أما بعد:
فكل الناس يعملون، منهم من يعمل للدنيا، ومنهم من يعمل للآخرة، ومنهم من يسعى ليدمر أخلاق الأمة، ومنهم من يسعى لحماية هذه الأمة من مزالق البلاء والدمار، ومنهم من التبس عليه الأمر فأصبح سعيه في نظره مقبولاً وعند الله مرفوضاً، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205].
ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كل الناس يغدو -أي: يسير ابتداءً من الصباح منطلقاً مبكراً للعمل- فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) إما أن يبيعها الله عز وجل ويعتقها من النار، وإما أن يوبقها، وكلهم يعملون، ولربما يتعب أعداء الإسلام الذين يحاربون الإسلام ولا يرجون الجنة أكثر من أن يتعب دعاة الخير والصلاح، لكن الفرق بيننا وبينهم: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النساء:104].
وإن أعجب ما أتعجب له حينما أدخل في مجاهل أفريقيا في غابات موحشة، فأرى فتياناً وفتيات من النصارى يأتون من قلب أوروبا ومن روما، يركبون البقر، ويتجولون في الغابات الموحشة، ويشربون المياه الآسنة، مع شظف العيش والبعوض والحر والمخاوف والمخاطر وهم في سن مبكرة في أيام الشباب والنعومة، ثم أتعجب وأتساءل:
لماذا جاء هؤلاء؟
لماذا هؤلاء لم يتمتعوا ببلادهم التي هي متعة الناس، وهم لا يرجون الجنة؟!
فأتذكر قول الله تعالى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النساء:104] وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36].
لكني أعجب من كون هؤلاء أبناء النصارى وبنات النصارى الذين لم تبق فطرتهم السليمة، بل حيل بينهم وبينها، وهم حطب لجهنم إلا إذا دخلوا في الإسلام، وأسأل مرة أخرى وأقول: أين أبناء المسلمين؟ بل أين أبناء الجزيرة العربية؟ أين أبناء مكة والمدينة وما حولها الذين هم أول من حمل هذه الرسالة وأول من كُلف بها، وهم أول من يُسأل عنها يوم القيامة؟!
فلا أستطيع أن أجيب نفسي؛ لأني لا أرى إلا نادراً من أولئك، أما الكثرة الساحقة فهم أبناء النصارى الذين يعيثون في الأرض فساداً.
قلت: سبحان الله! سنة الله في الذين خلوا من قبل: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النساء:104].
وصدقني -أخي الكريم- أن هناك غابات في وسط أفريقيا ندخلها لا نصل إليها إلا بشق الأنفس، بسيارات جيب خاصة جداً، تخترق الرمال والوحوش والأمور المخيفة، ثم نجد هؤلاء الذين يعيشون طيلة حياتهم قد تطوعوا سنين طويلة في حرب أبناء المسلمين على الفطرة، يأخذون الأطفال من أمهاتهم الفقيرات، فيربون الأطفال، تربيهم المرأة على الحليب المركز، وتحتضن هذا الطفل الأسود وهي أشد بياضاً من الشمس، فتربيه كأنها تربي طفلها الذي خرج من جوفها، وأبناء المسلمين أكثرهم يغطون في نوم عميق!
أما النوع الثاني فهم أقوام عرفوا الهدف الذي من أجله خلقوا، والحكمة العظيمة التي من أجلها كانوا، فعرفوا أن الدنيا دار ممر وليست دار مقر، وأن الآخرة هي الحيوان، فعلموا بعين البصيرة الحكمة التي من أجلها خلقوا، فكانوا كما أخبر الله عز وجل: وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء:19]، فهذا هو السعي المشكور، وهذا هو الجهد المدخر عند الله سبحانه وتعالى، وهذا هو العمل الذي يجب أن يكون همَّ كل الناس، لا سيما في هذه الأيام التي تبين فيها -والحمد لله- الرشد من الغي.
خمسة شروط -يا أخي- لا بد منها في صحة العمل وقبوله عند الله سبحانه وتعالى.
خمسة شروط إذا أردت أن يقبل منك العمل فلا بد من أن تهتم بهذه الشروط الخمسة، ولا بد أن تتأكد من صحة وجودها في عملك، وإلا فإن الله تعالى أخبر أن هناك أقواماً يوم القيامة يصلون النار وقد كانوا في الدنيا خاشعين عابدين، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:2-4] يعني: بالرغم من أنها خاشعة في الدنيا وعاملة تعمل الصالحات (ناصبة) تبذل جهداً كبيراً ومشقة في سبيل العمل الصالح لكنها تصلى ناراً حامية، لماذا؟!
لأن هذا العمل لا يقوم على أساس عقيدة صحيحة سليمة، ولأن هذا العمل لا يوافق منهجاً سليماً جاء به محمد عليه الصلاة والسلام من عند ربه، فكانت النتيجة: تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:4].
أما هؤلاء القوم فخمسة شروط تتحقق في أعمالهم، ويكون سعيهم مشكوراً.
قال تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ [الإسراء:19] أي عمل لا يراد به وجه الله والدار الآخرة لا ينفع صاحبه، ولذلك الله تعالى يقول عن قوم كفار عملوا خيراً: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:39]، تسير في الصحراء في شدة الحر فترى كأن أمامك ماءً، وينخدع ذلك العطشان بذلك الماء ويركض، كلما قرب منه ابتعد السراب الذي على وجه الأرض، حتى يهلك هذا الإنسان وهو يتبع ذلك السراب: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النور:40] وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18] أين ذهب هذا العمل؟
كأنه رماد خفيف الحجم والوزن هبت عليه ريح شديدة فطار في الهواء؛ لأن هذا العمل رماد وليس بنار، ولأن هذا العمل صورة وليس بحقيقة.
إذاً لا بد من إرادة الآخرة، والمنافقون لا يريدون الآخرة، وإنما يعملون العمل تقية حتى يعيشوا في المجتمع مع الناس، ولذلك الله تعالى لا يتقبل شيئاً من أعمالهم، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] العلمانيون -عليهم جميعاً لعنة الله إلى يوم القيامة- لا يعملون للآخرة، وإذا عملوا فإنما يعملون أموراً هم يستحسنونها فقط، فيقولون: هذا الدين عبادة فتذهب إلى المسجد، وتحج إذا جاء موسم الحج، وتتصدق على الفقراء من باب الإنسانية، وتصوم إذا جاء رمضان، لكن ما الذي يدخل الدين في أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاق؟! كل ما شئت، واشرب ما شئت، وافعل ما شئت، ولا تتقيد بهذا الدين في أي نظام؛ لأن هذا الدين للعبادة. ويقولون: (ما لله لله وما لقيصر لقيصر) ولكن الله عز وجل يقول: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:284] ولذلك أعمالهم كسراب بقيعة.
وهكذا سائر الملل والفرق التي تعبد الله سبحانه وتعالى بدون إرادة الآخرة، يتصدق فيقول: إنسانية وهكذا يؤوِّل كل عبادة من العبادات لمصلحة الدنيا لا لمصلحته هو في الآخرة.
العمل الصالح لا يصح إلا بإرادة ونية صادقة لا يريد من ورائها جزاءً ولا شكوراً من الناس، وإنما من الله سبحانه وتعالى، لا يبغي بها ثناءً من البشر، وإنما من الله عز وجل، إرادة جازمة للآخرة، هذه الإرادة لما كانت جازمة وثابتة في أعماق الفؤاد لا يستطيع أحد أن يطاردها ولو بقوة الحديد والنار، ولذلك تجد أنه كم بذل العدو في سبيل مطاردة هذا الدين فلم يفلح؛ لأنه وجد أمماً كالجبال لا يتحولون عن مواقعهم، قال الله عن مكرهم: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46] لكنهم وجدوا أقواماً عرفوا الله عز وجل حق المعرفة، وآمنوا به حق الإيمان، فما استطاع العدو أن ينال منهم منالاً واحداً، ولا أن يكسب منهم فرداً أبداً.
ولقد كسب العدو أقواماً إيمانهم بسيط، إيمان تقليدي وراثي، ورثه هذا الإنسان من المجتمع الذي يعيش فيه، فأصبح هذا الإيمان غير ثابتٍ في أعماق القلب، وليست له جذور، فأدى ذلك إلى أن يتأثر هذا الإيمان بأول هزة، وكم نسمع أن فلاناً من الناس اهتدى واستقام، ثم نفاجأ بعد مدة وجيزة أنه استقام ورجع واستقام ورجع، السر في ذلك أن هذا الإيمان لم يتعمق في القلب، ولو تعمق في القلب ووصل إلى سويداء القلب ما كان أحد يستطيع أن يؤثر على هذا الإيمان، وسوف أضرب بعض الأمثلة:
المثال الأول: أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وصل إلى درجة من الإيمان لم يصل إليها إنسان قط إلا ما شاء ربك، يلقى في النار فيأتيه ملك من ملائكة الله فيقول: ألك حاجة؟ فيقول: أما إليك فلا، وهو في طريقه يهوي إلى نار تحرق الطير في السماء، يقول: أما إليك فلا. ما خاف من النار؛ لأنه يعرف أن النار بيد الله سبحانه وتعالى، يؤمر بترك ولده الصغير الوحيد الطفل هو وأمه ليضعهما في مكة بواد غير ذي زرع، فيستجيب لأمر الله، وما قال: تأكل الطفل السباع أو تأكل أمه. وإن كان الاحتياط مطلوب في الأصل، لكن استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى.
ويؤمر بذبح ولده وقد بلغ معه سن السعي ثم يستجيب لأمر الله، ولم يقل: هذا ولدي الوحيد، ولقد بلغ سن السعي وأنا بحاجه إليه. فيعلم الله صدق إيمانه فيفديه بذبح عظيم، ما هو السر في ذلك؟ هل إبراهيم عليه السلام ولد في بيئة متدينة، وعاش عيشة متدينة، وجد الأب يصلي والأم تصلي وقلدهما، أم أن إبراهيم عليه السلام ولد في بيئة كافرة كل من فيها كافر، ليس فيها رجل واحد مؤمن إلا إبراهيم عليه السلام؟ ولذلك الله تعالى يقول: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] هو أمة والعالم كله أمة، وهكذا يكون الرجل المؤمن أمة في عالم يخالفه في المنهج والعقيدة؟!
إبراهيم عليه الصلاة السلام ولد في بيئة كافرة، وأقرب الناس إليه وأكثر الناس عداوة له أبوه، قال الله تعالى: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم:46] لكن السر في ذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بحث في هذا الكون لينظر من يستحق أن يعبد، فنظر مرة إلى الكوكب فقال: هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:76-79]، هنا يكون الإيمان القوي، ولذلك الله تعالى يقول لنا وللناس كافة: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الأعراف:185] ويقول تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران:190-191].
مثل آخر: السحرة الذين جاء بهم فرعون ليقابلوا آية الله التي جاء بها موسى عليه الصلاة والسلام، سحرة ولدوا في بيئة كافرة، بيئة سحر، ومنذ طفولتهم وهم يتدربون على السحر، ويعيشون مدة طويلة من الزمن حتى كبر سنهم وهم لا يعرفون إلا السحر والكفر بالله سبحانه وتعالى، لكن هذه آية رأوها بأعينهم واستطاعت أن تمحو وتزيل كل آثار التربية السيئة التي ألفوها مدى الحياة، الذي حدث أن موسى عليه الصلاة والسلام ألقى العصا وهي آية الله العظمى لموسى عليه الصلاة والسلام، فرأوا أن مثل هذا لا يكون سحراً، وإنما هي آية من آيات الله عز وجل؛ لأنها فوق مستوى السحر، فإنهم قد فهموا السحر وهضموه هضماً كاملاً، فلما رأوا الآية تغير كل ما في عقولهم من التفكير السابق والتربية التي حقنت في دمائهم منذ الطفولة وقبل الطفولة وبعد الطفولة إلى تلك اللحظة، والفطرة موجودة في قلب كل واحد من الناس، لكن ما الذي حدث؟!
كانوا قبل لحظات يقولون: (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء:44] فماذا قالوا بعد ذلك لما رأوا الآية.. وماذا قال فرعون؟
خروا ساجدين لله تعالى، وهي السجدة الأولى والأخيرة بالنسبة لحياتهم العبادية، تصور -يا أخي- هذا التحول العجيب الذي يحصل! ثم ليس العجيب في أن يسجدوا لله عز وجل؛ لأن السجدة ما تكلف الإنسان جهداً كبيراً، العجيب أن أكبر طاغية في الأرض يحمل السكاكين والجلادين ويقسم لهم بأنه سوف يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم في جذوع النخل، فماذا تتصور يا أخي! ساحر ما مر على إيمانه إلا دقائق، وكل حياته في الكفر، فماذا تتصور والسكاكين أمامه والجلادون والسيوف والحراب مجهزة لتقطيعه؟! أول ما يتبادر للذهن أن هذا سيرجع؛ لأن التربية القديمة قد غلبت عليه، ولكن ما الذي حدث؟!!
الذي حدث أنهم استهانوا بكل الحياة وما فيها؛ لأنهم رأوا بأعينهم آية من آيات الله، آية واحدة!! كم نرى نحن من آيات! وكم مضى علينا ونحن نعيش في ظل هذا الدين! وكم تربينا في بيئات مسلمة! لكن هؤلاء ما مرت عليهم إلا دقائق، تصوروا أنه لما قال لهم: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى [طه:71] ماذا قالوا؟
قال تعالى: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] (ما) اسم موصول تفيد العموم، كل ما تريده اعمله، لكنها للاستهانة التي لغير العاقل، أي: نحن نستهين بك وبتهديدك، وبالجلادين الذين أشرعوا السيوف لتقطيع الأيدي والأرجل، وأقبلنا على الله عز وجل، ما تستطيع أن تؤثر على هذا الإيمان.
ثم تجد الاستهانة بالدنيا.. فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] أي: اقض ما شئت. ثم قالوا: (إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72] (إنما) للحصر، أي: الأمر الذي تريده منا بسيط، اقتلنا، وقطع رءوس مائة ألف ساحر، وقطع أيديهم وأرجلهم حتى يموتوا، لكن الإيمان لا تستطيع أن تصل إليه، فهم استهانوا وقالوا: إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72].
وقالوا: إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:73] أي: ما عند الله أحب إلينا مما عندك. ثم بدءوا يعظون الناس وتحولوا إلى دعاة فقالوا: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا [طه:74] فضلاً عن أن يقطع أيديهم وأرجلهم يعظون الناس، أي: تحولوا إلى دعاة في لحظة واحدة، فسجدوا لله، وصبروا على الأذى، وتحملوا تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، اليد اليمنى والرجل اليسرى تقطع ويصلب أحدهم حتى يموت؛ لأنهم عرفوا أن مدتهم في الدنيا أصبحت قليلة، وأن العمر أصبح قليلاً، فقالوا: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:72-73] ثم يقولون للناس: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ [طه:74] أي: احذروا أن يفتنكم هذا الرجل الطاغوت، احذروا أن تفتنوا في دينكم! إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا [طه:74] هذا كلام السحرة.. وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا [طه:75]، كيف فهموا كل هذا الأمر في لحظة واحدة.
إذاً ما هو الذي حول مسار الحياة بالنسبة لهؤلاء السحرة؟
إيمان بآية واحدة فقط، لو جئنا بواحد من أبناء الفطرة وعمره سبعون أو ثمانون سنة ولد في الفطرة مع أبوين مسلمين، ولربما يكون على مستوى العلماء وعرضنا عليه جزءاً من هذه الفتنة التي مرت بهؤلاء السحرة فإنه يندر أن نجد من يستطيع أن يثبت، فكيف بساحر مضى عليه جل العمر وهو في معصية الله والسحر والظلم والطغيان، ثم يرى بعينيه السيوف مصلتة للتقطيع، ثم يستهين بذلك كله!
القصة هي قصة إيمانهم، نحن لا نريد من الناس أن يصلوا فقط دون أن يتصوروا حقيقة الصلاة، ولا نريد منهم أن يحجوا دون أن يتصوروا حقيقة الحج، ولا نريد منهم أن يعملوا أي عبادة إلا بعد أن يتصوروا حقيقتها، وقبل ذلك كله يعرفون من الذي أمرهم بهذا الأمر، وأيهما خير الدنيا أم الآخرة؟! لا سيما في هذه الفترة التي أصبحت هي فترة الانفلات، وإني أعتقد أن هذه الأيام التي نعيشها لم يمر مثلها في تاريخ البشرية، ولن يمر -بإذن الله- أخطر منها في حياتنا أبداً، وأنها حياة مصيرية سوف يكون لها ما بعدها في حياة هذا الإنسان، ففي هذه الأيام يبتلى الإسلام من الداخل والخارج، ويحارب من كل مكان، وقد وقع فينا كما وقع في سلفنا الصالح يوم الأحزاب: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:22] فيجب أن نقول كما قال أولئك: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ولا نقول كما قال المنافقون لما رأوا الأحزاب: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12].
إذاً -أيها الأخ الكريم- السحرة لم تمض إلا لحظات على إيمانهم ويستهينون بالموت، والسحرة لم تمض إلا لحظات على دخولهم في دين موسى عليه الصلاة السلام والسجود لله تعالى سجدة واحدة، ومع ذلك ما خافوا من الإرهاب، وما خافوا من الموت؛ لأن الإنسان إذا آمن بقرارة نفسه إيماناً صحيحاً فإنه يعرف أن الموت والحياة بيد الله، ولو اجتمع العالم على أن يزيدوا في عمرك لحظة أو ثانية لا يستطيعون، ولو اجتمعوا على أن ينقصوا من العمر لحظة واحدة، إن مت فإنما تموت بالأجل، وإن بقيت فإنك تبقى في العمر؛ لأن الله تعالى يقول: كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145] وإن خصم من رزقك قرش فإنما هو من عند الله عز وجل وليس من عند البشر، وإن زاد فإنه ليس من عند البشر، وإنما هو من عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] و(على) للوجوب ليس للاستحباب، فإن الله تعالى أوجب على نفسه أن يرزقها، فهو أوجبه على نفسه.
إذاً -يا أخي المسلم- هذا هو الإيمان الذي أطالب نفسي وأطالبك به في هذه الظروف، كيف يكون إيمان السحرة الذين ولدوا بعيدين عن المجتمع المؤمن، وعاشوا بعيدين عن ذلك، وقضوا الحياة كلها إلى آخر لحظة، ثم بعد ذلك يقولون هذا الكلام: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72]؟!
كيف يكون السحرة الذين لم يسجدوا لله عز وجل إلا سجدة واحدة وصاروا إلى الجنة أقرب وإلى الله عز وجل من إنسان حياته كلها في طاعة الله ثم إذا به ينكص على عقبيه ويرجع من منتصف الطريق، ولربما يقع فيه قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10]، فيقول: أنا هربت من عذاب، وأنا الآن في عذاب، كيف أتحمل عذاباً موجوداً من أجل عذاب موعود؟ لأنه ليس عنده يقين بالعذاب الموعود، فيقول: أنا أرتاح الآن ويحدث ما يحدث.
إذاً -أيها الأخ المسلم- أنت مطالب بالإيمان قبل كل شيء، ووالله إن هذا التقلب الذي يعيشه الناس يصبح الرجل فيه مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل إن السر في ذلك هو عدم تقوية جانب الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولو قوي جانب الإيمان وصدق هذا الإنسان في إيمانه مع الله عز وجل لقال كما قال الشاعر في ذات الله تعالى وليس من أجل محبوبه:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
هذا هو الإيمان الصحيح، أنا لا يهمني شيء ما دام أنني حسنت علاقتي مع الله عز وجل، وتأكدت من صحة المسار، وأنا أسير على بصيرة من أمري ومن دين الله عز وجل، فأنا أتحمل كل شيء في ذات الله سبحانه وتعالى.
وهل الإرادة وحدها تكفي؟
لا تكفي وحدها، بل لا بد من السعي، والشجرة الباسقة ذات الجذور العميقة في قلب الأرض الفائدة منها محدودة إذا لم تكن لها ثمرة، والأعمال الصالحة هي ثمرة الإيمان، ولذلك الله تعالى يقول: (وَسَعَى) أي: بالأعمال الصالحة، يقول عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك، وحياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، ودنياك قبل آخرتك) كم من الناس من يتغنى ويتحدث عن الإسلام اليوم لكن العمل قليل، ونحن لا نريد أن نقول ما لا نفعل كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:3] لابد من العمل، عمل فيما بينك وبين الله، وعمل فيما بينك وبين الناس، عمل يسعدك أنت في دنياك وآخرتك، وعمل أيضاً يسعد الأمة التي أنت تعيش فيها والجيل الذي سيأتي بعدك، وهو عمل الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لأن هذا الدين وضعه الله عز وجل في أعناق هذه الأمة جيلاً بعد جيل، فإن حمله الجيل الأول جنى ثمرة حمله الجيل الذي يأتي بعده، وإن ضيعه الجيل الأول تكبد مصيبته الجيل الذي يأتي بعده، ولذلك كم عاش الناس في ظل الدولة الإسلامية الوارفة التي بناها سلفنا الصالح رضي الله عنهم، وبقي المسلمون يتفيئون ظلها مئات السنين، ويسيرون أرجاء المعمورة قد رفعوا رءوسهم، إذا قيل لأحدهم: أين تذهب؟ - قال: إلى بلاد الإسلام؟
وإن قيل: من أنت؟
قال: أنا المسلم.
وإن قيل: ما جنسيتك؟
قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وإن قيل: ما هويتك؟
قال: أنا مسلم.
ليست هناك حدود تفرق بين الأمة الإسلامية، هذه ثمار عمل قدمها سلفنا الصالح، فماذا حدث بعد ذلك حينما نام من بعدهم؟
لم يستيقظوا إلا على الجماجم والأشلاء، ضاعت الأندلس، وضاعت دول كثيرة من بلاد المسلمين، وفي كل يوم يسقط حصن من حصون المسلمين، وفي كل يوم يتسلط الأعداء ويخرج عدو بلون جديد، حتى من أبناء جلدتنا.
ما هو السر في ذلك؟
هو النوم الذي أصاب هذه الأمة إذاً لا بد من أن تستيقظ هذه الأمة، لا بد من أن تعمل لآخرتها، لا بد من أن تعمل لدنياها، لا بد من أن تعمل للجيل الذي سوف يأتي بعدها، وهذه الصحوة الإسلامية المباركة -والحمد لله- ما تركت صقعاً من أصقاع هذا العالم إلا وأخذ منها بنصيب، فلا بد من أن ترعى هذه الصحوة، لا بد من أن تقدم لها النصيحة، ولا بد من أن تقدم لها الخدمات، ولا بد من أن تقدم لها الرعاية والتربية والعلم حتى تكون ثابتة، وتكون قاعدة لمن يأتي بعدها من الأجيال اللاحقة.
فهذه ثمرة الإيمان أيها الأخ المسلم، أما الإيمان التقليدي، إيمان: (وجدنا آباءنا على أمة)، إيمان (وجد أمه، تصلي فصلى مثلها) (وجد أباه يصوم فصام مثله) دون تصور لمعنى هذا فهذا الإيمان ضعيف يهتز في أي صدمة من الصدمات الصغيرة فضلاً عن الصدمات الكبيرة.
لما جاءت الصحوة الإسلامية استيقظ كل أعداء الإسلام، فالنصارى كانوا إلى عهد قريب يبيعون الكنائس، ويقولون: لسنا بحاجة لنحجزها بالملايين، ولا يحضر إليها إلا كبار السن في يوم الأحد. وأول من تخلى عن هذا الدين الدول الكبرى التي كانت ترعاه، كأمريكا ودول أوروبا، فلما رأوا اتجاه المسلمين إلى الإسلام عادوا إلى دينهم المحرف المكذوب الذي ليس من دين الله المسيحي بشيء؛ لأنه محرف، وأصبحت الآن هناك عصبية دينية، وإذا أردت دليلاً على ذلك فانظروا إلى ما يوجد في بلاد الصرب الكفرة الفجرة مع إخواننا في البوسنة، وانظر إلى ما يوجد الآن في إرتيريا والحبشة ممن يسمون أنفسهم بالجبهة الشعبية وهم صليبيون، حتى إن رئيس الحبشة الجديد اسمه: ملس زيناوي ومعناه: معيد عصر النصرانية. وهذا ليس هو اسمه، لكنه تسمى بهذا الاسم ( ملس زيناوي ) أي: معيد عصر النصرانية. أي: سيعيد عصر هيلاسيلاسي الذي كان يذبح المسلمين بالآلاف في يوم من الأيام.
فلينتبه المسلمون، مع أن في الحبشة وحدها ثلاثين مليون مسلم، وليس فيها إلا عشرة ملايين نصراني، فالمسلمون ثلاثة أرباع السكان، فليسوا أقلية، ومع ذلك يعيشون أذلة؛ لأن المسلمين تركوا الجهاد في سبيل الله، وليس هناك طريق إلى النصر إلا الجهاد في سبيل الله، وإريتريا أكثرها مسلمون، ويحكمها النصارى الصليبيون الذين يعيثون في الأرض فساداً.
إذاً المسألة مسألة استيقظ فيها النصارى وخافوا أن يتساهل المسلمون بشأنهم، وماذا حدث في الفلبين؟ مائة ألف صليبي يطوقون منطقة المسلمين، ولا تظن أن المسلمين قلة في الفلبين، فعددهم ثلاثة عشر مليوناً من المسلمين والحمد لله، وأبشرك بأن أكثرهم في خير، فعندما تدخل ديار بعضهم في بعض المناطق الجبلية يفتشون السيارة حتى لا يكون فيها دخان؛ لأنه ممنوع التدخين داخل تلك البلاد، لكن عندما نزور مستشفياتنا ومراكزنا لا نرى فيها من الفلبينيين إلا النصارى، فما هو السر في ذلك؟
السر في ذلك أن المسئولية أصبحت خطيرة، فيندر أن نرى تايلاندياً أو فلبينياً مسلماً في موقع عمل حساس.
وفي تايلاند ثمانية ملايين مسلم في دولة كاملة في دولة (فطاني) التهمتها سيام بما يسمى الآن (تايلاند) أي: أرض الحرية. وثلاثة عشر مليوناً من خيار المسلمين، وكما أن هناك من خيار المسلمين في تايلاند فالذين يأتون بالعمال لا يفكرون بهؤلاء المسلمين إلا في آخر وقت.
إذاً هذه أمور تتطلب منا أن ننتبه للخطر الذي يحيط بالأمة الإسلامية، وهذه أمثلة وهناك ما هو أكثر من ذلك.
إذاً: أنت -أيها الأخ المسلم- مطالب إلى أن تسعى، سواءٌ أكان لمصلحتك أم لمصلحة دينك، أم لمصلحة إخوانك المسلمين، وكلمة (سعى) ليس معناها مجرد عمل، معناها عمل جاد، وهناك فرق بين المشي والسعي، أقول: مشيت إلى مكتبي وسعيت إلى المسجد، ولذلك تجد أكثر الآيات والأحاديث التي تتكلم عن العمل للآخرة تأتي بلفظ السعي: وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا [الإسراء:19] فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [آل عمران:114] سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21] (سارعوا) دائماً هكذا.
لكن تعال إلى الحديث عن الدنيا، يقول تعالى عنها: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك:15] لم يقل: (فاسعوا في مناكبها) وليس معنى ذلك أن تعطل الدنيا، لا، وإنما معنى ذلك أن نفرق بين اتجاهنا للحياة الدنيا وبين الحياة الآخرة، فإذا اتجهنا للحياة الآخرة فبركض وسعي، وإذا اتجهنا للحياة الدنيا فبمشي؛ لأن الله تعالى تكفل بالرزق للإنسان، ولكن لم يتكفل له الجنة، وعلى هذا فإن الله تعالى يقول: وَسَعَى [الإسراء:19] فلا بد من الأعمال الصالحة.
إذاً التحدث عن الإسلام والدندنة عن الإسلام والكتاب والسنة ما نريده إلا إذا كان معه حقائق وكان معه تطبيق على جميع المستويات الرسمية والشعبية، ما نقبل إلا ما كان مصدقاً بالعمل، وأنت -يا أخي- حينما تتحدث عن الإسلام.. فالإسلام كثر الكلام عنه هذه الأيام، لكن نريد تطبيقاً، نريد حياة عملية تعلمنا وتعلم الأجيال التي اتجهت إلى الله تعالى العمل للإسلام، وما هو الإسلام حقيقة، لا نريد أن تكون هناك ازدواجية في حياة الأطفال الذين يولدون في أيامنا الحاضرة ويسمعون الحديث عن الإسلام، فلا يرون العمل للإسلام إلا قليلاً، إذاً لا بد من سعي، لا بد من عمل جاد، لا بد من استغلال الفرصة قبل أن يهجم العدو على بقية بلاد المسلمين كما هجم على الكثير منها، حتى لا تكون هناك أندلس كبلاد الأندلس التي بلغت من الرقي والحضارة ما لم تبلغه حضارة اليوم، ومع ذلك لما نام المسلمون على الراحة والدعة لم يستيقظوا إلا على الدماء، ولربما يوجد في قادة الأمة الإسلامية من يريد أن يخدر هذه الشعوب، بل يوجد كثيرٌ، جلهم يخدر هذه الشعوب بالترف والنعيم والرخاء والوسائل حتى ينام هؤلاء المسلمون ولا يستطيعون الجهاد في سبيل الله، ولا يريدون أن يغيروا الأوضاع الراكدة التي ينعمون بها، وهذا خطر، فـكعب بن مالك رضي الله عنه وصاحباه من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـكعب بن مالك كان له بيت رشته إحدى زوجاته بالماء فأصبح بارداً، فجلس في الجو البارد والرسول صلى الله عليه وسلم ذاهب إلى تبوك، وقعد مثله صاحباه، فما الذي حدث؟
الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يهجرهم، كما في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، بسبب تخلف عن غزوة واحدة.
أنت -أيها الأخ المسلم- مطالب بالسعي، وأوصيك بالدعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى؛ فإنه سبيل العزة والكرامة.
(سَعْيَهَا) وهذا شرط رابع أيضاً، فالأسلوب والمعنى يتم (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الكلام تام، لكن قوله تعالى: (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا) يعطينا شرطين جديدين: أن يكون السعي خالصاً لوجه الله عز وجل، وأن يكون سعياً لها، ما يناسب حجمها، وكم من الناس من يسعى الآن، لكن ليس هو سعيها الذي يوصل إليها، وإننا لنمر ببعض الأضرحة من أجل العبرة لنرى ماذا يعمل المسلمون حول الأضرحة والقبور، فنرى أموراً عجيبة لا أطيقها أنا ولا أنت ولا أتقى الناس، حركات وعبادة من أول الليل إلى آخره حتى الصباح، يهزون أجسامهم، ويرهقونها، لكن ليس سعياً للآخرة، وإن كان في ظاهر أمره حسب ما يعتقدون أو يموهون بأنه هو السعي المطلوب، يتمسح بالقبر ويطوف حوله، يخشع ويسجد، ويتمرغ بالأتربة حوله، إلى غير ذلك.
وكذلك أصحاب البدع الذين يبذلون أموالهم وجهدهم في سبيل بدعة من البدع، هذا هو ليس سعيها، سعيها هو كما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، حتى إذا قلنا لأحدهم: لا تذهب -يا أخي- إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتسأل حاجتك من دون الله، واذهب إلى الله، فقد قال تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات:50]، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان يفر إلى الله، ويقول: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188] إذا قيل لهم ذلك قالوا: أنتم لا تحبون الرسول عليه الصلاة والسلام.
نقول: أنتم الذين لا تحبونه؛ لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست محبة عاطفة كمحبة الزوجة، ومحبة الأولاد، وإنما هي محبة عاطفة ومحبة متابعة، والله تعالى يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
إذاً نحن مطالبون بأن نسعى لها سعيها لا سعياً لغيرها، سعياً يناسب حجم الآخرة وطريق الآخرة الطويل، وسعياً أيضاً يناسب المنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم خالصاً صواباً، وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله التي نرددها في الأذان، وفي الإقامة، وفي الصلاة وفي كل شيء، معناها: طاعته وتصديقه واتباعه، وأن لا نعبد الله إلا بما شرع، فمن عبد الله على غير ما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم فأعماله كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.
ومن عبد الله على غير ما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم فهو العدو اللدود للرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان عمله في الظاهر يعجبك وكأنه عبادة، لكن لا بد أن يكون موافقاً صواباً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإن عملنا عملاً لم يعمله الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود علينا، ومن عمل عملاً ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سلفنا الصالح -لا سيما الخلفاء الراشدون المهديون من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - وعلى غير المنهج الصحيح فإن الله تعالى يرده على صاحبه ولا يقبله، لماذا؟
لأن من يفعل ذلك يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتقصير، وأنه ما بلغ الرسالة كلها، فـأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ما كانوا يقيمون مولد ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأتي شخص بعد أربعة عشر قرناً من الزمن يقول: لا، إن من احترام الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقيم مولده!
والرسول صلى الله عليه وسلم ما عمل في ليلة النصف من شعبان أو ليلة الإسراء والمعراج أو ما أشبه ذلك عبادة حتى نحييها نحن فنقول: بدعة حسنة. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في كل خطبة جمعة: (وكل محدثة بدعة).
إذاً هو يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول: هذه بدعة حسنة. ويتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتقصير حينما يأتي بعبادة ما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح، ويدعي أن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من محبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم حينما يحدث عبادة ما فعلها هؤلاء.
فالمسألة خطيرة، بل إنه تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها) بل تكذيب لله عز وجل حينما قال سبحانه وتعالى في آخر آية نزلت من القرآن عشية عرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]، ولذلك هؤلاء لا يستطيعون أن يدخلوا بدعة في دين الله إلا ويخرجوا مقابلها سنة؛ لأن الدائرة مقفلة وضيقة ومحدودة، لا تتسع لغير ما جاء من عند الله سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يدخل بدعة في وسط هذه الدائرة إلا ويميت سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً لا بد من تنفيذ قوله تعالى: (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا) ليس سعياً كما يروق لك، وكما يعجبك، العبادات مشروعة من عند الله عز وجل، وعلماء المسلمين يقولون: الأصل في العبادات التحريم، أي عبادة محرمة إلا إذا ورد دليل عليها، بخلاف العادات فالأصل فيها الإباحة إلا ما ورد دليل بتحريمه، فلو أن واحداً من الناس قال: الصلوات الخمس أنا أؤمن بها، لكني أريد أن أضع صلاة سادسة لأنه يوجد فصل طويل بين الصبح والظهر، وأريد أن أضع الصلاة السادسة بين الظهر والصبح في منتصف الضحى نقول: أنت مبتدع وكافر، وأنت مرتد عن دين الله. مع أنه أحدث عبادة صلاة سادسة، فنقول: لا. الله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].
فلو أن أحداً قال: أنا سوف أعتاد عمرة في يوم من الأيام أعتمر فيه نقول: العمرة عبادة، لكن لما وضعتها في وقت معين من دون دليل يحدد ذلك الوقت فإن هذا بدعة، وكل بدعة ضلالة، وهكذا.
إذاً -أيها الأخ الكريم- لا بد من أن نسير على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بد من أن نسعى لها سعيها، لا سعياً كما يعجبنا نحن، بل كما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
(وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إيماناً جازماً، لو قطعت في سبيل هذا الإيمان وفي سبيل هذا المنهج والمبدأ الذي هداك الله عز وجل إليه فإنك لا تبالي، كما قال السحرة: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72].
أيها الأخ الكريم! يقول تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الإسراء:19] هذا السعي المشكور الذي يشكره الله سبحانه وتعالى ويقبله، ويرضاه، ويثيب عليه، ويعطي عليه الجنة، أما السعي الذي تختاره أنت لنفسك لا يرتبط بمنهج مرسوم من لدن حكيم خبير، ولا بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم التي هدانا الله عز وجل إليها وأرشدنا إليها صلى الله عليه وسلم وتركنا عليها في أولها وآخرها الجنة، فمن سعى غير هذا السعي وسلك غير هذا المسلك فسعيه غير مشكور.
الجواب: أولاً: نبدأ من آخر السؤال: (يس قلب القرآن، اقرءوها على موتاكم) هذا حديث لم يثبت، وفيه ضعف، ولو صح هذا الحديث فمعناه: اقرءوا على الموتى في ساعة الاحتضار؛ لأنها تخفف نزع الروح.
أما بالنسبة لإهداء القرآن للميت فنحن ملزمون باتباع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، واختلف العلماء في العبادات البدنية والمالية أيها يصل إلى الميت، ويكادون أن يكونوا قد اتفقوا على وصول العبادات المالية كالحج لأنه يعتبر عبادة مالية، وإن كان عبادة بدنية لكن الأصل فيه المال، أن تحج عن أبيك وعن أمك، فهذا ورد فيه أدلة خاصة، كذلك الزكاة والصدقة، كأن تبني مسجداً وتهدي ثوابه لأبيك الميت، أو لأمك الميتة، وتتصدق على فقير عن أبيك أو أمك، فهذا يكاد يجمع علماء المسلمين على وصوله إلى الميت، وإنما اختلفوا في العبادات البدنية، وهناك أدلة تدل على أن العبادات البدنية لا تصل، اللهم إلا إذا كانت قضاءً، كمن مات وعليه صوم فصام عنه وليه قضاء، أما أن تهدي عبادة هكذا فأعتقد أنها ليست من شرع الله، ولا تصل إلى الميت العبادات البدنية، تقول: أصلي وأهدي هذه الصلاة إلى الميت لا يجوز هذا ولا تصل إليه، وإنما تصل إليه العبادات المالية، أما البدنية فالذي أعتقده أنها لا تصل.
لكن يمكن أن تقرأ القرآن وتدعو للميت أو للحي قريبك أو غير قريبك، يمكن أن تختم القرآن وعند ختم القرآن دعوة مستجابة تدعو لأبيك الميت أو لأمك الميتة، أما أن تهدي ثواب القرآن فالقرآن ليس مالاً يهدى.
الجواب: السفر بدون محرم لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم) والرجل الذي اكتتب غازياً قال: يا رسول الله! إن زوجتي خرجت حاجّة. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن الغزو مع أن الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال- ليحج مع زوجته، فهذا أكبر دليل على أنه لا بد من المحرم.
لكن نقول للأخت السائلة: لعلها إن شاء الله على حج صحيح، خصوصاً أنها جاءت من جدة، وجدة قريبة، لكن نحن ننصح الأخوات أن لا يأتين حتى من جدة إلا مع محرم؛ لأن هذه عبادة، لكن المسلمين وقعوا اليوم في أمور خطيرة جداً يجب أن يسأل عنها، فما مقدار الإثم الذي يكسبه ذلك الرجل الذي يستورد من الفلبين أو من أندونيسيا امرأة تقطع آلاف الأميال بدون محرم؟ هذا هو الإثم الحقيقي.
وكذلك نقول للأخت الحاجّة: أرجو أن تحتاط في المستقبل هي أو غيرها، بحيث لا تحج إلا ومعها محرم حتى ولو كانت من جدة؛ لأن جدة عند بعض العلماء مسافة سفر، لكن نقول لهذه الأخت: لعل الله أن يتقبل منها، وحتى لو قدر أن الحج بدون محرم لا يؤثر على الحج، فالحج مقبول عند الله سبحانه وتعالى ولو بدون محرم، لكن فيه إثم ومعصية للرسول صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالمحرم، أما الحج فهو صحيح.
الجواب: يظهر أنها متمتعة في الأول، والتمتع يحول إلى قران ولا يحول إلى إفراد، ونقول: تلقائياً أنت عندما حضت تحولت إلى قارنة لا مفردة، أما أنها نوت الإفراد فهذا خطأ؛ لأنها جاءت بحج وعمرة، فما يمكن أن تحول إلى حج فقط، فأنا أقول: تحولت إلى قارنة تلقائياً، وتحويلك إياه إلى مفردة خطأ، إذاً أنت قارنة فعليك دم القران؛ لأنك فاتتك العمرة وعملت الحج، وأعمال القارن والمفرد متساوية، ليس بينهما فرق إلا بالنية والدم، فعليك دم القران، فأنت قارنة إن شاء الله، ولك أجر الحج والعمرة، وليس عليك شيء في ذلك.
الجواب: الحبوب هذه تغير مجرى العادة، وتؤثر على رحم المرأة.
وعلى كلٍ فهذه الأخت أنا أنصحها بأن تطوف ما دامت باقية وهي طاهرة قبل أن تسافر، إذا ذهبت تطوف طواف الوداع وتنوي به طواف الإفاضة، ويكفي عن طواف الوداع؛ فإنها إذا فرضنا أنها طافت وهي غير طاهرة تعوض بطواف آخر؛ لأنها ما سافرت، فما دامت موجودة فأنا أنصحها بأنها إذا طهرت أن تذهب لتطوف، ويكفيها عن طواف الوداع، وطواف الإفاضة معروف وقته إلى آخر شهر ذي الحجة ليس مقيداً بوقت معين.
الجواب: نعم. فإن شهر ذي الحجة كله وقت للطواف، فإلى آخر يوم من شهر ذي الحجة يصح الطواف، فالزوج والزوجة لو أخرا الطواف -ولو بدون سبب- إلى يوم أربعة عشر أو خمسة عشر أو إلى يوم عشرين أو تسعة وعشرين جاز، المهم أنه لا يسافر إلا بعد أن يطوف طواف الإفاضة، وأن تسافر هي إلا بعد أن تطوف طواف الإفاضة، سواء أخرا يوماً أو أكثر، ولا يقرب الزوج زوجته حتى ينهيا أعمال الحج؛ لأن الطواف ركن من أركان الحج وليس فيه تحلل نهائي.
ولهما أن يرجعا إلى جدة إذا كان لضرورة مثل أن تطول المدة، لكن على أن لا يقربها الزوج حتى يرجعا إلى مكة لأداء الطواف بعد أن تطهر؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج.
الجواب: الحقيقة هذا السؤال معقول، والأمر مشكل وكثير السؤال عنه، لكن العلماء الذين يفتون بجعل طواف الإفاضة مغنياً عن طواف الوداع ولو كان السعي بعده فالقاعدة المعروفة أنه لا يجوز طوف الوداع إلا بعد انتهاء كل أعمال الحج، فلو طفت قبل أن ترمي لا يصح طواف الوداع، فكيف إذا طفت قبل أن تسعى وهو ركن من أركان الحج، وكأنك ودعت وبقي عليك ركن من أركان الحج وهو السعي.
إلا أن العلماء يقولون: إن الطواف والسعي مرتبط أحدهما بالآخر، فالسعي يعتبر آخر عهده بالبيت، فلا يمنع ذلك أن يسعى بعد طواف الوداع الذي هو طواف الإفاضة؛ لأنه آخر عهده بالبيت، ولأن السعي مرتبط بالطواف، حتى إن العلماء يقولون: لا يصح السعي إلا بعد الطواف، فهذا دليل على أن أحدهما مقترن بالآخر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر