مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع نايف صالح النشي فيما يبدو من أبناء اليمن الجنوبي، أخونا له سؤالان في سؤاله الأول يقول: لي عم توفي وأنا في السجن وترك ثروة مالية وعقارية وأسرة كبيرة أنا المسئول عنهم بعد الله عند خروجي، فهل يجوز تقسيم الثروة على الورثة قبل أن يبلغ الأولاد الصغار سن الرشد؟ أم تبقى إلى أن يبلغوا؟ وعندما أريد أن أستثمر أموالهم في أي مشروع، فهل يجوز لي أن أدخل معهم كشريك على أن أقوم بتسديد حصتي من رأس مالي، ومن دخل المشروع، حيث أنني فقير، وليس عندي ما أصرف به على نفسي وأسرتي، ويوجد من ضمن التركة سيارة مكلفة بمبلغ كبير وهي التي يستخدمونها الآن، وكذلك أنا بعد خروجي أريد استخدامها في متابعة الديون التي للمرحوم عند الناس؛ لأنها بعيدة وفي أماكن صعبة، فهل يجوز ذلك؟ وأنا بعثت بهذا حتى أخرج وأنا على بينة من أمري، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذا السؤال له شأن عظيم والواجب عليك أيها الأخ إذا كنت أنت الولي للصغار وقد أوصى إليك المتوفى بذلك فإن عليك أن تجتهد، وأن تعمل بالأصلح في حق القاصرين، فإذا رأيتم أن بقاء المال مشترك أصلح إذا رأيت أنت والكبار المرشدون إذا رأيتم أنه أصلح فلا مانع من أن تبقى الثروة مشتركة، وأن تعمل فيها بما تراه أصلح، من البيع والشراء.. ونحو ذلك، وأن تحسب ما يدخل عليك من حصتك وتعرف ذلك وتضبطه بالكتابة، هذا لا بأس، وإن رأيت القسم أنت والكبار رأيتم القسم قسمتم المال وأخذ كل واحد حصته وجعلتم حصة القاصرين فيما ينفعهم من عقار أو دفعتموها إلى من يتجر فيها، أو اتجرت فيها أنت، ولكن لا تأخذ شيئاً من الربح إلا بالاتفاق مع محكمة البلاد على ما تراه لك المحكمة؛ لأن الإنسان لا يؤمن فيما يتعلق بحق نفسه، أن يزيد أو يتساهل، فاتصل بالمحكمة واتفق معها على ما يبرئ ذمتك من جهة القاصرين، وهذا هو الذي ينبغي لك.
والحاصل أن هذا المقام مقام عظيم فيه التفصيل كما تقدم، وإذا اتصلت بالمحكمة وأخذت رأيها فيما يشكل عليك فهذا هو الذي تبرأ به الذمة، وهو الذي يجب عليك أن تعتني به، وأما القسمة فتراعون فيها الأصلح، إن رأيتم أن الأصلح بقاء المال والتصرف فيه لحظ الجميع والفائدة للجميع فلا بأس وإن رأى المكلفون القسمة قسم المال وعزل مال القاصرين وأخذت فيه رأي المحكمة فيما يشكل عليك.
وبالمناسبة البنات كلهن متزوجات، وهن في غنى عن هذا، هل إذا تنازلن البنات عن نصيبهن في هذا من سابق إلى الآن تبرأ الذمة؟ نرجو التوجيه جزاكم الله خيراً.
الجواب: عدم إعطاء البنات حصتهن من الإرث هذا من أمر الجاهلية، كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار، ويقولون: إنما يأخذ المال من يحمل السلاح ويقاتل الرجال، وهذا غلط كبير، وقد أنزل الله القرآن العظيم، وبعث رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بشرائع محكمة، وجعل من ذلك أن المال بين الذكور والإناث، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] من الأولاد والإخوة للأبوين أو للأب، وجعل للإخوة من الأم فرضاً خاصاً.
فالواجب على المسلمين أن يسيروا على نهج الشريعة، وأن يلتزموا بما حكم الله به فيعطوا البنات حقهن والذكور حقهم، وعليهم أن يؤدوا للبنات ما سبق أن أخذوه من حقهن إلا إذا سمحن وتنازلن عن حقهن السابق أو اللاحق، وهن مرشدات بالغات لا بأس بذلك، وعليك أن تراجع المحكمة في كل ما أشكل عليك، مما يتعلق بالماضي والحاضر حتى تسير على أمر بين في جميع أمور التركة، لا في الحاضر ولا في المستقبل ولا في الماضي، ومن سمح من البنات المزوجات أو غير المزوجات وهن مرشدات مكلفات عن بعض حقهن أو عن حقهن فلا حرج في ذلك.
الجواب: نعم إذا مس الإنسان فرجه مباشرة يعني: مس اللحم اللحم، مس الفرج: الذكر أو الدبر انتقض الوضوء، وهكذا المرأة إذا مست فرجها أو فرج بعض أولادها انتقض الوضوء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما ستر فقد وجب عليه الوضوء) فإذا مسه مباشرة فإنه ينتقض الوضوء، أما إذا كان من وراء الثياب، من وراء الإزار، من وراء السراويل فلا يضر، وإنما يضر إذا مس اللحم اللحم، مست يده الفرج، وليس دونهما حائل.
الجواب: الشيء المعد للاستعمال ليس فيه زكاة، أنابيب أو غيرها، إذا كان معداً للاستعمال فإنه ليس فيه زكاة، أما ما كان معداً للبيع والتجارة من أنابيب أو غيرها فإنه يزكى إذا تم الحول، تزكى القيمة إذا تم الحول، ويعرف الحول بتحديده بشهر معين رمضان أو غيره حينما وصل إليه المال، فتمام الحول هو الشهر الذي حصل فيه المال واجتمع لديه المال فيه من إرث أو هبة أو غير ذلك من وجوه التملك، فإذا ملك المال في رمضان صار حوله رمضان، وإذا ملك المال في رجب صار الحول رجب وهكذا، والقاعدة أنما يعد للبيع هو الذي يزكى، وما كان من الأدوات التي تستعمل في المحل فإنها لا تزكى.
الجواب: ما دام في البد فعليه أن يبحث عن الماء وليس له التيمم، بل يبحث عن الماء ويشتريه إن تيسر بغير شراء فالحمد لله وإلا فليبحث عنه ويشتريه ويتوضأ ويشرب، أما في الصحراء في الأسفار فإنه إن كان في مظنة ماء التمس الماء، وإن كان ليس في مظنة ماء ما حوله غدران ولا حوله آبار فإنه يتيمم، والحمد لله.
المقدم: جزاكم الله خيراً. تحديد المسافة بكيلو متر؟
الشيخ: ما في حد محدود عرفاً، إذا كانت المسافة عرفاً، يعني: ما يشق عليه الذهاب إلى الماء ذهب إلى الماء في السفر، أما في البلد فيلزمه الشراء ولا يتحدد بشيء؛ لأن الماء موجود، لكن هذا في السفر إذا كان يعلمه قريباً، يعني: لو ذهب إليه لا يشق عليه ذهب إليه وتوضأ وإلا صلى بالتيمم.
الجواب: الرضاع كالنسب كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) يعني: في الخلوة والمحرمية، هي أخته كما أن أخته النسب كذلك، فلا بأس أن يخلو بها ولا بأس أن يسافر بها، ولا بأس أن يصافحها، ولا بأس أن يقبلها، لكن يكون التقبيل في غير الفم، هذا هو الأولى أن يكون مع الرأس أو مع الخد كما كان الصديق يقبل ابنته عائشة مع خدها.
فالحاصل أنه مثل النسب سواء، (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) لكن ليس مثل النسب في صلة الرحم، الرحم يختص بالأقارب، وإنما هذا في المحرمية والخلوة لا في النفقة ولا في صلة الرحم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
الجواب: نعم.. مثلما ذكر السائل علم الغيب إلى الله عز وجل وليس عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره علم الغيب، بل هو مختص بالله عز وجل، كما قال الله سبحانه: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] الآية من سورة النمل، قال سبحانه وتعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188] هكذا في سورة الأعراف، ويقول سبحانه: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59].
الغيب إلى الله عز وجل، مختص به سبحانه وتعالى، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم ما يكون في الآخرة، وما في الجنة والنار، ويعلم الناجين من الهالكين، ويعلم أهل الجنة ويعلم أهل النار، ويعلم كل شيء سبحانه وتعالى.
والرسل إنما يعلمون ما جاءهم به الوحي، ما أوحى الله به إليهم يعلمونه كما قال سبحانه وتعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27] فالله يوحي إلى الرسل ما شاء كما أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة من أمر الآخرة وأمر القيامة وأمر الجنة والنار، وما يكون في آخر الزمان من الدجال، ونزول المسيح وهدم الكعبة، ويأجوج ومأجوج وغير ذلك مما يكون في آخر الزمان، كل هذا من علم الغيب أوحى الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فعلمنا إياه وصار معلوماً للناس.
وهكذا ما يعلمه الناس من أمور الغيب عند وقوعه، في بلادهم أو في غير بلادهم فيكون معلوماً لهم بعد وقوعه، وكان لا يعلم لهم قبل ذلك.
أما ما يقع في كتب أهل العلم، الله ورسوله أعلم، فهذا فيما يتعلق بأمور الشرع، وأحكام الشرع، ومرادهم يعني: في حياته، يعلم هذه الأشياء عليه الصلاة والسلام، أما بعد وفاته فلا يعلم ما يكون في العالم، ولا يدري عما يحدث في العالم؛ لأنه بموته انقطع علمه بأحوال الناس عليه الصلاة والسلام، إلا ما يعرض عليه من الصلاة والسلام عليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) في الحديث الصحيح: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام عليه الصلاة والسلام) أما أمور الناس وحوادث الناس وما يقع منهم من أغلاط وظلم أو حسنات كل هذا لا يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره ممن مضى، ممن مات، ولا يعلمه من يأتي، وقد يعلمه من حولهم من الناس بمطالعتهم إياه ومشاهدتهم أعمالهم من جلسائهم وأهل بلادهم.
فالمقصود أن علم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وما أوحاه الله إلى الرسل هو من علم الغيب الذي أطلعهم عليه سبحانه وتعالى، هم أطلعوا الناس عليه وعلموه الناس.
وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (فيقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول -كما قال العبد الصالح-: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117]).
فهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم حوادث الناس. اللهم صل عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر