مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة الإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من الصومال مقديشو، وباعثها أخونا أحمد إبراهيم علمي فيما يبدو، أخونا عرضنا بعض أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل ويقول: رأيت في بعض الكتب المنتشرة عندنا في الصومال: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزدحمون على ماء وضوء سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام يتبركون به، وإذا تنخم أو بصق يأخذون ذلك ويتمسحون به، وازدحموا على الحلاق عند حلق رأسه صلى الله عليه وسلم، واقتسموا شعره يتبركون به، وشرب عبد الله بن الزبير دمه صلى الله عليه وسلم لما احتجم، وشربت أم أيمن بوله، فقال لها: صحة يا أم أيمن، فما صحة ذلك، أفيدونا جزاكم الله خيراً، وهل يجوز أن يقيس الناس على مثل هذه الأحوال إن كان ما ورد صحيحاً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا ريب أنه قد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بماء وضوئه، وبشعره عليه الصلاة والسلام، وببصاقه عليه الصلاة والسلام، ونخامته، كل هذا ثابت عنه عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة، فقد ثبت في حديث أبي جحيفة في الصحيحين في حجة الوداع: (أنه لما خرج
لكن لا يقاس عليه غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما فعلوا هذا مع الصديق ولا مع عمر ولا مع عثمان ولا مع علي وهم أفضل الصحابة وخير الصحابة، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، فلو كان هذا مشروعاً أو جائزاً مع غير النبي صلى الله عليه وسلم لفعله المسلمون مع هؤلاء الأخيار، ولأن ذلك قد يكون وسيلة إلى الشرك والغلو، فلهذا منعه أهل العلم، فالصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يقاس على الرسول صلى الله عليه وسلم أحد، بل هذا خاص به صلى الله عليه وسلم؛ لما قد ثبت وعلم من بركته صلى الله عليه وسلم في جسمه وعرقه وشعره وسائر أجزائه عليه الصلاة والسلام، ولأنه أقر الصحابة على ذلك، فلولا أنه جائز لما أقرهم، فلا يقاس عليه غيره؛ لأمور كثيرة، أما التبرك بالعلماء أو بالعباد الذي يفعله بعض الناس هذا غلط ولا يجوز؛ لأنه خلاف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يفعله المسلمون مع فضلائهم وكبارهم: كالخلفاء الراشدين، ولم يفعلوه مع بقية الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه؛ ولأن العبادات توقيفية، ولأن هذا قد يفضي إلى الشرك والغلو، فلهذا رجح المحققون من أهل العلم منعه مع غير النبي عليه الصلاة والسلام، أما شرب ابن الزبير دمه وأم أيمن بوله: فهذا محل نظر، قد ورد هذا ولكن في صحته نظر، فهو يحتاج إلى تمحيص ونظر، والنظر في أسانيد القصة، والأصل: تحريم الدم وتحريم البول، هذا هو الأصل، أن الله حرم علينا البول؛ لأنه نجس، وحرم الدم؛ لأنه من الخبائث وهو نجس، فإن صح فهذا يستثنى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم له خصائص، فإذا صح فيكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم، كما قلنا في مسألة العرق ومسألة الشعر ومسألة البصاق، هذا خاص به، فهكذا إذا صح حديث أم أيمن وصح حديث ابن الزبير ؛ صار من الخصائص، وسوف نبحثه إن شاء الله ونعتني به، ويكون في حلقة أخرى إن شاء الله.
الجواب: قد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي في نعليه، وصلى مرة فيهما، فجاءه جبرائيل فأخبره أن بهما قذراً؛ فخلعهما وجعلهما عن يساره، واستمر في صلاته عليه الصلاة والسلام، فلما سلم قال للناس -لأن الناس لما رأوه خلع خلعوا-: (ما بالكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبرائيل أتاني فأخبرني بأن فيهما قذراً، فلهذا خلعتهما، فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعله أذى؛ فليمسحه ثم ليصل فيهما)، فهذا هو الدليل وما جاء في معناه على شرعية الصلاة في النعلين، وأنهما يصلى فيهما إذا كانتا نظيفتين، فالواجب على المؤمن إذا أراد دخول المسجد وعليه النعلان أن ينظر فيهما، ويتأكد من سلامتهما من الأذى، فإذا كانتا سليمتين من الأذى فلا بأس أن يصلى فيهما، بل يشرع الصلاة فيهما كما صلى فيهما النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم من الرمل والحصى وليس مفروشاً، أما الآن بعدما فرشت المساجد، وصارت بها الفرش التي تتأثر بالنعال، وما يكون فيها من التراب، وربما قذر ذلك على المصلين، ونفرهم من الصلاة فيها فالأولى فيما نعتقد أن يخلعهما ويجعلهما في مكان حتى يصلي حتى لا يتأثر بذلك المصلون، وحتى لا تتأثر الفرش التي في المساجد، وهذا من باب ترك المستحب خوفاً مما هو أشد من ذلك، الصلاة فيهما مستحبة في أرجح القولين إذا كانتا نظيفتين، لكن قد يترتب على الصلاة فيهما مع الفرش ما هو أشد من ذلك، وما هو أخطر من ذلك؛ وهو تقذير الفرش وتنفير المصلين، لا سيما وأكثر الناس لا يبالي بالنعلين ولا يتفقدهما ولا يعتني بهما، فأكثر الناس عامة، لا يعتنون بهذا الأمر، فإذا رأوا زيداً وعمراً دخل بنعليه، دخلوا ولم يبالوا؛ فأفضى هذا إلى شر كثير، والقاعدة: سد الذرائع، قاعدة الشرع المطهر: سد الذرائع، فالذي نوصي به ونراه هو عدم الصلاة فيهما في المساجد التي فيها الفرش؛ لأنها قد تتقذر بذلك، ولأن أكثر الناس لا يبالي بنعليه ولا ينتبه لما فيهما من الأذى، فلهذا قد يسبب مشاكل كثيرة، وتقذيراً للفرش، وتنفيراً للمصلين من الصلاة في الجماعة، وهذا أمر لا يحبه الله ولا يرضاه من المؤمن.
الجواب: ليس عليك بأس في ذلك إن شاء الله، فإن تمني الموت ليس من الدعاء وليس من الظلم، بل هذا من شدة غضبك عليها وبغضك لها، فلا يضرك ذلك، تمني الموت لا يضر الناس، تمني الموت إنما يتعب صاحبه، أما التمني فلا يضر المتمنى له الشيء، فلو تمنيت أن الإنسان يكون فقيراً أو كذا، قد يقال في هذا أنه من باب تعاطي ما لا ينبغي للمؤمن؛ لأن المؤمن إنما يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمؤمن لا يحب لنفسه الموت؛ فلا يحبه لأخيه، فقصارى ما في هذا: أنه لا ينبغي لك التمني، ولكن ليس هذا هو السبب في موتها، ولا ينبغي لك في مثل هذا أن تجزع، بل تحمد الله على ما حصل، وتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وتستغفر الله عما حصل منك، والتوبة بابها مفتوح والحمد لله، فقصارى ما في هذا: أنك تمنيت شيئاً لا ينبغي لك أن تفعله؛ لأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فقد يدخل هذا في هذا، ويقول القائل: إنك تمنيت شيئاً لا ترضاه لنفسك، فكيف تتمناه لأختك في الله، فأكثر ما فيها أن تكون أخطأت في هذا؛ فعليك التوبة والاستغفار والحمد لله.
الجواب: هذا خطير، ومنكره عظيم، لا يجوز أن يفعل هذا الفعل، فإن اتخاذ الحروز منكر، وهي التمائم وتسمى: الحجب، ويسميها بعض الناس: الجوامع فلا تجوز، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له)، والتميمة: هي الحرز وهي الجامعة في عرف الناس اليوم، وهي الحجاب كما يسميها بعض الناس، وهي شيء يعلق على الأولاد أو على المرضى أو على الكبار، عن العين أو عن الجن، يكتبون كتابات في رقع أو يضعون ودع أو خرز، أو يضعون طلاسم حروف مقطعة لا يدرى ما معناها، يكتبونها ويجعلونها في رقع، ويربطونها على الصبيان أو على المرضى أو على الكبار؛ يزعمون أنها تدفع العين أو تدفع الجن، كل هذا باطل، كل هذا غلط ومنكر؛ لأن الرسول أنكرها عليه الصلاة والسلام، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وألا يفعل ذلك، وهذا من الشرك، وهو من الشرك الأصغر، لكن إذا كان صاحبه يعتقد أنها تنفع وتضر دون الله؛ فهذا يكون شرك أكبر نعوذ بالله.
فالحاصل: أنه لا يجوز تعاطي هذا الشيء، وهكذا كسر البيضة في بيت المريض أو بيت زيد أو عمرو يعتقد أنها تنفعه، هذا خرافة لا أساس لها، بل هو من الدجل والكذب والخداع، فمثل هذا لا ينبغي أن يتخذ إماماً ولا يؤمن أن يكون عنده عقائد خبيثة أكثر من هذا، فينبغي أن لا يصلى خلفه، وينبغي أن يبعد من الإمامة ويسعى في ذلك، إلا أن يتوب توبة صادقة ظاهرة بارزة واضحة؛ فالتوبة تجب ما قبلها، والله المستعان.
أرجو الإجابة على سؤالي لأني حائرة في أمري بارك الله فيكم وعظم لكم المثوبة، السؤال: أجبرني والدي على الزواج من ابن عمي، وكنت مشمئزة ونافرة من ابن عمي، ولا أدري ما هو السبب، وتم الزواج وأنا قلبي نافر، وأحس بضيق شديد وهموم وغموم، ولم يكن لي أي نية موجهة إلى رجل آخر، ولم أجد مخرجاً من هذا الأمر، وقد أنجبت ثلاثة أولاد، وكلهم بكم الألسنة صم الآذان، وقد قيل لي: إن السبب هو أنه قد حصلت رضاعة ما بيني وبين ابن عمي المذكور، وقد سألت أمي فأفادت: إنه قد حصل بيني وبينه عدة رضعات، وأفادت أنها أخبرت والدي أثناء زفافي على هذا الرجل، بل أثناء خطبتي عليه، فلم يصدقها، بل ظن أنها تريدني لرجل آخر، وأنا في حيرة كيف أعمل الآن، أرجو التوضيح والتفصيل والإرشاد إلى ما فيه الخير، السائلة: (ن. ع. أ) من اليمن الشمالي لواء الحديدة؟
الجواب: لا ريب أن الواجب على كل رجل أن يتقي الله في بناته، وأن لا يزوج بنته إلا عن رضاها، وأن لا يجبرها على أحد لا ترضاه، هذا هو الواجب على الأولياء: الأب والإخوة والأعمام وغيرهم، الواجب عليهم جميعاً ألا يزوجوا مولياتهم إلا بإذنهن، والأب بالأخص قد يتساهل في هذا؛ لأن بعض أهل العلم يجيز له أن يزوجها بغير اختيارها إذا كانت بكراً، ولكن هذا القول وإن قال به بعض العلماء فهو قول ضعيف ومرجوح، والصواب: أنه ليس له أن يزوج بناته -أبكاراً كن أو ثيبات- إلا بإذنهن، إذا بلغن التسع فأكثر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر، قالوا: يا رسول الله! البكر تستحي فكيف إذنها؟ قال: إذنها سكوتها)، وقال عليه الصلاة والسلام: (البكر يستأذنها أبوها، وإذنها صماتها).
فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس للأب ولا غيره أن يزوج المولية إلا بإذن، والأب هو المقدم، ومع ذلك نهي عن التزويج إلا بإذن، فالأولياء الآخرون من باب أولى، لكن إذا كان حين أمرك بالزواج أطعت ووافقت؛ إرضاءً له ومحبة له وتعظيماً لأمره -وإن كنت كارهة- فلا حرج الزواج صحيح، وما وقع من وجود البنين الثلاثة الصم البكم؛ فهذا أمره إلى الله، قد يكون له أسباب غير ما ذكرت من الرضاع، قد يكون له أسباب أخرى، وأنت ليس عليك من هذا بأس؛ لأنك لم تعلمي الرضاع، وإنما البأس على أبيك الذي علم الرضاع وتساهل، فالإثم عليه، وعليه التوبة إلى الله من ذلك، وإذا كانت الأم قد حفظت خمس رضعات؛ فإنه يكون أخاً لك، وليس لك الزواج عليه والنكاح باطل، ولكن أنت ليس عليك إثم؛ لأنك لم تعلمي، والأولاد أولاكما لاحقون بأبيهم؛ للجهل وعدم العلم ببطلان النكاح، والواجب على أبيك التوبة إلى الله عز وجل من ذلك، فإذا كانت أمك ثقة، وشهدت بخمس رضعات أو أكثر، حال كون ابن عمك في الحولين؛ فإن النكاح يكون باطلاً، والإثم ثابت على أبيك، وعلى أمك نصيب من ذلك؛ لأنها لم تعلمك ولم تعتن بالأمر ولم تشدد فيه، فعليها نصيبها من الإثم، ولكن إثم الأب أكبر.
أما إن كان الرضاع أقل من ذلك: رضعة أو رضعتين أو ثلاثاً أو أربعاً؛ فالنكاح صحيح؛ لأن التحريم إنما يحصل بخمس رضعات فأكثر، معلومات في الحولين، على أن تكون الشاهدة ثقة بذلك، والرضعة: هي أن يمسك الصبي أو الصبية الثدي ويمتص اللبن ثم يطلق ذلك، هذه يقال لها: رضعة، فإذا كان ابن عمك رضع من أمك خمس رضعات فأكثر، في كل رضعة يمسك الثدي ويمتص اللبن ويذهب إلى جوفه، ثم يعود بعد ذلك ويرضع، حتى يكمل خمساً في مجلس أو في مجالس، في يوم أو في أيام؛ فإنك أخته، والنكاح باطل، وأسأل الله أن يشفي أبناءك الثلاثة، وأن يعظم أجرك، وأن يعفو عن أبيك عما حصل منه من الخطأ والتقصير، وعن أمك عما حصل منها من التقصير، نسأل الله أن يعفو عن الجميع؛ وأن يعوضك خيراً من ابن عمك إذا ثبت الرضاع، أو طلقك؛ لأنك تكرهينه.
على كل حال: هذه مصيبة، والدنيا هي دار المصائب، ونسأل الله أن يحسن العاقبة للجميع.
الجواب: الصواب أن المرأة تصدق إذا كانت ثقة، إذا شهد لها بالصدق والأمانة والديانة، فقد شهد عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في إرضاع عقبة بن الحارث ؛ فأمره بفراقها، وقال: (دعها، كيف وقد قيل)فطلقها عقبة ونكحت غيره، فارقها عقبة ونكحت غيره، وهو من باب الخبر، من باب الخبر الديني، كما يقبل الأذان من الواحد، فهذا خبر ديني يتعلق بحرمة الأبضاع، وهو أمر يحتاط له، فلهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى قبول الواحدة، وذهب آخرون إلى أنه لابد من ثنتين، وآخرون قالوا: لابد من أربع.
المقدم: بالنسبة لأمر الرضاع؟
الشيخ: نعم الرضاع، ولكن الصواب: أن الواحدة تكفي؛ إذا كانت ثقة مأمونة لا شك فيها.
المقدم: إذا كان الأمر مشكوكاً فيه بالنسبة لعدد الرضعات؟
الشيخ: لا ينفع، ما يحكم بالرضاع، لابد من خمس معلومات متيقنات في الحولين.
المقدم: كون الأبناء -كما تفضلتم- صم بكم ليس لهذا علاقة؟
الشيخ: الله أعلم، لا يلزم بهذا؛ لأنها لم تعلم، والولد لم يعلم، فالإثم على الأب، والله لا يعاقب أحداً بذنب غيره، والله سبحانه يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، لكن لحكمة بالغة وقع ما وقع، له أسباب اقتضتها حكمة الله عز وجل، نعم، سبحانه وتعالى، وليست أول من أصيب بهذا فقد أصيب غيرها بأكثر من هذا.
الجواب: الفشل له أسباب: منها عدم حب الرجل للمرأة، ومنها عدم حبها للرجل، وأن تظن أنها تصلح معه ولا صلحت معه؛ لأنها رأت من أخلاقه ما نفرها منه، وقد يكون رأى من أخلاقها ما نفره منها؛ فيحصل البغضاء والكراهة، ومنها المعاصي.. معصية الرجل أو معصية المرأة، قد يكون الرجل سكيراً سيئ الأخلاق؛ فتنفر منه المرأة ولا تريده، قد تكون هي كذلك سيئة الأخلاق؛ ينفر منها الرجل ولا يريدها، قد تكون كثرة المعاصي والتساهل فيما حرم الله عليها، فالأسباب كثيرة، أسباب النفرة بين الزوجين كثيرة.
المقدم: إذا صادف أن أصيب الزوج أو الزوجة بآفة أو بمرض مزمن أو ما أشبه ذلك، هل للكراهة أو لإجبار النفس على ذلكم الزواج علاقة بهذا المرض أو بتلكم الآفة سماحة الشيخ؟
الشيخ: هذا لا شك أنه من المنفر، إذا وجد آفة مثل خرس في المرأة، مثل صمم في أذنيها.
المقدم: بعد الزواج يعني؟
الشيخ: بعد الزواج، مثل البرص، مثل العمى، مثل كذا قد ينفر منها الزوج ويريد غيرها، فلا بأس عليه إذا طلقها، إن صبر عليها واحتسب وأنفق عليها فهذا أفضل وخير، وإن طلقها فلا حرج عليه، الله أباح الطلاق للحاجة، وهي كذلك قد ترى من زوجها آفة قد يصاب بجنون، قد يصاب ببرص، قد يصاب بأشياء أخرى تنفرها منه؛ فلها العذر في طلب الفراق، وأن تعطيه ماله الذي دفع إليها، وقد لا يكتب الله بينهما محبة فتنفر منه وتبغضه كما جرى لامرأة ثابت بن قيس، فخالعت زوجها على حديقة أعطاها إياها.
فالحاصل: أنه له أسباب، فإذا وجدت أسباب جديدة بعد الزواج في الزوج نفرت المرأة منه، أو في الزوجة نفرت الزوج منها؛ فلا حرج في الطلاق، وإذا كان البلاء من الزوج، كان فيه شيء كرهته بسبب ذلك؛ فإنها تعطيه حقه إلا أن يسمح عن حقه ويرضى بالطلاق من دون شيء، فهذا إليه، لكن إذا كانت هي التي أبغضته وكرهته لأسباب شرعية، لأسباب سوء عشرة، أو لأسباب بغضاء وقعت في قلبها؛ فإنها تعطيه مالها، أما إن كان الأسباب منه: ظلمها.. تعدى عليها، أو تعاطى المسكرات.. أو أشباه ذلك مما ينفرها منه، فلا حق له في المال، ولها أن تنفر منه، ولها أن تطالب بالطلاق؛ لأنه أساء عشرتها بما تعاطاه من ظلمه لها، وسوء عشرته لها، وتعاطيه المسكرات، أو سهره بالليل، فلا ينام معها إلا يسيراً.. وما أشبه ذلك من الآفات التي تنفر المرأة من زوجها، وهو الظالم لها في ذلك؛ فإن هذا عذر لها في طلب الطلاق ولا حق له في المهر؛ لأنه هو الظالم.
وأعظم من ذلك -نعوذ بالله- إذا ترك الصلاة فإنه يكفر بذلك، وليس لها البقاء معه بعد ذلك حتى يتوب إلى الله، فلها أن تخرج إلى أهلها وتمنعه من نفسها، حتى يصلي حتى يتوب، وهكذا إذا تركت الصلاة هي؛ فإنها تكفر بذلك، وعليه أن ينصحها ويؤدبها ويجاهدها، فإذا لم ترجع لم يحل له بقاؤها معه لكفرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، نسأل الله العافية، وهذا بلاء خطير وواقع كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله للمسلمين الهداية.
الشيخ: ننصحها أن تتوب إلى الله وتستغفر من دعائها على نفسها؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يدعو على نفسه، ليس للرجل أن يدعو على نفسه، ولا المرأة أن تدعو على نفسها، لا بالموت ولا بالعمى ولا بالمرض ولا بأشباهها مما يضرها، المؤمن لا يدعو على نفسه، والمؤمنة كذلك لا تدعو على نفسها، فإذا قدر أنها أصيبت بشيء ما دعت به، أو بغيره من المصائب، فعليها التوبة والاستغفار، والحمد لله باب التوبة مفتوح لكل شيء.. الحمد لله.
المقدم: جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك ونسأل الله التوفيق.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لكم مستمعي الكرام، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر