مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: سماحة الشيخ في حلقة مضت عرضنا على سماحتكم سؤالاً من الأخت المستمعة فريحة حامد الشريف من ليبيا، وكان ذلكم السؤال عن صدقة الفطر، هل يجوز إعطاؤها لغير المسلمين، ضاق وقت الحلقة دون أن تتفضلوا ببيان هذا الوجه الشرعي وهذه السياسة الشرعية لإعطاء غير المسلمين من الزكاة، بودنا أن تستهلوا هذه الحلقة بالحديث عن هذا الموضوع وعن تلكم السياسة الشرعية؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد شرع الله عز وجل للمسلمين أن يحسنوا إلى غيرهم من الكفار وغير الكفار، وأن يعطوا المؤلفة قلوبهم من الزكاة وغيرها تأليفاً لقلوبهم على الإسلام وتقويةً لإيمانهم ودعوةً لغيرهم إلى الدخول في الإسلام، ودفعاً لشر من يخشى شره، ولهذا قال جل وعلا: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60] الآية، فجعل لهم نصيباً من الزكاة، قال جماعة من العلماء: هم السادة المطاعون في عشائرهم، يعني: هم الكبراء والأعيان الذين إذا أعطوا نفع العطاء فيهم بقوة إيمانهم، أو بإسلامهم إن كانوا كفاراً، أو بإسلام نظرائهم، أو بدفع شرهم إذا كان يخشى شرهم، كل هذا من السياسة الشرعية. ويجوز أن يعطوا من غير الزكاة من بيت المال من صدقات المسلمين تأليفاً لقلوبهم، ودفعاً لشرهم إذا خشي شرهم، ودعوة لغيرهم إلى الإسلام، قال الله عز وجل في كتابه العظيم في سورة الممتحنة: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فأخبر سبحانه أنه لا ينهانا عن هؤلاء الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا أن نحسن إليهم ونبرهم ونقسط إليهم؛ لما في ذلك من تأليف قلوبهم وترغيبهم في الإسلام، ودفع شرهم إذا خشي شرهم، فيعطوا من بيت المال ويعطيهم المسلمون من أموالهم وصدقاتهم جبراً لحاجتهم وسداً لها، وتأليفاً لقلوبهم، ودعوةً لهم إلى الإسلام، أو حرصاً على قوة إيمانهم إن كانوا مسلمين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما لما قدمت عليها أمها وقت الهدنة وهي كافرة تريد الصلة والإحسان قال لها صلى الله عليه وسلم: (صلي أمك) من باب التأليف والإحسان لأمها وهي على دين قومها في حال الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة، وكان عمر يصل بعض أقاربه في مكة وقت الهدنة رضي الله عنه.
والمقصود: أن الصلة والإحسان للكفار الذين ليس بيننا وبينهم حرب في حال الهدنة أو في حال العهد والذمة، أو في حال الأمان إذا رآها ولي الأمر أو رآها الإنسان مع أقاربه أو مع غيرهم لا بأس بها، بل فيها تأليف للقلوب ودعوة إلى الإسلام وترغيب فيه ليعلموا أن الإسلام يرغب في الإحسان ويدعو إلى الإحسان مع أهله ومع غير أهله ممن ليس حرباً لنا.
وكم حصل بالإحسان من خير عظيم، جماعة كثيرون كانوا يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم ويعادونه، ولما أحسن إليهم وواساهم أحبوه ودخلوا في الإسلام.
ومن ذلك صفوان بن أمية رضي الله عنه، قال رضي الله عنه: ما هناك أحد أبغض إلي من محمد عليه الصلاة والسلام فلم يزل يعطيني ويعطيني حتى صار أحب الناس إلي وحتى أدخل الله علي الإسلام. هذا كلامه أو معناه. وهكذا قال غيره ممن أحسن إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءه أعرابي يسأله فأعطاه غنماً فذهب إلى قومه وقال: يا قوم! أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
فالمقصود أن الإحسان في المسلم وغيره ينفع كثيراً، يقوي إيمان المسلم إذا أعطاه ولي الأمر أو أعطاه المسلمون، إذا أعطاه إخوانه من زكاتهم وصدقاتهم وهو محتاج يقوى إيمانه ويقوى حبه لإخوانه المسلمين، ويقوى عمله في الإسلام، وإذا أحسن المسلمون إلى غيرهم من الكفار ولاسيما الرؤساء والكبار كان ذلك فيه خير عظيم، فيه دعوة لهم إلى الإسلام، وإخبار لهم بما في الإسلام من الخير والإحسان والجود على خصومه إذا لم يكونوا حربيين، فالإسلام يأمر بالإحسان والجود والكرم في فقراء المسلمين وفي فقراء غيرهم ممن لهم ذمة أو أمان أو عهد يتألفهم بذلك المؤمن، ويدعوهم إلى أن يدخلوا في الإسلام، ويحبب الإسلام إليهم، فينبغي للمؤمن أن يلاحظ ذلك مع أقاربه ومع جيرانه إذا كان في بلد فيها كفار وهناك أمن بينهم لا حرب أن يحسن إليهم حتى يرغبهم في الإسلام، وحتى يقوي إيمانهم إن كانوا مسلمين.
أما الزكاة فتدفع إلى الرؤساء والكبار عند الجمهور، وإنما تدفع للرؤساء والأعيان والسادة تأليفاً لهم إن كانوا مسلمين وتقوية لإيمانهم، ودعوة لهم إلى الإسلام إن كانوا غير مسلمين، ودعوة لغيرهم من نظرائهم، ودفعاً لشرهم إن كان فيهم شر.
أما صدقة التطوع فهي عامة للرؤساء وغير الرؤساء من الكفار الذين ليس بيننا وبينهم حرب يعطون من المال، ويحسن إليهم بغير المال من شفاعة تنفعهم، أو تفريج كربة، أو دفع شر عنهم ليرغبوا في الإسلام، وليتوجهوا إليه بقلوبهم، وليعرفوا فضله وفضل أهله، والله المستعان، نعم.
المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيرا، سماحة الشيخ: الواقع هذا الوجه من السياسة الشرعية يجهله كثير من المسلمين.
الشيخ: صحيح.
المقدم: تتفضلون بكلمة حول هذا جزاكم الله خيرا.
الشيخ: لاشك أن هذا الأمر يجهله الكثير من الناس فينبغي أن يعلم، ولهذا جعل الله للمؤلفة قلوبهم حقاً في الزكاة وحقاً في بيت المال، فعلى ولي الأمر أن يلاحظ ذلك وأن يعتني بالمؤلفة قلوبهم حتى يكونوا عوناً للمسلمين، وحتى يرغبوا في الإسلام، أو يكفوا شرهم عن المسلمين، وهكذا أفراد المسلمين يحسنون في جيرانهم إذا كانوا في بلاد فيها كفار يحسنون إليهم ويرغبونهم في الإسلام، ويعطونهم من صدقاتهم ما يرغبهم في الإسلام، وإذا كانوا من السادة والكبراء أعطوهم أيضاً من الزكاة لعلهم يسلمون أو يسلم نظراؤهم وأشباههم، نسأل الله أن يفقه المسلمين في دينه، وأن يعينهم على كل خير.
الجواب: شهادة الزور من أعظم الكبائر، ومن أعظم المنكرات، وفيها ظلم للمشهود عليه بالزور، فالواجب على كل مسلم أن يحذرها وأن يبتعد عنها؛ لقول الله سبحانه: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -ثلاثا- قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) يعني: حتى قال الصحابة: ليته سكت إرفاقاً به عليه الصلاة والسلام لئلا يشق على نفسه، كررها كثيراً ليحذر منها لأن بعض الناس يتساهل فيها، وربما يعطى مالاً ليشهد بالزور. فالواجب الحذر، وإذا فعل ذلك فالواجب البدار بالتوبة، وأن يرجع عن شهادته ويخبر المشهود عليه بالزور أنه ظلمه، ويعوضه عن الظلامة إن كان أخذ بشهادته حق يعطيه ما أخذ منه من المال، وإذا سمح عنه فلا بأس.
المقصود: أنه يستدرك ما حصل بشهادته من الزور، إن كان مالاً يرده على صاحبه، وإن كان غير ذلك يستدرك ما أمكنه من ذلك مع التوبة وهذا من تمام التوبة، وإن كان قصاصاً مكنهم، إن كان قتل شخص بشهادة الزور فعلى شهداء الزور أن يمكنوا أولياء المقتول حتى يأخذوا حقهم لأنه قتل بأسبابهم أو يعطوهم الدية إذا سمحوا بها.
فالمقصود: أن شاهد الزور عليه أن يستدرك ما حصل بشهادته، مع التوبة إلى الله والإنابة إليه، والندم على ما مضى منه والعزم أن لا يعود، نسأل الله العافية والسلامة.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرا، سماحة الشيخ: استهتر الناس أيضاً بموضوع الشهادة حتى اعتبرها بعضهم من باب تبادل المنافع لعل لسماحتكم كلمة في هذا.
الشيخ: هذا منكر عظيم، الواجب على المؤمن والمؤمنة الحذر من ذلك وأن لا يشهد إلا بما يعلم، لا يشهد بالزور ولو كان صديقاً، ولو كان على عدو، لا يقول: اشهد لي وأشهد لك. هذا منكر كبيرة عظيمة، لا يشهد إلا بما يعلم، قال تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]، لابد أن يكون عالماً بما يشهد به، وإلا فليتق الله ولا يشهد إلا بما يعلم، ولو كان المشهود له صديقاً أو قريباً أو أباً أو عماً أو غير ذلك عليه أن يتقي الله وأن يراقب الله فلا يشهد إلا بما يعلم، والله المستعان.
الجواب: سر ذلك قول الله جل وعلا فيها: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، فالحديث عن البقرة في هذه الآيات هو السبب في تسمية سورة البقرة، كما في سورة آل عمران لما ذكر في آل عمران إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران:33] سميت آل عمران لأنها ذكر فيها آل عمران، وهكذا سورة النساء لأنه ذكر فيها النساء، سورة المائدة لأن الله ذكر في آخرها المائدة التي طلب الحواريون من عيسى أن يطلبها من الله.
الجواب: نعم لها أن تخلعه إذا عقد عليها هي زوجة فتخلع الحجاب، وله أيضاً جماعها فهي زوجة، لكن يدع ذلك الجماع إذا كان يخشى من ذلك فتنة أن يطلقها أو يدعى عليه أنه زنا. فالمقصود أنه لا يجامعها إلا على بصيرة وعلى علم من أهلها وخلوة بها مع علم أهلها، أو عند الزفاف المشهور المعروف.
فالحاصل: أنها زوجة يباح له النظر إليها، ويباح لها خلع خمارها، ويباح له أن يجامعها ما لم يخش فتنة في ذلك فيتأخر الجماع إلى أن يحصل الدخول الشرعي.
الجواب: ليس بصحيح ولا أصل لهذا، ورد في الجمعة أحاديث لكنها ضعيفة غير صحيحة، من مات فيها غفر له، لكنها غير صحيحة، لكن يرجى لمن مات على أثر عبادة في أثر صيامه في الصيام، أثر صيام عرفة، أثر الحج يرجى له الخير هذا إذا ختم له في وقت العبادة وفي أثناء العبادة يرجى له خير، فالسلف يرجون الخير لمن مات في العبادة أو على أثر العبادة، عند انصرافه من الحج، عند إفطاره من رمضان، عند صومه عرفة، وما أشبه ذلك، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرا، إذاً هذه تعد من البشائر سماحة الشيخ؟
الشيخ: نعم، إن شاء الله يرجى له خيرها، هذا العمل الذي مات على إثره يرجى له به الخير، يعني: يتفاءل بذلك.
الجواب: أحكام التجويد مستحبة وليست واجبة، فإذا قرأ الإنسان القرآن بلغة العرب كفى والحمد لله، لكن يشرع له أن يقرأه على من هو أعلم منه حتى يتقنه جيداً، وإذا قرأه بالتجويد على إنسان يعرف ذلك كان هذا من باب الكمالات، ومن باب الفضل، ومن باب العناية بإتقان القرآن وأن يقرأه على الوجه المرضي وإلا فليس بشرط وليس بواجب ولا دليل على ذلك إذا قرأه بلغة العرب وأقامه على لغة العرب ولو كان ما أدغم، أو ما فخم الراء ونحوها أو رقق كذا، أو أظهر في محل الإدغام، أو أدغم في محل الإظهار ما يضره ذلك.
الجواب: هو مأجور على توبته وعلى ظنه، وإذا ثبت أنه ليس بذنب فلا بأس أن يتعاطاه، إذا كان طالب علم وعرف أو أفتاه العلماء أنه ليس بذنب فلا حرج عليه أن يباشره بعد ذلك.
الجواب: صلاة النهار في الضحى وفي الظهر كلها وقت صلاة بعد ارتفاع الشمس قيد رمح نحو ربع ساعة بعد طلوع الشمس إلى زواله إلى وقوف الشمس قبل الظهر بنحو ثلث ساعة أو ربع ساعة، لأن وقوف الشمس وقته قصير وهو توسطها في كبد السماء قبل أن تميل إلى المغرب، هذا يقال له وقت الوقوف وقت نهي، والضحى كله وقت صلاة، والأفضل عند شدة الضحى، إذا اشتد الضحى يكون أفضل قبل الظهر بساعة أو ساعتين، هذا أفضل ما يكون لصلاة الضحى.
وإذا صلى بعد العشاء إذا كان يخشى أن لا يقوم من آخر الليل كان هذا أفضل، النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة وأوصى أبا الدرداء بالإيتار قبل النوم، والظاهر والله أعلم أنهما كانا يخشيان أن لا يقوما من آخر الليل لأنهما يدرسان الحديث في أول الليل فإذا أوتر الإنسان أول الليل فهو أفضل إذا خاف ألا يقوم من آخر الليل.
أما إذا طمع أن يقوم آخر الليل ووثق من نفسه أنه يقوم فالوتر في آخر الليل أفضل، كونه يؤخر إلى آخر الليل هذا هو الأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل) رواه مسلم في صحيحه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر)، وفي اللفظ الآخر يقول جل وعلا: (هل من تائب فيتاب عليه؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من مستغفر فيغفر له حتى ينفجر الفجر)، وهذا الحديث عظيم حديث عظيم متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نزول الرب جل وعلا آخر الليل في الثلث الأخير.
فينبغي لك يا عبد الله! أن تكون ممن يعبد الله هذا الوقت بالصلاة والاستغفار وقراءة القرآن والذكر، وقت عظيم الثلث الأخير، وهكذا جوف الليل السدس الرابع كان يقومه داود يقوم نصف الليل، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، يقوم السدس الرابع والسدس الخامس، وهذا وقت عظيم أيضاً جمع بين جوف الليل وبين أول الثلث الأخير.
والله سبحانه رغب عباده في العبادة في هذا الوقت والدعاء والضراعة إليه جل وعلا، فجدير بأهل الإيمان من الرجال والنساء أن يتحروا هذا الوقت، وأن يجتهدوا في قيام الليل، ولاسيما في السدس الرابع والخامس وفي جميع الثلث الأخير بالدعاء والضراعة والصلاة والقراءة والاستغفار كما أرشد إليه سبحانه وتعالى.
وهذا النزول يليق بجلال الله، ليس من جنس نزول المخلوقين، فهو نزول يليق بالله لا يشابه خلقه في نزولهم سبحانه وتعالى، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وقال عز وجل: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74] فنزوله يليق به لا يشابه خلقه، وهكذا استواؤه على عرشه، وهكذا رحمته وغضبه وضحكه، كله يليق بالله لا يشابه خلقه سبحانه وتعالى، وهكذا جميع الصفات كلها تليق بالله لا يشابه فيها خلقه سبحانه وتعالى، عملاً بقوله جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
وهذا قول أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، فالزمه يا عبد الله! الزم هذا القول وعض عليه بالنواجذ، واحذر أقوال المبتدعة المحرفين لكتاب الله، المؤولين لصفات الله، أو المشبهين الله بخلقه، احذر أقوالهم فكلها باطلة، والحق قول أهل السنة والجماعة، وهو قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وهو قول الأنبياء جميعاً والرسل جميعاً، وهو الإيمان بأسماء الله وصفاته الواردة في القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة وإمرارها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن نؤمن بها كما جاءت ونمرها كما جاءت، مع الإيمان بأنها حق وأن نزوله حق، وأن استواءه حق، وأن رحمته حق، وأن غضبه حق، وأن رضاه حق، وأن رحمته حق، وهكذا بقية صفاته، من يد وقدم وسمع وبصر وعلم وكلام كلها حق، كلها صفات تليق بالله لا يشابه فيها خلقه سبحانه وتعالى، فكلامه ليس من جنس كلام خلقه، وغضبه ليس من جنس غضبهم، وضحكه ليس من جنس ضحكهم، ورضاه ليس من جنس رضاهم وهكذا، كل صفاته تليق به سبحانه وتعالى لا يشابه فيها خلقه، لا يعرف كيفيتها إلا هو سبحانه وتعالى.
قال بعض الناس لـمالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه الإمام المشهور والعالم العظيم رحمه الله: يا أبا عبد الله ! يقول الله سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فأطرق طويلاً ثم قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، يعني: السؤال عن الكيفية بدعة، فالاستواء معلوم وهو العلو، الاستواء هو العلو والفوقية فوق العرش، هو العلو فوق العرش والارتفاع هذا معلوم، والكيف مجهول، كيف استوى ما نعلم كيف استوى، لا نعلم كيف يرضى، كيف يغضب، كيف ينزل لا نعلم، لكن نؤمن بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، نعلم أنه استوى على العرش، نعلم أنه يضحك ويرضى ويغضب، لكن لا نعلم كيفية ذلك، بل نقول كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فهو سبحانه لا يماثل عباده في صفاتهم ولا يعلم الناس كيفية صفاته، هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه.
الجواب: الاستفتاح مشروع في الجميع في النافلة والفريضة، مثل صلاة الضحى وصلاة التراويح.. صلاة التهجد يستفتح الإنسان في أولها بعد التكبيرة الأولى، وهكذا الدعاء في آخر الصلاة التعوذ من أربع والدعاء بغيرها كل ذلك حق كله مشروع في الفريضة والنافلة.
ولما علمهم صلى الله عليه وسلم التحيات قال: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)، وفي اللفظ الآخر قال: (ثم ليختر من المسألة ما شاء)، فالمسلم مشروع له والمسلمة كذلك مشروع لهما جميعاً الدعاء في آخر الصلاة النافلة والفريضة، بعدما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة
وهكذا الدعاء الذي علمه النبي أبا بكر علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو قوله: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، دعاء عظيم علمه النبي صلى الله عليه وسلم للصديق ، قال: يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي وفي بيتي، قال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، وقال لـمعاذ رضي الله عنه: (يا
المقدم: جزاكم الله خيرا.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: اللهم آمين.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحته وأنتم يا مستمعي الكرام شكراً لحسن متابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر