مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونبدأ على بركة الله في استعراض بعض من رسائل السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين يقول: (ع. م. أ. الكناني ) من القنفذة.
أخونا رسالته مطولة في الواقع ملخصها سماحة الشيخ: أن والده بدأ ينازعه على راتبه وهو أب لأسرة تتكون من أربعة أشخاص، ويقول: إنه دفع نصف المرتب لوالده، إلا أن الوالد لم يرض بذلك؛ نظراً لأن الوالد نفسه يعول أسرة كبيرة فيها تسعة أنفس، ويرجو من سماحة الشيخ التوجيه؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فقد دل كتاب الله العزيز وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام على عظم شأن الوالدين وعلى عظم حقهما وعلى وجوب برهما، فالواجب على الولد أن يحرص على بر الوالدين، وأن يخصهما بمزيد عناية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] الآية، وفي معناها آيات أخرى، وقال جل وعلا: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم)، (وجاءه رجل يشتكي أن أباه اجتاح ماله، فقال: أنت ومالك لأبيك)، فالواجب عليك أن تتحرى ما يرضي والدك وأن تحرص على إقناعه بالأسلوب الحسن والعبارات اللطيفة، فتدع لولدك وأهل بيتك ما يكفيهم، وتعطيه ما يعينه على نفقة عائلته، وبذلك يحصل لك الأجر العظيم وبر والدك، أما إن كان النصف الذي يبقى لك لا يكفي حاجتك أو لا يزيد عن حاجتك فلا يلزمك: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، حق الوالدين عظيم، ولكن لا ضرر ولا ضرار، إذا كان الباقي من راتبك بقدر حاجتك من دون إسراف ولا تبذير فلا يلزمك أن تعطيه الزيادة، لكن تعتذر إليه بالعبارات الحسنة وبالأساليب الطيبة، أو توسط بعض أقاربك حتى يعتذروا عنك وحتى يرضوه عنك، هذا هو الذي ينبغي لك في هذه المسألة، أما إن كان عندك قدرة على الزيادة وأن تخفض النصف وتعطيه زيادة على النصف وأن هذا يكفيك ويكفي من تحت يدك، حاجة متوسطة ليس فيها إسراف ولا تبذير فافعل ذلك.
والخلاصة: أنك تجتهد في إرضاء والدك، لكن من دون ضرر عليك وعلى أهل بيتك؛ لأن عليك حقاً لزوجتك وأهل بيتك أولادك، وعليك حق لوالدك، فإذا جاء الضرر قدمت حاجة نفسك وحاجة ولدك، وليس لوالدك إلا ما فضل وزاد على هذا، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك ثم من تعول)، فأنت تبدأ بنفسك وأبوك ممن تعول، فتبدأ بنفسك وأهل بيتك، ثم تعطي والدك ما زاد مما يسد حاجته ويعينه على نفقة عياله، يسر الله أمرك وأعانك وبارك لك وعليك وأغنى والدك.
الجواب: قد جاءنا نماذج من هذا وأحلناها إلى الجهات المختصة، وذكروا أنها سليمة وليس فيها شيء مما يحذر، وإنما هي أشياء من أسماك ومن بذور سليمة ومن أشياء ليس فيها محلول لا من جهة الخنزير ولا من جهة الدماء.
وبكل حال: فإذا وجد من هذه الأشياء شيء من النجس أو من الحرام كالخنزير، إذا كان قليلاً فإنه يعفى عنه، كما يعفى عما تأكله الجلالة من الأشياء الحقيرة القليلة، وإنما الذي يضر أن يغلب النجس والخبيث على طعام الدواجن وشرابها، فإذا كان ما تأكله مما يستقبح، إذا كان قليلاً يغلب عليه الطعام الطيب والشراب الطيب فإنه لا يضر، أما الذي جاءنا من النماذج التي بعثت إلينا من جهات متعددة من الإخوان هنا، وأحلناها إلى الجهات المختصة واختبروها فإنهم ذكروا أنه ليس فيها محذور وأنها ما بين بذور لا بأس بها، وأشياء أخرى ليس فيها محذور من أسماك وغيرها تغذى بها هذه الدواجن والأصل السلامة وبراءة الذمة حتى يعلم يقيناً أنها غذيت بما حرم الله ويغلب ذلك، ويكون ذلك كثيراً، يعني: يغلب على طعامها وشرابها، حتى تكون كالجلالة أما الشيء اليسير فيغتفر.
المقدم: إذاً: يرى سماحتكم الوصول إلى تلك المصانع ليرى الإنسان بنفسه الحقيقة؟
الشيخ: هذه الأشياء التي ترد من هذه المصانع لابد أن تحال إلى الجهات المختصة على هذه الجهات التي تستوردها إذا كان عندها شك أن تحيلها إلى الجهات المختصة في المملكة مادامت المسألة في المملكة تحال إلى الجهات المختصة والمختبرات المختصة مثل وزارة التجارة وهيئة المقاييس وجامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الملك سعود التي فيها المختبرات، يختبرونها ويبينون ما فيها، فإنا أحلناها إلى بعض هذه الجهات ورأوا أنها سليمة.
فالحاصل: أن الوارد قد يختلف وقد يتنوع المستورد قد يتنوع، فالذين يستوردون هذه الأشياء الواجب عليهم أن يجتهدوا حتى يعرفوا الحقيقة وحتى لا يغشوا الناس ولا يدخلوا على الناس ما حرم الله عليهم، وعلى الدولة أن تلزمهم بهذا، على الدولة بواسطة وزارة التجارة وغيرها من المسئولين الذين لهم صلة بهذا الشيء، عليهم أن يلزموا أي شركة وأي مزرعة تستورد أن تعرف ما تستورد وأن يكون ذلك سليماً، وحتى يشهد لهم بذلك المسئولون هنا.
الجواب: الأذان الشرعي المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه هذه الزيادة: أشهد أن علياً ولي الله أو حجة الله، هذه الزيادة بدعة لا تجوز، والمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه: الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمداً رسول الله.. أشهد أن محمداً رسول الله.. حي على الصلاة حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. حي على الفلاح.. الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، هذا المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً وعلمه أبا محذورة في مكة، وهذا هو الثابت في كتب الصحاح وفي الأحاديث الصحيحة، ويزاد فيه في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، الأذان الذي على الصبح، الذي بعده الصلاة يزاد فيه الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم، بعد قوله: حي على الفلاح، وقبل قوله: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، يعني: في آخره بعد الحيعلتين يقول: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، ثبت هذا أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد وفي حديث أنس وغيرهما، وأما زيادة: أشهد أن علياً ولي الله فهذه بدعة وليست ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وهكذا ما يزاد في بعض الأذان عند بعض الشيعة: حي على خير العمل كذلك هذا لا أصل له، كلها بدعة، والواجب على الشيعة وعلى غير الشيعة أن يلتزموا بالأذان النبوي الذي ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وألا يزاد فيه: أشهد أن علياً ولي الله، ولا حجة الله، ولا يزاد فيه حي على خير العمل، كل هذا منكر وبدعة، فالواجب على جميع المسلمين أن يلتزموا بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذان وفي غيره، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: فهو مردود، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهذا يعم المحدثات في الأذان وفي الصلاة وفي الصيام وفي الحج.. وفي غير ذلك، نسأل الله لجميع المسلمين التوفيق والهداية.
الجواب: أما وقت الضحية فهو أربعة أيام على الصحيح من أقوال العلماء يوم العيد وهو يوم عيد النحر وهو العاشر من ذي الحجة، ثم اليوم الحادي عشر، ثم اليوم الثاني عشر، ثم اليوم الثالث عشر، وقال بعض أهل العلم: إنها ثلاثة يوم العيد ويومان بعده، والصواب أنها أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام من بعده، وهي أيام التشريق وهي أيام النحر وهي أيام رمي الجمار وهي أيام ذكر لله عز وجل وأكل وشرب، فإذا صلى الناس العيد صلاة العيد، بدءوا بالذبح، يبدءوا بالذبح بعد صلاة العيد، كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام فإنه صلى ثم ذبح، وقال: (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن ذبح قبل الصلاة فلا ذبح له)، فالسنة والواجب: أن تكون الضحية بعد الصلاة إذا كان الإنسان في البلد، أما إذا كان في الصحراء كالبادية فإنهم يذبحون بعد ارتفاع الشمس، إذا ارتفعت الشمس ومضى شيء بعد ارتفاعها بمقدار الصلاة، فإنهم يذبحون ذاك الوقت، يذبحون بعد ارتفاع الشمس ومضي قليل من الزمن بقدر الصلاة يذبحون؛ لأنهم لا صلاة عندهم، البادية هم مسافرون ليس لهم صلاة عيد، وليس عليهم صلاة عيد فيذبحون بعد ارتفاع الشمس، وهكذا في منى -حجاج منى- يذبحون بعد ارتفاع الشمس؛ لأنه ليس عندهم صلاة عيد في منى رمي الجماع يقوم مقام صلاة العيد، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى الجمرة ثم نحر هديه ولم يصل صلاة العيد في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام، فإنهم يرمون الجمار ثم يذبحون هداياهم وضحاياهم بعد ذلك الوقت بعد ارتفاع الشمس، هذا هو المشروع، وعند الذبح يسمي الله يقول: بسم الله والله أكبر، هذا هو المشروع: بسم الله والله أكبر، وإن قال: بسم الله فقط أجزأ، ولكن الأفضل يقول: بسم الله والله أكبر، وإن زاد فقال: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين أو قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين فهذا مستحب، ولكن يكفي بسم الله والله أكبر، يكفيه هذا، هذا هو الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بسم الله والله أكبر، وربما زاد: إن صلاتي.. إلى آخره، والواجب بسم الله، هذا الواجب، وزيادة: الله أكبر مستحبة، بسم الله والله أكبر، وما زاد على ذلك من قراءة: إن صلاتي، ووجهت وجهي.. هذا مستحب وليس بواجب، ثم إذا ذبحت الذبيحة يأكل الإنسان ما شاء ما يتقيد بقطعة صغيرة، بل يأكل ما شاء، إذا ذبحت الذبيحة يأكل منها قليلاً أو كثيراً هو وأهل بيته، السنة: أن يأكلوا ويطعموا ويتصدقوا من هذه الذبيحة يأكلوا منها ما تيسر ويتصدقوا بما يتسر ويطعمون ويهدون ما تيسر والأفضل أن تكون أثلاثاً: ثلث يأكلونه، وثلث يهدونه إلى أقاربهم وأصدقائهم وثلث للفقراء، وإن أكلوا الأكثر وتصدقوا بالقليل فلا بأس الأمر في هذا واسع والحمد لله، الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأكلوا ويطعموا، والله يقول: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، فينبغي له أن يعطي الفقير ما تيسر من ذلك، وإن أعطوا الفقراء الثلث كان أفضل، وإن أهدى الثلث على أقربائه وجيرانه كان حسناً أيضاً، فإن لم يهد ولم يتصدق إلا بالقليل أو ما تصدق بالكلية أجزأته الضحية، صارت الضحية مجزئة وشرعية، لكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجب عليه أن يخرج قليلاً من اللحم حتى يمتثل قوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، يخرج ما تيسر من اللحم، ولو من غير الضحية إذا كان قد أكلها، يخرج من غيرها حتى يكون أدى هذا الواجب، ولكن السنة بكل حال أن يخرج منها، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، كما قاله الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا وتصدقوا وادخروا)، فالسنة له أن يأكل وأن يدخر ما أحب من ذلك، وأن يتصدق على الفقراء ما تيسر، هذا هو المشروع، فإن لم يتصدق ولم يهد، بل أكلها صحت وأجزأت، ولكنه خالف الأفضل وخالف السنة، وعليه أن يستدرك ولو بالقليل من اللحم حتى يتصدق به على الفقراء هذا هو الأحوط له خروجاً من خلاف من قال بالوجوب وظاهر القرآن وجوب الصدقة؛ لأن الله قال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ، والأصل في الأمر الوجوب، لكن ذهب الأكثرون إلى أنه للسنية؛ لأن الله قال: (فَكُلُوا)، والأكل ليس بواجب، فهكذا الإطعام ليس بواجب ولكنه سنة، السنة أن يأكل ويطعم، هذا هو السنة، نعم، والله المستعان.
الجواب : الاحتفال بالمولد هذا مما أحدثه الناس وليس مشروعاً، ولم يكن معروفاً عند السلف الصالح لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد التابعين، ولا في عهد أتباع التابعين ولا في القرون المفضلة، ولم يكن معروفاً في هذه العصور العظيمة وهي القرون الثلاثة المفضلة، وإنما أحدثه الناس بعد ذلك، وذكر المؤرخون: أن أول من أحدثه هم الفاطميون الشيعة حكام مصر والمغرب، هم أول من أحدث هذه الاحتفالات، الاحتفال بالمولد النبوي وبمولد الحسين ومولد فاطمة والحسن وحاكمهم جعلوا هناك احتفالات بعدة موالد، منها مولد النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشهور أنهم أول من أحدثه في المائة الرابعة من الهجرة، ثم حدث بعد ذلك من الناس الآخرين تأسياً بغيرهم، والسنة في ذلك عدم فعل هذا المولد؛ لأنه من البدع المحدثة في الدين، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، والاحتفال قربة وطاعة، فلا يجوز إحداث قربة وطاعة إلا بدليل، وما يفعله الناس اليوم ليس بحجة ما يفعله الناس في كثير من الأمصار في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من الاحتفال بالموالد مولد النبي صلى الله عليه وسلم وتوزيع الطعام أو الحلوى أو قراءة السيرة في ذلك اليوم وإقامة الموائد كل هذا ليس له أصل فيما علمنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن السلف الصالح في القرون المفضلة، وهذا هو الذي علمناه من كلام أهل العلم، وقد نبه على ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام، ونبه على ذلك الشاطبي رحمه الله في الاعتصام بالسنة، ونبه على ذلك آخرون من أهل العلم وبينوا أن هذا الاحتفال أمر لا أساس له، وليس من الأمور الشرعية، بل هو مما ابتدعه الناس، فالذي ننصح به إخواننا المسلمين: هو ترك هذه البدعة وعدم التشاغل بها، وإنما حب النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي اتباعه وطاعة أوامره وترك نواهيه، كما قال الله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فليس العلامة على حبه أن نحدث البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان من الاحتفال بالمولد أو الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء والاستغاثة به أو الطواف بقبره.. أو ما أشبه ذلك، كل هذا مما لا يجوز، وليس من حبه صلى الله عليه وسلم، بل هو من مخالفة أمره عليه الصلاة والسلام، فحبه يقتضي اتباعه وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند الحدود التي حدها عليه الصلاة والسلام، هكذا يكون المؤمن، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[آل عمران:31]، قال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر:7]، وقال جل وعلا: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[النور:54]، ولو كان الاحتفال بالمولد أمراً مشروعاً، لم يكتمه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ما كتم شيئاً، بل قد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، فلم يحتفل بمولده ولم يأمر أصحابه بذلك، ولم يفعله الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ولا بقية الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعون وأتباعهم بإحسان في القرون المفضلة فكيف يخفى عليهم ويعلمه من بعدهم، هذا مستحيل، فعلم بذلك أن إحداثه من البدع التي ما أنزل بها من سلطان، ومن قال: إنه بدعة حسنة فهذا غلط لا يجوز؛ لأنه ليس في الإسلام بدع حسنة، والرسول عليه السلام قال: (كل بدعة ضلالة)، قال: (كل بدعة ضلالة)، وكان يخطب الناس يوم الجمعة ويقول: (إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، فلا يجوز للمسلم أن يقول فيه: بدعة حسنة، يعني: يناقض النبي صلى الله عليه وسلم ويعاكسه هذا لا يجوز للمسلم، بل يجب عليه أن يتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحذر مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم ومخالفة شريعته في هذا وغيره، فلما قال صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة)، هذه الجملة جملة عامة صيغة عامة، تعم الموالد وغير الموالد من البدع.
وهكذا ما أحدثه بعض الناس من الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ليلة سبع وعشرين من رجب أو ليلة النصف من شعبان هذه أيضاً من البدع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلها ولا فعلها أصحابه، فتكون بدعة، وهكذا جميع ما أحدثه الناس من البدع في الدين، كلها داخلة في هذا المعنى فليس لأحد من المسلمين أن يحدث شيئاً من العبادات ما شرعها الله، بل يجب على أهل الإسلام الاتباع والتقيد بالشرع أينما كانوا والحذر من البدعة ولو أحدثها من أحدثها من العظماء والكبار فالرسول صلى الله عليه وسلم فوقهم فوق جميع العظماء وهو سيد ولد آدم، وهو الذي أوجب الله علينا طاعته واتباع شريعته فليس لأحد أن يقدم على هديه هدي أحد من الناس ولا طاعة أحد من الناس، ثم الله فوق الجميع سبحانه وتعالى وهو الواجب الطاعة وهو الإله الحق سبحانه وتعالى وهو الذي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس ويرشد الناس والرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله، الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله عز وجل، فلو كان الاحتفال بهذه الأمور مما أمره الله به لم يكتمه، بل يبلغه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، وهكذا أصحابه لو كان بلغهم وأعلمهم لبلغوا أيضاً، فلما لم يأتنا هذا عنهم، علمنا يقيناً أنه من البدع التي أحدثها الناس، وأن الواجب على أهل الإسلام ألا يوافقوا على البدع، بل عليهم أن يسروا على النهج الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وسار عليه أصحابه الكرام رضي الله عنهم، ثم أتباعهم بإحسان في القرون المفضلة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
المقدم: اللهم آمين، يا أخت (ن. م) من محافظة كركوك في العراق سنعود إلى رسالتك في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.
سماحة الشيخ! في الختام: أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك. نعم.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا خالد منور خميس .
شكراً لكم جميعاً..
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر