أما بعد:
معشر الأبناء والإخوة الحضور، أحييكم جميعاً بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن الأحداث التي جرت وتجري في هذه الأيام عبارة عن حصاد بذر فلاحه تم منذ سنين، بل منذ قرون.
إذاً: فلنستعرض تلك الأسباب والعوامل التي أنتجت هذا الحصاد المرير؛ ليعلم الأبناء والإخوان أن الدين الإسلامي -وهو الدين الحق الذي لا يقبل الله ديناً سواه- وضعه الله وشرعه، من أجل إكمال الإنسانية وإسعادها، فهو ليس ديناً خاصاً بأمة من الأمم، ولا بشعب من الشعوب، إذ نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته عامة، فقد أُرسل صلى الله عليه وسلم للأبيض والأسود: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28].
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب هذه الرسالة، وما إن انتشر نور الهدى في ربوع هذه الجزيرة بعد جهاد مرير، كانت مدته ثلاثاً وعشرين سنة، عاشها أبو القاسم -فداه أبي وأمي- جهاداً متواصلاً؛ ثلاث عشرة سنة قضاها بمكة، وكان الجهاد باللسان دون السنان، وما إن انتقل بإذن الله إلى المدينة دار هجرته حتى أذن الله له ولأصحابه بالجهاد بالسنان: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، فخاض صلى الله عليه وسلم معارك دامية، لا أشك في أنكم تستحضرونها في أذهانكم، فقد شارك في سبع عشرة غزوة بنفسه، وما إن قبضه الله حتى لم يبق في هذه الجزيرة من لا يعبد الله، اللهم إلا بقايا بني النضير في خيبر وتيماء وفدك، وقد عهد إلى أصحابه أن يجلوهم عن الجزيرة، فقال هذه الكلمة الباقية: ( لا يجتمع دينان في الجزيرة )، أي: لا تسمحوا بأن يجتمع في جزيرة الإسلام جزيرة العرب دينان، بل ليس فيها حق البقاء إلا للإسلام، وآية التوبة تعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليهم أن يوسعوا رقعة الإسلام، كلما فتحوا داراً انتقلوا إلى الدار التي وراءها، وهذا هو إذن الله وأمره وتعليمه، فقد قال تعالى في سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، ومعنى هذا: لما طابت الجزيرة وطهرت كان من يليها من الجنوب في ذلك الوقت الأحباش، ومن يليها من الشرق الفرس والهند والسند، ومن يليها من الغرب فلسطين ومصر وشمال إفريقيا، ومن يليها من الشمال الشام وبلاد الروم.
فكانوا كما أراد الله لهم وفتحوا بلداً أصبح جيرانهم كافرين قاتلوهم حتى يدخلوا في دين الله، ثم انتقلوا إلى من وراءهم، وفي خلال خمس وعشرين سنة وصل نور الإسلام وعدله وهدايته ورحمته شرقاً إلى ما وراء نهر السند، وغرباً إلى بحر الظلمات المعروف الآن بالأطلنطي، وشرق العدو بريقه، وكشر العدو عن نابه، وقالوا: إلى متى؟ لابد من محاربة هذا العدو، أو لابد من إطفاء هذا النور.
هذا الحزب المجوسي أول رصاصة أطلقها في جسم الإسلام هو قتله عمر رضي الله عنه في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة وبإجماع المؤرخين أنه مجوسي، وليس منافقاً، بل كان مجوسياً معلناً مجوسيته.
الأول: اضطهاد النصارى الصليبيين لهم؛ لأنهم يرون اليهود قتلة إلههم، فما يطيق المسيحي أن ينظر إلى اليهودي، وكيف ينظر إليه ويفتح عينيه فيه، وهو يتمثل قاتل إلهه وصالبه، فقد كانوا يقلونهم كالسمك بالزيت، فهربوا إلى جزيرة العرب في عهد الجاهلية، والعرب جهال أميون، فلابد وأن يجد أهل الكتاب بينهم مكاناً، ودائماً العالم يسود الجاهل، هذا عامل ولكن ليس بالقوي.
العامل القوي: هو أنهم يقرءون في التوراة والإنجيل نعوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته، وكانوا بذلك يتطلعون إلى النبوة الجديدة، وقد كانوا يقولون: لقد أظلنا زمان نبي من الأنبياء نقاتلكم معه قتال عاد وإرم. وكانوا يقولون للعرب المشركين، إذا حدثت خصومة أو قتال يستفتحون عليهم بهذا الكلام: إن نبياً قد أظلنا زمانه، وسوف نؤمن به ونأخذ برايته ونقاتلكم معه، وفي هذا قول الله عز وجل في سورة البقرة: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].
طلعت شمس النبوة المحمدية في مكة، وانتظر اليهود بفارغ الصبر وكلهم أذن تسمع وعين تنظر، وما إن دخل المدينة صلى الله عليه وسلم وانتصر على المشركين في بدر حتى كادوا يشرقون بريقهم، وكشروا عن أنيابهم، وأخذوا ينقضون عهودهم ومواثيقهم، فبنو قينقاع أول من نقض عهده، إذ سخروا من مؤمنة متحجبة، وضحكوا من حجابها، ولما انتصر لها مؤمن قتلوه، فحاصرهم أبو القاسم وأصحابه فاستسلموا، وتدخل ابن أبي رئيس المنافقين بوصفهم أحلافاً له في الجاهلية، فشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكريم بن الكريم، فأعطاه إياهم، فرحلوا من المدينة إلى أذرعات بالشام، فهلكوا بوباء أنزله الله عليهم.
أما بنو النضير فمكروا بنبينا وبيتوا له القتل، وعزموا على أن يلقوا عليه حجر الرحى ليموت تحتها، وسبق الوحي الإلهي مؤامرتهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه أصحابه، وكانوا في مهمة استدعتها تلك المعاهدة التي بينهم وبينه، فحاصرهم وكتب الله عليهم الجلاء، فأجلاهم رسول الله عن المدينة. رؤساء الفتنة كـحيي بن أخطب، وغيره عادوا إلى المدينة يكيدون مع بني قريظة، وشرقوا يؤلبون العرب المشركين وغربوا يجمعون الجموع وأتوا بالأحزاب؛ لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في دار الهجرة، وهزمهم الله شر هزيمة، وأُعْدِم بنو قريظة وكانوا قرابة السبعمائة مقاتل، وسبي النساء والأطفال، فرحمهم الله بذلك السبي، وأصبح منهم العلماء والصلحاء والصالحات والربانيات؛ هذا تدبير الله.
إذاً: اليهود أخرجوا من الجزيرة، ولذا هم يذكرون ما كانوا عليه من عزة وسلطان بين الجهال، وإذا بهم يصبحون شذاذاً هنا وهناك، فقالوا: والله لنطفئن هذا النور، ولنعملنّ على إحباط هذه الدعوة والقضاء عليها، وبحثوا عن موتور مثلهم، فوجدوا الحزب المجوسي الوطني، فتعانقوا معه، وكان يحمل راية الكفاح اليهودي عبد الله بن سبأ الصنعاني اليماني، ومن ثم تكون في رحم هذه الظلمة جنين أو شيطان التشيع.
في هذا الرحم الذي تكون من الموتورين اليهود والمجوس تخلق ما يسمى بالمذهب الشيعي، فتظاهر بالانتصار لأهل البيت، وأنهم سلبوا حقهم في الإمامة والرياسة والسيادة، وفي الباطن أرادوا إطفاء النور الإلهي، والانتقام من الإسلام والمسلمين.
معاشر المستمعين لابد من متابعة الحديث، فسوف نتحدث -إن شاء الله- عن أحداث الساعة، ولكن لابد من وضع الأسباب أمامنا حتى لا نندهش أو نستغرب أو نتعجب لنكون على علم.
إذاً: فحسب اليهود والمجوس أن أوجدوا تلك الفتن المظلمة، فحرب صفين أو ليلة صفين كانت أصابع خفية تحركها، لا تقولوا: عمرو بن العاص ولا معاوية ولا تقولوا: أبو موسى ولا علي.
إن وراء ذلك وتحت ذلك أصابع اليهود والمجوس، ودارت رحى الفتنة، واصطلى بنارها الإسلام والمسلمون، وما حصار عثمان في منزله وحصار المدينة وفيها نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها أصحابه إلا من تلك الفتنة التي كان وراءها أصابع المجوس واليهود.
هذه الأحداث التي دامت قرابة الستمائة سنة، وكلها دامية إن شئت أقسمت لكم بالله أن العوامل والأسباب والأصابع هي الثالوث المتعاون: المجوس الذين سقط عليهم عرش كسرى، واليهود الذين ضاع أملهم، والنصارى الذين خافوا النور أن يلتهمهم، وانتهت القرون الذهبية، ثلاثمائة سنة والإسلام يُضرب، ولكن ما ضربه أحد إلا كسره الله، ودائماً راية الحق منتصرة.
دخل القرن الرابع، وبدأ الزلزال والاضطراب في أنحاء الديار الإسلامية، في الشرق والغرب والوسط والجنوب على حد سواء، وهنا عرف الثالوث -وافهموا عني واحفظوا- أن الروح التي حيي بها العرب، وأن النور الذي اهتدى به العرب فأصبحوا أئمة الخلق إنما هو القرآن الكريم والسنة النبوية؛ لأن الله تعالى قال: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فقررت هذه الآية أن القرآن روح: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ماذا؟ رُوحًا .
أبنائي وإخواني! هل الحياة تتم بدون روح؟ هل يمكن أن يحيا حي بدون روح؟ الجواب: مستحيل، هل يمكن لماشٍ في ظلام دامس حالك أن يهتدي بدون نور؟ والله ما كان.
عرف الثالوث هذه الحقيقة، وعرف المخططون الرؤساء أن العرب والمسلمين ما حيوا حياة العز والطهر والسيادة إلا بالقرآن، ولا اهتدوا في ظلمات الحياة حتى أصبحوا أئمة الهداية البشرية إلا بالقرآن والسنة النبوية، فماذا يفعلون؟
أصدروا فتوى تقول: تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطؤه كفر، يعني: إن فسرت وأصبت فأنت مذنب، إذ ليس من حقك أن تقول: قال الله، وإن أخطأت فقد كفرت، وشاعت وذاعت هذه الفتيا في العالم الإسلامي، فيما وراء القرن السادس والسابع، فأصبح المسلمون لا يجتمعون على قراءة آية، ولا يقوون على أن يتدبروها في بيت الله، في أكثر بلاد المسلمين، وأصبح القرآن يحول إلى الأموات، فلا يقرأ القرآن إلا ليلة الموت والميت بين أيدينا، وقد نمدد قراءة القرآن عليه ثلاثة أيام أو ثلاث ليالٍ أو سبع فقط، فأصبح من إندونيسيا إلى المغرب لا يقرأ القرآن إلا ليلة الموت، وبذلك قتلونا، فمتنا، لأنا فقدنا الروح، والنور انتهى منا، وما إن متنا حتى تهيئوا لاستعمارنا واستغلالنا، فحكمونا من إندونيسيا إلى المغرب، وجزءوا أرضنا وتقاسموها بعد أن أصبحنا كالحيوانات.
لقد عادت الجاهلية بأتم معناها، بمجرد أن فقدنا روح الله ونور الله، ولو تسألون أجدادكم عن الجاهلية في ديارنا لكفاكم ما تسمعون في ديار أخرى؛ ترى أحدهم عبداً لكل شيء إلا الله؛ الأشجار والأحجار والأوهام، كل شيء يعبد حتى الكلاب والحمر، يموت الحمار فيأتي شحاذ فيضع عليه كومة من التراب ويجلس عنده يدعو ويصلي، ويصبح يجمع الزيارة والأموال، فعادت الجاهلية إلى ديار الإسلام وعمّ الظلام؛ لأن المسلمين ماتوا، أخذ الأعداء روحهم، وأطفئوا النور من بين أيديهم.
ومن ثم أصبحنا أهلاً لأن تحكمنا أوروبا الحضارية المتمدنة، إذ الذين دخلوا بلادنا وحكمونا من إندونيسيا إلى المغرب في ذلك الظرف كانوا أكرم وأعدل وأرحم وأصدق لهجةً منا.
لعلكم تشكون في هذا؟
انزعوا هذا الشك، أما سمعتم الله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، فلو كنا من المؤمنين الصادقين فهل يسلط الله علينا الأعداء.
لقد عادت الجاهلية؛ لأن القرآن أصبح لا يقرأ إلا على الأموات، فانطفأ النور ورحلت الروح فمتنا، ووصلنا إلى مستوى أن أصبح الغرب والشرق يجزمون ألا يعود الإسلام بعد اليوم، وأنهم وضعوه تحت أقدامهم وأنه لن يحكم بعد اليوم، وتمزقت الخلافة العثمانية على ما فيها من الضعف والجهل والعمى، وتلاشت، وعدنا كما بدأنا جاهلية جهلاء.
والله الذي لا إله غيره، ما قامت دولة وعز سلطانها وفاض خيرها، وأضاءت أنوارها الكون، وكانت أمة قاهرة إلا إذا وضعت دعائم الدولة على تلك الدعائم الغراء.
أقول هذا حالفاً لأنا عايشنا الاستقلالات كلها، من سنة خمس وأربعين في موريتانيا إلى التي في خمس وسبعين، كل الاستقلالات عاصرناها، فما استقل قطر من إندونيسيا ذات المائة مليون، ولا الباكستان ولا موريتانيا، ما استقل قطر وأقام دولته بعد استقلاله على تلك الدعائم الأربع التي وضعها الله لإقامة الدولة الإسلامية؛ لأن القرآن يقرءونه على الموتى، وإلا الآية قطعية الدلالة في سورة الحج، يقول تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: استقلوا وحكموا البلاد، ماذا فعلوا؟ فتحوا أندية قمار، فرفشوا، انتقموا من بعضهم، أقاموا حفلات الأغاني والفجور؟!
هذه استقلالات الدول الإسلامية، فما إن يستقل الشعب إلا وحفلات الرقص والخمر والفجور تملأ الدنيا، والذبح والقتل لكل من كانوا يكرهون ويكرهونه، وأقيمت الدولة على لا شيء من دعائم الله، حتى كلمة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) لا تكتب على الراية أبداً.
يقول تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، هذه أربع دعائم.
لقد كان عبد العزيز شبه أمي، والأمة كانت أمية يومئذ، لست أدري أين ذهب العلم والعلماء؟
إن من أراد أن يقيم دولة فليقمها على دعائم وضعها الله لإقامة الدولة.
كانت الحال من الضعف ما لا يتصور، ومع هذا كتب عبد العزيز في رايته: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومعنى هذا: إن بلداً وإن أرضاً تظللها هذه الكلمة لا يعبد فيها إلا الله، وليغضب من يغضب ويسخط من يسخط، وأخذ يهدم القباب ويقطع الأشجار، وينتشل الأوثان.
إن راية فيها لا إله إلا الله معناه: الأرض التي تظللها يجب ألا يعبد فيها إلا الله، وألا يتابع فيها إلا رسول الله، فلا شيخ طريقة صوفية غاشة أو ماكرة ولا خمر ولا وثنية، ليس هناك إلا الله ومحمد رسول الله.
ثانياً: أقام الصلاة، فقد أقام الصلاة في الوقت الذي لم يبق فيه من يصلي في المسلمين من إندونيسيا إلا عشر المسلمين، عجب! حتى أصبح أهل الحجاز يقولون: صلاة سعودية بلا طهارة ولا نية؛ لأن الهيئة إذا مرت والأذان يؤذن ورأت شخصاً يحاول الهرب صدوه بالقوة عن طريقه ودعوه للمسجد، فيصلي وهو جنب، فأرسلوها مثلاً: هذه صلاة سعودية بلا طهارة ولا نية.
نعم كيف منادي الرب ينادي: أن حي على الصلاة وأنت معرض مدبر وذاهب إلى أين؟!
وكان الإمام في القرى إذا صلى الصبح يقرأ قائمة بأسماء أهل القرية من غاب ومن حضر! يتعهدهم كما سبق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل في المحراب: أين فلان؟ وأين فلان؟ فأقيمت الصلاة، وانتهت الخرافات فلا نقشبندية ولا قادرية، ولا عيسوية ولا عمارية، ولا غيرها، وإنما محمد فقط صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أقام حدود الله، فقطع يد الساق وقتل القاتل، وجلد القاذف.
هنا منظر عاجل اسمع: حدث في يوم من الأيام أن أميراً من أمراء فرنسا من العائلة المالكة قتل رجلاً فرنسياً مواطناً في تلك الأيام، ورفعت القضية إلى المحكمة، وتداولت المحكمة القضية أسبوعاً، فما استطاع القضاة إصدار حكم على أمير بأن يقتل أو يسجن عشرين سنة أو إلى الموت، وقد أدين بالقتل العمد، حدثني بذلك شاب أيام كان هناك طالباً أو عاملاً؛ وكان حاضراً؛ لأن القضاء الفرنسي إلى الآن يفتح المجال للمتفرجين، فيحضرون أعداداً كبيرة بالآلاف إذا كانت القضية كبيرة.
لما صدر الحكم بسجن القاتل الأمير فلان أربع سنوات، قام أولياء القتيل وبأعلى أصواتهم: يحيا ابن سعود الذي يقتل القاتل، ودوت القاعة بهذه الكلمة، وعجز البوليس عن إسكات الناس، من هو ابن سعود هذا، كم يملك من جيوش؟ كم يملك من كليات؟ كم يملك من أموال؟
لقد كان يملك حفنة من الشعير هي رأس المال في تلك الأيام، من هو هذا الذي يمجد في عاصمة النور كما يقولون: يحيا ابن السعود؛ لأنه يقتل القاتل!!
وتكونت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأول مرة في تاريخ الإسلام، ولا زالت موجودة إلى الآن، وإن من نتحدث عنه يحاول أن يطفئ هذا النور.
وجبيت الزكاة وكان في تلك الأيام صاع الشعير هو رأس المال، فلا معادن ولا أموال، ولكن أمر الله أن تجبى الزكاة فيجب أن تجبى، وأقام الله دولة الإسلام، وساد البلاد أمن لو يجحده كل أهل الدنيا لكذبوا.
لقد ساد هذه البلاد أمن ما عرفته الأرض إلا على عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان كلامي هذا يغضب كثيرين، وأقول لهم: اغضبوا.
كما سادها الطهر، فانتهى الزنا والعهر والتلصص والإجرام، ولا أقول: لم يقع، فعلى عهد رسول الله حصل من الغامدية وماعز ما حصل لكن ما أعنيه أن مظاهر الخبث انتهت، وأنه ما حصل طهر في العالم الإسلامي إلا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد عبد العزيز ، والعالم الإسلامي في هذه الأيام كله ظلام.
أقول لكم: كنا نعيش في قرية، تعداد سكانها ثلاثمائة نسمة، فيها أكثر من سبع طرق، أما مصر والشام والعراق وباكستان والعواصم فلا تسأل، فكل بلد فيه عشرات الطرق، وهناك تقرير مصري جديد يذكر أنه يوجد في الديار المصرية الآن سبعون طريقة صوفية.
هذه الطرق الصوفية من بذر بذرتها، من زرعها؟ إنه الثالوث من وراء يخطط.
والله الذي لا إله غيره إنه لمن أصابع الثالوث، وقد أكون أنا أدعو إلى هذا ولكن ما أشعر من أين جاءني المد؛ لأن الأغاني تزيل الحياء والحياء أخو الإيمان، وإذا راح الحياء وجد العهر والباطل، ومع الخبث ترحل ملائكة الله، إنه الثالوث المخطط، وعما قريب نحصل على النتيجة المحققة.
والله لقد روج بأصابع الثالوث شيئاً فشيئاً، وأصبح أصحاب الدكاكين والبقالات يستوردون حلويات هي عبارة عن سيجارة رأسها ذهبي وتباع للأطفال، حتى أصبح أولاد المدارس يدخنون.
أماكن الحلاقة، والتي يسمونها صالوناً، و(صالون) ليست كلمة عربية قرآنية، وإنما هي مستوردة، والذين وردوها وردوا معها الموسى من أجل حلق وجوه الفحول؛ لأن العدو لا يريد أن يراك بلحيتك؛ لأنك تفزعه، يريد أن يراك ناعماً رقيقاً، ولسان حالهم: طالما أخافنا الإسلام وحطمنا، والآن بعد أن رفسناه ومزقناه فلابد من تقليم أظافره من جديد، فشاع فينا حلق الوجوه.
إذاً: هذا كله من عمله، وجاء الفيديو، ولما بدأ كان يؤجر بخمسين ريالاً، فنستأجره وندخله بيوتنا.
فمن يعمل هذا العمل؟ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد القادر الجيلاني ، صلحاء المسلمين؟ والله إنها أصابع ونفسيات وأرواح ذلك الثالوث، وما يشعر أحد.
اسمع جرائد وصحف الغرب، أصابع الثالوث: الأمير الفلاني فعل وفعل في باريس، وتردده الببغاوات، وأصبحنا عندما نمشي بين أولئك يسخرون منا، بأصابع الثالوث.
وهذا رأيناه في دول العالم العربي والعجمي لكن لا نفهم، ولسانهم العرب المتصوفة والجامدون والخرافيون والضلال يقولون: هذا سعودي وهابي كافر، يجلس الحاج في الدرس، فيأتي أحدهم ليقيمه من الدرس قائلاً: قم وإلا فسدت عقيدتك، هذا وهابي، هذا في مسجد النبوة فضلاً عن الديار الأخرى.
والماديون في الزمن الأول يسخرون منا ومن ضعفنا وفقرنا، نسمع هذا الصوت في منى، ولما أغنانا الله انقلبت السخرية إلى حسد قاتل، لم يا عرب هذا؟
الجواب: لأنهم ما عرفوا الله ولا آمنوا به حق الإيمان، فلا خلق ولا دين، مجرد نسبة فقط إلى الإسلام والمسلمين، فماذا ترجو منا.
كيف يمكن هذا في دار الإيمان؟! والإيمان يمان والحكمة يمانية!! وأصابنا ألم، فأصبحنا نفكر: ما هي الأصابع؟ واستعجلوا على الفور بلا تأن وأصبح حقيقة ماثلة.
والعلمانية ألا نقول بدين من الأديان، بل كلها إلى المتحف، والعلم هو الذي يقرر ويقنن ويحكم، وهذا معناه: لا إله ولا محمد ولا دين، العلم كاف في تنظيم البشرية وسيادتها وقيادتها، فالعلماني نسبة إلى العلم كما يزعم بعضهم.
إذاً: العلمانية معناها: دعونا من الدين؛ لأنه يقسمنا وينغص حياتنا، إذ إنه يحرم الملاذ والمشتهيات، فلنكن علمانيين.
يا من أسستم الحلف العلماني تحكمون به مسلمين أو كافرين، أما شعب مؤمن عريق في إيمانه بنسائه ورجاله تسوسونه بالعلمانية مجانين أنتم، كيف يتم هذا؟ ولكن وراء الأكمة ما وراءها.
فجأة في يوم جمعة بدأت المفاوضات بين سفاح العروبة وبين الكويت والسعودية ومصر، واجتماعات في جدة، وفي القاهرة، ما الذي حصل؟
إذا بالكويت يجب أن تسدد ديونها، وإذا بالصواريخ، والجيوش الجرارة تتدفق، وأحالت الكويت إلى شبه مقبرة، فرغوا من الكويت وسددوا الصواريخ والدبابات والمدافع إلى السعودية، والخطة نسجت خيوطها في مستوى لا تدركونه أنتم ولا أنا، في مكان في أوروبا لا يستطيع -ممكن- حتى صاحب الحلف يعرف من هو هذا الشخص.
حبكت ونسجت القضية وإذا بالعراق يزحف من الشرق ليحتل آبار الذهب الأسود والمنطقة الشرقية بكاملها، والحلف العلماني يزحف من الجنوب والغرب، وقسمت السعودية ثلاثة أقسام يأخذ الحلف العلماني منها مصايف الطائف وأبها والنماص إلى اليمن، هذه هي حصته، ويبقى الوسط فيه بيت الله يقدموه هدية لابن الشرفاء الملك حسين، ويقولون: احتراماً للمقدسات نأتي بشريف، وأنا أعلم أنه لو حدث هذا للحرمين سيصبحان أعظم بلاد سياحية عالمية من أجل العملة الصعبة.
فيقال: أنت إنجليزي تتشوق أن ترى بيت الله تعال، ادفع خمسين دولاراً وادخل، وسيعتذرون بالحاجة، وأن الإنجليزي إذا دخل البيت لن يأكله، وبعض العلماء سيفتي بذلك، ويصبح الحجاز داراً لجلب العملة الصعبة، والحسين في دار المعابدة؛ دار جده الشريف، وحينئذ لن يرفع مسلم رأسه، وسيمزق عَلَمَ: (لا إله إلا الله) في كل جهة، والعلماء الوهابيون يدفنون، سيصفق كثيرون، ونحن مستعدون للتصفيق؛ لأننا أيضاً فارغون، ويدلك لذلك: المظاهرات التي في موريتانيا والجزائر والمغرب وتونس وليبيا والأردن واليمن وجدة: يحيا صدام !! أبقار هؤلاء أو بشر؟ نسيتم دينكم وإيمانكم وكرامتكم وصلاتكم بربكم، نسيتموها كلها إلا الزعيم!!
هنا أقول لكم أيضاً؛ لأن فيكم أيضاً من يصفق، والعصمة ليست موجودة، أقول: لو أردنا أن نأتي بأمريكا ودول الغرب لحماية الإسلام، لما قدرنا.
إذاً: كيف أتت أمريكا وبريطانيا، وكيف طوق السماء والأرض وحوصر العدو؟
هذا من الله، لم لا يعترفون لله بفضله؟ لأن هذا من الله، ليس من أجلي أنا وأنتم، ولا من أجل آل سعود، إنما من أجل حماية البقية الباقية لتقوم الحجة بها على الدنيا، كما أوجدها في عصر الظلام، يبقي عليها في عصر الظلام وهو على ذلك قدير، إذ لو تأخرت على كل حال من الجائز أن ما عندنا من قوات قد تواجه وقد ينصرنا الله، لكن الذي يحمل صواريخ الدمار والغازات ويوزع منشورات لعلمائه -وقد قرأناها في الدمام- يحذر المواطنين ويخوفهم من هذا الغاز.
المهم نقول: اسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنا لا نستعين بمشرك )، هذا مشرك عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجاهد معه، كان الرسول صلى الله عليه وسلم أقوى، فما قيمة هذا المشرك؟
قالوا: نحن لا نستعين بالمشركين، ونحن إذا أردنا أن نغزو لفتح إيطاليا، اليونان، إسبانيا لكي نعيد إليها الإسلام لن نقبل أمريكا أو فرنسا لتقاتل معنا، والله ما نقبل، لأن ذلك لا يجوز؛ لأنه يغشك، وينقلب عليك ويقتلك، كيف ينصرك على أخيه؟ والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]، كيف يقتل أخاه من أجلك؟
لكنّا لسنا بغازين، نحن جاءنا عدو من شر الأعداء، والله إنه لأشر من اليهود والنصارى، أما انتهكوا حرمات نسائنا وبناتنا؟ أما ذبحوا الناس في الشوارع وقتلوا؟ أما دمروا؟ هل فعل هذا اليهود والنصارى؟
القوى التي هيجت وأوجدت لإطفاء نور الله قوى عظيمة، تسحر القلب سحراً، وبعضهم لا يفكر في شيء اسمه حياء أو إيمان أو كرامة.
إذاً: نحن جاءنا عدو فلنا أن نستصرخ ونستغيث بربنا واستغثناه، وبدل أن يأتي العرب والمسلمون لمساعدتنا إذا بهم خذلونا خذلهم الله، وسوف ينزل بهم نقمته، إن ربكم بالمرصاد، إذ لو كنا مسلمين صادقين من يوم أن دخلت تلك القوات لقام العالم الإسلامي بكامله يوم أن دخلت تلك القوات إلى الكويت، لكنها الاجتماعات والتناقضات؛ لأن الثالوث عنصر هذه السمات، هذا ثالوث جديد، فالثالوث القديم كون الثالوث الجديد: البعث العراقي، والعلماني اليماني، وسيد الأشراف الأردني، هذا الثالوث الجديد.
إذاً: أين أولئك الذين يتظاهرون في بلاد العرب والمسلمين وينددون بالليبرالية والسعودية والأمريكان، نريد أن نتفاهم معهم عقلاء هم أم مجانين؟ فهذا عدو يريد أن يمزقك، والله لو كان العدو لا يأخذ إلا أموالنا فقط ويترك لا إله إلا الله، لقلنا: نصبر لهم، لكن هذا الثالوث هو نيابة عن الثالوث الأول في إطفاء نور الإسلام، وإنهاء هذه البقية الباقية لتعود السعودية جمهوريات ممزقة كبلاد العرب، لا قيمة لها عند الله.
أحسب أن هذا القدر كافيكم، وفكروا واحمدوا الله تعالى الذين نجانا وأبقى لنا هذا النور.
الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب: أعتقد أن الخوف الذي أصابنا إنما هو ثمرة حتمية لذنوبنا، ما في ذلك شك: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30].
منذ ثلاثين سنة، أو خمسة وثلاثين سنة، قبل أن توجد الشيوعية في عدن أقول: الخسف الذي يقع في الجزيرة -وهو واحد من ثلاثة خسوف: واحد في الشرق، وواحد في الغرب، وواحد في جزيرة العرب- إنما يقع في الكويت؛ لما نسمع من أهلها من الخنا والداء والشر والفساد، لكنّا الآن لا نقول هذا، وإنما نقول: يجب أن نكسر هذا الظالم الطاغي، ونخرجه من ديار المسلمين، ثم الإصلاح بعد هذا، والناس في كرب وهم وحزن وخوف، فلا يصح أن نقول: ذنوبكم ونتشفى فيهم، وقد خطأت الذين تأتي إليهم جماعة من الكويت ويقولون لهم ذلك الكلام، لأن هذا لا يجوز، وليس وقته، فإن كنتم قائلين فقولوها حين يعودون إلى ديارهم، فنقول: ما أصابكم بذنوبكم، فإما أن تستقيموا أو تتوبوا، وإما أن تأتيكم الطامة الكبرى، ولنا ألف حق، فنحن الآن نقول: توبوا إلى الله، وقد بدأت هذا الكلام في المسجد النبوي، فإن قال أحدهم: كيف نتوب يا شيخ؟ نقول: من غد لا تغن، ولا يقف أحدكم على بنك ربوي، ولا تقل لا أستطيع، فهل وراءك رشاش يدفعك إلى البنك، أجبني؟ فكيف تتوبون إذاً، أما استطعت أن تقطع معاملتك لوجه الله؟ أم أن الأعذار كثيرة، هذا مرض عقلي.
من مظاهر التوبة: ألّا يبقى مؤمن واقفاً أمام بنك، حينها سوف يغلقون البنك ويرحلون.
من مظاهر التوبة: ألا تبقى ملاه ولا ملاعب في بيوتنا، بل تملأ بذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، وأسواقنا ومعارضنا لا يعرض فيها باطل أبداً. أنت مؤمن تدعي الإيمان، لم تؤجر دكانك لحلاق يحلق وجوه الرجال؟ أغلق هذا الدكان، بع الفصفص في السوق، سيقول بعضهم: لا نستطيع، فإذا كان أضعف الأشياء وأقلها كلفة لا يقدر عليه المسلمون فكيف إذاً بالجهاد؟! فلنتب إلى الله، فلنطهر قلوبنا، ولنزك أرواحنا بالعبادة والانقطاع إليها، وليس معنى هذا أن نترك المزرعة أو المصنع، أو لا ننتج أكثر، ولكن تتجلى حقائق التوبة فينا بأن نحجب نساءنا، ونمنع بناتنا من هذا العلم الفارغ الباطل. والله اتصلت بي إحداهن بالتلفون وهي تبكي وتقول لي: أنا في النفاس والطبيب يعهر بي ويفجر بي!!
على كل حال يجب أن نتوب، ويجب أن يقول كل واحد منا: أنا تائب إلى الله، فإذا رفعنا أيدينا إلى ربنا، لا يردها صفراً أبداً، لم نحن خائفون؟
والله لو كنا متأكدين من ولاية الله لنا، فلن نخاف أبداً، وسوف يصد الله العدو، لكن لضعف ولايتنا خبنا، ولكن الله نظر إلى أكثريتنا، ونظر إلى النور الذي يريد أن تقوم به الحجة إلى يوم القيامة، فسلط عليهم الأمريكان، ولكن يؤسفني ويحزنني أنهم ينتسبون إلى الإسلام وما وجدوا زلة ولا ذنب في العالم إلا كيف نأذن للأمريكان ينصروننا؟! أهذي عقول أم فهوم حيوانات؟ ما ندري كيف نقول، والله ما هو إلا الحسد للسعودية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر