مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من العراق - بغداد، باعثها أحد الإخوة من هناك يقول (ع. ب. و)، يسأل ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح) هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان صحيحاً هل ينطبق على زماننا؟ أرجو بيان الجواب مفصلاً؟ ولكم من الله الأجر.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الحديث صحيح، وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة ، ومن حديث ابن عباس رضي الله عن الجميع، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)، ومعناه عند أهل العلم: لا هجرة من مكة بعدما فتحها الله على نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس المعنى نفي الهجرة بالكلية لا، المراد: لا هجرة بعد الفتح يعني: من مكة إلى المدينة؛ لأن الله سبحانه جعلها دار إسلام بعد فتحها، فلم يبق هناك حاجة إلى الهجرة منها، بل المسلمون فيها يبقون فيها.
وأما الهجرة نفسها فهي باقية؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر الصحيح: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة) فمن كان في بلاد الشرك واستطاع أن يهاجر فعليه أن يهاجر كما قال الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:97-99].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: إن الآية تدل على وجوب الهجرة قال: وذلك مجمع عليه بين أهل العلم أن الهجرة واجبة على كل من كان في بلاد الشرك وهو لا يستطيع إظهار دينه فإنه يلزمه أن يهاجر إلى بلاد إسلامية أو إلى بلاد يستطيع فيها إظهار دينه، إلا من عجز كما قال تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً [النساء:98] يعني: بالنفقة، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98] يعني: لا يعرفون الطريق حتى يذهبوا. فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:99] (عسى) من الله واجبة، المعنى: فأولئك معفو عنهم الرجل العاجز والمرأة العاجزة، وهكذا الولدان الصغار أتباع لغيرهم ليس لهم طاقة إلا بالله ثم بأهليهم، فإذا كبروا وكلفوا وجب عليهم أن يهاجروا إذا استطاعوا من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، من بلاد يعجز فيها عن إظهار دينه إلى بلاد يستطيع فيها إظهار دينه، ومعنى إظهار الدين يعني: الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص لله، وإقام الصلاة، وإقامة الشعائر الدينية، فإذا كان يستطيع ذلك في بلاده التي فيها كفر لم تجب عليه الهجرة، إذا استطاع إظهار دينه، بأن يعبد الله وحده، ويدعو إلى التوحيد وينكر الشرك، ويأمر بالصلاة ويصلي إلى غير هذا فلا حرج عليه، لكن إن كانت إقامته في بلد الشرك أنفع للمسلمين وأصلح أقام وإلا هاجر ابتعاداً عن الخطر، وحذراً من الفتنة، ولهذا يشرع بعث الدعاة إلى بلاد الكفر حتى يدعو الناس إلى توحيد الله، وحتى يعلموا الناس شريعة الله إذا كانوا أهل علم وفضل ولا يخشون على أنفسهم فتنة، فإن ذهابهم إلى بلاد الكفار للدعوة والتوصية بالحق والتوجيه إلى الخير أمر مطلوب كما فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! هل تدخل الأقليات الإسلامية في هذا الحديث؟
الشيخ: تدخل كالبلاد، الأقلية كالقرية إذا كان الأقلية يظهرون دينهم ويستطيعون إقامة الشعائر الدينية من توحيد الله وإقام الصلاة والدعوة إلى الخير لم تلزمهم الهجرة ولا تجب عليهم الهجرة.
أما إن كانوا على خطر لا يستطيعوا إظهار دينهم فإنها تجب عليهم إن استطاعوا، أما إذا لم يستطيعوا فالله يعفو عنهم سبحانه.
السؤال الأول: قرأت في أحد كتب الحديث حديث الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد، المروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر من فوائد الحديث دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، أرجو تبيان العلاقة بين هذه القاعدة وبين الحديث المذكور ولكم الأجر من الله تعالى.
الجواب: نعم هذا الحديث ثابت في الصحيحين (أن رجلاً أعرابياً دخل المسجد فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تزرموه)، ورواه أيضاً البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: لما هموا به قال: (لا تزرموه، ونهاهم أن يتعرضوه وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، فلما فرغ الأعرابي من بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بوله سجل من ماء يعني: دلو من ماء واكتفى بذلك).
فدل ذلك على فوائد منها: الرفق بالجاهل وعدم العجلة عليه، وأن المسلمين بعثوا ميسرين لا معسرين، وأن الرفق بالجاهل من التيسير وأن الشدة عليه من التعسير.
وفيه من الفوائد: أن الماء يزيل النجاسة بمجرد إراقته على النجاسة إذا كانت لا جرم لها ليس لها جسم، فالماء إذا أريق عليها وهو أكثر منها كفى، كالدلو على بول الأعرابي كفت وأنه لا حاجة إلى أن يحجر على ذلك أو إلى أن ينقل التراب بل يكفي صب الماء عليه ويطهر بذلك.
ومن فوائد ذلك: أن المفسدة الكبرى تدفع بارتكاب اليسرى، وأن المصلحة العظمى تحصل ولو فاتت الدنيا كما سأل عنها السائل، ووجه ذلك: أنهم لو ألزموه بالكف عن ذلك لربما تطاير من بوله قطع في أماكن كثيرة فربما نجس نفسه ونجس بدنه ثيابه وبدنه، وربما نفر من الإسلام وكره الدخول في الإسلام، هذه مفاسد كبيرة، وكونه يكمل بوله ثم يصب عليه ماء أسهل كونه يكمل البول ثم يصب عليه الماء ويعلم بالرفق هذا أنفع وأسهل، أقل نجاسة وأقل ضرر وأقرب إلى تأليف قلبه وإلى محبته لإخوانه المسلمين وإلى دخوله في الإسلام ورغبته في الإسلام، فصارت المفسدة العظمى هي ما يحصل بالشدة عليه والعنف عليه، هذا شيء ينفره من البقاء في الإسلام ومحبة المسلمين.
وهكذا يترتب على ذلك مفسدة من جهة تشتت النجاسة في المحل وكثرتها وتبددها، وكذلك ما قد يصيبه هو في نفسه أو في ثيابه من النجاسة، فاتضح أن المصلحة العظمى في عدم تنفيره وتأليفه وفي تقليل النجاسة مقدمة على المصلحة الدنيا وهي الاستعجال في كفه عن البول ومنعه من البول، وكذلك المفسدة العظمى التي تترتب على الشدة عليه وتنفيره من الإسلام وتنفيره من إخوانه المسلمين وتعدد النجاسة هذه مفسدة عظمى تركت بارتكاب الدنيا وهي تركه يكمل بوله، هذه مفسدة صغرى تركت وارتكبت لأن ذلك أسهل من العنف عليه والشدة عليه كما تقدم. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً.
هل من أمر يتعلق بالصحة العامة حول هذا الموضوع شيخ عبد العزيز؟
الشيخ: نعم، ذكر بعض أهل العلم أن هذا قد يضره أيضاً لأنه: إذا قطع عليه بوله قد يضره من جهة الصحة، فمن المصلحة أن يكمل بوله ولا يقطع عليه لأنه قد يضره من حيث الصحة.
الجواب: الصدقة عن الميت مشروعة ومفيدة ونافعة للميت، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك قال له رجل: (يا رسول الله! إن أمي ماتت أفلها أجر إن تصدقت عنها، قال: نعم)، فالصدقة تنفع الميت ويرجى للمتصدق مثل الأجر الذي يحصل للميت لأنه محسن متبرع فيرجى له مثل ما بذل كما قال عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
فالمؤمن إذا دعا إلى خير أو فعل خيراً في غيره يرجى له مثل أجره فإذا تصدق عن أبيه أو عن أمه أو ما أشبه ذلك فللمتصدق عنه أجر وللباذل أجر، وهكذا إذا حج عن أبيه أو عن أمه فله أجر ولأبيه وأمه أجر ويرجى أن يكون مثلهم أو أكثر لفعله الطيب وصلته الرحم وبره لوالديه، وهكذا أمثال ذلك فضل الله واسع.
وقاعدة الشرع في مثل هذا أن المحسن إلى غيره له أجر عظيم وأنه إذا فعل معروفاً عن غيره يرجى له مثل الأجر الذي يحصل لمن فعل له ذلك المعروف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
فأنت -يا عبد الله- في صدقتك عن والديك وفي إحسانك إلى عباد الله بما تفعله من المعروف لك فيه أجر عظيم، ولمن أحسنت إليهم بأن علمتهم وقبلوا منك، وأرشدتهم وقبلوا منك، ودللتهم على الخير وقبلوا منك لهم أجر أيضاً ولك مثلهم. نعم.
المقدم: طيب.. طيب جزاكم الله خيراً يسأل هل الدعاء يقوم مقام الصدقة شيخ عبد العزيز؟
الجواب: الدعاء مستقل، الدعاء فيه خير عظيم ولكن لا يقوم مقام الصدقة، فالصدقة مشروعة والدعاء مشروع، والدعاء عام للوالدين ولغير الوالدين، وهكذا الصدقة، فالصدقة نوع من البر والخير والعبادة والدعاء كذلك فلا يغني هذا عن هذا، وينبغي للولد ونحوه أن يفعل هذا وهذا يدعو لوالديه ويتصدق، وهكذا عن أقاربه، وهكذا عن أحبابه وأصدقائه الطيبين يدعو لهم ويتصدق عنهم كله طيب.
المقدم: جزاكم الله خيراً، إذاً ليس الدعاء أفضل من العمل وليس العمل أفضل من الدعاء.
الشيخ: هذا يختلف قد يكون الدعاء في حال أفضل وقد تكون الصدقة في حال أفضل، والدعاء ميسور بحمد الله ما يكلف شيئاً، الدعاء ميسور والصدقة قد تكلف، فقد يكون أجرها أكبر، ولاسيما إذا وقعت في محلها في الفقراء والمحاويج وعند الحاجة، فأجرها عظيم مع الدعاء مع الدعاء.
السؤال الأول: بعد دفن أي ميت في بلدتنا ورجوع أهل الميت إلى المنزل يصحبهم الكثير من أهالي البلدة فيجتمع القراء في بيت المتوفى ويقرءون القرآن بطريقة تقسيم القرآن إلى أجزاء ويتلونه معاً في ساعة واحدة، كل يقرأ جزءاً أو اثنين، ثم يتناولون طعام الصدقة الذي تم إعداده وهو عبارة عن عدة رءوس من الأغنام تم ذبحها قبل دفن الميت، يتم هذا في اليوم الأول والثاني والثالث ثم في يوم الأسبوع، فهل يصل ثواب القراءة والصدقة على هذا النحو للميت، مع العلم أن الذين حضروا وأكلوا من طعام الصدقة ليسوا من المحتاجين؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
الجواب: هذا العمل لا أعلم له أصلاً في الشرع، وهو من البدع التي أحدثها الناس، فليس من عادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من عادة أصحابه الرجوع إلى بيت المتوفى أو غيره بعد الدفن ليجتمعوا على الطعام وعلى قراءة القرآن، ليس هذا من سنة المسلمين فيما نعلم.
أما لو كان ذلك من غير قاعدة ومن غير اتباع معين بل صدفة بأن دعاهم، بعدما رجعوا من الدفن دعاهم بعض إخوانهم وقدم لهم طعاماً، أو قرأ أحدهم بعض القراءة من غير أن تكون عادة مستمرة ولا سنة قائمة بل لعارض هذا لا يضر، إذا رجعوا قال بعض إخوانهم: تفضلوا عندي، وأطعمهم ما تيسر أو قرأ أحدهم بعض القراءة لأنفسهم هذا لا بأس، أما أن يتخذوا هذا عادة بعدما يرجعون يرجعون إلى محل الميت أو إلى محل فلان أو فلان قاعدة، ليقرءوا القرآن ويثوبوه ويأكلوا مما أعد قبل الموت هذا لا أصل له، بل هو من البدع، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) خرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة)، وكان يقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم في الصحيح، زاد النسائي بإسناد جيد: (وكل ضلالة في النار).
فنصيحتي لإخواني هؤلاء أن لا يفعلوا هذا، وإذا فرغوا من دفن الميت كل يذهب إلى أهله وإلى رحله ويدعو لميتهم.
أما قراءة القرآن للميت فليس لها أصل وإن قال بذلك جمع من أهل العلم وقالوا: لا بأس لكن ليس له أصل معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وقد قال الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، وقال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
وبالنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا نعلم ما يدل على ذلك عند الرد إليهما، فليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وليس من هدي أصحابه، ثم فيه تكليف لمن يبذل هذه الأموال سواء كان أهل الميت أو غيرهم وشرع دين لم يأذن به الله، والله يقول سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].
فالواجب ترك هذه العادة والاشتغال بما ينفعه من الدعاء للميت في الطريق وفي البيت، الدعاء له الترحم عليه، وإذا أحب أحد يتصدق عنه من غير إلزام لأحد فلا بأس الصدقة تنفع الميت، أو يتصدق عنه أهله، الصدقة تنفع الميت بأن يعطوا الفقراء صدقة أو ملابس من ملابس أو نقود أو طعام كل هذا طيب من فعله عن الميت فهو مأجور إذا كان الميت مسلماً.
كذلك بعث الطعام لأهل الميت إذا صنع لهم جيرانهم أو أقاربهم طعاماً وبعثوه إلى أهل الميت لأنهم مشغولون بالمصيبة فهذا مشروع؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لما أتى خبر موت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في الشام في مؤتة أمر أهله صلى الله عليه وسلم أن يصنعوا طعاماً لأهل جعفر، قال: (اصنعوا لآل
أما أهل الميت فلا، أما أهل الميت لا يقدمون الطعام للناس ولا يصنعونه للناس، ولا يكلفون بذلك، لا من مال الميت ولا من غير مال الميت، لكن لو نزل عليهم ضيف وأطعموه من طعامهم، أو أطعموه بما يناسبه لأنه ضيف، لا من أجل الميت لا من أجل اتخاذ عادة بل من أجل الضيف فلا بأس.
الجواب: نعم.. نعم، قد يقع هذا لبعض الناس، قد يصحبه الجان، قد يضلونه، وقد يغرونه بأشياء تضر الناس، قد يعطونه بعض العلوم المغيبة التي اطلعوا عليها باستراق السمع، أو بمجيئهم من بلدان أخرى، كأن يخبروه بأنه مات أمير البلد أو مات فلان في البلد الفلانية؛ لأن الشياطين يخبر بعضهم بعضاً، وهم سريعو التنقل من بلد إلى بلد، قد يسترقون السمع ويسمعون شيئاً من الملائكة في السماء أو في العنان في سماء الدنيا أو في العنان فيبلغون أولياءهم من الإنس، فالإنسي قد يكون له صاحب من الجن يسمونه الرأي أهل الجاهلية ويسمى صاحبه الكاهن، فهذا واقع من قديم الزمان، وكل إنسان معه شيطان ومعه ملك قرين، قد يكون الشيطان الذي مع الإنسان يصحب هذا ويدعوه إلى الحضور، قد يتعاون معه على مقاصدهم الخبيثة مع هذا الرجل أو مع هذه المرأة، هذا واقع في الناس صحبة الجن واتخاذهم أولياء والاستعانة بهم على ضرر بعض الناس أو نفع بعض الناس كل هذا واقع ولكنه منكر لا يجوز محرم لا يجوز للمسلم أن يتخذهم أصحاب من طريق الكهانة أو طريق السحر حتى يضر بهم الناس، بل يجب أن يحذرهم.
ويجب على المسلمين أن يجاهدوا هؤلاء بما يزيل شرهم، ولي الأمر يبعث لهم من يستتيبهم فإن تابوا ورجعوا إلى الحق والصواب وإلا عذبهم وعاقبهم بالضرب والسجن حتى يتركوا هذه الشعوذة، وهذا الفساد، وإذا علم منهم أنهم يدعون الجن ويستغيثون بالجن ولهم ينذرون صار هذا شركاً أكبر يستحقون معه القتل، أو علم منهم أنهم يدعون علم الغيب بسبب شياطينهم، وأنهم يعلمون الغيب وأنه سوف يكون كذا وسوف يكون كذا، فهم يستتابون أيضاً فإن تابوا وإلا قتلوا كفاراً؛ لأن دعوى علم الغيب كفر كما قال الله سبحانه: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وقال سبحانه: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [هود:123]، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق وسيد ولد آدم لا يعلم الغيب فغيره من باب أولى.
فالواجب القضاء على هذه الشعوذة وعلى هذا الشخص الذي يفعل ما ذكرت من جلوسه وحده، ودعواه أنه له جنية، وأنه لا ينور في بيته في الليل، وأنه يغمض عينيه، هذا كله من باب إيهام الناس وأخذ أموالهم بالباطل حتى يقول لهم: افعلوا كذا وافعلوا كذا وسوف يكون كذا وسوف يكون كذا، هذا لا يجوز إقراره على حاله عند من له أدنى تمسك بالشرع من الولاة، بل الواجب على ولاة الأمور الإسلاميين أن يأخذوا على أيدي هؤلاء، وأن يقضوا على خرافاتهم وشعوذتهم وإفكهم، ومعلوم إذا كان صادقاً أنه يزول عن هذا إذا تاب إلى الله ورجع إلى الحق وتاب إلى ربه من هذه الأشياء فإنها تبتعد عنه، فإنها تنزل على كل أفاك أثيم وكذاب أثيم على أصحابهم، فإذا تاب رجع إلى الله وصدق واستعاذ بالله من شرهم كفاه الله شرهم.
ومن أسباب الوقاية كثرة قراءة القرآن والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق إذا دخل المنزل، وأن يقول صباح ومساء: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فإنه لا يضره شيء، وهكذا إذا قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات إذا دخل المنزل، كل هذا من أسباب العافية والسلامة من هؤلاء الأشرار من الشياطين شياطين الإنس والجن، ولا يجوز أن يقر هذا الشخص وأشباهه على هذا الباطل وهذه الشعوذة المنكرة التي يضل بها الناس ولاسيما الجهال.
الجواب: هذا العمل سنة، النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بـسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] في الركعة الأولى من الجمعة وقرأ بالغاشية، لكن المداومة عليها أمر لا ينبغي، بل ينبغي أن يقرأ بغيرهما بعض الأحيان كالجمعة والمنافقين فإن النبي قرأ بهما في الجمعة أيضاً عليه الصلاة والسلام قرأ بالجمعة والمنافقين في الركعتين بعد الفاتحة، وقرأ بسبح والغاشية في الركعتين، وقرأ أيضاً بالجمعة وهل أتاك حديث الغاشية، فالمحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم ثلاث صور يعني: ثلاثة أنواع:
النوع الأول: سبح في الأولى والغاشية في الثانية بعد الفاتحة.
النوع الثاني: الجمعة في الأولى والمنافقون في الثانية.
النوع الثالث: الجمعة في الأولى والغاشية في الثانية.
المقدم: جزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم.
سماحة الشيخ! في الختام: أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: اللهم آمين.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم.. وإلى الملتقى..
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر