بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وبعد:
فالكلام في هذه الليلة سيكون على الحديث المشهور، الذي رواه
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) رواه
البخاري و
مسلم .
فهذا الحديث المتفق عليه يعطينا أهمية هذه الرعاية، حيث بدأها بعموم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وختمها بالعموم: (فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وفصل فيما بين ذلك بذكر أربعة: بذكر الإمام، والرجل على أهل بيته، والمرأة في بيت زوجها، والرجل في مال أبيه، وهذا كنموذج أو مثال لمن عليه رعاية، فيبين صلى الله عليه وسلم هذه الرعاية التي لها أهميتها.
فنحب أن نذكر كلاماً على هؤلاء الأربعة الذين ذكروا في الحديث، ثم إذا كان في الوقت سعة، ذكرنا بعض من يلحق بهم ممن هم مؤتمنون على أمر من الأمور الخاصة أو الأمور العامة، حيث إنه صلى الله عليه وسلم عمم أولاً وآخراً، وذلك دليل على أن كل فرد من المسلمين ذكراً أو أنثى فإنه راع.
معنى الرعاية
معلوم أن الراعي هو الذي عنده رعية، أي: تحت يده رعية، فيقال له: راع لهذه الرعية. وأصل الرعاية: هي رعاية البهائم وحفظها عما يفتك بها من السباع ونحو ذلك، إذا كانت ترعى من النبات ونحوه، قال الله تعالى:
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ [طه:54] أي: لتذهبوا بها لترعى، أي: لتأكل من هذا النبات، ويقول الشاعر:
ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
فالراعي هو الذي يراقب الرعية، والأصل في بهيمة الأنعام أنها تحتاج إلى من يرعاها، أي: من يحفظها، فيرسلون إليها راعياً، أي: إنساناً مؤتمناً على هذه الدواب، يرسلونه معها حتى يحفظها، فيسيمها في النبات، ويراقبها عن الضياع، ويحفظها عن السباع، ويؤتمن عليها إلى أن يردها إلى أهلها، فيسمى راعياً، ثم أطلق على كل من يؤتمن على رعية من الرعايا.
وهم في هذا الحديث من البشر، أي: المسئول عنهم إنسان موكل عليهم، ورئيس يرأسهم، فيسمى راعياً، ويسمى من تحته رعية له، فأخبر صلى الله عليه وسلم من حيث العموم بأن كل إنسان لابد أنه راع ولو على نفسه أو أهله، ولو على ولده أو امرأته أو ما أشبه ذلك، وإذا كان كذلك فإن عليه حفظ هذه الرعية ومراقبتها، والإتيان بكل ما فيه مصلحتها، وكذلك -أيضاً- يشعر بأنه مسئول عن هذه الرعية، وهذا السؤال إنما يكون حقاً في الدار الآخرة، وقد تكون هناك مسئولية في الدنيا إذا كان فوقه من يناقشه ويسأله، فإن الغالب أن كل رئيس فإنه مرءوس، وفوقه من يسأله عن هذه الرعية التي استرعي عليها، فعليه أن يستحضر هذه المسئولية.
والسؤال إذا كان في الآخرة فإنه يكون من الله تعالى، ولابد أن يكون ذلك السؤال سؤال مناقشة عن هذه الرعية: لماذا أهملتها؟ ولماذا أضعت من اؤتمنت عليه؟ ولماذا لم تنصح لها؟ ولماذا لم تولها حق الحفظ وحق المراقبة؟ فهذه المناقشة لابد أن يعد لها جواباً، فكل سؤال يحتاج إلى جواب، والأسئلة كثيرة، والناقد بصير.
معنى الإمامة
رعاية الإمام لرعيته ومسئوليته عنهم
فالإمام في قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع، وهو مسئول عن رعيته)، يعم كل من كان إماماً، أي: قدوة يقتدى به، فإذا كان كذلك فإن عليه أن يهتم بمن هو راع عليهم، ومن هو مسئول عنهم من الرعية، فهكذا يكون الراعي.
الإمام العام الذي يتولى رعية المسلمين هو خليفة المسلمين وإمام عام لهم، ولا شك أن رعايته آكد، وأن مسئوليته آكد، وأن عليه أن يحرص على الرعية الذين هم تحت ولايته وتحت مسئوليته، فيسير فيهم السيرة الحسنة التي هي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي هي سيرة الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم والسير على نهجهم في قوله: (
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
هكذا أرشد إلى سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، واتفق الأئمة على أنهم الأربعة:
أبو بكر و
عمر و
عثمان و
علي رضي الله عنهم، وقد أكثر العلماء من ذكر سِيرهم وسَيرهم، ومن ذكر أعمالهم الصالحة التي يقتدى بها في الأعمال الخيرية، مما يدل على أنهم أسوة وقدوة لمن جاء بعدهم من الأئمة، ليقتدي بهم، ويسترشد بإرشاداتهم ويسير على نهجهم كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره هذا أمر للخاصة والعامة، وليس الأمر خاصاً بالولاة ولا بالأئمة الكبار ولا بالخلفاء ولا بالملوك، بل هو عام لكل من سمع هذا الحديث من الأمة فإنه مأمور بأن يقتدي بهم.
ولا شك أن أولى من يقتدي بهم خلفاء الأمة المسلمون، ولاة أمور المسلمين، الذين ولاهم الله تعالى دولاً تفتخر بأنها مسلمة، وتدين بالإسلام، وتأتي بالشهادتين، وتقتدي ظاهراً بتعاليم الإسلام، فإن عليهم أن يكون قدوتهم محمداً صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين الذين هداهم الله تعالى وسدد خطاهم، وساروا في رعاياهم سيرة حسنة، يضرب بعدلهم المثل، فهكذا يكون الأئمة، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
إن من خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وإن من شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)، نعوذ بالله أن ندرك هذه الحال!
فهكذا أرشد صلى الله عليه وسلم إلى أن الإمام راع، وأنه مسئول عن رعيته.
كذلك قوله: (الرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته)، أهل بيته: ذريته ممن هو مولى عليهم، فأولاده من رعيته، ونساؤه وزوجاته من رعيته، وإخوته الذين تحت ولايته من رعيته، وكذلك من في ولايته من خدم أو نحوهم، كلهم داخلون تحت رعيته، وهو مسئول عنهم كلهم، وهؤلاء هم أسرة كل مؤمن غالباً، ومسئوليته أنه يسأل: هل أهملهم أو أدبهم؟ الإهمال: هو الاشتغال بشهواته وبلهوه وسهوه، والإعراض عمن تحت يده، وعدم الاهتمام بإصلاحهم، وعدم تربيتهم التربية الصالحة، فإنه في هذه الحال إذا سئل لم يجد جواباً، وذلك لأن كثيراً من الناس لم يهتموا بهذه المسئولية، فنحب أن نفصل في هذه المسئولية؛ لعظم خطرها، فنقول:
إن الناس تجاه المسئولية انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
القائمون على أولادهم حق القيام
القسم الأول: اهتموا بمن ولاهم الله تعالى من أولاد ونساء ونحوهم، وأولوهم عناية تامة، وقاموا بما يجب عليهم، فعلموهم العلم النافع، ولم يتكلوا على المعلمين الذين يعلمونهم في مدارسهم ابتدائية أو ما بعدها، عرفوا أن أولئك يعلمونهم القول، وأنهم بحاجة إلى التعليم بالفعل، فعلموهم بالفعل، وذلك لأن التعليم بالفعل قد يكون أبلغ من التعليم بالقول، فمثال ذلك: إذا حفظ الولد ذكراً أو أنثى شروط الوضوء وفروضه، فإن الوالد يقول له: أنت الآن تحفظ شروط الوضوء، وكذلك أنت تحفظ أركان الوضوء الستة، بينها وطبقها وأنا أنظر إليك، فيكون ذلك من التعليم بالفعل.
كذلك إذا لقن في المدارس أركان الإسلام فلابد أن والديه يربيانه على هذه الأركان، ويعلمانه كيفيتها، فإذا اعتنى الوالد بولده، وطبق معه أركان الإسلام، فإن ذلك من الرعاية الصادقة، وكذلك إذا تعلم في المدارس أركان الصلاة وشروطها وواجباتها ومبطلاتها وما أشبه ذلك، فإن مسئولية الوالد كبيرة في أن يطبقها معه، فيقول: يا ولدي! ما كيفية الصلاة؟ وما أركانها؟ وأين هذا الركن، وأين محله؟ وأين هذا المبطل وأين مكانه؟ وكيف تبطل الصلاة بترك هذا الواجب؟ وأين المستحبات في هذه العبادة؟
وعليه -أيضاً- أن يأخذ بيده إلى المسجد، ويقول: هذه هي الصلاة التي تعلمت أركانها، وعرفت أنها عمود الإسلام، وأنه لابد من أدائها في هذه المساجد بالنسبة إلى الذكور، فطبقها يا ولدي، ويمتثل الولد أمر والده بهذه العبادة، وبذلك يكون حقاً قد أدى هذه الأمانة.
كان
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهله في آخر الليل للصلاة النافلة، ويقرأ قول الله تعالى:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]؛ هكذا يتعاهد أهله بصلاة التطوع، فكيف بمن لا يأمرهم بصلاة الفريضة؟!
كذلك -أيضاً- مدح الله تعالى نبياً من أنبيائه وهو إسماعيل، قال الله تعالى:
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55]، فمدحه الله بأنه يأمر أهله بهذه العبادات، ومعلوم أن الأمر من الولي يقتضي الإلزام، أي: يلزمهم بهذه العبادات التي أمرهم الله بها وفرضها عليهم، والأمر بالشيء إلزام به، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) ليس المراد أن يقول: يا بني! صل. بل يأمره ويأخذ بيده، ويلزمه ويهدده، فهو ما بين السابعة إلى العاشرة يأمره أمر تعليم وأمر تفهيم وتأديب، وذلك ليألف هذه الصلاة ويحبها، وينشأ عليها صغيراً، وتكون بعد تكليفه محبوبة لديه لذيذة عنده، وبذلك يكون قد نشأ على طاعة الله تعالى، فإنه إذا نُشئ على ذلك نشأ عليه.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: (
وشاب نشأ في عبادة الله)، أي: نشأ في طاعة الله حيث تولى تربيته والد صالح مصلح، يحب أن ينشأ أولاده على الخير، وأن ينشئوا على محبة الله وعلى محبة عبادته، فالوالد الذي يربي أولاده على الصلاة والزكاة، وعلى العبادات المحمودة التي يحبها الله تعالى، ينشأ ولده صالحاً، ويكون قرة عين لوالديه.
وكذلك من مسئولية الوالد تجاه أولاده: أن يحبب إليهم ذكر الله تعالى، فيربيهم على الذكر تسبيحاً وتحميداً وتكبيراً وتهليلاً واستغفاراً وحوقلة ودعاء، وكذلك يلقنهم في حال الطفولة ما هم محتاجون إليه، فيربيهم على معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وقد كان كثير من الآباء حين يبلغ ولده الثامنة من عمره وهو يلقنه الثلاثة الأصول وأدلتها؛ حتى ينشأ عليها؛ وحتى يكون على معتقد صالح سليم.
وهكذا من صفة هذا الأب الناصح: أنه يحبب إلى أولاده كلام الله تعالى ، وينشئهم على محبته، فإذا كان هناك مدارس للتحفيظ حرص على أن يسجلوا فيها وأن ينافسوا فيها، وأخذ يشجعهم ويحثهم على مواصلة حفظ القرآن؛ فيشجعهم بأن يعدهم بالخير، ويعدهم بالصلات، ويعدهم -أيضاً- بنتائج طيبة، ويشجعهم بما يعطيهم من جوائز تحفز هممهم، وتدفعهم إلى المنافسة وإلى المسابقة، فإذا أحبوا كلام الله تعالى ونشئوا عليه كان ذلك من أسباب صلاحهم.
كذلك -أيضاً- يربيهم على الكلام الحسن، وعلى الآداب الحسنة، وقد ألفينا الآباء الصالحين يعلمون أولادهم محاسن الإسلام، فيعلمونهم البداءة بالسلام ورد السلام، وتشميت العاطس، وحمد الله تعالى بعد العطاس، ومحبة إخوانهم المسلمين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ويعلمونهم النصيحة للمسلمين عموماً وخصوصاً، وكيفية هذه النصيحة، ويعلمونهم صدق الحديث، ويؤدبونهم عليه، وينهونهم عما يخالف ذلك، ويعلمونهم الأمانة، وأن يكونوا من أهل الثقة والأمانة وما أشبه ذلك، وكل هذا بلا شك مما يكون الولد به صالحاً بتوفيق الله تعالى.
وهكذا يحرص كل من الأبوين على أن يمنع عن الأولاد كل ما يفسدهم أو يفسد أخلاقهم، فيمنعونهم من سماع آلات الملاهي، ومن النظر إليها؛ لأنها غالباً تصرف الهمم إلى الشر، وتثير لذة الفساد والحرام في تلك النفوس الضعيفة، فتميل إلى الفساد، فإذا ربى الوالد أولاده من حين صغرهم على كراهة اللهو واللعب، وعلى كراهة الكذب والخيانة والعقوق وقطيعة الرحم والغش والتلبيس والتدليس والبغضاء والعداوة وما أشبه ذلك؛ فإن الله تعالى يحفظهم بعد ذلك، ويجعلهم محل ثقة وأمانة، ويكونون أهل صدق وإخلاص.
فهذه سيرة الصنف الأول الذين اعتنوا بأبنائهم، وحرصوا على إصلاحهم.
المنشغلون عن أولادهم المهملون لرعايتهم
أما القسم الثاني: فهم أهل الإهمال، وهم أناس اشتغلوا بدنياهم، وانشغلوا بملاهيهم وبسهوهم وغفلتهم، ولم يهتموا بأولادهم ذكوراً وإناثاً، ولم يشعروا بما يكون فيه الأولاد وما يحتاجونه، فهم معرضون عنهم، ولاشك أن هذا الإعراض يسبب ضرراً كبيراً، وذلك لأن هؤلاء الأولاد إذا أهملوا ولم يكن هناك من يراقبهم، ولا من يحفظهم ويتولى أمرهم، فإنهم يدخلون في طريق الفساد، وذلك لكثرة المفسدين، وكثرة أهل الغواية الذين يجتذبون كل من وجدوه مهملاً إلى صفهم وإلى جانبهم.
وفي هذه الأزمنة تكثر وسائل الفساد، فإذا لم يكن الراعي مراقباً لرعيته أخذتهم هذه الوسائل، فالأولاد إذا بلغوا السادسة أو الخامسة ولم يكن آباؤهم يهتمون بهم، ولا يراقبونهم، فهناك ومن يتولى تربيتهم، فالغالب أن يتولاهم أهل الشر والفساد، حيث انشغل الآباء عنهم.
الأب الذي يخرج من صباح يومه، ويكب على دنياه وعلى تجارته أو حرفته أو صنعته أو وظيفته، ولا يأتي إلا في نصف الليل الأخير، وربما لا يأتي إلا آخر الليل، ماذا يكون مصير أولاده ونسائه وهو لا يشعر ولا يدري بما يفعلون، قد أهملهم وقد غفل عنهم، فهو إما منشغل بتجارته وبدنياه التي جعلها أكبر همه ومبلغ علمه، يكدح في أثرها، ويلهث وراءها، ويهتم بتحصيلها، وإما أنه صاحب لهو وسهو، إذا كان في أول الليل فكر في رفقته السيئة، يعكف معهم إلى آخر الليل على لهو وسهو وغناء وزمر وسمر على باطل، ولا يدري ماذا يكون من أهله!
فلاشك والحال هذه أنه قد فرط في رعيته، وأنه مسئول عن هذا التفريط، ولا شك أن أولاده؛ سيما الذكور منهم الذين في إمكانهم أن يذهبوا ويتقلبوا، أنهم إذا خرجوا إلى أدنى ملهى وجدوا من يحتضنهم، فيوجد شباب مفسدون يأخذون هؤلاء الأطفال، ويربونهم على الفساد، وينشأ أولئك الأطفال المهملون شر نشأة، ويتربون شر تربية؛ فهذا أثر هذا الإهمال!
رأينا كثيراً من الآباء قد عض كفه أسفاً وندماً على إهماله، وعلى تفريطه، فيقول: أبنائي وأولادي خرجوا عن طواعيتي، خرجوا عن مبدئي، وصاروا كلاً عليَّ، وصاروا غصة في حلقي، يفسدون أموالي ويتلفونها في شرب الخمور، فقد انهمكوا في شرب المسكرات، وانهمكوا في تعاطي الدخان، ففسدوا وفسدت أخلاقهم، فلا يعرفون عبادة، ولا يعرفون المساجد، ولا يهتمون بالقرآن، ولا يرتدعون عن هذه المنكرات وهذه المفسدات وما أشبهها.
قد وقعوا في الفواحش، وقعوا في زنا، وقعوا في لواط، وقعت نساؤه أو بناته في تبرج واختلاط، الولد يخرج بعد أن يأتي من المدرسة ولا يدري أهله أين هو إلى أن يأتي في آخر الليل أو في وسط الليل، فلا يدرى أهو في بئر أو في بطن بعير، وإذا جاء جاء وهو منهك قد أتعب نفسه بما تعاطاه من المسكرات وما أشبهها.
أيحب أحدنا أن يكون ولده كذلك، فيولي تربيته لمن يفسده، ولمن يوقعه في هذه الشرور وفي هذه المنكرات؟ لا شك أن هذا هو عين الإهمال، وأنه إضاعة لهذه الرعية.
ولا شك أن كل إنسان يرى هذا الصنف من الشباب الذين قد وقعوا في هذه المشكلات وهذه المنكرات، فيحرص على احتضان بقية أولاده حتى لا يصبحوا كذلك، كما رجع إلى ذلك كثير من الآباء عندما رأوا كبار أولادهم قد خرجوا عن طواعيتهم، فقالوا: السبب في ذلك الإهمال، لأننا انشغلنا عنهم، ووكلنا تربيتهم إلى من يفسدهم، فنحن أكبر متسبب، فلذلك علينا أن ننتبه لأولادنا الآخرين في حالة صغرهم، وأن نربيهم التربية الصالحة حتى لا يفسدوا كما فسد من كان قبلهم، ولا شك أنهم إذا وقعوا في الدخان وقعوا في اللواط، ووقعوا في المسكرات، ووقعوا في المنكرات.
وإذا وقعوا في هذه المخدرات التي تفسد العقول ماذا تكون عاقبتهم؟ يلحقون بالمجانين والبله الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، لأن هذه المخدرات وهذه الحبوب تسلب عقولهم وتأخذها شيئاً فشيئاً، وتكون هذه هي نهايتهم والعياذ بالله.
الذين يجلبون الشر والفساد لأبنائهم
القسم الثالث: الذين جلبوا لأولادهم الفساد، بدلاً من أن يجلبوا لهم أسباب الصلاح، تنزلاً على رغبة السفهاء، والله تعالى قد نهى أن يؤتى السفهاء الأموال، فقال تعالى:
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] أي: لا تسلطوهم عليها فيفسدونها، فأهل هذا القسم جلبوا لهم ما يفسدهم، فإن الكثير والكثير الذين جلبوا لأولادهم آلات الأغاني، فامتلأت البيوت بأشرطة الغناء الماجن، وامتلأت بأشرطة الفيديو التي تحمل صوراً خليعة، كذلك امتلأت كثير من البيوت بهذه الأجهزة التي تتلقى القنوات الفضائية التي تبث الشرور، وتمثل الفواحش والمنكرات أمام الشباب والشابات، فكيف تكون حالتهم؟
كذلك الذين شغلوا أولادهم باللهو واللعب والغناء والطرب وما إلى ذلك، فجلبوا لهم آلات اللعب، فمن ذلك ما يسمى (بلوت)، أو ما يسمى (كيرم)، أو ما أشبه ذلك، يزعمون أنهم بذلك يرفهون عن أولادهم، ومن ذلك مشاهدة الأفلام الخليعة التي يزعمون -أيضاً- أنها تسلية وترفيه، وأنها تجلب لقلوبهم قوة ونشاطاً وما أشبه ذلك، وما علموا أنها سبب من الأسباب في انحراف أخلاقهم، وفي فساد طباعهم، وفي انحرافهم عن الصراط السوي، لا شك أنهم والحالة هذه يكونون قد تسببوا فيما يفسد أولادهم بدلاً مما يصلحهم.
كذلك -أيضاً- بالنسبة إلى نسائهم الذين هم مسئولون عنها، إذا كانوا يأذنون للنساء في أن يخرجن إلى الأسواق التي تزدحم بالرجال ولا يتفقدونها، فتخرج متعطرة متطيبة، وتبدي شيئاً من زينتها، فتبدي كفيها، وقد تبدي ساعديها وعليها الحلي من الأسورة التي تتلألأ في ذارعها، وكذلك خواتمها، وكذلك قد تبدي شيئاً من زينتها، وبعضاً من مفاتن ثيابها التي تفتن بها، وتتشبه بمن هن فاسدات ومن أخبر عنهن النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهن بأنهن: (
نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)، فهؤلاء -بلا شك- مسئولون مسئولية كبرى، وذلك لأنهم عرضوا بناتهم ونساءهم وأخواتهم ومولياتهم إلى أن يكن وكر فساد، وربما يتعاطين الفواحش وهم لا يشعرون!
وهكذا -أيضاً- يكن سبباً في الفتنة، حيث يفتتن بهن خلق كثير، ولاشك أن هذا كله من الإهمال ومن آثاره، حيث يرضى الوالد وولي الأمر ومن ولاه الله تعالى على أولاده من ذكور وإناث ومن نساء بأن يكن على هذه الهيئة، فهذا عين الإهمال.
وهذه حالات الناس في هذه الأزمنة فيما يتعلق بولاية الرجل على أهل بيته، فلو شعر بأنه مسئول في الآخرة عن أهل بيته -أولاده ونسائه- لاهتم لهذه المسئولية وأعطاها حقها.
أما النوع الثالث من الذين ذكروا في الحديث؛ فهو قوله: (والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها):
المرأة -بلا شك- مسئولة، وقد أخبر بأن مسئوليتها في بيت زوجها، فإما أن تكون مصلحة وإما أن تكون مفسدة، وإما أن تكون مهملة، أي: كما يحصل للرجال، فالرجال منهم مصلح ومنهم مفسد ومنهم مهمل، فكذلك النساء.
فالمصلحة هي التي تولي أولادها رعاية ومراقبة ونصيحة وتربية صالحة، وتوليهم عناية كبيرة، وإذا غفل عنهم الأب لم تغفل عنهم، بل تتابعهم وتتفقد أحوالهم، وتسألهم وتعلمهم، فإذا أيقظهم الأب للصلاة وخرج، تابعتهم أمهم إلى أن ينتبهوا للصلاة ويخرجوا إذا كانوا ذكوراً، وتتابع الإناث حتى تحبب إليهن العبادات كلها.
وهكذا تربيهم كما يربي الرجل أولاده، فتربيهم على الكلام الحسن، وتعاتبهم على الكلام السيئ، فمتى سمعت منهم سباً أو هجاءً أو قذفاً أو عيباً أو لعناً أو شتماً أو كلاماً قبيحاً؛ عاتبتهم على ذلك، وأدبتهم على محبة الكلام الطيب الذي هو ذكر الله وما والاه، والذي هو محبة الخير والتكلم به، فهذه هي المرأة الصالحة، الراعية في بيت زوجها، أي: على أهله.
كذلك تحفظ بيت زوجها، فلا تخرج منه إلا بإذن زوجها، أو لحاجة ضرورية، وإذا خرجت أو أذنت لأحد مولياتها من النساء، خرجن وهن محتشمات متسترات غير متبرجات بزينة، فهذا من أسباب صلاحها.
كذلك تحفظ زوجها في نفسها، وتحفظ زوجها في بيته، وتحفظه في ماله، فلا تفسد ماله ولا تنفقه في شيء لا أهمية له، أو في شيء يعتبر فساداً، بل تكون هي المراقبة له، وهي تشعر بأنها مسئولة أمام الله تعالى، حتى لو غفل عنها زوجها، ولم يلاحقها ويسألها، فإن الله تعالى هو الذي يسأل المفرط والمهمل.
أما المرأة التي تكون مفسدة فهي التي تكلف زوجها أو تطالبه مرة بعد مرة، أن يأتي بآلات اللهو حتى تمتلئ البيوت صحفاً ومجلات خليعة، وكتباً أو رسائل مفسدة، وحتى تمتلئ البيوت أشرطة غناء وآلات لهو وسهو وغير ذلك، فكثير من النساء متى خرجت إلى أولئك الذين أغرموا بأفلام الفساد أخذت تطلب من زوجها: أهل فلان عندهم وعندهم، ونحن نريد أن نكون مثلهم.. وأشباه ذلك، فهذه مفسدة أو ساعية في الفساد.
وأما المهملة: فهي التي لا يهمها أمر من ولاها الله تعالى من المسلمين الذين تحت ولايتها، بل وقتها إما أن تزور أهلها أو جيرانها، أو تبقى في بيتها لا يهمها صلاح أو فساد، فهذا دليل على أن المرأة -أيضاً- عليها مسئولية كما على الرجل.
كيفية الإنكار على ترك الصلاة جماعة
السؤال: والدي حفظه الله ليس حازماً في أمر إخوتي بالصلاة، حيث إننا إذا عدنا من المسجد نجد أن إخوتي لم يصلوا معنا جماعة، ويكتفي أبي بقوله: لماذا لم تصلوا؟ ألم تعلموا أنها واجبة؟ ما تعليق فضيلتكم على هذا؟
الجواب: لا يكفي هذه الكلمة، نقول: عليك أن تذكر والدك المسئولية الكبيرة، وأن تحث إخوتك على طاعة الله وعلى طاعة والدهم فيما هو من طاعة الله تعالى، وأن تبين له بأن مسئوليته كبيرة، وأنه لا يكفي ولا يجوز إقرارهم على ترك الصلاة مع الجماعة بهذه الكلمة، ولعل مع تكرار النصيحة يتأثرون ويتأثر.
توجيه للآباء بالاهتمام بإصلاح أولادهم
السؤال: يلاحظ في الآونة الأخيرة ترك الوالدين تربية الأولاد للشارع أو للدش أو للقنوات الفضائية، والانشغال عنهم بالعقارات والتجارات ونحوها، فما توجيه سماحتكم بخصوص هذا الموضوع؟
الجواب: هذا من الأقسام التي ذكرناها في ولاية كثير من الآباء، حيث انشغل الأب بحرفته وتجارته، أو انشغل بلهوه وسهوه وسمره مع زملائه، ولم يهتم بأولاده، فتولى تربيتهم من يفسدهم، فنقول للآباء: عليكم مراقبة أولادكم، وعليكم الحرص على حفظهم قبل أن يتمكن الفساد منهم؛ ثم تعجزوا عن إصلاحهم، فإن الشر إذا تمكن صعب انقلاع صاحبه منه، فإن الشاب إذا نشأ على ترك الصلاة صعب بعد ذلك رده إلى المساجد، خاصة إذا ألف المسارح والملاهي والملاعب، وصار يسهر على سماع الغناء والطرب وما أشبه ذلك، فعليكم أن تتلافوا الأمر قبل أن يتمكن، وقبل أن يحدق بكم الخطر فتعجزوا عن معالجته.
سؤال عن حكمة توهمها السائل حديثاً
موقف الأب من الأم السيئة في التربية
السؤال: إذا حاولت الإصلاح ورأيت الأم على عكس ذلك، فماذا علي أن أفعل، أفيدونا مأجورين؟
الجواب: إذا كانت الأم تعاكس الإصلاح فمعناه أنها تجلب الفساد، أو تحاول الإفساد، فإما أنها تتسبب في إفساد أولادها وتربيتهم على الأخلاق السيئة، وعلى النظر إلى الأفلام الخليعة وما أشبه ذلك، فنرى أنها لا تصلح مربية، وأن على والد الأولاد أن يبعدهم عنها، فيجعلهم إلى جانبه، ويبعدهم عن الفساد وعن المفسدين ولو كانوا من الأقارب، ولو أن يهددها بفراقها إذا رأى منها الإصرار على هذا الفساد.
تربية الأبناء على الفيديو الإسلامي
السؤال: ما حكم من يربي أولاده على أشرطة الفيديو الإسلامي، كالتمثيل والمسابقات الإسلامية وغيرها؟
الجواب: نرى أن ذلك جائز إذا كان فيه مصلحة؛ لأن هذه الصور وأشرطة الفيديو فيها فائدة وفيها مضرة، فإذا كانت تمثيلات قبيحة فاتنة وصور خليعة فإنها محرمة، وإذا كانت صوراً عادية لا فائدة فيها فإنها ملهية، وإذا كانت مناظر مفيدة وصوراً جيدة يُعتبر بها، وتمثيلات هادفة، فإنها مفيدة، وفيها مصلحة.
التوفيق بين طلب العلم وتربية الأبناء
السؤال: كيف يستطيع طالب العلم التوفيق بين طلب العلم وتربية الأبناء؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: لا يمتنع الجمع بينهما، ففي إمكانه أن يربيهم وأن يطلب العلم، فطلب العلم لا يستغرق الوقت كله، فإذا كان يحضر الحلقات التي بعد صلاة الفجر، أو بعد المغرب؛ فإنه يستطيع أن يرجع إلى أهله بعد إشراق الشمس، أو بعد صلاة العشاء، ويربيهم ويعلمهم.
كذلك -أيضاً- في إمكانه أن يحضر بأولاده الذين قد فهموا، فيحضر بهم إلى الحلقات ليستفيدوا وليحفظهم وليعلمهم.
حكم تركيب دش وإلغاء القنوات الفاسدة منه
السؤال: عمدت هذه الأيام إلى تركيب دش فضائي، وألغيت منه جميع المحطات الفضائية عدا محطة الجزيرة التي تعنى بالأخبار والأحداث شمولاً وتفصيلاً ودقة وتحليلاً ومتابعة، وليس في هذه المحطة ما في غيرها من أفلام وبرامج فاسدة، إلا أنه -أحياناً- تقوم النساء بإلقاء الأخبار فيها، هل علي إثم في ذلك؟ وما تنصحني به في هذا المجلس المبارك؟
الجواب: هذا وإن كان كما ذكر السائل أنه ألغى القنوات التي فيها فساد، ولكن نرى أنه لا يستطيع التحكم في هذه القنوات، ونرى أن الأولاد والنساء والسفهاء قد يفتحون ما يريدون، وكذلك نرى أن النساء اللاتي يتولين الإذاعة وتصورهن تلك القنوات، أنهن فاتنات، وأن النظر إليهن شر وفساد، فنصيحتنا الاكتفاء بالإذاعات، وفيها أخبار وفيها تفاصيل، والأخبار تأتي في لحظات، سواء في الإذاعات أو في الصحف أو ما أشبه ذلك.
وجوب تزويج الابن على الأب القادر
السؤال: هل تزويج الأب لابنه إذا كان الابن يطلب الزواج من تمام الرعاية التي استرعاه الله عليها؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: لا شك أن الوالد مسئول عن أولاده، وأنه متى طلب الزواج ليعف نفسه، وكان الأب قادراً لزمه ذلك، فإنه إذا لم يفعل تعرض الولد للفساد، مع توفر الدوافع وتوفر الأسباب، فهو إذا دخل الأسواق وجد النساء المتبرجات الفاتنات، وإذا غفل عنه والده ذهب إلى المقاهي والملاهي ووجد فيها الفساد، وكذلك إذا زار زملاءه الذين في بيوتهم هذه الدشوش وما أشبهها، وقع في قلبه ميل إلى الفساد الذي يشاهده.
ثم هذه -بلا شك- شهوة ركبها الله تعالى في الإنسان، فلابد أن يدفع هذه الشهوة، ولابد أن يكون ذلك بالنكاح الحلال.
شروط أخذ الأب من مال ابنه
السؤال: هل للوالد أن يأخذ من مال ولده بالقوة بحجة حديث: (
أنت ومالك لأبيك)؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: يجوز ذلك بشروط:
الشرط الأول: ألا يكون في مرض الوالد أو في مرض الولد، لأنها قد تعلقت بها حقوق الورثة.
الشرط الثاني: ألا تتعلق بذلك المال حاجة الولد الضرورية، فلا يأخذ سيارته ويتركه راجلاً، ولا يملك بيته ويتركه يستأجر، وكذلك أدواته التي هو بحاجة إليها.
الشرط الثالث: ألا يأخذ من ولد ويعطي ولداً؛ لأنه مأمور أن يعدل بين أولاده، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) .
خطورة ترك التربية لخادمة غير مسلمة
السؤال: الرجاء من فضيلتكم توضيح مدى خطورة ترك تربية الأبناء لمربية منزلية خادمة غير مسلمة؟
الجواب: وهذا أيضاً من البلاء، وهو أن كثيراً من الناس استجلبوا هذه الخادمات، وقد تكون غير مسلمة، ومن كانت مسلمة فإنها مبتدعة، أي: ممن نشئوا على بدع عقائدية أو بدع عملية، وكذلك -أيضاً- قد تكون جاهلة بأمور الشريعة، فتتولى تربية الأولاد، كيف تكون هذه التربية؟ هل تربيهم على القرآن؟ هل تربيهم على السنة؟ هل تربيهم على العلم النافع؟
إنما تربيهم على ما تعرفه، فقد تلقنهم كلمات بلغتها ولهجتها غير صالحة، تكون مشككة أو تكون بدعية أو نحو ذلك.
فنصيحتنا: أن تكون الأم هي التي تتولى تربية وإصلاح أولادها فيما يتعلق بالعقيدة أو فيما يتعلق بالتعليم، فإذا ابتلوا واضطروا إلى هذه الخادمة فتكون خدمتها في أمور المنزل، من إصلاح طعام أو تغسيل ثياب أو ما أشبه ذلك.
العدل بين الأولاد
السؤال: إذا كان الأب -أو الأم- يفرق بين أولاده في المعاملة، فما هو العمل في ذلك؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: لا شك أن هذا من الجور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فمن العدل بينهم التسوية بينهم في العطاء، والتسوية بينهم في الكسوة وفي النفقة، وما إلى ذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنه يسوي بينهم حتى في القبل، فإذا قبل هذا الصبي قبل الثاني والثالث، وذلك من باب التسوية ومن باب العدل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
لا أشهد على جور)، بمعنى أنه إذا مال مع أحدهم فإنه يسمى جائراً، ولكن يمكن أن يجوز ذلك إذا كان هذا الذي مال معه صالحاً، والآخر فاسداً وماجناً، فإذا حاول إصلاح هذا وعجز عنه بأن صار عاقاً وعاصياً لأبويه، وعاصياً لله، ومعرضاً عن الله، ومعرضاً عن العبادة، ومنهمكاً في شرب المسكرات، أو في المنكرات أو في المعاصي، ولم يستطع أبواه إصلاحه، فلا مانع، بل يجوز لهم والحال هذه التساهل وعدم مساواته بغيره، بل عليهم أن يشددوا في الأمر معه، ولو أن يحرموه من تربيتهم له أو نفقتهم عليه، ولو أن يعاقبوه بما يكون سبباً في استقامته إذا وفق الله.
حكم تقصير الأسنان الطويلة للتجميل
السؤال: امرأة تسأل وتقول: ما حكم التقصير من الثنايا العليا إذا كانت طويلة قليلاً لغرض التجمل؟
الجواب: نرى أن هذا من خلق الله الذي خلقه لعباده، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يشبه ذلك، فلعن الواشرة والمستوشرة، وهي التي تحك الثنايا حتى يكون فيها وشار، ولعن المتفلجات، وهي التي تحك ما بين السنين حتى يكون بين الثنيتين أو بين الرباعية والثنية فرجة أو ما أشبه ذلك، فذكر أن ذلك تغيير لخلق الله، فعليها أن ترضى بما قدر الله.
صبغ شعر الحاجب بلون البشرة ليظهر دقيقاً
السؤال: انتشر الآن في مجتمع النساء أمر نود معرفة حكمه، وهو أن المرأة تعمد إلى حواجبها وتشقر بعضه -أي: تصبغه بلون يشبه الجلد- حتى يكون الحاجب دقيقاً، أفتونا مأجورين.
الجواب: لا يجوز ذلك، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة، والوشم هو تغيير البشرة بلون يخالف لونها العادي، ويدخل في ذلك -أيضاً- تغيير الشعر، فإذا كان قد نهى عن نتف الحواجب، وسماه نمصاً، ولعن النامصة التي تنتف شعر الحواجب أو تحلقه ونحو ذلك، فكذلك التي تغيره بهذا اللون، فإنها تدخل إما في الواشمة وإما في النامصة.
استعمال القسوة في تربية الأولاد
السؤال: بماذا تنصحون الآباء الذين يقسون على أبنائهم لأقل الأسباب، مع عدم اكتراثهم بتعليمهم أمور الدين؟
الجواب: هذا لا يجوز، لا شك أن القسوة تكون منفرة للأولاد، والوالد عليه أن يكون ليناً، ولكن لا يكون ضعيفاً، وعليه أن يكون شديداً ولكن لا يكون صلفاً، بل يستعمل الشدة في موضعها، ويستعمل اللين في موضعه، فيكون حازماً في أموره، فإذا استعمل الشدة والصلف والغضب لأدنى أمر من الأمور نفر أولاده، وربما يتربون على تلك الشدة والحدة والغضب الشديد، فيتعلمون هذه الأخلاق، وربما نفروا منه إذا استعمل معهم هذه الشدة.
كذلك -أيضاً- لا يستعمل معهم اللين الزائد، بحيث يتساهل عن هفواتهم وعن زلاتهم، ولا يعاتبهم على شيء، ويتركهم يفعلون ما يريدون، فيستحسن الأمر أمامهم، فيكون بذلك ضعيفاً، فلا يكون شديداً ولا يكون ضعيفاً، وخير الأمور أوسطها.
حكم تزين المرأة عند الذهاب للمسجد
السؤال: سائلة تسأل وتقول: هل يجوز للمرأة التي تأتي المسجد لسماع درس علم أن تزين وجهها بكامل الزينة؟ وهل (الروج) مانع للوضوء أم لا؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: لا يجوز ذلك، فقد أمرت المرأة إذا خرجت إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة أن تخرج متبذلة، ففي الحديث: (
لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات) أي: متبذلات، فلا تتزين، ولا تتعطر، ولا تجمل وجهها ولا يديها، ولا تتطيب، ولا تلبس ثياباً فاتنة تلفت الأنظار، وتحرص على أن تكون بعيدة عن مجتمعات الرجال أو ممرهم أو نحو ذلك.
حكم حضور الحائض إلى المسجد لسماع المحاضرة
السؤال: امرأة تسأل وتقول: امرأة أتتها الدورة الشهرية هذه الأيام، وتريد أن تأتي لتسمع هذه المحاضرات، فهل لها أن تأتي أم لا؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: ورد حديث بلفظ: (
لا تحلوا المسجد لحائض ولا جنب)، وسبب ذلك أن المساجد محل الطهارة ومحل العبادة، وليس كذلك الحائض، فإذا كان هناك ملحقات تابعة للمسجد وليست من الأماكن التي يصلى فيها، وجلس فيها النساء فلهن ذلك، وإلا فلا يحل لها أن تدخل داخل المساجد التي هي أماكن الصلاة والأماكن التي يصلى فيها.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما أذن بخروج النساء إلى مصلى العيد، أمر بإخراج العواتق وذوات الخدور، وأمر بخروج الحيض، ولكن قال: (
ليعتزل الحيَّضُ المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين)، فمع أن الصلاة كانت في صحراء، أمرهن بأن يعتزلن.
حكم الهدية لمدرس القرآن الكريم
السؤال: تقول السائلة: نحن مجموعة نساء ندرس في دار تحفيظ للقرآن الكريم، وفي آخر الدورة لتحفيظ القرآن قمنا بإعطاء معلمة القرآن هدية، السؤال: هل هذه الهدية جائزة أم تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (
هدايا العمال غلول) ؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: لا تدخل إن شاء الله، فالقصد منها المودة والمحبة، فتدخل في الحديث: (
تهادوا تحابوا) إذا كان القصد محبتها ومودة لها على ما بذلته من النصح في التوجيه والتعليم في هذه الدورات، وكذلك -أيضاً- إذا كان القصد المودة والمحبة فيما بينهن، ولم يكن القصد أنها تلين مع الللاتي أهدينها، وأنها تتغاضى عن هفواتهن، أو تزيد في مكافآتهن أو ما أشبه ذلك.
إذا انشغل الأب عن تربية الأولاد أوصى بهم من يربيهم
السؤال: إذا كان الأب قد منع آلات الشر واللهو عن بيته، ولم يعط أولاده وقتاً للجلوس معه، هل يكون قد ضيع الأمانة في ذلك؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: إذا منعهم من آلات اللهو فإن عليه أن يعوضهم بما هو من الخير، فيجلب لهم ما يصلحهم، فيجلب لهم أشرطة القرآن، وكذلك النصائح ورسائل العلم وما أشبه ذلك، فإذا كان منشغلاً عنهم فلابد أن يوكل بهم من يعلمهم، فيوصي معلمي تحفيظ القرآن، وكذلك يوصي معلمي المدارس بالعناية بهم، وكذلك يوصي بعضهم ببعض، ويوصي بهم أمهاتهم ومن يتولاهم؛ لعله بذلك يصلحهم.
حكم السماح للنساء بالتسوق وحدهن
السؤال: هل ترك النساء يتسوقن في السوق وحدهن في ظل هذه المنكرات الموجودة من مخالفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: لا شك مع وجود كثرة المنكرات أن هذا يعتبر إهمالاً وإفساداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم منعهن من الخروج إلى المساجد إلا في حالة أن يكن تفلات، مع أنه خروج لطاعة وعبادة، وكذلك -أيضاً- قال الله تعالى:
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] ، ومنعهن أن يخرجن إلا لحاجات ضرورية، فعلى هذا فالذين يمكنون نساءهم من دخول تلك الأسواق المزدحمة، ولا تؤمن المرأة أن تفتتن بمن تراه أو أن يفتتن بها؛ يعتبرون مهملين لهؤلاء الرعية، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.