[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له).
وفي لفظٍ لـمسلم ، (أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها، حياً وميتاً، ولعقبه)].
ونمثل بالسكنى في الدار: إذا كان عنده منزل زائد عن حاجته أعطاه قريباً له أو صديقاً، وقال: قد أعمرتك هذه الدار، أي: جعلتها لك حياتك ومدة عمرك، أو يقول: قد أرقبتك هذه الدار لتسكن فيها، أو مثلاً أرضاً أرقبتها لتزرعها أو نحو ذلك، تسمى عمرى ورقبى، وسميت عمرى لأنها له مدى عمره، وسميت رقبى لأن صاحبها يرتقب موته حتى تعود إليه تلك الأرض التي وهبها هبةً مؤقتة، هذا مثالها في العقار.
وتكون أيضاً في المنقول: فقد يعطيه مثلاً سيفاً ويقول: هو لك ما عشت، أو هو لك عمرك تقاتل به مثلاً، أو يعطيه إناءً يطبخ فيه، ويقول: هو لك حياتك، هو لك عمرك، أو يعطيه مثلاً دابةً يركبها ويقول: هي لك حياتك، يعني ما دمت حياً، كفرس يقاتل عليها، أو خلفةً يحلبها أو يركبها أو ما أشبه ذلك، فيعطيه إياها عطية مؤقتة، وتكون بمنزلة العارية التي لها حدٌ وهو منتهى حياته، فهذه تسمى العمرى وتسمى الرقبى، هذا اسمها قبل الإسلام.
فلما جاء الإسلام وكانت العمرى والرقبى مشهورة في تلك المجتمعات التي صارت مجتمعات إسلامية، تغيّر الحكم، فاختلفت الأحاديث: هل تكون هبةً يملكها المهدى له، أم ترجع إلى المهدي والمعطي بعد موت المهدى له؟ في ذلك خلاف.
هذا مقتضى أكثر الروايات، حتى الروايات التي قال فيها: (أمسكوا عليكم أموالكم لا تفسدوها، من أعمر شيئاً فإنه للذي أعمر)، يعني: أنه يبقى للذي أعمر.
ولكن الرواية الأخرى تقتضي أنها ترجع إلى مالكها الأول؛ لأنه وقَّت عطاءه، حيث قال: هي لك ما عشت أو هي لك حياتك، فإذا مات رجعت إلى مالكها بمنزلة العارية المحددة، هذا مقتضى الرواية الثانية التي قال: (إنها ترجع إلى صاحبها).
وذلك بمنزلة العواري: فإذا أعرت صاحبك كتاباً وقلت له: اقرأ فيه حتى تقضي حاجتك منه، فقد أردت أن تسترده، كذلك إذا حددت وقتاً وقلت مثلاً: هذا الكتاب عارية عندك تقرأ فيه، أو هذا القدر عارية عندك تطبخ فيه، أو هذه السكين عارية عندك تقطع بها، ولم تحدد، جاز لك أن تسترده ولو بعد يوم أو بعد شهر، وجاز لك أن تبقيه ما دمت مستغنياً عنه، ولكنه لا يدخل في ملك المعار، بل هو عارية مستردة ومؤداة.
وأما إذا حددت المدة فإنك لا ترجع فيه إلا بعد نهايتها، فلو قلت مثلاً: هذا البيت لك تسكنه عشر سنين، ففي هذه الحال لا ترجع قبل تمام عشر سنين، وذلك لأنك أعطيته والمسلم لا يرجع في عطيته، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه).
والعطية والهبة تعم المنافع وتعم الأعيان، فأنت مثلاً إذا أعطيته عيناً ينتفع بها كقدر، وقلت: هو لك، فلا يجوز لك أن تعود فيه، أو ثوباً يلبسه وقلت: هو هدية لك أو هبة لك، لم يجز أن تسترده، أو مثلاً بقرة يحلبها لم يجز لك أن تستردها، لأنك أعطيته عطية وهبة.
فكذلك إذا حددت فقلت مثلاً: لك هذه الشاة تحلبها ما دام فيها لبن، فلا ترجع فيها بعد شهر أو بعد شهرين مادام فيها لبن، فإذا نشف لبنها فإن لك الرجوع.
أو حددت مدة، قلت مثلاً: هذا القدر لك أن تطبخ فيه لمدة سنة، فبعد السنة يحق لك أن تعود فيه وترجع.
فيقال كذلك في الأموال التي تحدد بأوقات: فإذا أعطيته هذه الدار يسكنها، وقلت: هي لك حياتك، فإذا مات فإن لك أن تستعيدها، لأن عطيتك له هو، لا للوارث، بل هي خاصة بذلك الذي أعطيته، فلا تجري فيها سهام الورثة، هذه هي العمرى التي ذكر في الأحاديث أنها ترجع إلى صاحبها.
أما إذا قال: هي لك ولعقبك، يعني: أولادك ومن جاء بعدك، أو هي لك ولذريتك، فمثل هذه نسميها عطية منجزة وهبة، فليس له أن يرجع فيها، سواء في حياة المعطى أو بعده، فإن رجوعه في هذه يسمى رجوعاً في الهبة وعوداً فيها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه.
كذلك إذا حدد الوقت فليس له أن يرجع فيها قبل نهاية الوقت، فرجوعه قبل نهاية الوقت يكون رجوعاً في الهبة، وكأنه عائدٌ في قيئه.
- قسم يحدد فيه المدة بأن يقول: هي لك حياتك، أو لك عشر سنين، أو لك شهراً، فلا يرجع إذا جعلها شهراً إلا بعد نهايته، أو بعد نهاية عشر سنين، أو بعد انتهاء حياته يرجع بعد موته.
- وقسم يقول: هي لك ولعقبك، أو يقول: هي لك ويسكت، ففي هذه الحال نعتبرها هبة تدخل فيها سهام المواريث.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم)، ومعلوم أنه إذا شرط في الهبة أنها ترجع فإنها تعتبر مؤقتة، يعني: كالعارية، أباح لك أن تنتفع بها، وعند حاجته يرجع فيها، أو عند نهاية المدة، أو عند استغنائك، فإذا حدد المدة باستغنائك بأن قال: هي لك حتى تستغني عنها، فإذا استغنيت ووجدت ما يقوم مقامها، فإنه يملك استرجاعها، هذه هي العمرى والرقبى.
[عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه في جداره)، ثم يقول: أبو هريرة رضي الله عنه: (مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم)].
كذلك أيضاً، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)، يعني: غوائله وخياناته، فالذي لا يأمنه جاره أن يخونه، ولا يأمن أن يغتاله، ولا يأمن أن يختلس منه جاره، هذا ليس بمؤمن كامل الإيمان.
وقد وردت الأدلة في إحسان الجوار أيضاً، بل أمر بأن تحسن إلى جارك، وأن تتحفه وتهدي إليه، وأن تطعمه إذا علمت خصاصةً به، حتى ورد قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك).
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه) أو كما في الأحاديث.
وسألت عائشة : (إن لي جارين فإلى أيهما أهدي، فقال: إلى أقربهما باباً)، ففضل القريب باباً على غيره، ولا شك أن هذا كله يحث على حسن الجور، ومن ذلك ما تضمنه هذا الحديث، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن جار جاره، أن يغرز خشبةً في جداره)، وفي رواية: (أن يغرز خشبه في جداره).
فإن كان الجدار لا يتحمل، فيلزمه أن يقيم إلى جانبه جداراً؛ لأن بعض الجدر قد تكون رقيقةً دقيقه، إذا وضع عليها خشب من هنا ومن هنا، فقد لا تتحمل فتسقط، فيحتاج إلى إقامة جدار إلى جانب جدار، حتى يجتمع ويتحمل ذلك الخشب.
فأما إذا كان الجدار قوياً يمكنه أن يتحمل، فليس للجار أن يمنعه، وحيث ورد بلفظ الجمع: (أن يغرس خشبه)، فإنه يكون على وجه العموم، فمتى احتاج إلى خشب ولو كثيرة فإنه له ذلك ولا يمنع.
فهذا معنى قوله: (لا يمنع جار جاره أن يغرز)، والغرز: هو النحت، بأن يحفر لها ثم يغرزها في الجدار، ثم يسقف عليها بعدما يمسكها في الجدار، وإذا كان الأمر كما كانت الغرف قديماً يجعل لها سقف تعرض عليه الخشب، فاحتاج إلى أن يجعل السقف على هذا الجدار، وكان الجدار يتحمل، فله ذلك، فإن كان لا يتحمل فإنه يضع عموداً، أي: ساريةً تتحمل ذلك السقف، ثم بعده يعرض الخشب عليه.
وعلى كل حال فهذا كمثال في حاجة الجار إلى شيء مما يتصل بجاره، لأن الجار قد يحتاج إلى أحد حيطان جاره لوضع خشبه عليه، سواء كان جدار سورٍ من الأسوار التي تحيط بالمباني، أو جدار غرفةٍ أو حجرةٍ يلي هذا الجار، فإنه يمكنه من أن يسقف عليه.
لما حدث أبو هريرة هذا الحديث كأنه استثقله بعضهم وأنكره، وقال: كيف أمكنه وأنا الذي بنيت هذا الجدار وقمت به وتوليته، وينتفع به غيري؟ فـأبو هريرة لم يبال بذلك فيقول: (مالي أراكم عنها معرضين)، يعني: عن هذه السنة أو عن هذا الحديث، (والله لأرمين بها بين أكتافكم) أو (بين أكنافكم)، يعني: لأحدثن بهذا الحديث ولا أبالي من كره ذلك، لأنه لما تحقق أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لم ير بداً من أن يحدث به، ولو كره ذلك واستثقله بعضهم.
كذلك يقول بعضهم: إن الضمير يعود إلى الخشب، أي: لأرمين بالخشبة بين أكتافكم، يعني: ولو لم أجد إلا كتف أحدكم أضعه عليه -من المبالغة- يعني: عند الحاجة لأفعلن ما أمرني به الرسول وما أمر به الأمة، وما نهاهم عنه بقوله: (لا يمنع ..).
ثم الأولى بالجيران أن يتعاونوا فيما بينهم، فإذا كان هناك جدار حاجز بين اثنين، فالأولى أن يشتركا في النفقة عليه، وأن يجعلاه متحملاً لخشب هذا وهذا، أو لصبة هذا وهذا، حتى لا يقع بينهما شيء من المنافسة أو من الامتنان، أو من الكراهية لانتفاع جاره به أو نحو ذلك.
لكن إذا سبق أحدهم وانفرد بإقامة هذا السور أو بإقامة هذا الجدار، ثم جاء إلى جانبه آخر وأقام منزله واحتاج إلى التسقيف على جداره؛ فليس له منعه؛ هذا مقتضى الحديث.
[عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبرٍ من أرضٍ طوقه من سبع أرضين)].
وذكر العلماء أنواع الإحياء الذي تملك به الأرض، فقالوا: يحصل بحفر الآبار، فقد ورد أن من حفر بئراً حتى وصل إلى الماء، فإنه يملك تلك البئر ويملك حريمها، أي: ما حولها، قيل: إنه يملك مد رشائها، وقيل: يملك من كل جانب خمسةً وعشرين ذراعاً إن كانت بئراً منتزعة، وأما إذا كانت قديمةً فإنه يملك خمسين ذراعاً، أما إذا كانت بئراً زراعيةً حفرها للزراعة، فإنه يملك ثلاثمائة ذراع من كل جانب، وبكل حال فهذا مما تملك به الأرض.
كذلك أيضاً تملك بالسقي، فإذا جلب الماء إلى الأرض وسقاها فإنه يملكها إذا أخرج ماءً من بئرٍ فسقى به تلك الأرض، سواء كان فيها زرع أو شجر أو ليس فيها.
وكذلك إذا أجرى الماء إليها: فإذا أجرى الماء في ساقيةٍ أو مواسير أو نحوها، إلى أن وصل إلى هذه الأرض وسقاها، ملكها بذلك، ولا يملكها إذا صب الماء فيها من إناء أو نحوه.
فلو أن إنساناً ملأ سيارةً مما يسمى بالوايت، وجاء إلى أرضٍ صحراء وصب الماء عليها، لم يملكها بذلك إلا أن يكون قد غرس فيها أو زرع، فأما إذا جلب الماء إليها ولو من بعيد فإنه يملكها مع الساقية ونحوها.
كذلك أيضاً يملكها بالبناء: فإذا بنى حولها قدر ما يستر الواقف حائطاً مستديراً من كل جهاتها فإنه يملكها وتدخل في ملكه بمثل ذلك.
فعرفنا بذلك أنه إذا أحياها فقد ملكها.
(من أحيا أرضاً ميتةً فهي له)، والميتة: هي التي ليس فيها آثار تدل على أنها قد ملكت قبله، بل لم يكن لها مالك، فهذا دليل على أنه يملكها بهذا الإحياء، فإذا ملكها فلا شك أنه أحق بها، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليها ولا أن يتقدم ويأخذ ويتملك منها شيئاً ولو كان قليلاً.
في حديث متفق عليه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، أن امرأة من جيرانه يقال لها: أروى ، ادعت عليه عند بعض الخلفاء وقالت: إنه أخذ أرضي، أو اقتطع بعض أرضي، فترافعوا إلى الأمير؛ فقال سعيد : كيف آخذ أرضها وقد سمعت ما سمعت! فقالوا: ما سمعت؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اقتطع شبراً من الأرض بغير حق، طوقه من سبع أرضين) فقال ذلك الأمير: لا نطلب منك بينةً بعد ذلك! ولكنه ترك ذلك ودعا عليها فأصابتها دعوته.
وقد ورد أيضاً اللعن لمن اقتطع شيئاً من الأرض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من غير منار الأرض)، ومنار الأرض هو حدودها ورسومها، وذلك أن الذي يملك الأرض يجعل لها حدوداً وتسمى رسوماً، وهي نصب ينصبونها تميز أرض هذا عن هذا، وتبين الحد الفاصل بين الأرضين، فهذه تسمى مناراً، فالذي يأتي مثلاً ويقلع هذا النصب، ثم يقدمه في أرض جاره، ليأخذ قطعة من هذه الأرض، ويقلص من أرض جاره، فلا شك أن هذا داخل في هذا الوعيد الذي هو اللعن: (لعن الله من غير منار الأرض)، وهذا وعيد شديد.
وإذا كان هذا في ظلم الأرض، فلا شك أن بقية أنواع الظلم داخل في ذلك، فظلم الأرض هو اقتطاع شيء من حق الغير ولو شيئاً يسيراً، هذا إذا كانت مملوكةً لأحد، أما إذا كانت حرةً غير مملوكة، فإن الأرض لمن سبق إليها، لقوله: (من سبق إلى مال فهو أحق به، أو: فهو له).
كثير من الخصومات وكثير من القضايا التي في المحاكم إنما هي حول بقاع أو قطع من الأرض، هذا يدعي أنها له، وهذا يدعي أنها له، ولو علموا أن فيها هذا الوعيد الشديد لزهدوا فيها كلها، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترافع إليه رجلان من الصحابة في مواريث بينهما قد اندرست، يمكن أن يكون منها أراض وعقارات وبقع قد اندرست، ولا يعلمون ما حق هذا من حق هذا، فعند ذلك وعظهم صلى الله عليه وسلم وقال: (من قضيت له بحق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليدعها)، وكان أولئك الصحابة ذوي ورع وذوي مخافة، فلما سمعوا هذا الوعيد خاف كلٌّ منهم أن يأخذ شيئاً من حق أخيه فقال: أنا أتنازل عنها كلها، ولا أريدها إذا كانت عاقبة هذا الظلم أو عاقبة هذا العدوان النار، فلا حاجة لي فيها.
فعند ذلك أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلا أن يتحروا الصواب ويقتسموها على ما يقرب من الحق، ثم بعد ذلك يستبيح كل منهم صاحبه، فنحن نقول: إذا كان بينك وبين جارك، أو بينك وبين شريكك خلاف في شيء من الأرض، أنت تقول: هذا لي وهو يقول: هذا لي؛ فاعلم أنك إذا أخذته وأنت تعلم أنه ليس من حقك، فإنك متعرض لهذا الوعيد، ومتعرض لأن تحمل هذه الأرض يوم القيامة كلها طوقاً في عنقك من سبع أرضين، أو متعرض لأن يخسف بك في هذه الأرض كلها إلى سبع أرضين، ومتعرض للَّعن الذي توعد به في هذه الأحاديث.
فإذاً نقول: عليك أن تصطلح مع جارك أو شريكك، على أن تقتسما هذه الأرض ويستبيح كل منكم صاحبه، أي: تتنازل عنها إذا كنت تعرف أنه لا حق لك فيها، وأنك ظالم ومعتد بأخذك ما ليس لك.
ومعلوم أن كثيراً من المتخاصمين يعرفون خطأهم، وأنهم في نفس الأمر ليس لهم حق في هذه البقعة، وأنهم معتدون في دعواهم، لكن ما الذي يحملهم على هذه المخاصمات وهذه المرافعات والشكايات التي قد تطول مدةً طويلة، والواحد منهم يجعل من يحامي ويجادل عنه، ويلصق الأكاذيب ويلفق الحجج، فيجمعها وهو في نفس الأمر يعرف أنه كاذب وأنه لا حق له؟
فالذي يحمله هو الطمع الذي يريد به أن يكتسب مالاً أو يكتسب بقعاً لا حق له فيها، أو إنما هي ملك الله يؤتيه من يشاء، فتكثر في ذلك المنازعات، مع أنه يعرف الحق من الباطل.
فقد تكون أنت أيها الظالم أقوى حجةً، وأمكن في الكلام وألحن، وتلصق ما تلصق، وربما تأتي بشهود كذبة، وتعطيهم على أن يشهدوا معك، وربما تجمع وثائق لا أساس لها ولا أصل لها، فينخدع القضاة ويعتقدون أنك صادق، فيقضون لك بتلك البقع أو بتلك الأراضي، وتأخذها وهي ليست لك، وتظلم أصحابها أو أهلها الذين ملكوها والذين أحيوها، فماذا تكون حالتهم؟
يدعون عليك ويطلبون من ربهم أن ينتقم لهم منك، وهذا فيه خطر كبير، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، بمعنى: أن المظلوم الذي ظلمه ظاهرٌ وواضح، إذا رفع يديه يدعو على من ظلمه، سيما في أوقات الإجابة؛ فإن دعوته لا تحجب، فدعوة المظلوم غير محجوبة، بل تخرق الحجب ويرفعها الله تعالى فوق السماء، ويقول: لأنصرنك ولو بعد حين.
فعلينا أن نحذر من هذا الاعتداء، وسواء كان الظلم في الأراضي أو في غيرها من الأموال، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر