مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة الأخت المستمعة من العراق محافظة كركوك (ن. م)، أختنا عرضنا جزءاً من أسئلتها في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة تسأل وتقول: هل هذه العبارات صحيحة: إن من قرأ البسملة عند النوم إحدى وعشرين مرة أمنه الله تلك الليلة من الشيطان الرجيم ومن السرقة ومن موت الفجأة وتدفع عنه كل بلاء، وكذلك: إذا كتب البسملة في أول يوم من المحرم في ورقة مائة وثلاثين مرة وحملها إنسان لا يناله مكروه، وكذلك لا ينال أهل بيته مدة عمره، وكذلك إذا كتب الرحيم في ورقة إحدى وعشرين مرة وعلقه صاحب صداع نفعه وعبارات كثيرة وكثيرة عن البسملة قرأت هذه العبارات في كتاب كذا وتسميه -سماحة الشيخ- أرجو أن تتفضلوا ببيان وجه الحق في هذه العبارات وفي تلكم الكتب ولو لم تسموها وكيف تحذرون الناس منها؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الذي قرأت أيها الأخت في الله عن البسملة وأنها إذا قرئت إحدى وعشرين مرة عند النوم حصل بها كذا وكذا، وإذا كتبت مائة وثلاثين مرة حصل بها كذا وكذا إلى غير ذلك كل هذه باطلة لا أساس لها ولا صحة لها، بل هذا مما افتراه المفترون وكذبه الكذابون فلا يعول على ذلك ولا يلتفت إلى ذلك، ولكن التسمية مشروعة يسمي الله الإنسان عند النوم بسم الله الرحمن الرحيم، يسمي عند القراءة، يسمي عند الأكل، يسمي عند دخول البيت، أما بهذا العدد واحد وعشرين أو مائة وثلاثين أو كذا أو كذا أو تكتب كذا.. كل هذا لا أصل له، كل هذا لا أساس له بل هو من البدع التي أحدثها المخرفون والضالون والمنحرفون، ولكن يكفي عن ذلك ما بينه النبي عليه الصلاة والسلام فإنه يشرع للمؤمن والمؤمنة في أول الليل وفي أول النهار أن يأتي بالأذكار الشرعية والتعوذات الشرعية، ومنها أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات صباحاً ومساء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحاً ومساء، كل هذا من أسباب السلامة والعافية من كل سوء، كذلك قراءة آية الكرسي عند النوم من أسباب السلامة والحفظ من كل سوء، كذلك قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] والمعوذتين بعد كل صلاة، وقراءتها ثلاث مرات بعد الفجر والمغرب، كل هذا مما شرعه الله وهو من أسباب الإعاذة من كل شر، أما ما كذبه الكذابون فالواجب الحذر منه.
الجواب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) وهو عاشوراء، والمعنى أنه يصومه كله من أول يوم منه إلى نهايته، هذا معنى الحديث، ولكن يخص منه يوم التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر لمن لم يصمه كله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء في الجاهلية وكانت تصومه قريش أيضاً فلما قدم المدينة عليه الصلاة والسلام وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، فصامه شكراً لله صامه موسى شكراً لله ونحن نصومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) فالسنة أن يصام هذا اليوم يوم عاشوراء.
والسنة أن يصام قبله يوم أو بعده يوم، لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (صوموا يوماً قبله ويوماً بعده) ، وفي لفظ: (يوماً قبله أو يوماً بعده) وفي حديث آخر: (لأن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني: مع العاشر، فهذا هو الأفضل، أن يصام العاشر؛ لأنه يوم عظيم حصل فيه الخير العظيم لـموسى والمسلمين، وصامه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فنحن نصومه تأسياً بنبينا عليه الصلاة والسلام وعملاً بما شرع عليه الصلاة والسلام، ونصوم معه يوماً قبله أو يوماً بعده مخالفة لليهود، والأفضل التاسع مع العاشر لحديث: (لأن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) فإن صام العاشر والحادي عشر أو صام الثلاثة فكله حسن، فإن صام التاسع والعاشر والحادي عشر كله طيب وفيه مخالفة لليهود، فإن صام الشهر كله فهو أفضل وأفضل.
الجواب: الحائض والنفساء يشرع لهما ما يشرع للناس من التسبيح والتهليل والتكبير والذكر والدعاء والاستغفار بالقلب واللسان لا بالقلب وحده بل حتى باللسان، مشروع لها أن تذكر الله وتسبحه وتعظمه وتجيب المؤذن والمقيم تجيبهما وتقول مثل قولهما وتقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وتصلي على النبي بعد الأذان عليه الصلاة والسلام تقول: اللهم! رب هذه الدعوة التامة.. إلى آخره، كل هذا مشروع للجميع الحائض والنفساء وغيرهما.
وإنما الخلاف في القرآن هل تقرأ أو ما تقرأ، هذا محل الخلاف، وأما الأذكار والدعوات والاستغفار فليس فيها خلاف وتلبي إذا كانت حاجة تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وتسمي عند الأكل وعند الشرب تحمد الله وتستغفره وتذكره كثيراً هذا لا شيء فيه عند جميع أهل العلم.
وإنما اختلف العلماء رحمة الله عليهم فيما يتعلق بالقرآن هل تقرأ أو ما تقرأ، فذهب جمع من أهل العلم وحكاه بعضهم وهو قول الأكثر أنها لا تقرأ واحتجوا بحديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى أهل اليمن: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) قالوا: والحائض تدخل في هذا، والجواب أن هذا إنما هو في المس لا تمسه، وأما القرآن فإنها تقرأ كما يقرأ المحدث الذي لم يتوضأ وإنما النهي عن مسه فهي لا تمسه، كما لا يمسه الجنب والمحدث، ولكن لا مانع من القراءة للمحدث حدثاً أصغر غير الجنابة يقرأ القرآن عن ظهر قلب.
فهكذا الحائض تقرؤه عن ظهر قلب لا بأس، واحتج المانعون أيضاً بحديث رواه الترمذي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) والجواب عن هذا أنه حديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش رحمه الله عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة عند أهل العلم، فالصواب أن الحائض والنفساء لهما القراءة عن ظهر قلب من غير مس المصحف كالمحدث حدثاً أصغر يقرأ ولكن لا يمس المصحف.
أما الجنب فلا يقرأ لا عن ظهر قلب ولا عن مس المصحف حتى يغتسل؛ لأن الجنب مدته قصيرة متى فرغ من حاجته اغتسل فلهذا كان أمره خاصاً، والحجة في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصابته الجنابة لا يقرأ القرآن، كما ثبت من حديث علي رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة)، وفي رواية: (أنه لما خرج من قضاء الحاجة قرأ بعض القرآن، وقال: هذا لمن ليس جنباً، أما الجنب فلا ولا آية).
فدل ذلك على أن الجنب لا يقرأ القرآن حتى يغتسل، والحائض والنفساء لا تقاسان عليه، لأن مدتهما تطول ففي حرمانهما من القرآن مشقة عظيمة فلهذا الصواب أنهما تقرأان لكن من دون مس المصحف، ولا يجوز قياسهما على الجنب، فإن دعت الحاجة إلى القراءة من المصحف جازت من وراء حائل كأن تمسه من وراء قفازين، أو يمسه لها غيرها تمسكه عليها بنتها أو أختها الطاهرة وتقرأ بالنظر إليه من غير أن تمسه، لا بأس بهذا، ولكن مسها له لا يجوز حتى تطهر كالمحدث وكالجنب أيضاً حتى يغتسل، أما هي فإنها تقرؤه عن ظهر قلب، كالمحدث حدثاً أصغر، هذا هو الصواب.
وأما التسبيح والتهليل والأذكار والدعاء والاستغفار فهذه مشروعة للجميع للجنب والحائض والنفساء والمحدثين كلهم لا يمنعون من هذا وإنما الخلاف في القرآن فقط هذا محل الخلاف بين أهل العلم، وفق الله الجميع.
الجواب: نعم من تعرض للسؤال يعطى قال الله جل وعلا: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24] فمن سأل يعطى وهكذا المحروم وهو الفقير يعطى فإذا مر الإنسان بقوم يشحذون الناس ويرفعون أيديهم شرع أن يعطوا ما تيسر من الصدقة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لمن يجد فبكلمة طيبة) وإذا أراد المتصدق بصدقته عن أبيه أو عن أمه أو عن فلان فله نيته، فالصدقة يجوز أن تفعل عن الأموات وهي تلحقهم وتنفعهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل قال: (إن أمي ماتت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم) ، فالصدقة عن الموتى تنفعهم، بإجماع المسلمين.
لكن إذا علم المار أو غيره أن هذا الذي يشحذ غني وأنه غير محتاج فإنه ينصحه ويوبخه ويقول له: إن هذا لا يجوز لك، ولا يحل لك أن تسأل، وأنت قد أغناك الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل الجمر فليستقل أو ليستكثر) رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال المسألة بالرجل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)، متفق عليه.
فالواجب على المؤمن والمؤمنة ألا يسألا إلا عن حاجة، أما من أغناه الله بمال عنده عن كسب أو عن إرث، أو عن هدية أو غير هذا من الطرق الشرعية فالواجب عليه أن يستغني بالله وألا يسأل ولا يحل له السؤال، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة - يعني: ديناً- فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك) يتحمل حمالة لإصلاح ذات البين بين الناس أو لحاجة بيته وعائلته فله أن يسأل حتى يصيبها ثم يمسك، (ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله حلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش) ، يعني: من أصابته جائحة كالسيل أو الحريق أو الجراد أكل زرعه، فافتقر بسبب ذلك يعطى ما تيسر، حتى تسد حاجته، ويحل له أن يسأل إذا لم يتيسر له إلا بالسؤال، والثالث (رجل أصابته فاقة -يعني: حاجة- حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلان الفاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش)، ثم قال عليه الصلاة والسلام للسائل: قبيصة : (وما سوى ذلك يا
فالواجب على أهل الإيمان أن يحذروا ما حرم الله ومن ذلك أن يسأل وقد أغناه الله، فالمسألة إنما تحل في هذه الحالات الثلاث، وكثير من الناس والعياذ بالله لا يبالي لأنه قد اعتاد السؤال وهو لا يبالي بالسؤال وإن كان غنياً، لما أصيب به من الجشع والحرص على المال وعدم المبالاة بأمر الشرع نعوذ بالله من ذلك، لكن السائل إذا لم يعلم هذا الشخص يعطي من سأل، يعطيه وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19] إذا سألك أو وجدته يسأل في الطريق أو في المسجد أو في أي مكان يشرع لك أن تعطيه ما تيسر كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) ما لم تعرف أنه غني فإذا عرفت أنه غني مثلما تقدم تنصحه وتوبخه ولا تعطيه؛ لأن إعطاءه إعانة له على الإثم والعدوان، نسأل الله العافية والسلامة.
لقد حصل في يوم من الأيام أن أقسمت بالله ثلاثاً ألا أعمل هذا الشيء لكن والدي أصر علي بالعمل ففعلت، ماذا يجب علي؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: عليك كفارة اليمين إذا حلفت أنك لا تفعل هذا الشيء وهو مباح في نفسه، كأن حلفت أنك لا تكلم فلاناً أو لا تزور فلاناً، أو لا تأكل طعام فلان، وليس هناك مانع شرعي من زيارته ولا أكل طعامه، ثم رأيت أن تزوره وتأكل طعامه، أو أكد عليك والدك في ذلك فإنك تكفر عن يمينك، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن عجز صام ثلاثة أيام كما بينه الله في كتابه العظيم في سورة المائدة.
وهكذا لو ما لزم عليك والدك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لـعبد الرحمن بن سمرة : (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والله! إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) هذه السنة، إذا حلفت على شيء ثم رأيت المصلحة في الحنث فإنك تحنث وتكفر عن يمينك، بما شرع الله عز وجل في قوله سبحانه في سورة المائدة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] الآية، فبين سبحانه وتعالى أن الكفارة هي ما بينه جل وعلا من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة يعني: عتق رقبة، فمن عجز عن هذا ولم يستطع صام ثلاثة أيام، والناس أعلم بأحوالهم فإذا رأى أن يمينه تشق عليه أو فيها ضرر عليه، أو فيها إغضاب لوالده أو لأمه أو نحو ذلك أو رأى المصلحة في الحنث فيها لأمر آخر كفر عن يمينه وأتى ما هو الأفضل والأصلح.
إلا أن يكون إثماً فعليه أن يحذر الإثم كما لو قال: والله! لا أشرب الخمر، والله! لا أدخن، فإنه في هذه اليمين قد أحسن في هذه اليمين، فالواجب عليه تنفيذها وعدم الحنث، ولو قال له والده: احنث. ليس له أن يطيع والده ولا غير والده؛ لأن التدخين محرم وفيه مضار كثيرة، وشرب الخمر كذلك محرم بالنص من القرآن والسنة، فلا يجوز له أن يعود إليه، حتى ولو ما حلف، الواجب عليه أن يحذر التدخين ويحذر الخمر ولو لم يحلف، فإذا حلف صار تأكيداً لذلك، فليس له أن يحنث ولو حنث وفعل فعليه كفارة يمين مع الإثم ومع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد قلت في أول السؤال: يا مولاي وهذه كلمة ينبغي تركها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: (لا يقولن أحدكم مولاي؛ فإن مولاكم الله) وقال في العبد: (لا يقل: ربي، وليقل: سيدي ومولاي) يقول: في سيده الذي هو المالك فأخذ بعض العلماء أن النهي ليس للتحريم في (لا يقل: مولاي) لأنه صلى الله عليه وسلم أذن للعبد أن يقول: سيدي ومولاي، فالعبد له شأن والناس لهم شأن.
فالأولى ترك هذه الكلمة والأحوط تركها، أما المملوك فله أن يقولها لسيده: يا مولاي أو يا سيدي لا بأس أن يقولها، أو يا عمي كما يقول الناس اليوم، أما أنت وأنت لست مملوكاً فتخاطب الناس بغيرها تقول: يا فلان أو يا أبا فلان أو يا شيخ فلان، أو القاضي فلان.. أو ما أشبه ذلك، تخاطبه بالألقاب المعروفة، غير مولاي وغير سيدي حتى سيدي تركها أولى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لما قيل له: يا سيدنا قال: (السيد الله تبارك وتعالى) ، كره أن يخاطب بهذا، وإن كان هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وأفضل الناس لكن خاف أن يغلوا فيه، خشي عليهم من الغلو فقال: (السيد الله قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)، يعني: عبد الله ورسوله، مع أنه سيد ولد آدم كما قال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) وأفضل الخلق ولكن تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام وخوفاً على أمته من الغلو أرشدهم إلى ألا يخاطبوه بقول: يا سيدنا.
أما إذا قيل: هو سيد ولد آدم، أو قيل: هو سيدنا فلا بأس من غير خطاب له؛ لأنه قد توفي عليه الصلاة والسلام وكره هذا في حياته أن يخاطب بهذا عليه الصلاة والسلام.
أما إذا قاله واحد منا اليوم: سيدنا محمد، أو اللهم صل على سيدنا؛ فهذا لا بأس به؛ لأنه حق ليس فيه محذور، لكن لا يقال في الأشياء التي وردت وليس فيها ذكر، لا يحدث في أشياء شرعها الله ليس فيها أجر السيادة بل يقتصر على الوارد، فلا يقال في الأذان: نشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، ولا يقال في الإقامة كذلك؛ لأن هذا لم يرد في الأذان ولا في الإقامة، فيقتصر على ما ورد يقال: أشهد أن محمداً رسول الله في الأذان والإقامة.
وهكذا في التحيات، اللهم صل على محمد، وهكذا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله في التحيات في التشهد؛ لأن هذا هو الوارد، فالأفضل ألا يقول ذلك، وهكذا في الأذان؛ لأنه ورد بغير ذكر السيادة فيقول كما كان المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، هكذا كان المؤذنون في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه، فعلينا أن نسير على نهجهم في ذلك، هذا هو المشروع لنا، لكن في عرض كلامنا العادي عند ذكر الحديث، وعند ذكره صلى الله عليه وسلم، اللهم صل على سيدنا محمد أو في الخطبة لا بأس بذلك ولا حرج في ذلك، من قالها فلا حرج ومن تركها فلا حرج.
ولا ينبغي أن يظن في حق من تركها أنه جافي هذا غلط، فمن قالها فلا بأس ومن تركها فلا بأس، فإذا قال: اللهم صل على نبينا محمد أو على عبدك ورسولك محمد فكله حق كله صحيح وكله طيب، ولو لم يقل: سيدنا، وإن قال: اللهم صل على سيدنا محمد أو سيد ولد آدم فكله حق لا بأس بذلك كله حق ومشروع، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه. نعم.
المقدم: اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد.
سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا خالد منور خميس ، شكراً لكم جميعاً..
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر