مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلينا من إحدى الأخوات المستمعات تسأل فيها بعض الأسئلة، تقول في سؤالها الأول: عندما كان عمري أربعة عشر عاما مرضت أمي مرضاً شديدا وخفت كثيراً عليها، فنذرت نذراً لله إن شفيت أمي سوف أصوم شهر شعبان كلما هل، أرجو إفادتي عن الأمر التالي: أنا الآن لا أذكر هل بلغت أم لم أبلغ في ذلك الوقت، وبعد مضي فترة من مرض أمي شفيت بإذن الله تعالى، احترت كثيراً يا سماحة الشيخ! ماذا أفعل؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه (نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل)، وفي لفظ آخر يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل).
فأوصيك أيتها الأخت في الله! بعدم النذر في المستقبل، وإذا وقع مثل هذا من مرض الوالدة أو غير الوالدة فالحمد لله، المشروع الدعاء لها بالشفاء والعافية والعلاج الشرعي لا بأس أما هذا النذر فإن كنت لا تعلمين أنك قد بلغت فليس عليك الوفاء ولا يلزمك، وأما إذا كنت تعلمين أنك قد بلغت بإكمال خمسة عشر سنة أو بالاحتلام، أو بإنبات الشعر، أو بالحيض، إذا كنت قد وجد منك واحدة فأنت بالغة وعليك أن تصومي شعبان كل سنة كما نذرت؛ لأن النبي عليه السلام قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) هكذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، ولا ترجعي إلى مثل هذا في المستقبل ولا تنذري أبداً بارك الله فيك.
في سؤالها الأول تقول: سمعت بعض الناس يقولون: إنه عند الانتهاء من قص الأظافر لابد من أخذها ودفنها في مكان، وقراءة بعض السور عليها مثل الإخلاص والمعوذتين وعدم رميها، فما حكم ذلك؟ جزاكم الله خيرا.
الجواب: هذا شيء لا أصل له، إذا قص الإنسان أظفاره يرميها ولا بأس، ولا حاجة إلى دفنها ولا قراءة قرآن عليها، كل هذا خرافة لا أصل لها ولا أساس لها، متى قص الإنسان أظفاره رجل أو امرأة فلا حرج في إلقائها في أي مكان.
الجواب: إذا نبت شعر يشوه الخلقة فلا بأس بإزالته، مثل الشارب واللحية وإذا كان من الشعر الذي يشوه الخلقة، أما الشعر العادي الذي في الوجه فلا يتعرض له، وشعر الحاجبين لا يجوز التعرض له، أما لو نبت شيء يكون فيه تشويه أو فيه بشاعة فهذا يزال ولا حرج في ذلك مثل الشارب واللحية.
الجواب: ليس للمرأة أن تصافح الرجال ولو كانت بنت خمسين أو ستين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء)، وقالت عائشة رضي الله عنها: (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام).
فلا يجوز للمرأة أن تصافح الرجال الأجانب سواء كانت عجوزاً أو شابة، أما محارمها فلا بأس، أخوها عمها خالها لا بأس أو مع النساء لا بأس، وهكذا ليس لها السفور عن وجهها إلا إذا كانت من القواعد -أي العجائز- اللاتي لا يرجون نكاحاً، وكانت غير متبرجة بالزينة فلا بأس، والتعفف والتستر أفضل لها؛ لقول الله سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60]، ثم قال سبحانه: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، والقواعد هن العجائز كبيرات السن اللاتي لا يرجون نكاحاً وليس لهن رغبة في الزواج ولا يرغب فيهن لكبر سنهن، وشرط آخر: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60]، أما مع الزينة.. مع التكحل.. مع الطيب.. مع الملابس الجميلة هذا لا يجوز.
أما إذا كانت غير متبرجة ولا ترجو النكاح لأنها عجوز كبيرة فلا بأس أن تكشف وجهها عند الرجال لأنه لا يرغب فيها ولا يخشى الفتنة لا عليها ولا منها، لكن استعفافها وسترها وجهها أفضل؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة قد يفتن بها بعض الناس، ولهذا قال سبحانه: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، فإذا استعففت العجوز يكون خيراً لها فكيف بالشابة من باب أولى. فالحجاب لازم والتستر واجب إلا في حق العجوز الكبيرة التي لا يرغب فيها ولا تريد النكاح، ومع ذلك غير متبرجة بزينة فلا حرج عليها أن تضع الثوب، يعني: أن تسفر، ولكن استعفافها وتحجبها أفضل.
الجواب: مذهب أهل السنة والجماعة وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وهو قول الرسل جميعاً عليهم الصلاة والسلام أن الله فوق العرش وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقال سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، ذكر هذا سبحانه في سبعة مواضع في كتابه العظيم أنه فوق العرش جل وعلا، ومعنى على العرش يعني: فوق العرش قد علا عليه واستقر فوقه سبحانه وتعالى، هكذا قال أهل السنة، على العرش يعني: استوى عليه، يعني: علا وارتفع، وفي عبارة بعضهم: واستقر، المعنى: أنه فوق العرش، والعرش سقف المخلوقات وهو أعلاها، والله فوقه سبحانه وتعالى، هذا قول أهل الحق جميعاً، وأبو حنيفة ممن يقول بهذا رضي الله عنه ورحمه، ولا يقول: إن الله في كل مكان حاشا وكلا، بل هذا قول المعتزلة والجهمية وأشباههم، وهذا كفر وضلال، الذي يقول: إن الله في كل مكان هذا كافر ضال نسأل الله العافية، الله سبحانه فوق العرش وعلمه في كل مكان جل وعلا يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، لكنه بذاته فوق العرش سبحانه وتعالى فوق جميع الخلق.
والواجب على المؤمن أن يعتقد هذا الاعتقاد الذي دل عليه كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وأجمع عليه سلف الأمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، ولا يجوز أن يقول: إن الله في كل مكان هذا قول أهل الباطل من الجهمية والمعتزلة ومن سار على نهجهم تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا سبحانه وتعالى.
الجواب: من كان يعتقد أن الله في كل مكان هذا كافر ضال لا يصلى خلفه، ولا يجوز أن يتخذ إماماً، بل يجب أن يبعد، ويجب على المسئولين أن يبعدوه وأن يولوا غيره من أهل السنة والجماعة.
الجواب: هذا قول الأشاعرة يؤمنون ببعض الصفات ويتأولون البقية، وهو مذهب باطل لا يجوز، الواجب الإيمان بجميع الصفات الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة الصحيحة هذا الواجب عند أهل السنة والجماعة، الواجب إثبات جميع ما ذكر الله في كتابه العظيم من أسمائه وصفاته، وهكذا ما ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة يجب إثباتها لله وإمرارها كما جاءت مع الإيمان بها واعتقاد أنه سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
فالواجب إثباتها إثباتاً بلا تمثيل، وأن ينزه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بلا تعطيل، ولهذا يقول أهل السنة والجماعة: يجب الإيمان بأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، والذي يعرف أنه يؤول بعض الصفات لا ينبغي أن يتخذ إماماً، لكن لا يكفر لأجل الشبهة، لكن لا ينبغي أن يتخذ إماماً بل ينبغي أن يتخذ آخر سواه إماماً؛ لأن الأشاعرة وإن كانوا تأولوا بعض الصفات لهم شبهة في التأويل، فهم ليسوا كفاراً بهذا القول ولكنهم ارتكبوا بدعة وضلالاً يجب على من كان كذلك أن يتوب إلى الله من ذلك، وأن يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن الواجب عدم التأويل في جميع الصفات.
الجواب: المصافحة بين الرجال سنة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصافح أصحابه، وكان الصحابة إذا تلاقوا تصافحوا رضي الله عنهم، وهكذا النساء المصافحة بينهن سنة بينهن أو مع محارمهن لا بأس به، أما المرأة مع الأجنبي كابن عمها أو زوج أختها أو أخي زوجها لا تصافحه، ولا يجوز لها أن تصافح الرجل الأجنبي ولو كان زوج أختها، ولو كان أخا زوجها، ولو كان ابن عمها وابن خالها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء) لما قدمت امرأة يدها إليه امتنع عليه الصلاة والسلام وقال: (إني لا أصافح النساء)، وقالت عائشة رضي الله عنها: (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام)، وهو صلى الله عليه وسلم معروف بعصمته فيما يبلغه عن الله، وهو معروف أيضاً ببعده عما حرم الله عليه الصلاة والسلام، وهو معصوم عند جمهور أهل العلم عن كبائر الذنوب، فلو كانت المصافحة لا حرج فيها لصافح عليه الصلاة والسلام، فلما امتنع منها وهو أتقى الناس وأخشاهم لله دل ذلك على أن الواجب تركها؛ ولأن الفتنة كما تقع بالنظر قد تقع بالمصافحة، إذا مس يدها قد يفتن بها، ولهذا قال بعض العلماء: إن المصافحة أخطر من النظر، فإذا كان النظر محرماً فالمصافحة مثل ذلك أو أشد، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرا، إذاً الدليل الذي تفضلتم به سماحتكم هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: نعم.
المقدم: وتلك من سنته اللهم صل عليه.
الشيخ: نعم نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً.
الشيخ: وهو فعل ذلك خشية الفتنة.
المقدم: الله أكبر الله أكبر، جزاكم الله خيراً.
الجواب: كلمة آمين سنة بعد الفاتحة للإمام والمنفرد والجماعة، وهكذا في خارج الصلاة إذا قرأ الفاتحة يقول: آمين؛ لأن فيها اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، دعاء فهو يؤمن بعدها، وليست واجبة، ولو تركها فلا سجود عليه صلاته صحيحة وليس عليه شيء، لو تركها الإمام أو المأمومون أو المنفرد فلا شيء عليه والحمد لله، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرا، إذاً ليس هناك تفرقة بين العمد والسهو في هذا الموضوع؟
الشيخ: نعم السنة فعلها، لا يتعمد تركها السنة فعلها، لكن لو نسيها لا شيء عليه.
الجواب: أما في التشهد الأول فالأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لعموم الأحاديث لما سئل صلى الله عليه وسلم، قيل: يا رسول الله! أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك -وفي لفظ قال: في صلاتنا- قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم قال: والسلام كما علمتم)، يعني: في قوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فهذا يدل على أنه مشروع في التشهدين الأول والأخير، هذا هو الصواب، والأكثرون من أهل العلم على أنه في التشهد الأخير فقط.
ولكن الصواب أنه يستحب في التشهد الأول لعموم الأحاديث وعدم التفصيل، أما في التشهد الأخير فهو مشروع بلا شك.
وقد اختلف العلماء في وجوبه فقال بعض أهل العلم: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في التشهد الأخير، وقال بعضهم ركن، فينبغي أن يحافظ عليها المؤمن وأن لا يتركها في التشهد الأخير.
أما الدعاء فهذا مختص بالتشهد الأخير لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو في التشهد الأخير عليه الصلاة والسلام، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من التشهد الأخير استعاذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ) إلى آخره هذا يكون في الأخير، التعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، هذا يكون في التشهد الأخير الذي قبل السلام، وهكذا بقية الدعاء، كونه يدعو الله، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، هذا كذلك في التشهد الأخير، وهكذا غيره من الدعاء (اللهم إن ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، أو يقول: (اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين)، أو (اللهم أصلح قلبي وعملي)، أو (اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين) الدعوات كلها تكون في التشهد الأخير قبل السلام، وإنما الخلاف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل يأتي بها في الأول أو ما يأتي بها، فالأكثرون على أنها تختص بالأخير، والصواب أنها تقال في الأول والأخير لأن الأحاديث عامة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: عقوق الوالدين من كبائر الذنوب ومن المحرمات العظيمة، فالواجب الحذر منه، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور) متفق على صحته، والله يقول في كتابه الكريم سبحانه وتعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] يعني: أمر أن لا تعبدوا إلا إياه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، ويقول سبحانه في سورة لقمان: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].
فالواجب على الولد أن يشكر لوالديه وأن يحسن إليهما وأن يبرهما وأن يطيعهما في المعروف، ويحرم عليه عقوقهما لا بالكلام ولا بالفعل، فليس له أن يرفع صوته عليهما، وليس له ضربهما، وليس له عدم النفقة عليهما مع الحاجة إلى ذلك، وليس له عصيانهما في المعروف، بل يجب عليه طاعتهما في المعروف، وبرهما، وخفض الصوت إذا خاطبهما، والتأدب معهما في كل شيء.
لكن لا يطيعهما في المعصية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فلو أمراه أن يزني، أو يشرب الخمر، أو لا يصلي في الجماعة لا يطيعهما، لكن يطيعهما في المعروف، يبرهما في المعروف، يحسن إليهما، يخاطبهما بالتي هي أحسن، ينفق عليهما إذا احتاجا إلى ذلك، هكذا المؤمن مع والديه، فحقهما عظيم وبرهما من أهم الواجبات. لكن ليس عقوقهما مبطلاً للصلاة ولا للصوم ولا للأعمال الصالحات، ولكن صاحبه على خطر من هذه الكبيرة العظيمة، وإنما تبطل الأعمال بالشرك، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، أما العقوق أو قطيعة الرحم أو المعاصي الأخرى فإنها لا تبطل الأعمال وإنما يبطلها الشرك الأكبر. وكذلك رفع الصوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فيخشى منه بطلان العمل كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] يعني: لئلا تحبط أعمالكم، فهذا يفيد أنه يخشى على من رفع صوته على النبي صلى الله عليه وسلم وجهر له بالقول أن يحبط عمله، وهذا وعيد عظيم، ولهذا كان الصحابة يتأدبون مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويتكلمون معه كلاماً خفيفاً ليناً مخفوضاً تأدباً معه عليه الصلاة والسلام. فالمقصود: أن الواجب على المؤمن أن يبر والديه وأن لا يعقهما، وأن يحسن إليهما في حياتهما وبعد وفاتهما، ويحرم عليه العقوق لهما بالكلام السيئ أو السب أو الضرب أو أي إساءة لهما أو رفع الصوت عليهما، أو عدم طاعتهما في المعروف كل هذا من العقوق.
المقدم: جزاكم الله خيرا.
الشيخ: نسأل الله العافية.
الجواب: هذا السؤال ليس بواضح، إذا حلف على القرآن صار أشد في اليمين، وليس هناك حاجة إلى الحلف بالقرآن، يحلف ولا حاجة إلى أن يحضر القرآن، يتقي الله وهو يحلف ويتحرى الصدق ولا يلزم إحضار القرآن، كثير من الناس يطلب إحضار القرآن هذا لا أصل له ولا حاجة إليه، الواجب على المؤمن أن يصدق أينما كان، ولا يجوز الكذب لا مع قرآن ولا مع غير القرآن، يجب أن يصدق في الخصومات وفي غيرها وليس له الكذب إلا إذا كان مظلوماً، إذا كان مظلوماً فله الكذب ويتأول إذا كان مظلوماً، وأما إذا كان غير مظلوم فليس له أن يكذب، وليس له أن يحلف في أي شيء كاذباً، كأن يدعى عليه أنه أخذ مال فلان، أو ضرب فلاناً، أو قتل فلاناً، ليس له أن يحلف ينكر ذلك بل عليه أن يقر بالحق، يعطيهم مالهم.. يلزمه القصاص إذا توفرت شروطه، أما إذا كان مظلوماً هذا شيء آخر له أن يتأول إذا كان مظلوماً أن يقال له: احلف أنك ما فعلت كذا وكذا وهو لم يفعله ولم يقع منه فيحلف بالله أنه لم يقع منه وليس في هذا شيء عليه لأنه صادق.
المقصود: أنه ليس له أن يكذب لا بإحضار القرآن ولا في غير القرآن، بل عليه أن يتحرى الصدق إلا في المسائل التي أباح فيها النبي صلى الله عليه وسلم الكذب كالإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، فإذا كان ألزم باليمين في هذا أو رأى المصلحة في هذا فلا بأس أن يقول: والله ما كان كذا في الحرب، أو والله ما فعلت كذا في الحرب، إذا رأى فيه المصلحة للمسلمين، أو يقول لامرأته: والله ما فعلت هذا، ليرضيها ولا يضر غيره ولا غيرها، أو في الإصلاح بين الناس، يجيء قبيلة ويقول: والله ما قال هذا فلان، ليصلح بينهم، أو والله ما قالت القبيلة، أو والله إنها تحبكم، أو والله إنها تود الصلح معكم ليصلح بينهم على وجه لا يضر أحدا، هذا كله لا بأس به.
المقدم: جزاكم الله خيرا. إذاً نفهم من سماحتكم أن الحلف على المصحف أمر غير مشروع.
الشيخ: ليس له أصل.
الجواب: لا أعلم لهذا أصلاً، ذبيحة صدقة البيت ما نعرف لها أصلا، هذه بدعة ما لها أصل، إذا أراد يتصدق على الفقراء من دون صدقة البيت يرجو بها ما عند الله، إن أراد أن يذبح كل يوم يعطي الفقراء لا بأس، أما صدقة البيت هذا شيء لا أصل له، هذه خرافة لا أصل لها.
المقدم: جزاكم الله خيرا.
سماحة الشيخ في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: اللهم آمين.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحته وأنتم يا مستمعي الكرام! شكراً لحسن متابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر