مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين رمز إلى اسمه بالحروف (ب. ط. ت) أخونا له سؤالان:
السؤال الأول يقول: لقد تزوجت قبل سبعة أعوام، وفي أواخر شعبان، وقد جامعت زوجتي في بعض أيام رمضان لجهل مني في ذلك الوقت، ومن الشيطان لعنه الله، الصيام صعب علي لعدم معرفتي بعدد الأيام، وكذلك العتق فهل يجوز أن أشتري أكياس رز وأعطيها لإحدى الجمعيات الخيرية كصدقة، كما قلت لا أعرف الأيام التي صار فيها الجماع، هل ما ذكرته لكم صحيح ويعد كفارة؟ أم أنكم توجهوني بتوجيه آخر؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا ريب أن المؤمن يحرم عليه أن يجامع في رمضان في نهار رمضان بل يجب عليه أن يمتنع من ذلك؛ لأن الجماع من المفطرات، كما أنه لا يأكل ولا يشرب فهكذا لا يجامع، فإذا وقع منه ذلك وجب عليه أمور ثلاثة:
أحدها: التوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن ذلك معصية، والتوبة واجبة من كل معصية.
الأمر الثاني: قضاء اليوم الذي وقع فيه الجماع.
الأمر الثالث: الكفارة، والكفارة مرتبة أولها عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو رز أو غيرهما.
هذا هو الواجب على من جامع زوجته في نهار رمضان والصيام عليه واجب، وعليها كذلك، أما لو جامعها في السفر فهذا معروف المسافر له الإفطار بالجماع وغيره، لكن إذا جامعها وهما مقيمان يلزمهما الصيام فإنه يلزمه هذه الأمور الثلاثة: التوبة، وقضاء اليوم، والكفارة، وهي مثله إذا كانت مطاوعة، أما إذا أكرهها بالقوة والشدة ولم تستطع التخلص منه بل أجبرها فلا شيء عليها، وإنما الكفارة عليه هو، وإذا كان كل منهما يعجز عن العتق وعن الصيام فإنه يجزئه الإطعام لستين مسكيناً ثلاثين صاعاً كل صاع بين اثنين، من قوت البلد، من تمر أو بر أو أرز، ولابد من توزيعه بين الستين، ولو أن الجمعية الخيرية التزمت بذلك وفرقته بين ستين مسكيناً فلا بأس إذا اطمئن إليها، ووثق من القائمين عليها، وأنهم يوزعون ما يعطيهم على ستين مسكيناً فلا بأس، إذا كان عجز عن العتق والصيام، والمرأة مثله كما تقدم.
وإذا كنت لا تضبط الأيام فعليك التحري والظن، فإذا ظننت أنها خمسة صمت خمسة.. ظننت أنها ستة صمت ستة، وهكذا تعمل بالاحتياط والظن الغالب ويكفي ذلك (فاتقوا الله ما استطعتم).
وإذا كان المجامع جاهلاً أو ناسياً فهذا محل نظر، أما الجهل فالذي ينبغي عدم اعتباره؛ لأن الأمر واضح بين المسلمين وليس أمراً خفياً، يعرفه المسلمون أن الصائم لا يجامع أهله في رمضان فينبغي عدم التعلق بالجهل وعدم الاعتذار بالجهل بل عليك أن تفعل ما ذكرنا.
أما النسيان فالصواب أنه معذور إذا نسي الإنسان؛ لأن النسيان ليس بالاختيار بل أمر يقع على الإنسان ويغلب عليه وليس باختياره، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه، ورواه الحاكم وجماعة بلفظ: (من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة) فالناسي معذور على الصحيح إذا صدق في كونه ناسياً؛ لأن النسيان ليس في اختيار الإنسان.. رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
الجواب: الواجب التوبة من ذلك وليس عليها قضاء هذا هو الصحيح من قولي العلماء؛ لأن ترك الصلاة كفر فإذا ترك الإنسان الصلاة ثم تاب فإنه لا قضاء عليه هذا هو المختار وهو الصواب، وليس عليك شيء إن شاء الله إلا التوبة، فعليك التوبة الصادقة والندم على ما مضى منك والعزم ألا تعود في ذلك والاستكثار من الحسنات والأعمال الصالحات كما قال الله سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
و (التوبة تجب ما كان قبلها)كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، نسأل الله أن يمنحنا وإياك التوبة الصادقة، وأن يعيذنا وإياك والمسلمين من نزغات الشيطان.
الجواب: الواجب عدم الاعتماد على الفتاوى التي تنشر في الصحف أو تذاع في الإذاعة أو في التلفاز حتى يتأكد المؤمن ممن نسبت إليه، فإذا تأكد منه وهو أهل للفتوى فلا بأس لأن كثيراً من الناس قد يكذب الآن وقد يلبس عليه فإذا سمع المؤمن أو المؤمنة فتوى، فالواجب أن يتثبت في ذلك وألا يجزم بذلك إلا إذا سمعها من صوت المفتي، وهو يعرف صوته وإلا فلابد من سؤال المفتي بالهاتف أو بالكتابة حتى يتحقق أنها صدرت منه، وقد علمنا أن كثيراً من الناس يكذبون علي وعلى غيري في فتاوى كثيرة، كما كذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة، فالذي وقع في الأول من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة لا يستغرب أن يقع في وقتنا هذا من باب أولى، فالواجب في مثل هذا التثبت وعدم تصديق من يقول قال فلان وقال فلان وأفتى فلان وأفتى فلان.
وهكذا ما ينشر في الصحف قد يحرف وقد لا يكون على وجهه، وقد يكون مكذوباً، هذا كله يوجب على المؤمن والمؤمنة التثبت فيما يذاع وينشر من الفتاوى وفيما ينقله الناس، حتى يتأكد من وقف على الفتوى من مشافهة صاحبها وسؤاله هل صدرت منه هذه الفتوى سواء كانت مشافهة أو بالكتابة أو بالهاتف حتى يستيقن الأمر وحتى يحتاط لدينه، والله المستعان. نعم.
المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيراً.
إذاً: إذا كانت الفتوى بصوت المفتي فهي المعتمدة؟
الشيخ: نعم يزول الإشكال، إذا سمع صوته يفهمه جيداً يزول الإشكال، أما إذا اشتبه عليه صوته فليسأل أيضاً.
المقدم: إذاً: توجيهكم بالنسبة لتلكم الفتاوى في الصحف والمجلات المتعددة.
الشيخ: مثلما تقدم.
المقدم: وهو؟
الشيخ: الواجب ألا يعتمد عليها إلا بعد التثبت من صدورها ممن أفتى بها، وبعد العلم بأنه أهل لذلك.
المقدم: أيوه، إذاً: يجب معرفة من هو المفتي.
الشيخ: نعم.
المقدم: فإن كان أهلاً للفتوى اعتمدت فتواه وإن لم يكن فالأمر غير ذلك.
الشيخ: بعد سؤاله والتأكد أنها صدرت منه.
في سؤالها الأول تقول: لي جدة كبيرة السن لا تستطيع الوضوء بحجة الرطوبة في رجليها وتترك الصلاة بحجة عدم الوضوء، رغم أننا بينا لها التيمم وكيفيته؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب: الواجب على المريض وعلى كبير السن مثل الواجب على غيرهما مع الاستطاعة فعليهما الاستنجاء أو الاستجمار، عما يخرج من السبيلين، وعليهما الوضوء الشرعي، وعليهما الغسل إذا حصل جنابة، كل هذا معروف في الشرع المطهر، ومن عجز عن الوضوء لمرض يمنعه من ذلك أو عجز يمنعه من ذلك، وتيسر من يوضئه وجب ذلك، وإن تعسر هذا وهذا تيمم بأن يقرب له التراب في إناء أو في منديل أو بأشياء يضرب التراب بيديه ويمسح بهما وجهه وكفيه، بنية الغسل من الجنابة أو بنية الحدث الأصغر.
أما ما يتعلق بالسبيلين فيكفي أن يمسحهما بالمناديل أو باللبن أو نحو ذلك، حتى ينقيهما، ولا يلزم الماء إن استنجى بالماء فالحمد لله، وإن لم يستنج بالماء كفاه أن يستجمر بالحجارة باللبن بالخرق حتى ينقي المحل، بمسحات ثلاث أو أكثر، لابد من ثلاث مسحات أو أكثر حتى ينقى المحل من الأذى، من الغائط والبول، وإذا فعل ذلك يتوضأ وضوء الصلاة بعد ذلك يتمضمض ويستنشق إلى آخره.
الجواب: نعم ترك مولانا أولى؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث النهي عن ذلك، وجاء في بعضها في حق العبد (وليقل: سيدي ومولاي)، فالأولى والأحوط للمؤمن ألا يقولها إلا إذا كان مملوكاً يقوله لسيده، وإلا فالأفضل والأحوط ترك ذلك، فلا يقل: سيدي ولا يقل: مولاي.
ولما قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت سيدنا قال: (السيد الله تبارك وتعالى، يا أيها الناس! قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله) ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل، مع أنه عليه السلام هو سيد ولد آدم فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) هذا معروف، وبعد وفاته لا بأس أن يقال: هو سيدنا؛ لأنه غير مخاطب بها عليه الصلاة والسلام بعد وفاته، وإذا قيل: هو سيد ولد آدم أو سيدنا محمد لا بأس بذلك.
أما الشخص الذي يخاطب يقال: يا سيدي فينبغي ترك ذلك؛ لأن العلة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في حقه قد توجد في حق غيره فقد يجر هذا إلى الغلو في الشخص، وقد يضره هو أيضاً فيعجب بنفسه ويتكبر فلا ينبغي أن يستعمل معه أنت سيدنا وأنت مولانا بل يستعمل معه شيئاً آخر يا أبا فلان، أو يا فلان، بلقبه أو باسمه أو بكنيته، ويكفي ذلك، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، أما إذا قيل: فلان سيد بني فلان، فلا بأس كما يقال: فلان سيد تميم، فلان سيد قحطان، فلان سيد قريش، يعني: رئيسهم وكبيرهم، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد بن معاذ لما جاء للحكم في بني قريظة قال: (قوموا إلى سيدكم)، وكان يسأل الناس يسأل القبائل من سيد بني فلان، من سيد، يعني من رئيسهم، وقال في حق الحسن رضي الله عنه: (إن ابني هذا سيد) الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، فهذا لا بأس به إنما المكروه أن يخاطب بها أن يقول: أنت سيدنا أو يا سيدي، يخاطب بهذا؛ لأن هذا قد يشيبه شيء من الترفع والعجب والتعاظم، وقد يكسب القائل شيئاً من الذل والغلو، ولهذا كره النبي صلى الله عليه وسلم ذاك من الناس وهو عليه الصلاة والسلام معصوم أن يرضى بالشرك عليه الصلاة والسلام، لكن خاف عليهم من الغلو. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيراً. إذاً: الأولى كما تفضلتم عدم استعمال تلكم الألفاظ؟
الشيخ: نعم، يا مولاي.. يا سيدي.
الجواب: عليك التوبة، والتوبة تجب ما قبلها والحمد لله، والتوبة معناها: الندم على الماضي والعزم ألا تعودي فيه، وبذلك يعفى عنك إن شاء الله؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وينبغي أن تعلمي أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالمعصية لا يطاع فيها أحد لا أب ولا زوج ولا أمير ولا غيرهم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنما الطاعة في المعروف) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا قال الزوج: اكشفي لأخي أو لعمي أو لخالي أو لزوج بنتي أو أختي، وما أشبه ذلك؛ فلا تطيعينه في ذلك، وهكذا لو قال الأب: اكشفي للناس أو اكشفي لفلان وفلان وهم ليسوا محارم لا يطاع، إنما الطاعة في المعروف، وزوج بنت زوجك ليس محرماً لك إذا كان ما هي بنتك، أما إذا كانت بنتك فزوجها محرم لك، أما بنت زوجك من غيرك فزوجها ليس محرماً لك.
فالمقصود أنه إذا قال الزوج أو الأب أو العم أو الأخ للمرأة: اكشفي أو اشربي الخمر، أو استعملي الدخان.. أو ما أشبه ذلك من المعاصي لا يطاع في هذا، لا أب ولا زوج ولا غيرهم، إنما الطاعة في المعروف، هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: ليس بصحيح بل الواجب إعفاؤها وإرخاؤها وتوفيرها كما أمر بهذا النبي عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) وفي رواية البخاري : (قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين) وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس) فأمر بإرخاء اللحية وأمر بإعفائها وأمر بتوفيرها.
فالواجب على المسلم أن يوفرها ويعفيها ويرخيها، ولا يأخذ منها شيئاً ولو طالت، هكذا أمره نبيه عليه الصلاة والسلام.
وأما من تساهل فيها فلا ينبغي أن يقتدى به ولا ينبغي أن يحتج به؛ لأنه عاصي والعاصي لا يقتدى به في المعصية، وأما ما ثبت عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أنه كان في الحج والعمرة يأخذ ما زاد على القبضة) يقبض عليها بيده فما زاد وخرج من تحت يده أخذه؛ فهذا وقع منه اجتهاداً منه رضي الله عنه، والاجتهاد إذا خالف النص لا يقبل ولو من الصحابة، إذا خالف الاجتهاد النص فالنص هو المعتبر.
فالواجب على المسلم أن يعتمد على النص على قول النبي صلى الله عليه وسلم وأن يعفي لحيته ويوفرها ولا يأخذ منها شيء لا في حج ولا في عمرة ولا في غيرهما، واللحية هي ما نبت من الشعر على الذقن والخدين، هذه اللحية الشعر النابت على الخدين والذقن يسمى لحية، هكذا قال أئمة اللغة كما في القاموس وفي لسان العرب.
فعليك -يا أخي- أن تلزم إعفاءها وتوفيرها وألا تخدع بقول من يتساهل في ذلك، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً، سدد الله خطاكم ووفقكم إلى ما فيه مصلحة المسلمين إنه على كل شيء قدير.
شيخ عبد العزيز في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم دائماً على خير.
الشيخ: نرجو ذلك.
المقدم: اللهم آمين.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لمتابعتكم مستمعي الكرام!
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر