أيها المسلمون والمسلمات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني: إن هذه الجزيرة المباركة التي اختصها الله تبارك وتعالى واختارها، تتعرض -منذ فجر الإسلام وإلى قيام الساعة- إلى شتى الحملات، والمؤامرات من أعداء الإسلام، على اختلاف مشاربهم ومللهم ونحلهم، ما بين مؤامرات وحروب عسكرية طالما أقضَّت مضاجع المؤمنين، وما بين حروب وحملات فكرية تحاول أن تجتاح الإسلام في هذا البلد المبارك، وأهل الإسلام وجيران بيت الله عز وجل في هذه البلاد؛ هم في حاجة إلى من يذكرهم دائماً وأبداً بالميزة الكبرى التي جعلها الله لهذا البلد والواجب العظيم الملقى على عواتقهم.
أيها الإخوة والأخوات.. إن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، ويصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، وكذلك يختار سبحانه من البقاع ما يشاء، وقد اختار الله هذه الجزيرة لتكون مكاناً للحرم الذي جعل الله أفئدة من الناس تهوي إليه، وجعله مثابة للناس وأمنا، ولتكون مكاناً للرسالات السماوية، أو لعدد من الرسالات السماوية السابقة، ولتكون مهبطاً لوحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذه كلها أشياء قدرية عرفها الناس كلهم، فلو تأملت؛ لوجدت أن الله عز وجل بعث هوداً عليه الصلاة والسلام في عاد في بلاد الأحقاف، وجعل إسماعيل في مكة نشأةً وحياة ووفاةً، وجعل عدداً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يأتون إلى هذه الجزيرة، ويأوون إليها بعد أن يجدوا الاضطهاد في بلاد أخرى.
فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يأوي إلى هذه الجزيرة ويودع فيها ابنه وزوجه كما حكى الله عنه: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [إبراهيم:37] وهذا موسى عليه السلام يأتي إلى مدين كما حكى الله عز وجل في كتابه، ومدين -على رأي بعضهم- تعتبر داخل حدود الجزيرة العربية.
والبعثة المحمدية حيث تنـزّل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اختار الله له هذه الجزيرة، وكما أن هذه الرسالة هي خاتمة الرسالات؛ فقد اختار الله لها بلداً جعله عاصمة الإسلام إلى قيام الساعة.
وفي الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} والحديث رواه مالك وأحمد.
وعن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب} والحديث رواه مسلم، إذاً نحن أمام نصوص تحرم على غير المسلمين البقاء والسكنى في هذه الجزيرة، سواء كانوا مشركين، أم يهوداً، أم نصارى، وتجعل السكنى في هذه الجزيرة الطيبة المباركة وقفاً على من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فأما من لم يشهد بالشهادة الحق؛ فإنه يحرم عليه البقاء في هذه الجزيرة، ويحرم علينا نحن المسلمين أن نمكنه من البقاء والسكنى في هذه الجزيرة، فلا يجوز أن يوجد فيها إلا كيان واحد، وهو: كيان الإسلام.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: أنه لا يزال في هذه الجزيرة أمة تدعو إلى الحق، وتؤمن به، وتنافح عنه، حتى قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه: {إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم}.
وهذه خصيصة كبرى؛ أن المؤمنين الموحدين الذين يترددون على المساجد، ويعفرون جباههم لله تعالى، قد يئس منهم الشيطان أن يعبدوه في هذه الجزيرة، ورضي منهم بما دون ذلك وهو التحريش فيما بينهم.
وبين صلى الله عليه وسلم أنه حين تضيق الدنيا بالإسلام ويحارب في مشارق الأرض ومغاربها فإنه يأوي إلى هذه الجزيرة، كما أوى الرسل السابقون إليها بعد أن اضطهدوا فقال عليه الصلاة والسلام: {إن الدين يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها} جاء هذا في صحيح مسلم من حديث ابن عمر ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما، وهو مقيد في أحد الحديثين في حال الغربة: {بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، وإنه ليأرز بين المسجدين}.
إذاً: حين يضطهد الإسلام في فجاج الدنيا كلها؛ فإنه يجد متنفسه في هذه الجزيرة.
هذه القضايا الشرعية الثابتة تاريخاً والثابتة شرعاً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يجب أن نقف عندها في هذه الجلسة القصيرة وقفات سريعة.
وكانت حركته ودعوته تنبثق من هذه الجزيرة المباركة، فجدد الله به شأن الإسلام، وأحيا به العقيدة السلفية الصحيحة، وحطم به رؤوس الطواغيت والأوثان، التي كان الناس يعبدونها من دون الله، يعبدونها بالسجود لها، أو بإعطائها الدينونة والحاكمية من دون الله تعالى، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل الذي تتحطم على يديه أسطورة المسيح الدجال في آخر الزمان هو من هذه الجزيرة.
ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، { أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المسيح الدجال، وأنه لا يدخل مكة ولا المدينة، فيقف على أنقاب المدينة فيخرج إليه كل منافق ومنافقة، ويقيض الله له رجلاً مؤمناً هو خير أهل الأرض يومئذٍ أو من خير أهل الأرض يومئذٍ، فيخرج إليه ويقول على ملأ من الناس بعد أن يتخطى جموع هؤلاء الحراس والسدنة والجنود الذين أجلب بهم المسيح الدجال، فيقول: أشهد أنك المسيح الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فيبهت الدجال، ويهتز موقفه فيقول للناس: أرأيتم إن قتلته ومشيت بين قطعتين! تشهدون أني أنا الله! فيقطعه، ويمشى بين قطعتين من جسده، فيبعثه الله عز وجل مرة أخرى ويقول: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، أشهد أنك المسيح الدجال.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فهذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين
وهذا الموقف العظيم الصحيح الثابت برواية البخاري ومسلم هو إيماء وإشارة إلى أن كل فتنة عمياء صماء تجتاح بلاد الإسلام؛ تتحطم على صخرة هذه الجزيرة.
وإذا كانت فتنة المسيح الدجال هي أعظم فتنة من لدن نوح إلى قيام الساعة؛ فإن كل فتنة أهون منها وكل فتنة تجتاح المسلمين ستتحطم-وهذا أمر يؤمن به كل مسلم- على أيدي أبناء هذه الجزيرة كما تحطمت فتنة المسيح الدجال على يد هذا المؤمن الموحد الذي هو أعظم الناس إيماناً أو من أعظم الناس إيماناً.
فمن أعظم هذه الخصائص:
وهذه ميزة من جهة، ولكن يجب أن لا تكون مخدراً لنا من جهة أخرى؛ فالغزو والتآمر مازال على هذه الجزيرة، والشيطان يحاول أن يُضل الناس بعبادة غير الله، من الدرهم والدينار.. والدنيا، وبغير ذلك من ألوان العبادات التي يحاول أن يدخلها إلى قلوب المسلمين في كل مكان.
وكذلك تجد كثيراً من الأشياء، ومن التعليمات الإسلامية في شأن الأمور الاجتماعية، في شأن المرأة، وتحريم الاختلاط.. ووجوب الحجاب.. وتحريم الخلوة، لا زالت موجودة إلى حد كبير في هذه البلاد، والمرأة اليوم التي تكشف وجهها من نساء هذا المجتمع؛ تجد أنها تتلفت يمنة ويسرة كما يتلفت السارق، وتجد أن كثيراً من الناس يمقتونها ويزدرون ما جاءت به، حتى في أوساط النساء المؤمنات.
فهذا السلوك الاجتماعي الوفي للإسلام في عدد من جوانبه هو ميزة لا تكاد توجد إلا في هذه الجزيرة.
فإننا نجد أن كثيراً من علمائنا هم ممن تفتخر بهم هذه البلاد، وأن آراء العلماء في هذه البلاد وأقوالهم وبحوثهم، تجد أصداءها في العالم الإسلامي، وتؤثر في شباب المسلمين وفي الدعوات الإسلامية، وفي المجامع العلمية في كل مكان، فرأي هؤلاء العلماء هو المعتبر، وهو المقدم، إضافة إلى أننا نجد بادرة مهمة، وهي بادرة الاجتهاد الجماعي، الممثل -مثلاً- في المجامع الفقهية في هيئة كبار العلماء وغيرها من الجهات الموثوقة التي ينتظر المسلمون رأيها في كل ما يعرض لهم من مشكلات في شئون دينهم ودنياهم.
فهذه الحركة العلمية الشبابية موجودة في المساجد والمدارس والجامعات، وهي نبتة نرجو أن تؤتي أكلها كل حين، وثمارها في القريب العاجل فهذه ميزة لهذه الصحوة لا تغفل.
فالصحوة الإسلامية في هذه البلاد هي امتداد لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وليست أثراً أو ردة فعل للانحراف الموجود.
فالصحوة الإسلامية في هذه البلاد سبقت الانحراف، ولذلك فهي تقارع وتصارع موجات الانحراف، سواء أكان انحرافاً أخلاقياً متمثلاً في التحلل والتقليد، أم كان انحرافاً فكرياً يتمثل في مذاهب، ومدارس، ونظريات فكرية، وأدبية، وفنية تحاول أن تقتحم على أهل هذه البلاد دينهم وإسلامهم، وتخرجهم من هذه النعمة التي اختصهم الله تبارك وتعالى بها، فهذه ميزة أخرى لهذه الصحوة المباركة!
فكثير من الناس اليوم ممن يصطادون في الماء العكر، ويحاولون أن يشوهوا وجه الإسلام يرمون الإسلام بالتطرف، فإذا وجدوا إنساناً متمسكاً بالإسلام حقيقة وسموه بالتطرف، فمن يقصر ثوبه -مثلاً- فهو في مقياسهم متطرف، ومن يعفي لحيته فهو في مقياسهم متطرف، ومن يستعمل السواك فهو في مقياسهم متطرف، ومن يحرص على الالتزام بالسنن الإسلامية فهو في مقياسهم ومعيارهم متطرف، وهؤلاء لا عبرة بهم، فهم ممن يسمون الأمور بغير أسمائها الشرعية، وهؤلاء على النقيض قد يسمون الهوى المحرم حباً وغراماً، وقد يسمون الخمر مشروبات روحية.
فالأسماء عندهم والمقاييس مختلة فلا عبرة بهم..وإنما أعني بالتطرف: أن يأخذ الإنسان طرفاً بعيداً عن الاعتدال في الإسلام، وهو ما يعرف في الاصطلاح الإسلامي الصحيح بالغلو، والغلو وجد في أكثر من بلد إسلامي، ولنسأل: ما هو السر في هذا الغلو الذي وجد، والذي ربما سلك مسالك العنف في تغيير الواقع المخالف للإسلام؟
لو تأملنا سبب ظهور هذا التطرف في البلاد الإسلامية، لوجدنا أنه يعود: أولاً: إلى لجهل بالإسلام، والمسئول عن الجهل بالإسلام في تلك البلاد هي المؤسسات التعليمية من وسائل إعلامهم، ومدارسهم، وجامعاتهم التي تنكرت للعلم الشرعي، وأصبحت تدرس سائر العلوم إلا الإسلام، فصار الشاب حين يعرف الإسلام؛ يجد أن الجو من حوله لا يعلمه الدين ولا يعرف الشاب من أمور الإسلام إلا أقل القليل.
أما في بلادنا والحمد لله فإن الشاب -كما أشرت- يجد العلم الإسلامي الصحيح في المساجد، والمدارس، والجامعات، وفي وسائل كثيرة، ولذلك فإن كل إنسان يجد أن من السهل عليه أن يتبصر بدينه، ويعرف الطريق الصحيح فيسلم بذلك من التوجه نحو التطرف والانحراف.
السبب الثاني الذي جعل بعض البلاد الإسلامية تشهد حركة من حركات التطرف هو: أن كثيراً من الشباب المسلم في تلك البلاد إذا أرادوا أن يدعوا إلى الله عز وجل، أو يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، أو يقوموا بما يجب عليهم ديناً وشرعاً وجدوا أن القنوات والطرق أمامهم مسدودة، ووجدوا أنه في الوقت الذي يمرح ويسرح فيه العلمانيون والشيوعيون وغيرهم من حملة المبادئ الأرضية، والأفكار الهدامة، ويلعبون بشباب هذه الأمة وبناتها، وجدوا أن الطريق أمامهم مسدود، والقنوات الشرعية مغلقة، ففكروا أنه لا بد أن يبحثوا عن طريق، وحينئذٍ السيل إذا أغلقت أمامه الأبواب، فإنه يتجه نحو العمران فيهدمه، أي: إذا أغلق أمام السيل الطريق الذي يمكن أن يكون نافعاً للري والزراعة وغيرها، فإنه يتجه نحو العمران فيهدمه ويغرق كل ما فيه بما في ذلك الناس.
وكذلك هذا التوجه الإسلامي الذي وجد في أكثر من بلد؛ لما وجد أن الطرق الشرعية أمامه مغلقة، اتجه نحو الطرق الأخرى غير الشرعية، أما في هذه البلاد فإن الدعاة إلى الله عز وجل، والعلماء، والمشايخ، وطلاب العلم لا يزالون بحمد الله يجدون أمامهم وسائل كثيرة للدعوة إلى الله عز وجل، ونشر العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا وذاك فإن هذه البلاد وهذه الصحوة الإسلامية سلمت من هذا التطرف الذي وقعت فيه بعض الفئات من الشباب المسلم في بلاد أخرى، وهذه نعمة كبرى.
ولذلك فإنني أقول: إن الصحوة الإسلامية في هذا البلد خلت وسلمت من هذا الغلو بفضل الله تعالى ثم بفضل ما يتمتع به هذا المجتمع من وسائل وإمكانيات للدعوة إلى الله بالطريقة الشرعية الممكنة.
أما في هذه البلاد فإن الذين يرفعون راية تحرير المرأة في غالب الأحيان هم من الرجال، أما الذين يحاربونها فهم أيضاً من الرجال، ولكننا نجد كثيراً من المسلمات يدركن خطر هذه الدعوة ويقمن بالتصدي لها عبر وسائل عديدة.
وهذه الظاهرة تستحق الإشادة والذكر في هذا الموقع.
تلك أربع ميزات تميزت بها هذه الجزيرة ثم هذه أربع ميزات تميزت بها هذه الصحوة الإسلامية في هذه الجزيرة، وهذا كله يؤكد أن المستقبل في هذه الجزيرة هو للإسلام، وأن كل حركة أو دعوة تحارب الإسلام في كل مكان وفي هذه الجزيرة خاصة فإن مآلها إلى الهزيمة والانهيار، وأن هذه الجزيرة للإسلام سابقاً وحاضراً ومستقبلاً، ولكن هذا الكلام لا يجوز أن يكون دعوى؛ بل لا بد أن نصدق قولنا بالفعال.
فالواجب علينا أن نحمي هذه البلاد من أمثال هؤلاء، وأن نتخذ الحنفاء المسلمين، وهذا المنطلق يدعمه ويؤيده جوانب أخرى، فإن استقدام المسلمين فيه نفع للمسلمين في كل مكان.
فأنت إذا استقدمت عدداً كبيراً من المسلمين؛ تكون قد ساهمت في نفعهم، وإعالة أولادهم وذرياتهم ودعم اقتصادهم، وإذا استقدمت نصارى أو بوذيين أو غيرهم من الألوان والطوائف؛ فتكون أعنتهم حينئذٍ على المسلمين.
ثالثاً: أن هناك كثيراً من الحركات تحاول أن تقتحم هذه الجزيرة، بما في ذلك الحركات الباطنية المتمثلة في الرافضة التي تحاول أن تكدر صفاء هذه البلاد الطاهرة وهذا البيت العتيق، وهم يؤمنون بما جاء في كتبهم المقدسة من أن إمامهم الغائب سوف يقتل الحجاج بين الركن والمقام، وبين الصفا والمروة، ويؤمنون بأن شيوخ ضلالتهم في هذا العصر هم النواب، والأوفياء الذين يقومون بالمهمات والصلاحيات المسندة إلى ذلك الإمام الغائب المعدوم، فسيحاولون أن يقوموا بما أسند إلى ذلك الإمام ويحققوا ما تنبأت به كتبهم المقدسة في زعمهم.
وهناك حركات أخرى فكرية تحاول أن تجتاح هذه البلاد باسم: التحديث والتجديد في الأدب، والشعر، والفكر، والمضمون، والشكل وغير ذلك، وتحاول أن تربي شباب هذه البلاد وفتياتها على الاقتداء بالفكر الغربي الذي نشأ في بلاد لم تعرف للدين طعماً، ولم تتذوق طعم الإسلام، ولم تعرف اللغة العربية، فهؤلاء الذين تنكروا لعروبتهم وإسلامهم وبلادهم، وتتلمذوا على أفكار وموائد غربية -أيضاً- لا مكان لهم في هذه البلاد.
وأي نحلة أو مبدأ يحاول أن يجد له موطأ قدم في هذه البلاد فمآله إلى الخسران، وهذا يُوجد لدى كل داعٍ إلى الإسلام الحماس والرغبة والقوة في مجاهدة هؤلاء وأولئك، ومعرفة أن النصر والعاقبة للمؤمنين، فلا يأس، فـإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].
أيها الإخوة: هذه لمحات حول هذا الموضوع المهم، وأسأل الله عز وجل أن يحمي حرمه وبلاده، وأن يحمي الإسلام والمسلمين من كيد الكائدين وعبث العابثين، وأن يحمي هذا المجتمع الآمن الطاهر من الأفكار الملوثة التي تريد أن تتسلل إليه، ومن الحركات الانحلالية التي تحاول أن تقتحمه، وأسأل الله عز وجل أن يجعل شباب هذه البلاد -ذكوراً وإناثاً- جنوداً مجاهدين يحمون هذا الدين، وتتحطم أمام جهادهم مؤامرات الأعداء الظاهرين والمستترين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: نعم صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {وعقر دار المؤمنين الشام} وصح عنه صلى الله عليه وسلم كما سمعتم قبل قليل: {إن الدين يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها}.
والجمع بين هذه الأحاديث وما شابهها أن هناك عدة مواطن في آخر الزمان هي مواطن للإسلام، منها بلاد الحجاز ومنها: بلاد اليمن، ومنها: بلاد الشام، ولكن المؤمنين يجتمعون في الملاحم الكبرى التي تسبق قيام الساعة بقليل يجتمعون في الشام حيث يخرج المهدي ثم ينـزل عيسى بن مريم عليه السلام، فيؤمهم ويقودهم بكتاب الله عز وجل، وهناك يقاتلون المسيح الدجال ويقاتلون اليهود وغيرهم.
الجواب: الواقع أن الأرض كما قال: سلمان رضي الله عنه لـأبي الدرداء لما سمع أنه يريد أن يخر ج إلى الأرض المقدسة، قال له: [[إن الأرض لا تقدس أحداً وإنما يقدس الإنسان عمله]] وكان اثنان من الصحابة دخلا على بيت امرأة نصرانية، وحضرتهما الصلاة فقالا: هل هاهنا مكان طاهر نصلي فيه؟ فقالت لهما: طهرا قلوبكما وصليا حيث شئتما، فنظر بعضهما إلى بعض وصدقاها فيما قالت، فمجرد وجود الإنسان في بلد فاضل لا يجعله يتميز بخصائص، وإنما يلقي عليه مزيداً من التبعة.
ولذلك فإن الإنسان إذا عصى الله عز وجل في الحرم، فمعصيته أعظم، وخطيئته أكبر مما لو فعلها خارج الحرم، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25].
فالسيئة في الحرم لا أقول إنها مضاعفة لكنها أعظم من السيئة في غير الحرم، لأن للحرم مكانة وقدسية.
لماذا أختار الله عز وجل هذه البلاد؟ الله أعلم، كما أن الله عز وجل هو أعلم! حيث يجعل رسالته، وهو أعلم حيث اختار محمداً صلى الله عليه وسلم من بين الخلق كلهم للرسالة، وكذلك من سبقوه من المرسلين، فهو أعلم حيث اختار هذه الجزيرة للرسالة الخاتمة، وجعل هذه الجزيرة عاصمة الإسلام.
كما أن الإسلام هو خاتم الأديان، فـالجزيرة التي هبط فيها الوحي آخر مرة هي عاصمة الإسلام إلى قيام الساعة -كما سبق- وهذا يلقي مسئولية كبرى على أهل هذه البلاد، وليس يقدسهم أو يجعل لهم ميزات وخصائص ليست لغيرهم.
الجواب: الإسلام، وهو الاستسلام لله تعالى يعني: أن المسلم يسلم نفسه قلباً وقالباً، جسداً وروحاً لله تعالى، بحيث أن جميع تصرفاته تخضع لأوامر هذا الدين، أما العلمانية فهي منهج آخر مناقض للإسلام، فـالعلمانية -كما يفسرها الغربيون- هي: فصل الدين ليس عن الدولة؛ وإنما فصل الدين عن الحياة، فالعلمانيون يقولون: ما دخل الدين بالاقتصاد والسياسة؟ وما دخله في الأمور الاجتماعية وما دخل الدين بالأدب والشعر؟ وهكذا، فيريدون أن يحصروا الدين في المسجد.
وهذه التيارات العلمانية لا شك أنها موجودة في العالم الإسلامي منذ القديم، بل إن أتاتورك حين أسقط الخلافة الإسلامية جعل هذا الدين الجديد بديلاً عن الإسلام، وسار على نهجه من بعده ممن تأثروا به.
ولكن، أقول: إن هذه الدعوة العلمانية التي تحاول أن تتسرب إلى هذه البلاد، وإن كانت موجودة ولا سبيل إلى تجاهلها، والدعوة إلى خروج المرأة، والدعوة إلى منع الطلاق -مثلاً- والدعوة إلى اختلاط الرجال بالنساء، وسفر المرأة بغير محرم وإلغاء هذه القيود الشرعية، والدعوة إلى دراسة آداب الغربيين دراسة موضوعية بعيدة عن الدين، -أي: إبعاد الدين عن الآداب التي ندرسها- والدعوة إلى فصل الاقتصاد عن الإسلام، وإباحة الربا بسائر صوره وأشكاله، كل هذه الأشياء تظهر بين الفينة والفينة، ودعاتها موجودون بلا شك، ولكن المهم أن يتصدى أهل الإسلام لهذه الدعوات، ليميتوها في مهدها، بعد أن عرفوا أنه لا مكان في هذه الجزيرة إلا للإسلام.
الجواب: سبقت الإشارة إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أخرجوا المشركين من جزيرة العرب } و{ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب } وقوله صلى الله عليه وسلم: { لا يجتمع في هذه الجزيرة دينان } ولذلك ذهب كثير من أهل العلم إلى تحريم سكنى المشركين في هذه البلاد، وعليه فإن بقاء هؤلاء في هذه الجزيرة لا يجوز إلا أن يكون لضرورة، في أشياء وأعمال لا يجيدها ولا يتقنها إلا هم، فبقدر هذه الضرورة يمكن، أما ما عدا ذلك فلا. فإذا وجد هؤلاء أو فرضوا في الواقع؛ فحينئذٍ أحكام معاملة الكفار معروفة، أنه يجب على الإنسان أن يدعوهم إلى الله متى استطاع، فيستفيد من فرصة وجودهم في دعوتهم.
ونحن -بحمد الله- نجد اليوم في عدد من البلاد مؤسسات وأجهزة تقوم على دعوة هؤلاء إلى الإسلام من خلال وسائل كثيرة، وقد هدى الله كثيراً منهم إلى الإسلام، وهذه نعمة يجب أن نستفيد من وجودهم بيننا ما داموا قد وُجدوا في هذه البلاد.
الأمر الثاني: أن الله عز وجل بين حكم معاملة الكفار بقوله: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].
فالإسلام الذي يأمرك بالإحسان إلى الكلب، وإن سقيته أجرك الله؛ يأمرك أيضاً بأن تحسن إلى هؤلاء بأوجه الإحسان الدنيوية، وتستفيد من هذا الخلق الحسن، بدعوتهم إلى الدين الذي علمك هذه الأخلاق.
أما من كان منهم داعياً إلى دينه؛ كبعض القسس -مثلاً- الذين يدعون إلى النصرانية، أو دعاة الهدم والتخريب من المرتدين، أو دعاة الكفر والضلال أيّاً كانوا، فهؤلاء يجب إبعادهم قدر الإمكان وتبليغ الجهات المختصة لاتخاذ اللازم، فإننا نسمع أحياناً أنه يوجد -مثلاً- نصارى يدعون إلى دينهم، ويحاولون أن يقيموا بعض الطقوس، فهؤلاء يجب على من يكتشف أمرهم أن يسعى إلى إبعادهم بكل وسيلة ممكنة، ومثل هؤلاء أيضاً لا يجوز الإحسان إليهم ولا مساعدتهم بأي لون من ألوان المساعدة.
الجواب: سبقت الإشارة إلى هذا، وأن قضية المصطلحات قضية شرعية، والاصطلاح الشرعي هو: مصطلح الغلو، ومصطلح التطرف جائز لغة؛ لكن الأولى أن نستعمل اللفظ الوارد في الشرع وهو لفظ: الغلو، ثم إننا نجد الأمر كما ذكر الأخ، وأضرب لذلك أمثلة:
أحدهم -مثلاً- يعتبر أن من يناوئون الدعوات الهدامة المنحرفة؛ كالدعوة إلى ما يسمى بعصرنة الإسلام، وتطويع الإسلام إلى الحضارة الغربية، وقراءة القرآن بطريقة عصرية لم تكن معروفة حتى للرسول صلى الله عليه وسلم، يعتبر أن من يحارب مثل هذه الدعوات أنه متطرفاً ومنغلق الفكر.
وكتب آخر -أيضاً- مقالاً يقول فيه-ما معناه-: إن المسلمين اليوم بلغوا حداً من البعد عن الرقي، والتهذيب، والحضارة فاق الوصف، حتى إن كثيراً من البوذيين والنصارى أصبحوا أكثر منهم تهذيباً وأخلاقاً.
يقول: فالبوذي والنصراني لا يستطيع أن يقتل عصفورة بغير حق، والبوذي والنصراني يؤثر في قلبه ويزعجه أن يشرد أولاد هرة (قطة) أما المسلم سواء كان سنياً أو شيعياً -والكلام لا يزال للمذكور- فإنه يقتل ويقتل، ويعتبر أن أقرب طريق لدخول الجنة هو القتل! ماذا يعني هذا الكلام؟! إنه طعن في الإسلام والمسلمين في عقر دارهم! وكيف نسينا جرائم النصارى التي اعترفوا بها بأنفسهم، وهذا الشاعر النصراني المشهور الذي ينـزل على النصارى في لبنان ويخاطبهم ويقول:
بربك قل متى لبنان ثارا ليدرك من علوج الروم ثارا |
متى ابتدرت إلى السيف النصارى لتغسل بالدم المسفوح عارا |
وتدرك مرة شرف الجهاد |
إلى أن يقول مدافعاً عن المسلمين ومهاجماً للنصارى:
نقول المسلمون المسلمون فنلعنهم ونحن الخائنونا |
فالواقع أنهم أجدر بهذا، فكيف نسينا جرائم النصارى في كل بلد، والتي لا تزال تقام، وكيف نسينا الحروب الصليبية وأصبحنا نقول: إن النصراني مهذب، ومتحضر لا يريد أن يقتل عصفورة، أو يشرد أولاد قطة..!!.
وكتبت إحداهن وهي تعتقد أن الفتيات اللاتي يرفضن دراسة الأدب الإنجليزي الذي يعرض الجريمة، والفاحشة، والعري، والإباحية الجنسية بأبشع صورها: أنهن متطرفات-هذا موجود ومع الأسف الشديد ويقرؤه الكثير من شبابنا وفتياتنا-. فعلى الإنسان ألا ينخدع بالألفاظ، وهم سيقولون هذا وغيره!!
فهم يسمون الأمور بغير اسمها، يسمون الخمر مشروبات روحية، والزنا فيسمون بيع الحب، أو بيع الهوى وكذلك التمسك بالسنة يسمونه تطرفاً.
الجواب: ذكرت الحديث عن عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب} وقد عمل أمير المؤمنين رضي الله عنه بهذا الحديث النبوي فأخرج اليهود من خيبر فذهبوا إلى بلاد الشام، هذا هو المعروف.
الجواب: الحداثة فيما أعلم أنها تعني: التحديث أوالتجديد في الأدب والشعر، وهذا التجديد قد يكون تجديداً في الشكل؛ بحيث يغير الإنسان -مثلاً- في أسلوب التعبير، فيدخل -مثلاً- أسلوب الرواية، وأسلوب ما يسمى بالشعر الحر، أو أي أسلوب أدبي آخر.
والتجديد في المضمون: يعني: في الأفكار والمفاهيم والفلسفات التي يمكن أن تتغير في حس الشاعر ونفسه، والذين درسوا أدب الحداثة وشعره يعرفون التلازم التام بين الشكل والمضمون.
وإن الذين يدعون إلى أدب الحداثة، وشعر الحداثة ويكثرون من الثناء على رموز هذه الحداثة سواء أكانوا من العرب أم من الأوروبيين؛ إنهم يحملون في كثير من الأحيان فكر الحداثة كما يحملون الشكل الظاهر لها.
وهذا هو الواقع في غالب الأحيان، فإنهم يتكلمون عن أن هذا اللون من الأدب والشعر، هو ثورة على كل ما هو سائد في المجتمع؛ بما في ذلك الأيديولوجيات ويعنون بهذه الأيديولوجيات النظم والعقائد التي يؤمن بها الناس، وهذا يبين أن منطلق الحداثة منطلق فلسفي، وليس مجرد قصيدة من الشعر الحر، أو رواية طويلة أو قصيرة، أو نمط من أنماط الأدب الشكلي.
فيجب علينا أن ندرك أن هذا هو الواقع، أما كون إنسان يكتب قصيدة -مثلاً- من الشعر الحر، وفيها معانٍ وأفكار إسلامية، وفيها دعوة إلى الله عز وجل، وتعبير عن شعور إسلامي، ففي اعتقادي أن هذا أمر عادي، وليس قضية تستحق الإثارة، لأن هذا لون من التجديد في ألوان الشعر، وسواء قبلناه أو رددناه، فالقضية في هذا الإطار أمرها سهل، لكن المصيبة هي الفلسفات والأفكار التي يحملها أولئك الحداثيون، وكثير منهم -بحكم الانتساب الأصلي للإسلام- يؤيدون ما يسمى"بعصرنة الإسلام" وعصرنة الإسلام -كما أسلفت- هي محاولة صبغ الإسلام بصبغة عصرية.
وقد كتب عن هذا الموضوع عدد من الكتاب وأشير إلى ما كتبه الأستاذ بسطامي محمد سعيد في كتابه حركة تجديد الدين، وإلى ما كتبه محمد بريش في مجلة الهدى المغربية، حيث كتب عدداً من المقالات نقد فيها فكر المفكر أو المستشرق محمد أركون الذي كتب كتاباً بالفرنسية سماه: قراءة جديدة للقرآن، وطرح فيه أفكار التطوريين الذين يعتقدون أن الدين هو عبارة عن شيء بشري خاضع للتطور، وهذه فكرة لا شك منافية لأصل الإسلام، وهناك كتابات أخرى في مجلة الندوة السعودية وغيرها.
الجواب: هذه الجزيرة في الأصل جزيرة للإسلام -كما سلف- ولا يجوز أن يبقى فيها دين آخر غير دين الإسلام، ولا شك أن هناك طوائف موجودة في هذه الجزيرة فهناك طوائف الروافض والباطنية وغيرهم.
فمثل هذه الطوائف قد يكون إخراجهم منها أمراً ليس بالسهل، بحكم أنهم وجدوا منذ زمن؛ وربما يكون بعضهم أصلاً في هذه الجزيرة واعتنق هذا المذهب الخبيث، ولكن الأولى والأوجب أن نعمل -نحن العلماء هنا وفي غير هذه البلاد- على دعوة هؤلاء إلى الدين الصحيح، ونشر العقيدة الصحيحة بينهم، وبيان ما في عقائدهم من الانحراف والبطلان والظلال، حتى تستبين سبيل المجرمين، ويهدي الله عز وجل من أراد هدايته منهم.
الجواب: الصلاة والصوم -لا شك- من أركان الإسلام، والدعوة إلى الله -أيضاً- واجب والمصلي الصائم فيه خير ونعمة، لكن المؤمن لا يشبع من الخير حتى يكون منتهاه الجنة، ولذلك فإن المصلي الصائم تطلب منه الدعوة أكثر مما تطلب من غيره ممن قصروا في هذه الأشياء، فكونه مصلياً يوجب عليه أن يقوم بالالتزامات الأخرى من دعوة غيره إلى الصلاة وإلى الصيام وإلى غيرهما.. من شرائع الإسلام.
فعلى المصلي أن يدعو نفسه -أولاً- إلى ما قد يكون مقصراً فيه من أمور الدين، وأول أمر مقصر فيه هو الدعوة إلى الله عز وجل، ثم عليه أن يدعو أهله وجيرانه إلى هذه الأشياء، وكلما استطاع أن يتحرك بالدعوة إلى الله عز وجل في نطاق أوسع كلما كان أكثر نفعاً لنفسه، وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ [البقرة:272].
الجواب: هذه مصيبة تدل على انسلاخٍ من الولاء للإسلام! وتدل على أن الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة، وإيثار الدنيا على الآخرة من علامات الكافرين قال تعالى: وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ [إبراهيم:2-3] بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [الأعلى:16] وقال تعالى:وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:17].
فالمسلم الذي ولاؤه لدين الله لا يستعمل إلا حنيفاً مسلماً ولو كان يصلي، ولو كان يصوم، ولو طلب أن يحج أو يعتمر، بل إنه يتقرب إلى الله عز وجل بأن يمكنه من هذه الأشياء، فتقديم الدنيا على الدين أمر في منتهى الخطورة على دين الإنسان، خاصة إذا تبجح بذلك أيضاً في لسانه كما ذكر السائل عن بعضهم، فالإنسان عليه أن يتقي الله عز وجل، ويدرك أن هذه النعمة التي بين يديه قد يسلبها الله منه بكرة أو عشياً، أو يخرجه منها أيضاً إلى دار الجزاء والحساب، فيسأل عن استخدام هؤلاء الكفار واستبعاد المسلمين، وبكل حال فالمسلم الذي يعرف أن ولاءه للإسلام لا يقبل أن يستخدم هؤلاء الكفار لأسباب كثيرة منها ما سبق.
ومنها هذه الأموال التي يستلمها أولئك الكفار إنما هي خناجر تسدد إلى صدور المسلمين في بلادهم، فأنت حين تستقدم نصارى من الفلبين، أما تعرف أن المسلمين مضطهدون في الفلبين وأن النصارى يحاربونهم؟! وقل مثل ذلك في الهند أو غيرها من بلاد العالم، فالمسلم أخو المسلم لا يخذله، ومن الخذلان أن تتركه وتستقدم كافراً وتمده بالمال، حتى يكون هذا المال عوناً له على قتال إخوانك المؤمنين، فأين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأين قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
الجواب: أما طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله عز وجل فهي الطريقة التي يجب أن يسير عليها كل مسلم بلا شك أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يدعو على بصيرة كما كان يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم، فمثلاً: البداءة بالعقيدة، وعدم التنازل في شيء من أمور الدين، والوضوح في الدعوة إلى الله عز وجل والأصول العامة والمنطلقات، لا تتغير بين وقت ووقت لكن؛ قد توجد وسائل جديدة وتستخدم ولا بأس بذلك.
فمثلاً: وسائل الكتابة، لم تكن الكتب موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكن لما خاف المسلمون من ضياع السنة النبوية صنفوا المدونات في السنة، ولما وجدت البدع صنفوا في الرد عليها، فأجمع العلماء بعد ذلك على جواز كتابة الحديث والسنة بعد أن كانوا مختلفين في ذلك قبل.
وهكذا كلما وجدت وسائل جديدة مناسبة جاز استعمالها بشرط أن لا تكون هذه الوسيلة محرمة، فمن يستخدم وسيلة محرمة مثل الغناء في الدعوة إلى الله؛ كمن يتراقصون ويتغنون تعبداً وتديناً كما تفعله الصوفية فمثل هذا الأسلوب محرم، فكيف يكون وسيلة للدعوة؟
لكن لو وجد أسلوب مباح، كأسلوب المحاضرة، أو الكتابة، أو الجمعيات الخيرية، أو المراكز الصيفية أو المدارس، فهذه الأساليب لا شيء فيها وربما يسأل السائل عن وسائل أخرى مثل -مثلاً- الأناشيد الإسلامية، فأقول: فيما يظهر لي أن الأناشيد الإسلامية إذا كانت معانيها صحيحة وليست مصحوبة بشيء من الموسيقى أو الطبل، وليس فيها تغنج أو تكسر أو تقليد لألحان غنائية معروفة، فإن هذه الأناشيد لا بأس بها؛ لأنه لا يقصد من ورائها التعبد، فليس الذي يسمع النشيد أو ينشد يتعبد لله عز وجل بذلك، إنما هذا أسلوب أو طريقة عادية، وإنما الشعر كما قالت عائشة [[حسنه حسن وقبيحه قبيح]] ولكن لا يجب أن تغلب على حياة الإنسان وأن تصبح ديدنه في غدوه ورواحه.
الجواب: هذا صحيح والغريب أيضاً أن مجلات أولئك القوم وصحفهم تفرح حين تكتشف فضيحة -مثلاً- على أحد أبناء هذه الجزيرة! فيصورونهم في أوضاع سيئة، وينشرونهم رغبة في التشهير ليس بهؤلاء الأفراد فقط بل بـالجزيرة كلها، وهذا الأمر الذي يشير إليه السائل واقع؛ لكن ما الحيلة وقد اتسع الخرق، وأصبح كثير من الناس يجدون من التحريض على السفر إلى الخارج، وقضاء إجازاتهم في المتعة هناك أضعاف أضعاف ما يجدون من التحريض على الزواج المشروع؟ لا؛ بل أقول: يجدون التحريض على السفر وتسهيل هذا الأمر بكافة الوسائل؛ في الوقت الذي يجدون فيه الحث على تأخير الزواج ووضع العقبات والعراقيل المادية والاجتماعية والنفسية أمام الزواج.
الجواب: أما الحلول فإنني أعتقد أني أشرت إلى حلول إجمالية، أما الحلول التفصيلية كأن يعيش إنسان مشكلة معينة، فالصحيح أن حل مثل هذه المشكلة يتطلب وقتاً طويلاً، فإذا تصورنا-مثلاً- إنساناً يعيش مشكلة في البيت، عمرها سنوات، ولها أطراف عديدة، وأبعاد خفية، فالذي يريد أن يشخص هذه المشكلة ويوضحها يتطلب وقتاً طويلاً، فكيف بالذي يريد أن يحل هذه المشكلة!
إنما كان المقصود: الإشارة إلى بعض المشكلات الأساسية، والإشارة إلى بعض الحلول العامة وبعض التصورات عنها، أما استقصاء الحلول فلم يكن من هدفي في محاضرة الأمس أن أستقصي ذلك.
الجواب: أولاً: دورك مسلماً وليس كمسلم، فأنت مسلم -فعلاً ولله الحمد- والكاف هذه التي في السؤال (دوري كمسلم) يقولون: إنها غير فصيحة، أما دورك تجاه المسلمين في هذه البلاد، وتجاه زملائك، فهو الدعوة إلى الله عز وجل، وتعليمهم العقيدة الصحيحة، ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه، وأقول: بصفة خاصة فيما يتعلق بالشباب الذين يأتون إلى هذه البلاد للدراسة -مثلاً- وهم موجودون ربما في كل بلد من بلادنا، هؤلاء الشباب لهم حق في عنق كل إنسان منا، لأنهم بحاجة أولاً إلى التوعية الإسلامية الصحيحة.
وأقول: لو كان هؤلاء الشباب الذين يقدمون إلينا من أنحاء العالم، في طهران أو قم في جامعاتهم المخصصة لاستقبال الوفود من أنحاء العالم الإسلامي؛ لوضعوا برامج ثقافية مكثفة لغسيل أدمغة هؤلاء الشباب وتحويلهم من مسلمين سنة إلى رافضة، ويبذلون في سبيل ذلك الجهود الجبارة، وإذا وجدوا من أي شاب نوعاً من التوقف فإنهم يلغون منحته ويعيدونه إلى بلاده فوراً، ولذلك رجع كثير من هؤلاء الشباب حتى في البلاد العربية دعاة إلى هذا الدين المنحرف الزائغ الممسوخ.
ونحن اليوم نجد بين ظهرانينا كثيراً من الشباب المسلمين، وكثير منهم متطلعون يريدون العقيدة الصحيحة، ويريدون أن يعرفوا الأحكام الشرعية، ويريدون منا مساعدتهم؛ فتجدنا نبخل عليهم بهذه الأشياء، وهذه مشكلة يجب أن ينظر فيها المسئولون عن التعليم، وأهلُ العلم في محاولة تقديم التوجيه، وأيضاً المساعدة المادية لهؤلاء الشباب.
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر