مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين, فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
الشيخ: ما شاء الله. نعم.
====السؤال: نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة الأخت: مشاعل الغامدي من الباحة, أختنا عرضنا جزءاً من أسئلتها في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة تسأل وتقول: أنا ولله الحمد محافظة على الصلاة ولا أزكي نفسي، ولكن تنتابني بعض الهواجس والتفكير في الصلاة، فهل تبطل الصلاة، وما الطريقة الصحيحة لكي أتخلص من التفكير في الصلاة؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالمحافظة على الصلاة من نعم الله العظيمة، ومن أهم الفرائض وأعظم الواجبات على الرجال والنساء جميعاً؛ لأن الصلاة عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين، والله سبحانه يقول فيها: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، ويقول فيها سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، ويقول فيها عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، ويقول عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] .
فنوصيك أيها الأخت في الله بالعناية بالإقبال عليها، والخشوع فيها، وإحضار القلب بين يدي الله إذا دخلت في الصلاة حتى تزول الوساوس والأفكار التي تخطر عليك، متى حضر القلب بين يدي الله، واستشعرت أنك بين يدي الله، وأنك تناجين ربك سبحانه.
واعلمي أن الصلاة عمود الإسلام, وأن الخشوع فيها من أهم المهمات، وهذا يعينك الله به على تلك الوساوس حتى تزول، وحتى تذهب تلك الأفكار، وأبشري بالخير، وإذا غلبك شيء من ذلك، فقولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو في الصلاة، قوليها وانفثي عن يسارك ثلاث مرات، قولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، وانفثي عن يسارك, كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه, لما اشتكى إليه أن الوساوس تغلب عليه في الصلاة؛ أمره أن يتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وأن ينفث عن يساره ثلاثاً بذلك، أسأل الله لك التوفيق والهداية.
الجواب: الذي أرى ترك ذلك؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن القراءة من المصحف تبطل الصلاة، فلا ينبغي لك ذلك، بل ينبغي أن تقرئي ما تيسر عن ظهر قلب في الفرائض، ولا تقرئي من المصحف؛ لأن هذا أخشع للقلب وأجمع للقلب على القراءة، فاقرئي ما تيسر في صلاتك؛ في الظهر، والعصر، والمغرب والعشاء، أوسط المفصل, ويكون الظهر أطول مثل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1]، سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وَالْفَجْرِ [الفجر:1] .. وما أشبه ذلك، ويكون الظهر أطول، والمغرب يكون أقصر في الغالب، وإذا طولت في المغرب بعض الأحيان فهو أفضل أيضاً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام طول فيها بعض الأحيان, وقصر عليه الصلاة والسلام، وفي الفجر يكون أطول من ذلك، مثل قراءة: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1] وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ ، و(المزمل)، و(المدثر)، (ق)، اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ [القمر:1] في الفجر, لأن: الرسول كان يطول فيها عليه الصلاة والسلام، وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة من الآيات، وتقرئين عن ظهر قلب، وعليك أن تجتهدي في حفظ المفصل حتى تستعيني بذلك على القراءة، والمفصل أوله (ق) فأوصيك أن تجتهدي في حفظ المفصل، من (ق) إلى آخر القرآن، حتى تقرئي بهذا في صلاتك.
وأما المصحف فالذي أوصيك به ترك ذلك إلا في التراويح وقيام رمضان، إذا طولت فلا بأس أن تقرئي من المصحف، كانت عائشة رضي الله عنها يصلي بها مولاها من المصحف في رمضان، فلا بأس بذلك، أما الفرائض فأوصيك وأوصي غيرك أن تكون القراءة عن ظهر قلب، مما يسر الله من القرآن.
وأوصي الجميع بحفظ المفصل من (ق) إلى آخره, أوصي الرجال والنساء والشباب والفتيات بحفظ المفصل على الأقل؛ لأنه يعين على القراءة في الصلاة، ومن تيسر له حفظ أكثر من ذلك أو حفظ القرآن كله فهذا خير إلى خير ونعمة عظيمة.
الجواب: لا أعلم بأساً بذلك، كون الإنسان يعتني بأسباب السلامة من السمنة، وخفة البدن حتى يرتاح من السمن وتعبه لا بأس بذلك، بالطرق المباحة التي لا محذور فيها ولا مضرة فيها.
الجواب: لا أعلم له أصلاً، ولم يكن من عادة المسلمين, والذي سمعنا أنه من عادة النصارى، وأنه ورد إلى الناس من لبنان وغيره، فالذي أرى أن ترك ذلك هو الذي ينبغي، هو أسلم وأبعد عن مشابهة الكفرة، ولم يبلغنا عن سلفنا الصالح أنهم كانوا يفعلون شيئاً من ذلك، وإنما يخطب المرأة ثم يقدم ما تيسر من المهر، ويكفي هذا؛ أما الدبلة والشبكة فلا لها أصل.
الجواب: الذي يظهر أن حال الامتحان ليس فيه سؤال، إذا كان الامتحان يمنع فيه السؤال من التلميذة لزميلتها والتلميذ لزميله، فهو يكون من الغش، فيكون البحث والاجتهاد قبل ذلك، قبل الحضور في قاعة الامتحان، أما في قاعة الامتحان فعلى الطالب والطالبة الالتزام بالتعليمات, وليس لأحد منهم مخالفة التعليمات؛ لأن المقصود معرفة ما لديهم من العلم والفضل والبصيرة والفقه.
الجواب: نعم، تجب الإعادة بإجماع المسلمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور)، رواه مسلم في الصحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، متفق على صحته.
الجواب: تكفي واحدة، الوتر بواحدة لا بأس، في أول الليل أو في وسطه أو في آخره، ركعة واحدة، والأفضل أن يقرأ فيها الفاتحة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وإن قرأ الفاتحة وحدها، أو معها غير قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فلا بأس، لكن الأفضل أن يكون معها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وإن زاد على واحدة صلى ثلاثاً أو خمساً أو أكثر فهو أفضل.
الجواب: كان النساء في أول الإسلام وفي أول الهجرة مباح لهن الكشف، ثم نزلت آية الحجاب، فكونهن يكشفن في المجتمعات كان أولاً، تكشف عن وجهها ويديها، ثم إن الله سبحانه وتعالى أمر بالحجاب حماية للمرأة وصيانة لها، عن الابتذال وعن فتنة الرجال بها، فأنزل في هذا سبحانه وتعالى قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، وأنزل في هذا قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ .. [النور:31]، والزينة: هي المحاسن من شعرٍ ووجه ويد وقدم وصدر ونحو ذلك.
فالواجب على النساء بعد نزول هذه الآيات هو الحجاب، والوجه أحسن الزينة، وهو عنوان جمال المرأة ودمامتها، فالواجب ستره عملاً بهذه الآيات، وقد ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها لما سمعت صوت صفوان بن المعطل في غزوة الإفك، لما تخلفت عن الغزو ورآها صفوان بن المعطل متخلفة استرجع، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلما سمعت صوته؛ خمرت وجهها، قالت: وكان قد رآني قبل الحجاب، هكذا جاء في الصحيحين عن عائشة .
فدل ذلك على أن المرأة كانت قبل الحجاب يرى وجهها، أما بعد الحجاب فقد منع من ذلك الرجل، ولا يجوز أن يقال: إن هذا خاص بأمهات المؤمنين فإنهن وغيرهن سواء في هذا، ولم يرد ما يدل على التخصيص، والأصل عدم التخصيص، ولهذا قال عز وجل في المؤمنات: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31], وعمم، ولم يقل: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فالحكم عام لجميع المؤمنات، من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن، ومن قال: إنه خاص بهن فعليه الدليل, ولا دليل يخصهن بذلك، بل هو قول بغير علم وبغير حقيقة، وبغير دليل، ثم عمل المسلمين على ذلك من عهده صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الآيات على الحجاب، وعدم سفور المرأة؛ لأن ذلك مما يسبب الفتنة بها ووقوع الفواحش، وتطلب الرجل للمرأة بسبب ما يرى من جمالها وحسنها، والواجب على الرجال والنساء العمل بأسباب السلامة، والحذر من أسباب الفتنة.
الجواب: لا إثم عليها, ولا يجب السفر -الحمد لله- صلة الرحم تكون بالمكاتبة، ومن طريق الهاتف -التلفون- ومن طريق البرقية، والتلكس الذي حدث أخيراً وعرفه الناس، الأمر في هذا واسع والحمد لله، الواجب الحذر من القطيعة، ووجوب صلة الرحم بالمستطاع وبالميسور وبالمتعارف, والحمد لله.
الجواب: ليس من التأخير، لكن الأفضل البدار، ولو أخرت إلى أن أسفر فلا بأس، لكن البدار بغلس، وهو اختلاط الليل بالنهار، يعني: اختلاط الظلمة بالنور بعد طلوع الفجر بربع ساعة.. ثلث ساعة..نصف ساعة، يكون هذا أفضل، لكن لو أخرت أو أخر الرجل قبل طلوع الشمس فلا حرج في ذلك؛ لكنه ترك للأفضل، السنة أن يصلى الرجال والنساء الفجر بغلس، المرأة في بيتها، والرجل في المسجد، وإن صلت مع الرجال متسترة متحجبة متباعدة عن أسباب الفتنة فلا بأس، والتأخير لا حرج فيه؛ لكنه يفوت الأفضل، ولا يجوز التأخير إلى طلوع الشمس، بل هذا حرام ومنكر، بل يجب أن تفعل قبل طلوع الشمس، تفعل كلها.
الجواب: الأشجار التي في البراري والقفار غير مملوكة لأحد، هذا ينظر فيها، فإن كان فيها مصلحة للمسلمين يستظلون بها، ترعاها دوابهم لا تقطع، أما إن كانت في مضرة في طريق يؤذي المسلمين.. في محل يؤذي المسلمين فقطعها فيه أجر، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أن رجلاً رأى غصن شوك في طريق المسلمين -وفي رواية: شجرة في طريق المسلمين- فقطعها، وقال: أزيلها عن أذى المسلمين, فشكر الله له ذلك وغفر له).
فالحاصل أن هذا فيه تفصيل: فالذي ينفع الناس بقاؤه لا يقطع، والذي يضر الناس بقاؤه يزال، والمملوك لا يزال إلا بإذن ربه، إذا كان مملوك لا يزال إلا بإذن صاحبه، وإذا كان يؤذي الناس يرجع فيه إلى المحكمة, ولا يتجرأ الناس على ملك الناس إلا من طريق الشرع، أما في البراري والصحراء التي ليس فيها ملك لأحد بل للمسلمين عامة، فهذا مثل ما تقدم، يرعى المسلم فيها إبله وغنمه وبقره, يحتش منها لا بأس، لكن لا يقطع الشجر الذي ينفع الناس ويستظلون به، أو هو علامات على مياه أو على بلدان يهتدي بها السالكون هذا يترك ولا يتعرض له؛ لأن في قطعها مضرة، أما إذا كانت الشجرة أو الغصون في طرق تؤذي الناس فإنها تزال, وفاعله مشكور ومأجور.
الجواب: إذا أقسمت بالله فالمشروع لك أن تفي وتبري يمينك؛ لأن الله قال: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، فإذا بررت يمينك فهو أفضل، وفيه تشجيع لها على الحجاب، ورضاً بعملها الطيب، وتشجيع لغيرها أيضاً، وإذا شق عليك ذلك كفري كفارة يمين والحمد لله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير)، فالإنسان إذا رأى فيها مشقة عليه يكفر عن يمينه والحمد لله.
الجواب: الشهداء أنواع, أفضلهم الشهيد في سبيل الله، الذي يقتل في قتال الكفار، أو قتال البغاة, ويموت في المعركة بنية صالحة، يقصد ثواب الله، ويريد نصر دينه, فهذا هو أفضل الشهداء، والله وعدهم الجنة، ومن الشهداء من يموت بالطاعون مرض الطاعون المعروف، ومرض البطن وهو الإسهال، أو بالغرق أو بالهدم، كل هؤلاء من الشهداء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: على المسلمين في الهند وفي غير الهند أن يجتهدوا في ضبط دخول الشهر وخروجه، وأن يكون لهم من يعتني بذلك، كالمجالس الإسلامية أو المحاكم إن كان هناك محكمة إسلامية تعنى بهذا الأمر، وتأمر من يلتمسون الهلال حتى يطبقوا الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرسول عليه السلام قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته, فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
فالمسئولون عن الصيام يعرفون دخول شعبان، فإذا رأوا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان صاموا، وإلا كملوا ثلاثين وصاموا، ويعينون من يعتني بهذا الأمر من الثقات العدول بالرؤية أو تكليف من يتراءى الهلال في أول شعبان وفي أول رمضان، وعلى كل فرد من المسلمين أن يكونوا مع إخوانهم, يصوموا مع إخوانهم ويفطروا مع إخوانهم، ولا ينقسمون ولا يتفرقون، المشروع للمسلمين في أي بلد أن يصوموا جميعاً وأن يفطروا جميعاً وأن يتعاونوا على الخير، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (الصوم يوم تصومون, والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)، فالمشروع لك أيها السائل أن تصوم مع إخوانك في الهند، وهكذا في أمريكا، وهكذا في أوروبا، وهكذا في غيرها من البلاد التي يغلب فيها الكفار، ويكون المسلمون فيها أقلية، المسلمون يجتهدون ويتحرون الشهر ويصومون, وإذا رأوا أن يصوموا برؤية دولة معينة كالسعودية مثلاً؛ لأنهم وثقوا بها وصاموا لرؤيتها، فلا بأس.
ولو تيسر أن يصوم المسلمون جميعاً فهذا أفضل وأحسن؛ لأن المسلمين شيء واحد، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته)، هذا خطاب للمسلمين، وقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة).
فالمسلمون عليهم أن يعتنوا بهذا في أي مكان، وأن يصوموا إذا رأوا الهلال أو كملوا عدة شعبان، وأن يفطروا إذا رأوا الهلال أو كملوا رمضان ثلاثين، وأن يتعاونوا في هذا، وأن يكونوا جميعاً يداً واحدة, لا يختلفون، هذا هو الواجب, وهذا هو المشروع.
الجواب: لا يضر، اختلاف المطالع لا يضر على الصحيح، وإن اعتبره بعض أهل العلم وقالوا: إنه يعتبر، لكن في الحقيقة الصواب أنه لا يمنع أن يصوموا جميعاً، ولو اختلفت المطالع كما بيننا وبين إفريقيا ومصر ونحو ذلك، وكما بيننا وبين أوروبا وأمريكا ونحو ذلك، لكن قال بعضهم: إنه إذا بعد جداً وصار النهار ليلاً، والليل نهاراً، فلهذا البعد يكون لهم رؤيتهم, هؤلاء البعيدون يكون لهم رؤيتهم؛ لأنهم لم يشتركوا معنا في الليل، هذا له وجه، ذكره ابن عبد البر رحمه الله وجماعة، ولو صاموا مع غيرهم، ولو بجزء قليل من الليل كفى ذلك، والحمد لله لعموم الأدلة، فلو مثلاً طلع عليهم الليل في آخر الليل عندنا، فهم معنا في اليوم الذي يصبحون عليه، ولا بأس, وإذا صاموا برؤيتنا فلا حرج في ذلك، وإذا صمنا برؤية من نثق به في البلاد الأخرى فلا بأس، المهم الثقة، فإذا كانت الدولة التي صامت تصوم بالرؤية، ويوثق برؤيتها وصام الناس.. فلا بأس.
أما الصوم بالحساب فلا، لا يصام بالحساب عند جميع أهل العلم، حكاه أبو العباس بن تيمية شيخ الإسلام حكاه إجماع أهل العلم، وقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في هذه البلاد هذه المسألة, وأجمع المجلس على أنه لا يصام بالحساب أبداً كما أجمع عليه العلماء، ورأوا أنه لا مانع من العمل باختلاف الرؤية والمطالع، وأن لكل أهل بلد رؤيتهم؛ لأن هذا أمر فعله المسلمون من قديم، ولم يحفظ أن المسلمين في سنة من السنين اجتمعوا على رؤية واحدة لتباعد الأقطار، فإذا عملت مثلاً السعودية برؤيتها، ومصر برؤيتها، ومثلاً أوروبا والمغرب أو كذا.. فلا بأس، لكن إذا تيسر اجتماعهم، واتفاقهم على رؤية واحدة فهذا أفضل وأكمل وأوفق للأحاديث.
الجواب: لا يكفي، ليس لهذا أصل، المهم الرؤية، فإذا رآه أهل مكة.. السعودية -مثلاً- وثبت عندهم وصام الناس برؤيتهم فلا بأس ولو صام أهل الأرض كلهم؛ عملاً بظاهر النصوص، وهكذا إذا رئي في مصر أو في الشام أو في الأردن أو في العراق أو في أي مكان، رؤية يطمئن إليها من طريق المحكمة الشرعية، من طريق الشهود العدول، لا من طريق الحساب، فإنه يصام بذلك، بشرط الطمأنينة إلى أن الذين رأوه عدول، وأنه من طريق الرؤية لا من طريق الحساب، فالمعول على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لا على اختلاف المطالع ولا على الحساب، المعول على ما قاله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا, وأشار بأصابعه العشرة -يعني: ثلاثين- والشهر هكذا وهكذا وهكذا, وأشار بأصابعه العشرة وخنس الإبهام في الثالثة -يعني: أنه يكون تسعاً وعشرين)، وقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)، وقال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب, الشهر هكذا وهكذا)، فعلم بذلك أن الصيام يكون بالرؤية أو بإكمال العدة، وليس لنا أن نصوم بالحساب، وليس لنا أن نعمل بمجرد اختلاف المطالع من غير نظر، أو ندع الرؤية من أجل اختلاف المطالع، لا, فإن المطالع تختلف حتى بين مكة والرياض، حتى بين مكة وما هو أقل من ذلك أيضاً، فإذا صام أهل مكة برؤية الرياض، وأهل الرياض برؤية مكة، أو جدة أو المدينة أو الشام أو مصر أو نحوه، فلا بأس بهذا، المهم ثبوت الرؤية، ثبوت الرؤية برؤية العين لا بالحساب، فإذا ثبتت الرؤية واطمأن أهل البلد الذين يجاورون بلد الرؤية أنها رؤية شرعية, وعرفوا أن هذه البلاد تعتني بالرؤية، وأنها تعتني بالشهود، وأنها لا تعمل بالحساب، فإنها يقتدى بها.
الجواب: نعم لا يؤثر، لهم رؤيتهم وللآخرين رؤيتهم؛ لأن كل بلد ملتصقة -مثلاً- السعودية ملتصقة بالأردن، مثلاً عند حدود الشام، وإذا استقلت الأردن أو مصر برؤيتهم لأسباب اقتضت ذلك عندهم وعند علمائهم، أو السعودية استقلت بسبب ذلك، فلا بأس بذلك، كما قرره مجلس هيئة كبار العلماء، وكما قرره العلماء، وأصل هذا ما ثبت عن ابن عباس ، هذا هو الأصل، ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق كريب أنه قدم على المدينة قدم من الشام, قال: فأتيت ابن عباس فسألني عن رؤية أهل الشام؟ قلت: نعم، رأيناه ليلة الجمعة، وصمنا يوم الجمعة في الشام، وصام معاوية وصام الناس، فقال ابن عباس : نحن رأيناه يوم السبت، فلا نزال نصوم حتى نرى الهلال أو نكمل العدة، فقال كريب : أفلا تكتفي برؤية معاوية والناس؟ قال: لا، هكذا أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام، يعني: بقوله: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، فـابن عباس تأولها على أنها لا تعم الناس بل تخص كل دولة وكل بلد بنفسها إذا تباعدت عن البلد الأخرى، كبعد المدينة عن الشام ونحو ذلك، هذا فقه ابن عباس ورأيه, وعمل به جماعة من أهل العلم، وقالوا: لكل أهل بلد رؤيتهم إذا تباعدت البلاد، بعض التباعد، هذا هو الأصل في هذه المسألة.
الجواب: يستعان بها، لكن لا يجوز أن تتخذ حجة، إذا ما رآه المرصد يقال: لا، مثلاً عندنا مرصد، أو في مصر مرصد -مثلاً- لا يقال: إذا كان المرصد ما رأى لا تقبل الشهادة في مصر ولا في الرياض، لا، المرصد يستعان به؛ لكن إذا شهد عندنا شاهدان عدلان أنهم رأوا الهلال، نعمل بشهادتهما ولا نلتفت إلى المرصد، ولو قال: إنهما أخطأا، ولو قال: إن الهلال ما ولد، شهادة العدول مقدمة على المرصد وعلى غير المرصد، وحتى الواحد في دخول الشهر على الصحيح، حتى الواحد فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تراءى الناس الهلال فرأيت الهلال، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته, فصامه وأمر الناس بالصيام)، برؤية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
المقدم: جزاكم الله خيراً، لكن أهل المراصد إذا رأوا والرؤيا البصرية لم ير أصحابها؟
الشيخ: إذا رآها المرصد بعينهم.
المقدم: بعينهم وليس بالحساب.
الشيخ: ما هو بالحساب، رأي عين، وهو ثقة، ما هو فلان وفلان من الناس الذين ما لهم قيمة، ولكنهم في المراصد معهم من السكيرين أو المعروفين بالمعاصي، لا, ما تقبل شهادتهم، فإذا رآه عدل في المرصد بعينه، مثل لو رآه في المسجد، أو في المنارة سواء سواء.
المقدم: أو بالنظارة مثلاً أو لو رآه من وراء النظارة؟
الشيخ: المقصود إذا جزم بذلك أنه رآه بعينه أو بواسطة المكبر.
المقدم: وهو عدل.
الشيخ: وهو عدل، لا بأس، يعمل برؤيته، والشاهدان أحوط إذا تيسرا، هذا في الدخول، وفي الخروج لا بد من شاهدين، وهكذا بقية الشهور.
المقدم:جزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لكم مستمعي الكرام، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر