مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين, فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ:حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع محمد سعيد محمود من الجمهورية العراقية وهو مصري الجنسية، أخونا بدأ رسالته بقوله: السادة الأساتذة الكرام وعلماءنا ومعلمينا الأفاضل في برنامج: نور على الدرب، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. وبعد، قرأت في كتاب يسمى بدائع الزهور في وقائع الدهور: لما دخل نبي الله يعقوب إلى مصر مشى العسكر بين يديه حتى وصل إلى قصر ابنة يوسف حيث كان وزير وعزيز مصر في ذلك الوقت، وعندما دخل القصر رفع يوسف أباه وخالته على سريره, وأمر العسكر أن يسجدوا لهما، وكان ذلك عادة أهل مصر في التحية، فهل سجود التحية مباح في مثل هذه المواقف، أرجو من سيادتكم تفسيراً عن ذلك حفظكم الله وزادكم من علمه ونفعنا بكم والمسلمين, آمين؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فينبغي أن يعلم أن هذا الكتاب وهو بدائع الزهور ليس من الكتب المعتمدة، بل هو حاطب ليل، يذكر الغث والسمين، والصحيح والباطل، فلا يعتمد عليه، وأخبار بني إسرائيل أخبار قديمة، لا يعتمد عليها إلا ما ثبت عن الله أو عن رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ونص القرآن أن يوسف عليه الصلاة والسلام رفع أبويه على العرش، وهما أبوه وأمه لا خالته، بل أبوه وأمه؛ لأن الله قال: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا [يوسف:100] ، وكانت السجدة ذلك الوقت مباحة للإكرام والتحية، وليست للعبادة، وكما سجد الملائكة لآدم إكراماً وتعظيماً لا عبادة، فهذه السجدة ليست من باب العبادة ولكن من باب التحية والإكرام، وهي جائزة في شرع من قبلنا، ولكن في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ممنوع ذلك، ولهذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها)، وبين أن السجود لله سبحانه وتعالى، فلا يسجد إلا لله وحده سبحانه وتعالى، وقال عز وجل في آخر سورة النجم: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، وقال في سورة اقرأ : وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] ، فالسجود لله وحده، وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام هي أكمل الشرائع وأتمها، فلا يجوز فيها السجود لغير الله، لا تحية ولا عبادة، أما العبادة فلا تصح إلا لله وحده في جميع الشرائع؛ لأن الله جل وعلا قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] ، قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
فالعبادة حق الله وحده في كل زمان ومكان، ولكن كان السجود فيما مضى يستعمل تحية وإكراماً كما فعل أبوي يوسف وإخوته، وكما فعلت الملائكة لآدم هذا من باب التحية والإكرام وليس من باب العبادة، أما في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام فإن الله عز وجل منع من ذلك، وجعل السجود لله وحده سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يسجد لأحد، لا للأنبياء ولا غيرهم, حتى محمد عليه الصلاة والسلام منع أن يسجد له أحد، وأخبر أن السجود لله وحده سبحانه وتعالى، فعلم بهذا أن جميع أنواع العبادة كلها لله وحده سبحانه وتعالى، ومن أعظمها السجود، فإنه ذل وانكسار لله سبحانه وتعالى، فهو من أفضل العبادات، فلا يصرف لغيره من الناس لا للأنبياء ولا للجن ولا للإنس، ولا غيرهم، والله المستعان.
الجواب: سجود الشكر هو السجود من أجل نعمة عامة ساقها الله للمسلمين، أو نعمة خاصة ساقها الله للشخص، كوجود ولد له، وكسلامته من حادث، ونحو ذلك, ولما بلغ الصديق رضي الله عنه مقتل مسيلمة الكذاب خر ساجداً لله سبحانه وتعالى، شكراً لله على نعمة قتل الخبيث عدو الله مسيلمة الكذاب، فإذا بشر الإنسان بشيء يسره، وسجد لله سبحانه شكراً فهذا يقال له: سجود الشكر، ويقال فيه ما يقال في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي، ويدعو فيه الإنسان مثل سجود الصلاة سواء، والصحيح أنه لا يشترط له الطهارة، بل هو مثل سجود التلاوة، الصحيح أنهما لا تشترط لهما الطهارة، بل لا مانع من السجود وإن كان على غير طهارة، فإذا صار يتلو القرآن وليس على طهارة ومر بآيات السجدة فإنه يشرع له السجود وإن كان على غير طهارة، وهكذا سجود الشكر ليس له شرط الطهارة، بل يسجد وإن كان على غير طهارة؛ لأنه ليس من جنس الصلاة، بل هو ذل لله واستكانة، وعبادة له سبحانه من جنس الذكر، ومن جنس التسبيح والتهليل، من جنس قراءة القرآن، فليس له شرط الطهارة كما أن القاري من غير المصحف لا يشترط له الطهارة، فهكذا الذاكر والمسبح والمهلل والمستغفر يجوز أن يفعل هذا وإن كان على غير طهارة، هذا هو الصواب, وبعض أهل العلم قال: إنه لا بد من طهارة كالصلاة، ولكنه قول مرجوح ليس عليه دليل .
الجواب: ليس به بأس، ليس هذا بصحيح, الصواب أنه لا حرج في ذلك، لها أن تضع الحناء على رأسها أو في يديها، أو رجليها وإن كانت في حال حيض أو نفاس، لا بأس بذلك.
الجواب: مثل الدعاء في سجود الصلاة، يستحب له أن يدعو بما تيسر من الدعوات الطيبة، والدعاء المأثور أفضل مثل (اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره)، (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، أ (يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك)، فالدعوات الطيبة المأثورة أولى من غيرها، مثل: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، يقولها لا على سبيل القراءة بل على سبيل الدعاء.
وهكذا كونه يدعو لوالديه، ولأقاربه المسلمين، يدعو لذريته، يسأل الله من فضله رزقاً حلالاً، أو زوجة صالحة، أو زوجاً صالحاً إذا كانت امرأة أو ما أشبه ذلك، يدعو بما تيسر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء, فقمن أن يستجاب لكم)، يعني: حري أن يستجاب لكم, رواه مسلم في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)، رواه مسلم أيضاً، فهذا يدل على شرعية الإكثار من الدعاء في السجود ولا يتعين دعاء مخصوص، بل يدعو المؤمن والمؤمنة بما يسر الله لهما من الدعاء فيما يحتاجان إليه من الدعوات التي ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، بل دعاء مباح.
الجواب: لم أقرأه ولكن فيما بلغني عنه أنه لا بأس به، كتب الـسيد قطب مفيدة ونافعة، وليس معناها أن ليس فيها خطأ, كل عالم له بعض الأخطاء والأغلاط, لكني لم أقرأ الكتاب، وهو فيما بلغني كتاب مفيد ومؤثر, رحم الله مؤلفه.
الجواب: الذي أنصحك أن تبدأ بالزواج؛ لأن الخطر عظيم في العزوبة ولاسيما في هذا العصر؛ لكثرة الفتن وانتشار تبرج النساء، فأنصحك بأن تتزوج, ومتى تيسر الحج بعد ذلك تحج إن شاء الله.
الجواب: الأفضل عدم ذلك؛ لأنه ليس من عادة الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم تقبيل يده، وإنما يفعله بعضهم نادراً، فالأفضل في مثل هذا التأسي بالصحابة مع نبيهم عليه الصلاة والسلام، وهو المصافحة فقط، لكن لو فعل ذلك نادراً وقليلاً مع أبيه، أو مع العالم السني صاحب السنة فلا بأس بذلك، لكن لا ينبغي أن يتخذ عادة؛ لأنه ليس من عادة الصحابة مع نبيهم عليه الصلاة والسلام، فالأفضل ترك التقبيل للأيدي والاكتفاء بالمصافحة، وإذا قدم من سفر عانق أخاه معانقة أو قبل ما بين عينيه لا بأس، أما اتخاذ تقبيل اليد عادة فلا ينبغي بل هو مكروه.
الجواب: الواجب على المسلم إذا وقع في ضيق وحاجة أن يضرع إلى الله سبحانه ويتوجه إليه جل وعلا ويسأله حاجته وكشف كربته، كما قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62], فهو سبحانه الذي يجيب المضطر، وهو القائل عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وهو القائل سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
فالواجب على المؤمن في هذه الحال أن يضرع إلى الله، وأن يرجع إليه سبحانه وتعالى، وأن يسأله تفريج كربته وتيسير أمره، أما الفزع إلى عبد القادر أو إلى غيره من الناس فهذا هو الشرك الأكبر، هذا شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك، فلا يجوز أن يفزع الإنسان إلى عبد القادر أو إلى السيد البدوي أو إلى الحسين أو إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أو إلى غيرهم من الناس، بل يجب الفزع إلى الله وحده، وهو القائل سبحانه: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وهو القائل عز وجل: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106]، فهو جل وعلا الذي يجيب المضطر، ويكشف السوء، ويجود على عباده سبحانه وتعالى، ولا ينبغي لأحد أن يغتر بما يفعله بعض الناس من الفزع إلى الشيخ عبد القادر أو إلى غيره أو أنها تقضى حاجته في بعض الأحيان، هذا من باب الاستدراج، وقد يقضيها له بعض الجن, يستدرجه بذلك حتى يوقعه في الشرك الأكبر دائماً, فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بكون حاجته قضيت لما دعا الشيخ عبد القادر أو غيره ، قد تقضى الحاجة بأسباب قدرها الله سبحانه وتعالى، صادفت وقت دعائه لـعبد القادر، وقد تكون حاجة يستطيعها بعض شياطين الجن فيقضيها لك لأجل يستدرجك في الشرك، ويوقعك في الشرك مرة أخرى.
فالمقصود أن الواجب على المكلف أن يخلص لله عبادته، وألا يدعو معه أحداً سبحانه وتعالى لا نبياً ولا غيره، وهو يقول جل وعلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، ويقول عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].
وبهذا تعلم أيها السائل أن هذا الذي قيل لك أمر باطل ومنكر من الشرك الأكبر، وأن الواجب على جميع المسلمين وعلى جميع المكلفين الإخلاص لله في العبادة، وأن لا يدعى أحد معه جل وعلا، لا ملك ولا نبي ولا صالح ولا غيرهم، بل لا يدعى إلا الله وحده سبحانه وتعالى، لكن الأحياء ، لا بأس أن تدعو الحي القادر يساعدك في شيء من الزكاة أو من غيره لا بأس، تقول لأخيك الحاضر: يا أخي! ساعدني على إصلاح سيارتي، أو على عمارة بيتي، أو على قضاء الحاجة الفلانية, وهو حي حاضر يسمع كلامك هذا لا بأس به، كما قال الله عز وجل في قصة موسى : فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]، وكما هو معلوم بين المسلمين يتساعدون في أمور ديناهم وفي أمور دينهم، والله يقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، فالتعاون بين المسلمين فيما يقدرون عليه مشافهة، أو من طريق الكتابة، أو من طريق الهاتف.. التلفون، أو من غيره من الطرق الحسية المعروفة، لا بأس بهذا، هذا شيء معروف وجائز؛ لأنه طلب من المخلوق ما يقدر عليه وهو حي حاضر يسمع كلامك، أو تكاتبه في ذلك من مكاتبة أو من طريق الهاتف ونحو ذلك.
أما دعاء الأموات أو دعاء الغائبين من الملائكة والجن، أو دعاء الأصنام والأشجار والأحجار، هذا الشرك الأكبر، نسأل الله العافية والسلامة، وهذا دين المشركين الأولين، دين أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبي لهب ونحوهم، هذا دينهم، فيعبدون الأنبياء والأولياء ويستغيثون بهم، وينذرون لهم ويذبحون لهم، فكفرهم الله بهذا، وقاتلهم نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، حتى أسلم من أسلم منهم، حتى ظهر دين الله عز وجل.
فالواجب على كل مكلف أن يخص ربه بالعبادة أينما كان، وأن يفزع إليه في جميع الشئون، وجميع الحاجات وجميع الكربات دون كل ما سواه سبحانه وتعالى، ولكن مثل ما تقدم لا بأس أن تستعين بأخيك الحاضر الحي، تستعين به في مزرعتك, تحط عمال في مزرعتك، تستعين بهم في شئونك، تستعين بأبيك في حاجة.. بأخيك، وهم أحياء يسمعون كلامك، أو بالمكاتبة أو بالبرقية، أو بالهاتف أو بالتلكس هذه أمور عادية، غير داخلة في الشرك، إذا صارت في أمور يقدر عليها مستعانك, فأما دعاء الأموات كالشيخ عبد القادر، أو الشيخ البدوي أو الحسين أو علي رضي الله عنه، أو الأنبياء أو غيرهم من الصالحين هذا لا يجوز، هذا الشرك الأكبر، وهكذا دعاء الجن، أو دعاء الملائكة أو دعاء الأصنام والأشجار والأحجار، هذا هو الشرك الأكبر، هذا دين أهل الشرك، هذا الدين الذي بعث الله الرسل بإنكاره والتحذير منه عليهم الصلاة والسلام.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ! حفظه الله, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أرجو من سماحتكم أن توجهوا كلمة لهذه الإنسانة البائسة الحزينة تصبرونها بها وترفعون من معنوياتها، حيث أنها ستموت قهراً وحسرة وألماً مما حدث معها، تزوجت من رجل اختارته؛ لأنه يماثلها في المستوى الثقافي والاجتماعي, فهي جامعية وهو جامعي، جاءت به محرماً معها للعمل بالتدريس بالمملكة، واستمر زواجها سنة وتسعة أشهر, عاشت معه سنة عند أهله حيث كان خجلاً لا ينكشف عليها، وإذا أراد معاشرتها لا تلحظ منه شيئاً، وهي لا تدري ما السبب، ثم اتضح فيما بعد أنه مخصي, ولذا كان يخفي حقيقة أمره عنها، وهي تنوه إلى أنه كان متزوجاً قبلها بامرأة أيضاً، وانفصلت عنه, ولكن في الزواج الثاني نجح في اصطياد فريسته بالتضليل والغش والخداع، فعمل احتياطاته كي تعيش معه الثانية دون أن تلحظ ما به، ولكن لسوء حظه انكشف أمره في الفندق حينما كانا يجهزان للسفر للمملكة، ففكرت أن ترجع لأهلها وتبلغهم بذلك، وتنفصل عنه، ولكنها عدلت عن تلك الفكرة حيث أنها اعتقدت أن ذلك قد يتطلب منها إرجاع ما خسره عليها من تكاليف الزواج، واستمرت في رحلتها للمملكة، واستمرت معه التسعة أشهر الأخيرة، ثم في انتهاء العطلة الدراسية رفعت الدعوة للقاضي الذي فصل بينهما وأرجع للزوج منها عشرة آلاف ريال، وهي تتساءل وتقول: هل من الممكن أن نشجع الغش والخداع مع مثل هؤلاء, فنعطيهم أيضاً مكافأة غشهم وخداعهم، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من غشنا فليس منا)، وهو لو لم يخادعها ويغشها لعاشت معه حتى لو لم ينجب الأولاد، ولكن لأنه خدعها وغشها فقد تركته غير آسفة عليه، ولكن ما قهرها هو دفعها للعشرة آلاف ريال، إنها تحس بالظلم في تلك القضية, ومثل هذا الحكم سيشجعه على الزواج من الثالثة والرابعة والخامسة.. إلى آخر, دون أن يصارحها بحقيقة أمره طالما أنه يضمن إرجاع المهر له، والعجيب في ذلك الغش أنه قد يذهب بالمرأة في متاهات مثلما حدث مع الثانية التي كانت تعتقد أن إعاقة الحمل منها، فغررت بها أمه وذهبت بها للأطباء، وادعى طبيب منهم أنه لا بد من إجراء عملية جراحية للمرأة، وفعلاً عملها لها الطبيب وهو ساكت ولم يقل الحقيقة، وأمه أيضاً تعرف ولكن لا تريد أن تثبت على ابنها شيئاً، فما رأي سماحتكم في تلك القضية، وماذا تقولون لهذه المظلومة، وماذا تقولون لأمثال هؤلاء الشبان الذين لا يصارحون زوجاتهم، وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
الجواب: لا ريب أن الخداع والغش من المحرمات المعلومة من الإسلام بالأدلة الصحيحة وبالضرورة، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من غشنا فليس منا)، والله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، فالواجب على الخاطب أن يبين الحقيقة، وأن لا يكتم عن المخطوبة ما هو عيب مثل هذا الحادث، بل يشرح لها الحقيقة حتى تكون على بينة، إذا كان به عيب الخصية، أو عيب آخر وهو كونه لا يأتي النساء من أجل مرض آخر أو علة أخرى، أو كونه يصرع، أو ما أشبه ذلك من العيوب المعروفة.
فالواجب عليه أن يبين للمرأة الحقيقة، فإذا لم يبين فلها الخيار وليس له حق في المهر، فإذا دخل بها وخلا بها فلها المهر كله، وهو الظالم فليس له حق في ذلك، لكن هذه دعوى منك ما نستطيع أن نحكم عليها، والقاضي الذي حكم بينكما نرجو أنه وفق للصواب، ولا ندري ما هو الشيء الذي اعتمد عليه في إلزامك بالمبلغ الذي ذكرت، فالذي أطمئنك به أنه ينبغي لك الصبر وعدم الاكتراث بهذا الشيء، واحمدي الله الذي خلصك منه، والقاضي قد يكون له اجتهاد في ذلك، وقد رأى منك ما يقتضي ذلك.
فالحاصل أنصحك بأن تسلي نفسك عن هذا الشيء، وتصبري وتحتسبي، وتسألي الله للقاضي بالعفو عما حصل إذا كان أخطأ في حكمه، وما عند الله خير وأبقى، وسوف يعوضك الله سبحانه إن شاء الله عن هذا خيراً منه، فهو جل وعلا الحكيم العليم، والمظلوم ينتظر النصر، وما ذهب من المؤمن بغير وجه شرعي، فالله يخلفه عليه سبحانه وتعالى ويعوضه خيراً، فضلاً منه وإحساناً سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] ، فاصبري واحتسبي واسألي الله العوض من عنده سبحانه وتعالى، وأن يهبك زوجاً صالحاً خيراً منه، والمال أمره سهل، الله المستعان.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أريد من سماحتكم تفسيراً لهذه الرؤيا حيث أنني ما رأيت رؤيا أو حلمت حلماً إلا ووقع بإذن الله تعالى في حياتي، هذه الرؤيا رأيتها بعد طلاقي من زوجي بيومين، ذلك الزواج الذي دام أقل من سنتين، وانفصلنا عن بعض لوجود عيب في زوجي، قمت من نومي حوالي الساعة الثامنة صباحاً، كنت وقتها للتو مستيقظة من الرؤيا وهي كالتالي: رأيت هلالاً في السماء كالهلال الذي يكون في الخمسة الأيام الأولى من بداية الشهر، وكنت أحدث نفسي وأنا أنظر إليه وأقول: سبحان الله هلال في وضح النهار! ثم جاء بجانبه هلال آخر، ثم آخر، حتى أصبحت سبعة أهلة كما هي موضحة في الرسم -رسمت أربعة أهلة من أعلى وثلاثة من أسفل سماحة الشيخ- ثم استيقظت من نومي مستبشرة, وفسرتها لنفسي على أن الله سيعوضني خيراً مما سلف، وأتزوج وأنجب سبعة أولاد, يأتي الأول ثم أتأخر في الحمل قليلاً ثم يأتي الأولاد الباقون وراء بعضهم بعضاً، ثم حدثت أخاً لي بالرؤيا فقال لي: قد يكونوا أخوتك مثل رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام، وفعلاً عدد إخوتي سبعة، ولكن واحداً منهم غائب حيث أنه محكوم عليه في سجون الاحتلال الصهيوني أربعة عشر عاماً، فما هو الصحيح سماحة الشيخ في تفسير هذه الرؤيا حيث أنني رأيتها وأنا علي الدورة الشهرية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
الجواب: الله أعلم بتفسيرها سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يعبر رؤيا على غير هدى، وعلى غير بصيرة، ولكن نرجو أن يكون تأويلك لها خيراً، وواقعاً، وأن الله يرزقك خيراً من الزوج السابق، وأن يهبك أولاداً سبعة، أو أكثر من ذلك، ويجعل فيهم الصلاح والخير، فتأويلك ليس ببعيد، ولعلهم يكونون أخياراً، دعاة للخير، ويكون لهم شهرة كالأهلة، يكون لهم خير إن شاء الله، هذا ليس ببعيد، أما كون هذا هو التأويل، فالله أعلم، لكن نرجو لك الخير، والعاقبة الحميدة، وأن يكون تأويلك تأويلاً واقعاً في مصلحتك وخيرك إن شاء الله.
المقدم: جزاكم الله خيرا , الواقع يبدو لي أن المرسلة واحدة؟
الشيخ: هي هي.
المقدم: هي هي.
الشيخ: نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرا سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لمتابعتكم مستمعي الكرام، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر