وفي الآية الأخيرة في سورة النساء فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا[النساء:116] فالمشرك ضال ضلالاً بعيداً، وقد افترى على الله إثماً عظيماً حين ظن أن الله يجيز هذا الشيء ويرضاه، فعبد الأنداد والأصنام من دون الله، يظن أن هذا مرضي لله، وهذا باطل، وقد افترى على الله إثماً عظيماً بهذا الظن السيئ.

    والخلاصة أن من مات على الشرك لا يغفر له، والجنة عليه حرام، من عرب وعجم، ومن جن وإنس، ومن مات على ما دون الشرك من المعاصي، فهو تحت مشيئة الله خلافاً للمعتزلة والخوارج، ومن سار على مذهبهم من سائر المبتدعة، فإن الخوارج والمعتزلة ومن سار على مذهبهم يرون العاصي مخلد في النار، وأنه لا يغفر له إذا مات على الزنا يروه مخلداً في النار، أو الخمر يروه مخلداً في النار هذا باطل، بل هو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له ومحا عنه سيئاته وأدخله الجنة بتوحيده، وإسلامه وأعماله الصالحة الأخرى.

    وإن شاء عذبه على قدر معاصيه، يعذب في النار ما شاء الله، ثم يخرج من النار، عند أهل السنة والجماعة وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، يعذب ما شاء الله قد تطول مدته، وقد تقصر على حسب أعماله السيئة، ثم يخرج من النار، لا يخلد في النار، لا يخلد في النار إلا المشركون إلا الكفرة.

    أما العاصي الموحد المسلم لا يخلد في النار إذا دخلها، يعذب على قدر معاصيه التي مات عليها لم يتب، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة، عند أهل الحق عند أهل السنة والجماعة بإجماع أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة، ومن سار على منهجهم من الإباضية.

    فالمقصود أن هذا القول باطل، وأن العاصي المسلم الموحد تحت مشيئة الله، لا يكفر ولا يخلد في النار، فالخوارج يقولون: كافر، إذا زنى كفر.. إذا سرق كفر.. إذا شرب الخمر كفر.. هذا باطل، يكون عاصي وليس بكافر، لكن إيمانه ضعيف.

    ولهذا جاء في الحديث أنه عليه السلام قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) يعني: الإيمان الكامل، (ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) يعني الإيمان الكامل، عنده أصل الإيمان لكنه عاصي، إيمانه ضعيف، ولهذا نفي عنه، يعني نفي عنه كماله، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم على الزاني بالردة، ولا على السارق بل جاء النص القرآني بأن الزاني يجلد مائة جلدة، يعني إذا كان بكراً، والزانية كذلك، وإذا كان الزاني محصناً فإنه يرجم كما صحت به السنة، ونزل به قرآن نسخ لفظه وبقي حكمه، فهو جلد حداً، ورجم حداً، وصلى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لما رجموا.

    والسارق تقطع يده وليس بكافر، ولو كان كافر يقتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فقتلوه) فلو كان السارق كافراً قتل ما قطعت يده.

    هكذا شارب الخمر لو كان كافراً قتل، ولكن يجلد أربعين جلدة، ثم رأى عمر رضي الله عنه والصحابة جعلها ثمانين، فيجلد ثمانين جلدة، فقول الخوارج والمعتزلة من أبطل الباطل.

    فليس بكافر في الأصل إذا كان موحداً يعبد الله وحده، وليس عنده ناقض من نواقض الإسلام، وليس بمخلد في النار إذا مات على معصيته وهو موحد مسلم، ولكنه إذا لم يعف الله عنه يعاقب على قدر ذنبه، حسب حكمة الله ومشيئته سبحانه وتعالى.

    ثم يخرجه الله من النار بعد التطهير والتمحيص إلى الجنة، ولا يخلد في النار إلا الكفار، ما يخلد في النار إلا الكفار الذين حكم الشرع بكفرهم وخروجهم من الإسلام، أو ارتدوا بعد إسلامهم -ارتدوا عن الإسلام وصاروا كفاراً- هؤلاء يخلدون في النار بإجماع المسلمين، كما قال تعالى في حقهم وأشباههم: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[البقرة:167] وقال فيهم سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ[المائدة:37] قال في حقهم: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[البقرة:167] هذا هو الحق، وهذه مسألة مهمة عظيمة، يجب على من كان عنده شيء من إشكال أن يعتني بهذا المقام، وأن يعرف حقيقة مذهب أهل السنة والجماعة، وأن يحذر قول الخوارج والمعتزلة ومن سار على منهجهم من أهل الباطل الذين يقولون: إن العاصي كافر كالزاني ونحوه، أو يقولون: إنه مخلد في النار، كل هذا باطل، فالعاصي المسلم الموحد ليس بكافر، وليس مخلداً في النار، ولكن إن دخلها يعذب على قدر جريمته ثم يخرج منها إلى الجنة، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما: أنه يشفع في العصاة عدة شفاعات، فيخرج الله من النار أقواماً كثيرين، قد امتحشوا، قد احترقوا، يخرجهم الله بشفاعته عليه الصلاة والسلام، ويخرج الله أيضاً من النار بشفاعة الملائكة والأنبياء الآخرين والرسل، والمؤمنين والأفراط، يخرج الله جماً غفيراً من النار بالشفاعة، ولا يبقى في النار موحد.

    وبعد الشفاعات يقول جل وعلا (شفعت الأنبياء، وشفعت الملائكة، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين)، فيخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة أحد، يخرجهم من النار سبحانه؛ لأنهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، كانوا موحدين مسلمين، دخلوا النار بمعاصيهم، فلما عوقبوا بقدر معاصيهم أخرجهم الله من النار بتوحيدهم وإسلامهم، وسلامتهم من الشرك، هذا قول أهل الحق من أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا من أتباعهم بإحسان.

    فالواجب على كل مؤمن وكل طالب علم أن يعتني بهذا المقام، حتى يبصر الناس، وحتى يوضح لهم بطلان قول المبتدعة من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب، ومن سار على نهجهم الباطل، نسأل الله للجميع الهداية.

    1.   

    من صور الشرك الأكبر

    السؤال: أخونا يختم رسالته بجمع من الأسئلة عن الإشراك الذي لا يغفره الله، فيقول: الإشراك الذي لا يغفره الله، هل هو في العبودية فقط أو حتى في الطاعة؟ وهل هناك إشراك في الطاعة أم لا يوجد إشراك إلا في العبودية؟ ثم ما هو الإشراك وكيف التخلص منه في أعمالنا ومعاملاتنا مع بعضنا؟ ثم إذا أطعنا أشخاصاً فيما فيه الخير وما فيه طاعة الله، فهل هذه الطاعة إشراك بالله والعياذ بالله من كل عمل فيه شرك؟ أجيبوني عن هذه الأسئلة، جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم؟

    الجواب: الشرك بالله بينه الله في كتابه العظيم، وهو صرف العبادة لغير الله كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو الملائكة أو الجن أو الأصنام، أو نحو ذلك, أو الصلاة لهم، أو السجود لهم، أو الذبح لهم تقرباً إليهم، يرجو شفاعتهم، يرجو أنهم ينصرونه، يشفون مريضه، يتقرب إليهم.

    أما إذا ذبح الذبيحة يتقرب إلى الله، في الضحية يضحي عن أبيه أو عن أخيه أو يتصدق بها عنه، يرجو ثواب الله، لا يتقرب له هو يتقرب إلى الله بالذبيحة كالضحية، فهذا قربة إلى الله ما هو للميت.

    أما إذا ذبح يريد التقرب للميت، حتى يشفع له الميت، حتى ينصره، حتى يشفي مريضه، هذه العبادة لغير الله.

    وهكذا النذر، يقول: إن شفيت مريضي يا فلان، فلك علي ذبيحة كذا وكذا، هذا الشرك بالله، أو يقول: يا سيدي فلان، أو يا فاطمة ! أو سيدي البدوي انصرني، أو اشف مريضي، أو يا سيدي عبد القادر ! أو يا شيخ عبد القادر ! أو يا أبا ذر ! أو يا رسول الله! أو يا أبا بكر الصديق ! أو يا عمر ! أو يا عثمان ! انصرني أو اشف مريضي، أو يا ابن عباس ! أو غيرهم من الناس ، أو يا ملائكة الله انصروني، أو يا أيها الجن انصروني، أو الجني فلان انصرني، أو اشف مريضي، أو يا الصنم الفلاني، أو الشجرة الفلانية، كل هذا شرك بالله، وعبادة لغيره.

    وهكذا إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالأدلة الشرعية.

    إذا أنكره يكون كافراً مشركاً، كالذي ينكر أن الله أوجب الصلاة، يقول: لا الصلاة ما هي بواجبة، هذا كافر كفر أكبر، أو قال: الفجر ما هي بواجبة، أو العصر ما هي بواجبة، أو الظهر ما هي بواجبة، أو المغرب ما هي بواجبة، أو الجمعة ما هي بواجبة على الناس، كل هذا كفر أكبر.

    أو يقول: الزكاة ما هي بواجبة، أو صيام رمضان ما هو بواجب على الناس، أو الحج مع الاستطاعة ما هو بواجب؛ هذا كفر أكبر، أو يقول: الزنا حلال، أو الخمر حلال، إذا كان جاهل يبين له الأمر الشرعي.

    فإذا أصر على أن الزنا حلال، أو الخمر حلال، صار كافر كفر أكبر، أو قال: مساعدة المشركين على المسلمين، كونه يساعد الكفار على إخوانه المسلمين، حتى يذبحوهم، حتى يعذبوهم، هذه ردة.

    يقول الله سبحانه: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] يعني يتولى الكفار، ينصرهم على المسلمين، يكون كافراً.

    هكذا من يستحل السجود لغير الله، والصلاة لغير الله، ولو ما فعله، يقول: ما يخالف، كونه يصلي للملائكة أو يصلي للجن أو يصلي للأموات، أو يسجد لهم ولو ما فعله يكفر بهذا الاعتقاد.

    وهكذا من يطيع غير الله، في الشرك بالله، إن أطاعه في الشرك بالله، والسجود لغير الله، صار مشركاً؛ لأنها طاعة فيما هو شرك بالله عز وجل، والرسول يقول صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإن أطاعه في المعصية صار معصية، وإن أطاعه في الشرك صار شركاً.

    فإذا أطاعه أنه يذبح لغير الله، أو يسجد لغير الله، صار شركاً أكبر، وإذا أطاعه أنه يقتل بغير حق، يقتل إنسان بغير حق، أو يجلده بغير حق، يكون عاصي ظالم، أطاعه في الظلم والمعصية.

    أما طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي طاعة لله، مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] طاعة الرسول واجبة، تطيع الرسول فيما أمر به، وما نهى عنه، الله قال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54] .

    قال سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] كذلك طاعة العلماء في الحق، وطاعة الأمراء في الحق طاعة لله، إذا أمرك الأمير تصلي في الجماعة، إذا أمرك أنك تعبد الله ولا تشرك به شيئاً سبحانه وتعالى، أمرك أن تحكم بالحق، وأن تحكم بما أنزل الله، يجب أن يطاع في ذلك؛ لأنه أمر بطاعة الله، أمرك ببر والديك عليك تطيعه؛ لأن طاعته طاعة لله في هذا، نهاك عن السرقة، ونهاك عن الظلم تطيعه؛ لأن الله أمر بهذا، فولي الأمر إذا أطعته في هذا أنت مطيع لله؛ لأنه أمرك بطاعة الله ورسوله، لكن إذا قال لك: اضرب والديك لا، لا تطيعه، إذا قال لك: اشرب الخمر لا، لا تطيعه، إذا أطعته بهذا فأنت عاصي مثله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الطاعة في المعروف) (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) سبحانه وتعالى.

    فإذا أطعته في الشرك صرت مشركاً، وإذا أطعته في المعصية صرت عاصياً، وإذا أطعته بطاعة الله فأنت مأجور، وفق الله الجميع.

    المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.

    يا أخ بشير محمد حسين من ليبيا رسالتك كرسائل الإخوة والأخوات المستمعين كلها جيدة بحمد الله.

    تسأل عن عنوان البرنامج مع الإخوة المستمعين، العنوان هو كالتالي: المملكة العربية السعودية - الرياض - الإذاعة - برنامج نور على الدرب، وصندوق البريد إذا أردت هو: (60059).

    سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نسأل الله ذلك.

    المقدم: اللهم آمين.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام! شكراً لحسن متابعتكم وإلى الملتقى.

    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767978609