مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المملكة الأردنية الهاشمية وباعثها أحد الإخوة من هناك يقول الاسم الشافعي أخونا يقول في سؤال له: والدتي تبلغ من العمر سبعين عاماً تقريباً والحمد لله على كل حال ابتلاها الله بمرض مزمن اضطرت معه إلى الإفطار في رمضان من كل عام، ولا ندري بالضبط تاريخ الإصابة بالمرض، وللأسف لم تفد بإطعام مسكين عن الأيام التي أفطرتها لسببين:
الأول: ليس عندها الوعي الديني الكافي بهذا الخصوص.
والسبب الثاني: لا يوجد في القرية مساكين يستحقون الفدية.
والآن وقد هداني الله وأرشدني إلى الصواب أريد أن أخرج فدية للمساكين عن الشهور التي أفطرتها في السنوات الماضية، لكن لا أعلم عددها بالتحديد وهي كذلك لا تعلم، وكذلك لا أعلم مقدار الفدية الواجب إخراجها عن هذه الشهور التي مضت فما رأي سماحتكم في هذا الأمر، وإذا كانت لي أخت متزوجة وعندها أولاد صغار وهي فقيرة، فهل يفضل أن أعطيها قيمة هذه الفدية، علماً بأن زوجها على قيد الحياة؟ أفيدوني في هذه القضايا جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن كانت الوالدة التي سألت عنها حين إفطارها عاجزة فقيرة لا تملك إخراج الفدية فليس عليها شيء، لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] أما إن كانت قادرة ولكن تركت ذلك من أجل الجهل فإنك تخرج عنها أو تخرج هي بنفسها عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد أرز أو حنطة أو غيرهما من قوت البلد، ومقدار ذلك كيلو ونص تقريباً عن كل يوم تجمع ويعطاها بعض الفقراء ولو في قرية أخرى في غير قريتها، ليس من اللازم أن يكونوا في قريتها، بل ولو في قرية أخرى تنقل إليهم هذه الكفارة، ولا يجوز إخراج نقود بل يعطون طعاماً.
وإذا كانت أختك فقيرة وزوجها فقير فلا مانع من دفع هذه الكفارة إلى زوجها يعطاها الزوج؛ لأنه المنفق والمسئول عن الزوجة والأولاد فإذا كان فقيراً فإنها تدفع إليه، أما إن كان غنياً فإنه هو الذي يقوم بنفقة الزوجة والأولاد ولا يعطى النفقة الكفارة المذكورة بل يلتمس فقراء غير زوج أختك مطلقاً سواءً كانوا في البلد أو في غير البلد.
وإذا كنتم لا تعرفون عدد الأشهر فإنكم تكتفون بالظن تجتهد الوالدة وأنت تجتهدان جميعاً في تحري الأيام التي أفطرتها الوالدة في سنتين أو ثلاث أو أربع على حسب الظن الغالب ثم تخرجون هذه الكفارة بناءً على الظن الغالب الذي منك أو منها أو منكما جميعاً لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
الجواب: تلك الأرباح تصرف في بعض المشاريع الخيرية، وليس لكم إلا رأس المال، وعليه التوبة من ذلك على أخيك التوبة إلى الله من ذلك وعدم العود، والأرباح التي قبضتم من طريق الربا تصرف في بعض المشاريع الخيرية مثل الصدقة على الفقراء، مثل قضاء دين إنسان معسر، مثل إصلاح دورات مياه للمساجد، أو إصلاح بعض الطرق، أو حاجة بعض المدارس.. أو ما أشبه ذلك، من المشاريع الخيرية التي تصرف فيها هذه الأموال التي ليس لها مالك شرعي، بل هي من جنس الأموال الضائعة والرهون المجهولة أهلها ونحو ذلك.
الجواب: هذا الحديث الذي ذكره السائل حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة) والعرف: الريح، وهذا وعيد شديد هذا الحديث من أحاديث الوعيد التي عند السلف تجرى على ظاهرها؛ لأن ذلك أعظم في الزجر، وحكمه حكم سائر أهل المعاصي.
لكن إذا تاب إلى الله من ذلك فإن الله جل وعلا يتوب عليه، كل ذنب متى تاب صاحبه منه ولو كان من الشرك الأكبر إذا تاب صاحبه توبة صادقة توبة نصوحاً تاب الله عليه، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]، ويقول سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، فالذي تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله من أجل الوظيفة أو من أجل أغراض أخرى فإن عليه التوبة إلى الله من ذلك، والله يمحو عنه ما حصل من النية الفاسدة وهو ذو الفضل العظيم سبحانه وتعالى وما حصله من أثر الوظيفة بعد ذلك لا يضره، ما حصل من معاشات أو مرتبات ومن غير ذلك على أثر الشهادة التي حصلها بهذا العلم هو له حلال وعليه التوبة إلى الله مما حصل من النية الفاسدة، والله ولي التوفيق.
الجواب: قد أحسنت في نصيحتهم وأمرهم بالمعروف وإرشادهم إلى الخير وإذا لم يتوبوا ولو يرعووا فالواجب هجرهم وعدم إجابة دعوتهم وعدم دعوتهم إلى بيتك، وعدم اتخاذهم أصحاباً وأصدقاء، ومنعهم من الزيارة؛ لأنهم حينئذٍ قد ارتكبوا جريمة عظيمة وهي الكفر بالله فإن ترك الصلاة كفر بنص الرسول عليه الصلاة والسلام.
والصحيح أنه كفر أكبر هذا هو الصحيح من قولي العلماء، والحجة في ذلك ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، وخرج الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
فهؤلاء الذين عرفتهم بترك الصلاة وقد تكرر منك النصح لهم ثم لم يستجيبوا فإنهم جديرون بالهجر والإنكار وإظهار البغضاء والعداوة لهم حتى يرجعوا عن باطلهم، وليس لهم عليك حق الضيافة إذا جاءوا إليك؛ لأنهم مرتدون بهذا العمل وقد نصحتهم وكررت عليهم فلا وجه لزيارتهم لك بعد ذلك، وليسوا ضيوفاً، هؤلاء معاندون أرادوا بذلك إيذاءك بهذه الزيارة التي أنت تكرههم من أجل ما هم عليه من الباطل، بخلاف الضيف الكافر الذي لم يتقدم له نصح ولم يجر بينك وبينه مذاكرة في هذا الأمر فهذا له حق الضيافة مع النصيحة.
أما إنسان قد نصحته ووجهته للخير وأمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر ثم يصر على الباطل ويأتي إليك فهذا لا حق له عليك، بل حقه عليك أن تنكر عليه وأن تهجره حتى يتوب إلى الله من عمله السيئ، ولعل الله جل وعلا يهديه بأسبابك فيكون لك مثل أجره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم في أقل من هذا، فإن كعب بن مالك رضي الله عنه الأنصاري وصاحبيه لما تخلفوا عن غزوة تبوك وهم قادرون على المشاركة في الغزو وقد أبلغوا وعرفوا وجوب النفير فتخلفوا بدون عذر، فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون خمسين ليلة، حتى تاب الله عليهم، فكيف بحال من ترك الصلاة عمداً بغير عذر شرعي وبغير حق بل بمجرد التساهل والتهاون بأمرها وهو جدير بالهجر وجدير بالعداوة والبغضاء.
والواجب على ولاة الأمر إذا كانوا مسلمين الواجب عليهم إقامة الحد على هذا الصنف من الناس، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، كما قال الله عز وجل: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فدل على أن من لم يرجع إلى الصلاة ولم يقم الصلاة لا يخلى سبيله بل يقتل بعد الاستتابة.
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إني نهيت عن قتل المصلين) وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل) متفق على صحته.
والخلاصة أن من ترك الصلاة عمداً عدواناً من غير جحد لوجوبها فإنه يكون كافراً في أصح قولي العلماء وعلى ولي أمر المسلمين استتابته فإن تاب وإلا قتل كافراً في أصح أقوال أهل العلم، أما إن كان جاحداً لوجوبها لا يؤمن بأنها فرض فإنه يكفر بذلك عند جميع العلماء ولو صلى متى جحد الوجوب كفر إجماعاً، ولو فعلها نسأل الله العافية والسلامة.
الجواب: أما صحة وجود هذا الطفل فهذا يرجع إلى الأطباء وأهل الخبرة بالبصر الذي أشار إليه السائل، وأما كون الطفل اطلع على كون الحمل ولدين فهذا محل نظر، مهما كانت الحال ومهما زعم من حدة بصره، ولكن على فرض أنه وجد ذلك فقد يطلع على هذا بعض الأطباء بالطرق الجديدة والوسائل الجديدة؛ لأن هذا ليس من علم الغيب بعدما يوجد الحمل في البطن، وبعدما يتخلق في البطن ليس من علم الغيب، قد اطلع عليه الملك بأمر الله عز وجل فإن الله سبحانه يأمر الملك بأن يخلقه ذكراً أو أنثى تام الخلقة أو ناقص الخلقة، وكل ذلك يكتب كما جاءت به الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فهذا حينئذ صار معلوماً للملك الموكل بالرحم ولم يختص علمه بالله عز وجل، وقد يطلع على هذا بالوسائل وبالأمارات والعلامات التي جربها الخبراء بالحمل، وجربها الأطباء، وإنما الذي لا يعلمه إلا الله فقط هو الذي قبل ذلك، قبل أن يخلق الطفل ما دام نطفة وعلقة ومضغة لم يخلق، فهذا هو الذي يختص الله بعلمه سبحانه وتعالى؛ لأنه حينئذ لم يطلع الملك على شيء، أما بعد اطلاع الملك على التخليق فهو حينئذ من الأمر المشترك وليس من خصائص الله سبحانه وتعالى بعدما أخبر الملك بما أخبره به سبحانه وتعالى ونفذ الملك ما قاله الله عز وجل وهو ملك موكل بالأرحام كما جاءت به الأخبار على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فليس في هذا إشكال والحمد لله.
الجواب: القاعدة الشرعية أن العبادات توقيفية وليس لأحد أن يحدث عبادة لم يأذن بها الشرع، والله جل وعلا يقول سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] ويقول سبحانه وتعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا [الجاثية:18]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا -يعني: الإسلام- ما ليس منه فهو رد) يعني: فهو مردود متفق على صحته، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: مردود أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وعلقه البخاري رحمه الله في الصحيح جازماً به.
فالاحتفالات يتعبد بها فلا يجوز منها إلا ما دل عليه الدليل، فالاحتفال بليلة القدر في ليالي العشر من رمضان أمر مشروع شرع الله لنا أن نعظم هذه الليالي وأن نقيم ليلها بالعبادة والذكر والطاعة والقراءة ونصوم نهارها؛ لأنه من رمضان هذه الليالي العشر تلتمس فيها ليلة القدر، ومشروع للمسلمين أن يعظموها بالصلاة والعبادة في المساجد، وفي البيوت للنساء أيضاً كل هذا أمر مشروع.
أما الاحتفال بالمولد النبوي أو بأي مولد كان كمولد البدوي أو مولد الحسين أو مولد علي رضي الله عنهما إلى غير هذا، فهذه الاحتفالات من البدع التي أحدثها الناس، وليست مشروعة وإن فعلها كثير من الناس في كثير من الأمصار فإنها لا تكون سنة بفعل الناس، وليس في الإسلام بدعة حسنة بل كل البدع منكرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) وكان يخطب يوم الجمعة عليه الصلاة والسلام يقول: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، زاد النسائي رحمه الله بإسناد صحيح: (وكل ضلالة في النار) فالبدع كلها ضلالة، وإن سمى بعض الناس بعض البدع بدعة حسنة فهو قول اجتهادي لا دليل عليه، ولا يجوز أن يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم حكم على البدع بأنها ضلالة، فليس لنا أن نستثني شيئاً من هذا الأمر إلا بدليل شرعي؛ لأن هذه جملة عامة محكمة: (كل بدعة ضلالة).
وهكذا الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج وبليلة النصف من شعبان، والاحتفال بالهجرة النبوية، أو بفتح مكة أو بيوم بدر، كل ذلك من البدع؛ لأن هذه الأمور موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتفل بها، ولو كانت قربة إلى الله لاحتفل بها عليه الصلاة والسلام، أو أمر بها الصحابة أو فعلها الصحابة بعده، فلما لم يكن شيء من هذا علمنا أنها بدعة وأنها غير مشروعة، هذه الاحتفالات، ولا يبرر فعلها أنه فعلها فلان وفلان أو فعلها أهل البلد الفلاني كل ذلك لا يبرر، إنما الحجة ما قاله الله ورسوله، أو أجمع عليه سلف الأمة، أو فعله الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم.
وقد ثبت أن هذا الاحتفال إنما حدث في المائة الرابعة -في القرن الرابع- أعني الاحتفال بالمولد النبوي فعله الفاطميون حين ملكوا المغرب ومصر وبعض البلاد الإسلامية وهم شيعة ثم تبعهم بعض الناس بعد ذلك، فلا يليق بأهل الإسلام أن يتأسوا بأهل البدع في بدعهم، بل يجب على أهل الإسلام وأصحاب السنة أن يحاربوا البدع وأن ينكروها وألا يوافقوا على فعلها اقتداءً بالمصطفى عليه الصلاة والسلام وبخلفائه الراشدين وبصحابته المرضيين رضي الله عنهم ثم بالسلف بعدهم في القرون المفضلة، هذا هو الذي نعتقده وندين به شرعاً وننصح إخواننا المسلمين به ونوصيهم به أينما كانوا.
ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، والثبات على السنة، والحذر من البدعة، إنه سميع قريب.
الجواب: لا يقضى عنه ولا يدعى له ولا عليه، يترك أمره إلى الله؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر فلا يدعى له ولا يدعى عليه، ولا يتصدق عنه؛ لأن الصدقة والدعاء إنما تكون لأهل الإسلام، أما من مات على غير الإسلام فإنه لا يدعى له، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام (أنه استأذن ربه أن يستغفر لأمه وقد ماتت في الجاهلية فلم يؤذن له) مع أنها ماتت في الجاهلية.
فلا يجوز للمسلم أن يستغفر لمن مات على أعمال الكفر: كترك الصلاة، وعبادة أصحاب القبور، وسب الدين، والاستهزاء بالدين.. ونحو ذلك كل هؤلاء لا يصلى عليهم ولا يدعى لهم إذا ماتوا على هذه الحال ولم يتوبوا، نسأل الله السلامة.
الجواب: هذه النذور التي يتقرب بها الناس إلى أصحاب القبور والسدنة التي على القبور كلها باطلة وكلها شرك بالله عز وجل؛ لأن النذر عبادة، فلا يجوز أن يصرف لغير الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن ينذر لقبر البدوي أو الحسين أو فلان أو فلان أو فلان لا دراهم ولا شمعاً ولا خبزاً.. ولا غير ذلك، كل ذلك منكر لا يجوز، كما أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم منكر وهكذا الذبح لهم والتقرب إليهم بالذبائح منكر.
فهكذا النذر قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي [الأنعام:162] والنسك: العبادة يعم النذر وغيره قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] قال عز وجل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2] قال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] يعني: فيجازيكم عليه، فالنذور قرب وطاعات فإن كانت لله فلصاحبها ثوابها، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) فلا ينبغي النذر.
لكن لو فعل النذر طاعة لله وجب عليه أن يفعل الطاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) خرجه البخاري في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، فإذا نذر طاعة لزمه الوفاء وأجره على الله سبحانه وتعالى، ولكن ينصح ألا يعود إلى ذلك، فإذا قال: لله علي أن أصلي ركعتين هذه الليلة، أو لله علي أن أصوم يوم الإثنين أو يوم الخميس، أو لله علي أن أتصدق بكذا وكذا على الفقراء، أو لله علي أن أحج هذا العام، أو عام كذا أو عام كذا، هذه كلها نذور عبادة وطاعة، فعليه أن يوفي بها.
أما إذا نذر أن يتصدق بكذا وكذا للشيخ البدوي أو للسيد حسين أو للشيخ عبد القادر الجيلاني أو لفلان أو لفلان فهذه نذور باطلة نذور شركية باطلة، وهذا المال الذي يجمع في الصناديق يجب أن يفرق على الفقراء، ولا يعطاه إمام المسجد ولا خدم المسجد، ولا السدنة؛ لأنهم أعانوا على الشرك ودعوا إلى الشرك، فهم بدعائهم إلى الشرك ورضاهم بالشرك يكونوا مشركين بهذا العمل، فإن من دعا إلى الشرك ورضي بالشرك فهو مشرك نسأل الله العافية، وهؤلاء السدنة الذين يدعون الناس إلى التقرب إلى أصحاب القبور معناه أنهم يضلونهم، ويدعونهم إلى الشرك بالله عز وجل، فلا يجوز أن تدفع إليهم هذه الأموال بل يجب أن تؤخذ من الصناديق يأخذها ولي الأمر وتدفع إلى الفقراء والمساكين الذين لا تعلق لهم بهذه القبور.
وعلى ولي الأمر وعلى الدعاة إلى الله وعلى العلماء أن ينصحوا الناس وأن يعلموهم أن هذه نذور باطلة وأنه لا يجوز لهم أن يتقربوا إلى هذه الصناديق بشيء، وأن ترفع هذه الصناديق وتقفل وأن يمنع السدنة من أعمالهم الخبيثة وهكذا أئمة المساجد التي فيها القبور يبين لهم أن هذا باطل، وعلى ولاة الأمور أن يزيلوا القبور من المساجد وأن يجعلوها في مقابر المسلمين، وإذا كان المسجد مبني على القبر وجب هدم المسجد وألا يصلى فيه، ويبقى القبر على حاله من دون مسجد.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية وأرشد الأئمة والعلماء والأمراء لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ومنح الجميع الفقه في الدين والثبات عليه، وهدى العامة لما فيه صلاحهم ونجاتهم وأعاذهم من كل ما يغضبه سبحانه ويوقع في الهلاك والعذاب في العاجل والآجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المقدم: جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! في الختام: أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا فهد العثمان ، شكراً لكم جميعاً..
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر