إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (862)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    الحكم على حديث: (إن الله خلق آدم على صورته) وبيان معناه

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة من محافظة الجزيرة في السودان، رسالة بعث بها أخونا: خضر محمد دفع الله ، أخونا يسأل ويقول: أفيدوني عن الحديث الذي جاء في نهايته: (إن الله خلق آدم على صورته

    أولاً: ما هي صحة هذا الحديث؟

    ثانياً: ما معنى هذا الحديث؟

    ثالثاً: على من ترجع الهاء التي في آخر كلمة (صورته) نسأل الله لكم الأجر وجزيل الثواب؟

    الجواب: هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وفيه: (إن الله خلق آدم على صورته)، والضمير على الراجح يعود إلى الرب عز وجل، وقد أنكر ذلك بعض أهل العلم وخطأهم المحققون من أهل العلم كالإمام أحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه وجماعة آخرين بينوا أن الضمير يعود على الله، وهكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم وغيرهم قالوا: إنه يعود على الله، والمعنى: أن الله خلق آدم على صورته سميعاً بصيراً متكلماً مختاراً وليس معناه التمثيل والتشبيه؛ لأن الله سبحانه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] فمعنى على صورته بلا كيف ولا تمثيل هذا هو الحق وهذا هو الصواب.

    وقد جمع أخونا في الله العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رسالة في هذا وجمع فيها الأحاديث، ونقل فيها كلام أهل العلم وهي رسالة مفيدة مطبوعة، وقد يظن بعض الناس أن هذا يقتضي التمثيل، وليس الأمر كذلك، ولهذا ذكر العلامة الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتابه؛ كتاب التوحيد، إنكار عودة الضمير على الله فراراً من التشبيه، وليس الأمر كذلك، ولهذا قال أهل العلم: إنه لا تشبيه في ذلك كالإمام أحمد رحمه الله ابن حنبل والإمام إسحاق بن راهويه وآخرين من أهل العلم وابن قتيبة في مختلف الحديث والذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، فالمقصود أنه حديث صحيح والضمير يعود فيه على الله عز وجل.

    ولهذا في حديث آخر رواه أحمد وغيره: (خلق آدم على صورة الرحمن)، فأوضح الضمير وبين أنه يعود على الله عز وجل فهو على صورة الرحمن من حيث أنه سميع بصير متكلم إذا شاء.. إلى غير ذلك، وليس معنى ذلك التمثيل والتكييف فلا؛ لأن الله عز وجل ليس له مثل ولا شبيه كما قال سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] قال عز وجل: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74]، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس قصده التمثيل وإنما قصده إخبار بشرف آدم، وأن آدم شرفه الله بأن خلقه على صورته، ولهذا نهى عن ضرب الوجه، قال: (إن الله خلق آدم على صورته) فلا يجوز لمؤمن ضرب الوجه، لا يجوز ضرب الوجه ولا الوشم في الوجه بل يجب تجنب ذلك عملاً بالحديث الصحيح الذي فيه النهي عن ذلك.

    1.   

    حكم ترك الصلاة تكاسلاً

    السؤال: رسالة بعث بها أخونا: عبد الله حمود يسأل ويقول: إذا كان الشخص يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ومات وهو تارك للصلاة كسلاً، هل هو مخلد في النار أم لا؟ نرجو الإجابة جزاكم الله خيراً.

    الجواب: سبق في السؤال السابق: أن من ترك الصلاة تهاوناً فقد اختلف فيه العلماء هل هو كافر كفراً أكبر أم كفراً أصغر؟ وسبق أنه كافر كفراً أكبر في الصحيح من قولي العلماء، وإذا كان كفره أكبر فهو إذا ما كان ذلك يكون حكمه حكم الكفار مخلداً في النار كسائر الكفرة.

    وقد قال الله عز وجل في كتابه العظيم لما سئل أهل النار عن أسباب دخولهم النار، أجابوا بأنهم لم يكونوا من المصلين، قال تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43]، ما قالوا: كنا من الجاحدين، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43]، فدل على أن عدم الصلاة من أسباب دخولهم النار نعوذ بالله من ذلك، فيجب على المؤمن أن يحذر هذا العمل السيئ وأن يصلي كما أمره الله، وأن يحذر هذا التساهل الذي يحصل لمن اعتقد بزعم أنه كفراً أصغر، حتى ولو كان كفراً أصغر الواجب الحذر من جميع ما حرم الله عز وجل، فكيف لو قد: سمي كفراً، فإن الواجب يكون الحذر منه أكثر من غيره، وإذا كان تركها كفراً أكبر فالأمر أعظم وأعظم وهذا هو الصواب: أنه كفر أكبر، لما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، رواه مسلم في الصحيح.

    وقوله عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه، وهناك أدلة أخرى دالة على ذلك، وفي هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47]، فجعل تارك الصلاة مع هؤلاء، فدل ذلك على أنه كفر أكبر؛ لأن الشك في الدين والخوض فيه على سبيل الشك والريب وهكذا التكذيب بيوم الدين -بيوم القيامة- كله كفر أكبر نعوذ بالله، فيجب على المؤمن أن يحذر ترك الصلاة مطلقاً، أما إن جحد وجوبها فالأمر أعظم فإنه كافر بالإجماع نسأل الله العافية.

    1.   

    منهج أهل السنة والجماعة في التكفير

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من السودان وباعثها أحد الإخوة من هناك يقول أخوكم محمد عمر إبراهيم من كسلا، أخونا يسأل ويقول: بعض العلماء يرى أنه لا يجوز تكفير أهل القبلة وكل من قال لا إله إلا الله، لكن السؤال: هل كل من قال: لا إله إلا الله مع الاعتقادات الخاطئة من الشرك بالله بدعاء غيره وتقديم الشعائر لغيره، هل يعتبر هذا ضمن ما قالوا ولا يجوز تكفيرهم، نرجو الإيضاح جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: نعم، أهل السنة رحمهم الله يقولون: لا يكفر المسلم بذنب، ومرادهم الذنوب التي دون الشرك ودون الكفر كالزنا والسرقة والعقوق للوالدين أو أحدهما وشرب المسكر.. ونحو ذلك، إذا فعل المسلم شيئاً من هذا ما يكون كافراً كفراً أكبر ولكن يكون عاصياً ويكون فاسقاً ولا يكفر بذلك ما دام موحداً مؤمناً وإنما فعل هذا طاعة للهوى وليس مستحلاً لما حرم الله بالسكر والربا ونحو ذلك، فهذا يكون عاصياً ويكون فاسقاً، ويكون ضعيف الإيمان عند أهل السنة ولا يكون كافراً.

    لكن اختلف العلماء في ترك الصلاة كسلاً هل يعتبر من هذا الصنف أو يعتبر من أنواع الردة؟ على قولين لأهل العلم: والصواب: أنه يعتبر من نواقض الإسلام ومن أعمال الردة وإن لم يجحد وجوبها؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين، ولأنه ورد فيها من الأدلة على تعظيمها وأن تركها كفر أكبر ما لم يوجد في غيرها من فروع الإسلام، وهكذا كل عمل أو قول يتضمن تنقص الإسلام أو الطعن في الإسلام أو الاستهزاء بالإسلام أو جحد ما جاء به الإسلام وغيره من المحرم يكون ردة عن الإسلام، كما لو استهزأ بالصلاة أو استهزأ بالصيام أو بالحج، أو بأخبار يوم القيامة أو بغير ذلك من أمور الدين يكون كفره أكبر، كما قال سبحانه: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]، وهكذا سب الدين كفر أكبر، الذي يسب الإسلام أو يسب الصلاة أو يسب الرسول عليه الصلاة والسلام يكون كفراً أكبر نعوذ بالله من ذلك، وهكذا من استغاث بالأموات أو بالأصنام أو دعاهم لكشف ضر أو جلب نفع أو طلبهم المدد، المدد المدد يا سيدي فلان، أو من الأصنام أو من الأشجار أو من الجن كل هذا يكون كفراً أكبر؛ لأن هذا مما يناقض لا إله إلا الله، فلابد في حق من قال: لا إله إلا الله، أن لا ينقضها بأعماله ولا بأقواله، ولابد أن يعتقد توحيد الله وأنه مستحق العبادة سبحانه وتعالى، فإذا قالها ولم يعتقد معناها أو لم يعمل بمعناها صار كافراً، كالمنافقين يقولون: لا إله إلا الله وهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم قالوها باللسان فقط، وهكذا كثير من المرتدين لما ينتسب إلى الإسلام يقول: لا إله إلا الله، ولكنه يتعاطى ضدها من القول والعمل، فلا ينفعه دعوى الإسلام ولا ينفعه قول: لا إله إلا الله مع كونه أتى بما يناقضها من الذبح لغير الله للجن أو دعاء غير الله كالأموات أو الأصنام أو ما أشبه ذلك، أو الاستغاثة بغير الله عند الشدائد أو ما أشبه هذا من أنواع العبادة التي يصرفها لغير الله، فإنه يكون بذلك مشركاً شركاً أكبر وعليه أن يبادر بالتوبة قبل أن يموت على ذلك.

    1.   

    الفرق بين الإيمان والإسلام

    السؤال: يسأل أخونا ويقول: ما الفرق بين الإيمان والإسلام؟

    الجواب: الإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان عند الإطلاق؛ لأن الإيمان تصديق القلوب وكل ما يتعلق بالإسلام من قول أو عمل، والإسلام كذلك هو الانقياد لله والخضوع له بتوحيده والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه، فإذا أطلق أحدهما شمل الآخر، كما قال عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، يعني: والإيمان داخل في ذلك.

    أما إذا جمعا فإن الإسلام هو الأعمال الظاهرة والإيمان هو الأعمال الباطنة إذا جمع بينهما كما في حديث جبريل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان، فسر له النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بالأمور الظاهرة كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، وفسر له الإيمان بالأمور الباطنة قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره) هذا هو الفرق بينهما عند الاجتماع يكون الإسلام المراد به الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة، وإن اكتفى بأحدهما يدخل فيه الآخر، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، فقوله:(الإيمان بضع وسبعون شعبة)، هذا يدخل فيه الإسلام، ولهذا ذكر: (أفضل الإيمان لا إله إلا الله)، وهي أصل الإسلام، فدل ذلك على أن الإيمان إذا أطلق دخل فيه الإسلام، وهكذا إذا أطلق الإسلام دخل فيه الإيمان عند أهل السنة.

    1.   

    بيان قاعدة تكفير المعين

    السؤال: أريد تفسيراً لقاعدة: كفر المعين؟

    الجواب: يمكن أن يقال في هذا: أن المعين يكفر إذا تعاطى أسباب الكفر فإنه يكفر كفراً معيناً، فإذا علم أنه يسب الدين أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو يترك الصلاة عمداً أو جحداً لوجوبها فيقال: فلان كافر لما أظهره من الكفر، لكن عند قتله لابد أن يستتاب لعله يندم لعله يرجع، فإن تاب وإلا قتل على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم فإنه يقتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).

    قال بعض أهل العلم: يسجن ويعذب حتى يموت أو يتوب، والصواب عند أهل العلم أنه لا يسجن إلا ريثما يستتاب فقط، فإذا تاب فالحمد لله وإن لم يتب وجب قتله بعد الاستتابة، وذهب كثير من أهل العلم إلا أنه يستتاب ثلاثة أيام يضيق عليه ثلاثة أيام لعله ينتبه.. لعله يرجع، وإن لم يمهل ثلاثة أيام بل استتيب ثم قتل في الحال إذا لم يتب فلا بأس بذلك لكن يستتاب ثلاثة أيام يكون أولى كما جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه: كونه يستتاب ثلاثة أيام يكن له فيها فسحة لعله يتراجع.. لعله يندم.. لعله يتذكر ما فيه سعادته.

    فالحاصل أن من أتى بأعمال الكفر كفر بعينه وقيل: هذا كافر، إلا إذا كان مثله يجهل ذلك كالذين عاشوا في بلاد بعيدة عن الإسلام وجاهل.. أفريقيا وأمريكا ونحو ذلك فهؤلاء لابد أن يعلموا ويوجهوا ويبصروا حتى إذا عرفوا ذلك ثم استمروا على الكفر كفروا وإلا فالذي بين أهل الإسلام ويسمع الآيات ويسمع الأحاديث أو في أمور ظاهرة لا تخفى على أهل الإسلام كالزنا ونحوه فهذا يكفر كفراً معيناً إذا قال: الزنا حلال، أو الخمر حلال، أو الربا حلال، فقد كذب الله وكذب رسوله فيكون كافراً، أو قال: الصلاة ما هي بواجبة، أو الزكاة ما هي بواجبة، أو صوم رمضان ما هو بواجب على المكلفين، هذا مكذب لله ولرسوله، والشيء المعلوم من الدين بالضرورة فيكون كافراً نسأل الله العافية، لكن إذا استتيب قبل أن يقتل هذا هو المشروع، أن يستتاب قبل أن يقتل وأن تكون المدة ثلاثة أيام لعله يتراجع.. لعله يتوب.

    1.   

    بيان متى يكون حديث الآحاد ظني الدلالة

    السؤال: يسأل أخونا ويقول: هل حديث الآحاد ظني الدلالة؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل:

    إن كانت طرقه كثيرة أو الرواة لهم صفات خاصة في العلم والفضل والتقى فإنه يفيد اليقين، أما إن كان آحاداً ليس هناك من الطرق الكثيرة أو من الصفات التي تقام مقام الطرق فإنه يكون ظناً، وقد ذكر أهل العلم ذلك كالحافظ ابن حجر وغيره، قال في الآحاد: وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار، وقال بعضهم في الصحيحين: إن أحاديثها مقطوع بها وأنها تفيد اليقين، وقال آخرون: بل تفيد الظن إلا إذا تواترت أو كثرت الطرق.

    والصواب: أن الآحاد يفيد اليقين إذا توافرت القرائن من جهة كثرة الطرق أو من جهة الصفات الذين رووه فإن الرواة يختلفون، فإذا كان مثلاً روي من طريقين أو أكثر للأئمة أفاد اليقين، كأن مثلاً يروى من طريق الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا.. ويجيء الطريق الثاني مثلاً: يرويه الإمام أحمد عن الشافعي عن -مثلاً- أحد مشايخ الشافعي الثقات عن الزهري عن أنس ونحوه فهذا يكسبه قوة عظيمة يراه بعض المحققين مفيداً للعلم في ذلك واليقين.. وهكذا أشباه ذلك كلما تعددت الطرق ولاسيما بالأئمة المعروفين بالثقة والعدالة فإن الحديث يكون مفيداً لليقين والعلم ولكنه حجة على كلا التقادير على جميع التقادير هو حجة وإن لم يفد العلم ما دام سنده جيداً ورواته ثقات فإنه يفيد وجوب العمل في إيجاب ما يجب وفي تحريم ما يحرم ونحو ذلك.

    فالعمل واجب بالحديث الثابت الصحيح وإن لم يفد العلم، وإن لم يفد إلا الظن على رأي من قال بذلك، فالحجة قائمة به، أفاد العلم أو الظن إذا ثبت الإسناد، هذا الذي عليه أهل العلم، وحكاه بعضهم إجماعاً كـالخطيب البغدادي وابن عبد البر حكوا أن أحاديث الآحاد يحتج بها في العقائد وفي الأحكام وأنه لا يفرق بين الأحكام وغيرها إذا كانت أسانيدها ثابتة، سواء حكمنا بأنها أفادت العلم أم لم تفد العلم وإنما أفادت الظن، فإن الظن هنا بمنزلة العلم في وجوب العمل.

    1.   

    الشك في عدد الرضعات وأثره على سريان أحكامه

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من إحدى الأخوات المستمعات تقول أم محمد بنت معري -فيما يبدو- أختنا تسأل وتقول: أرضعت ابن أخي زوجي بعد أن استأذنت من زوجي بدافع من إلحاح أمه وأبيه؛ لأنها كانت لا تستطيع والطفل يصرخ من الجوع فأرضعته ولكن الآن نسيت كم أرضعته، نعم يا سماحة الشيخ أنا متأكدة من أنني أرضعته ولكن هل ارتوى؟ هل أرضعته يوماً أو أكثر؟ جميع هذه الأسئلة تراودني وأبحث لها عن جواب، وهذا الطفل الذي أصبح شاباً الآن يجلس معي ويعتبرني أمه، ويجلس مع أولادي وبناتي ولا أحد يشك في أنه لم يعد أخاً لهم إلا أنا، فالخوف يؤرقني كما أني لا أستطيع أن أواجهه وهو قد أمضى هذا العمر معنا على أنه ابن لنا، فماذا أصنع؟

    الجواب: الواجب على المؤمن أن يتقي الله سبحانه وتعالى -وهكذا المؤمنة- في الرضاع وغيره، وإذا كنت لا تعلمين عدد الرضعات فهو ليس ابناً لك ولا يكون محرماً لك ولا لبناتك حتى تعلمي أنه ارتضع خمس رضعات فأكثر، أما كونه ارتضع لأنه يصرخ أو لأنه يحتاج.. هذا لا يكفي قد يرضع مرة ويكتفي بهذا أو مرتين أو ثلاث، فلابد من الرضاع المضبوط خمس مرات فأكثر في يوم أو في أيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـسهلة بنت سهيل : (أرضعي سالماً خمس رضعات تحرمي عليه)، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك)، وفي لفظ: (وهي فيما يقرأ من القرآن) رواه مسلم في الصحيح.

    ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان)، فعلم بذلك أن الرضعة والرضعتين وهكذا الثلاث والأربع لا يحصل بها التحريم بل لابد من خمس متيقنة في الحولين، فإذا كنت لا تعلمين ذلك وعندك الشك في ذلك فاعتبريه غير محرم، لا لك ولا لبناتك، وكونه يتزوج من إحداهن فيه شبهة فينبغي أن لا يتزوج منهن بعداً عن الريبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

    المقدم: اللهم آمين.

    سماحة الشيخ: في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: آمين نرجو ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لكم مستمعي الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767946433