قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
[ وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه -أيضاً- قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم والصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. فعجبنا يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، وتؤمن باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ثم انطلق، فلبثت ملياً، قال: أتدري من السائل؟ قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) ].
فحديث جبريل حديث عظيم بيّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام والإحسان، وبين فيه شيئاً من أشراط الساعة وعلاماتها، وبيّن أن جبريل إنما سأل ليعلم الناس الدين.
وسبب تحديثه به أنه جاء رجلان من العراق حاجين أو معتمرين وهما يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري ، يقول يحيى بن يعمر -وهو الذي يروي القصة، كما في صحيح مسلم -: (كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهني ، فخرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: فنسأله، ونبدي له ما حصل في بلدنا من هذا الرأي الباطل والقول المحدث، وهو أنه لا قدر.
قال: (فوفق لنا عبد الله بن عمر ، فاكتنفاه، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ) يعني أن صاحبه سكت ولم يتكلم، ففهم يحيى بن يعمر أنه يريد منه أن يتكلم.
فبدأ يحيى بن يعمر بالكلام، فقال: (إنه ظهر قبلنا أناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم) يعني: أن عندهم اجتهاداً في القرآن وفي العلم (ويقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف) أي أنه لم يسبق قدر، فلم يسبق كتابة وتقدير، ولم يسبق علم بالأشياء التي يأتي بها الناس، وأن العباد يخلقون أفعالهم.
قال: (فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنني بريء منهم، وأنهم مني برآء، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لا يؤمن أحدهم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره).
ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: (بينما نحن جلوس ..)، وأتى بالحديث بطوله، وذلك من أجل جملة: (وتؤمن بالقدر خيره وشره) وأنه أصل من أصول الإيمان.
فكان هذا شأن سلف هذه الأمة، فالتابعون يرجعون إلى الصحابة في معرفة ما يجد وما ينزل من أمور تظهر مخالفتها لما هو معروف في الكتاب والسنة، أو يكون فيها اشتباه، يقول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
فـعبد الله بن عمر عندما أجاب أجاب أولاً ببيان منزلة هؤلاء وحالهم، وأنه بريء منهم، وأنهم برآء منه، وأن من لا يؤمن بالقدر فلا يقبل منه شيء من العمل، ولا يدخل الجنة حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، ثم أتى بالدليل، وهذا فيه -أيضاً- بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من بيان الحكم بدليله.
وهذه طريقة الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فعندما يأتون بالحكم فإنهم يأتون بدليله ولو لم يطلب منهم، وذلك لأن الدليل هو الأساس الذي يبنى عليه، والسائل عندما يسمع الدليل من الكتاب أو السنة يطمئن، فالناس متعبدون بالالتزام بالكتاب والسنة، فإذا أجاب المسئول السائل عن مسألته، وأتى بعد ذلك بالدليل فهذا من تمام الإجابة ومن تمام الإحسان، فيطمئن السائل إلى أن الجواب الذي أجيب به مبني على نص من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم إنه عليه الصلاة والسلام أرشد عند هذا الاختلاف إلى لزوم السنة -وهي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه-، فقال: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).
وهذا بخلاف فعل ملك الروم، فإنه احتفظ بالكتاب، وكان يبحث عمن يأتي إلى بلاده من العرب ليسألهم عن هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، وقصة هرقل مشهورة، وهي في أول صحيح البخاري فلما جاء أبو سفيان ومن معه قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الأمور التي كان يعلمها عن الأنبياء، فوجدها في هذا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد بين ذلك أبو سفيان رضي الله تعالى عنه؛ حيث تحمل هذا في حال كفره، ثم أدى ذلك بعد إسلامه.
فالحاصل أن هذه البدعة أول ما ظهرت في العراق في البصرة، وأول من أظهرها معبد الجهني ، كما جاء في إسناد هذا الحديث الذي عند الإمام مسلم ، وهذا يدلنا على ظهور كثير من الشرور من تلك البلاد، وإن كان قد حصل فيها كثير من الخير، وخرج منها كثير من أهل العلم في الحديث والفقه واللغة وغير ذلك من سائر العلوم، فلما خرج معبد الجهني - وهو أول من قال بالقدر- خرج يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين، قال يحيى فقلنا: (لو وفق لنا أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم) وهذا يدل على أن التابعين كانوا يستغلون فرصة الحج والعمرة لتحصيل العلم والاشتغال بالعلم، والرجوع إلى العلماء، وأنهم يجمعون بين أداء النسك وأداء العبادة والرجوع إلى أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن الحجاج والمعتمرين والزائرين عندما يأتون إلى مكة والمدينة عليهم أن يحرصوا على التفقه في الدين، وعلى معرفة الأحكام الشرعية؛ لأن هذا هو شأن سلف هذه الأمة كما في إسناد هذا الحديث، ويدل لذلك لقياهم بـعبد الله بن عمر رضي الله عنه، وفرحهم بذلك، واكتنافهم إياه، فجاء كل واحد منهما من جهة، حتى يستوعب كل واحد منهما ما يصدر منه، ويسمعان ما يقول، فإذا كان هذا من جهة وهذا من جهة، وتكلم وحدث فإن هذا يسمعه كما يسمعه الآخر، ولم يأت كلاهما في جهة واحدة ليكون هذا وراء هذا، بل صار هذا من جهة وهذا من جهة، ومرادهما من ذلك أن يقربا من هذا الصحابي الجليل، وأن يسمعا حديثه وفتواه في ذلك الأمر الذي سألاه عنه.
وأما خطره على نفسه فلأنه يعتقد أنه على حق، فيستمر على باطله، وقد يموت وهو على باطله؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن الله تعالى حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يتوب من بدعته) ومعنى ذلك أن الإنسان إذا كان مبتدعاً فقد يستمر على بدعته إلى أن يموت عليها، ولا تحصل له التوبة؛ لأنه يظن نفسه على حق، وأما إذا كان صاحب معصية ويعرف أن هذا ذنب وأنه عاص لله فيه فهذا هو الذي يرجى له التوبة؛ لأنه يشعر بالخطأ، ويشعر بالتقصير، وأما ذاك فإنه لا يشعر بالتقصير بل يظن أنه على حق، كما قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، فهو يبقى على باطله.
فإذا كان لديه علم ومعرفة فإنه يكون أشد ضرراً على نفسه وعلى غيره، أما على نفسه فبابتعاده عن التوبة، وأنه قد يموت على بدعته، وأما على غيره فباغترار الناس به، فإنهم يظنون أن مقالته تلك قالها بناء على علم.
ثم قال بعد ذكر شيء من صلاحهم في الظاهر ومن عباداتهم: (يقولون: (لا قدر وأن الأمر أنف، يعنون أنه لم يسبق قضاء ولا قدر، وأن الناس يستأنفون أعمالهم، وأن هذه الأفعال التي توجد لم يسبق تقدير الله عز وجل لها، ولا علم الله عز وجل بها، وهذه -كما يقول بعض أهل العلم- طريقة الغلاة الذين ينكرون العلم القديم -أو العلم الأزلي- بالأشياء قبل خلقها، وينكرون أيضاً أن الله تعالى قدر الأشياء وكتبها، ولهذا قال ابن عمر : (أخبرهم بأني بريء منهم، وأنهم برآء مني) يعني: لست منهم وليسوا مني؛ لأنهم أنكروا أمراً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة، وهو خبر صادق لا بد منه، بل هو من أصول الإيمان التي بينها جبريل للناس بسؤاله النبي عليه الصلاة والسلام عنها، إذن: فالأمر ليس هيناً وليس سهلاً.
وقد جاء في بعض الروايات -كما في سنن أبي داود وغيره- أنه سلم من طرف البساط، ورواية مسلم ليس فيها ذكر السلام، ومن المعلوم أن الرواة كل منهم يروي ما بلغه وما سمعه، وقد يحفظ بعضهم ما لم يحفظه الآخر، وقد يحصل من بعض الرواة اختصار للحديث، فهناك أسباب لكون الحديث فيه زيادة عند بعض الرواة ونقص عند بعض الرواة، فقد يحفظ هذا ما لم يحفظه هذا، أو أن بعض الرواة حفظها ولكنه اختصر عند الرواية، والحاصل أن حديث عمر في صحيح مسلم ليس فيه ذكر السلام، ولكنه موجود في سنن أبي داود وغيره.
ثم إنه جاء وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، أي: قَرُب منه قرباً شديداً، ووضع يديه على فخذيه، وجاء في بعض الروايات أنها على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على شدة القرب والإصغاء إليه، واهتمامه بتلقي ما يسمعه.
وقد خلق الله عز وجل الملائكة ذوي أجنحة، كما قال الله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1]، وقد ثبت في السنة أن جبريل له ستمائة جناح.
وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة في السماء لما عرج به عند سدرة المنتهى، ومرة رآه في الأرض وقد سد الأفق من كبر حجمه وله ستمائة جناح، فهذا الخلق الذي هو بهذا الحجم الكبير يجعله الله تعالى يتحول ويصغر إلى أن يكون بصورة إنسان، فالملائكة تتشكل على خلق الإنسان، كما أن الجن -أيضاً- يتشكلون على خلق الإنسان، وعلى خلق الحيوان، ولذا جاء في الحديث النهي عن قتل عوامر البيوت من الحيات قبل إيذانها، فلابد من تحذيرها؛ لأنها قد تكون من الجن.
فالجن قد تشكل على صورة الإنسان، كما في قصة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مع ذلك الشيطان الذي كان يحثو من الطعام، ثم علمه قراءة آية الكرسي، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب).
الملائكة يأتون على صورة البشر، كما في هذا الحديث، وكما جاء جبريل على صورة دحية بن خليفة الكلبي ، وكان رجلاً من أجمل الصحابة رضي الله تعالى عنه، وجاء ضيوف إبراهيم إلى إبراهيم وإلى لوط على صورة بشر، وقصتهم معروفة في القرآن، قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [الذاريات:24]، فهم ملائكة جاءوا على صورة بشر، وجبريل جاء إلى مريم بصورة بشر كما في سورة مريم، فنزول جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحوله من خلق إلى خلق، كل ذلك يدل على عظمة الله تعالى، والله على كل شيء قدير، ولا يقال: إن هذا خلق آخر. بل هو جبريل عليه السلام، وإنما تحول من كونه يسد الأفق إلى رجل عليه لحية شديدة السواد، ولباسه أبيض شديد البياض، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الجواب، وقصده من السؤال إسماع الناس.
وهذا يدلنا على أن الإنسان له أن يسأل وإن كان يعلم الجواب، وذلك من أجل أن يسمع الناس الجواب، وليس بلازم أن يكون السؤال عن جهل بالجواب، بل يمكن للعالم أن يسأل عالماً، أو أن يسأل سائل عالماً من أجل أن يسمع الناس الجواب، فيكون بذلك معلماً للخير، فهذا... جبريل عليه السلام لم يكن مسترشداً، ولم يأتِ متعلماً، وإنما جاء ليعلم الصحابة بجواب النبي صلى الله عليه وسلم عن أسئلته التي يسأل عنها، فنسب إليه التعليم؛ لأنه عالم بالجواب، ولأنه تسبب في السؤال فظهر الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم بناء على سؤاله، فنسب إليه التعليم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على سؤال جبريل عن الإسلام هو الذي اشتمل عليه الحديث الثالث الذي سيأتي بعد هذا، وهو حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، فهذا الجواب الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم جبريل هو نفسه البيان الذي جاء في الحديث الذي حدث به عبد الله بن عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام في بيان الأسس التي بني عليها دين الإسلام، وسنرجئ الكلام على ما يتعلق ببيان هذه الأركان إلى شرح الحديث الثالث، وهو حديث ابن عمر .
قوله: (فقال له: صدقت) أي: لما أعطاه الجواب قال: (صدقت)، وهذا -أيضاً- يدعو إلى الاستغراب، ويضاف هذا الاستغراب إلى ما تقدم من كونه شديد بياض الثياب، وشديد سواد الشعر، ولا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منهم أحد، والمعروف من السائل الذي لا يعلم أنه لا يقول: صدقت. وإنما يقول: (صدقت) من كان عنده علم بالجواب، وأما الإنسان الذي ليس عنده علم بالجواب فإنه إذا أفتي يسكت، أو يدعو لمن أجابه وأفتاه، فيقول: جزاك الله خيراً، وأحسن الله إليك. أما أن يقول: (صدقت)، فهذا الجواب جواب العارف والعالم بالسؤال وبالجواب، وكان هذا محل استغراب من الصحابة، ولهذا قال: (فعجبنا له يسأله ويصدقه) يعني أن السائل من شأنه أن يكون غير عالم بالجواب فيفرح بالجواب، ويدعو لمن أجابه، أما أن يقول: (صدقت)، فهذا يدل على أن عنده علماً بالجواب.
ولما جاء السؤال عن الإيمان -وهو أمر باطني- جاء الجواب عن أمور باطنه، فصار الجواب عن الإسلام بما يناسب أصله ومادته، والجواب عن الإيمان بما يناسب أصله ومادته.
ثم إن الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرز أحدهما عن الآخر شمل المعاني المفرقة عند الاجتماع، ولهذا عندما يأتي ذكر الإسلام وحده فإنه يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، وإذا جاء الإيمان وحده يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، لكن إذا جمع بينهما -كما في حديث جبريل هذا- فإن الإسلام يفسر بالأمور الظاهرة، والإيمان يفسر بالأمور الباطنة.
فهذه من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر وزع المعنى عليها، وإذا أفرز أحدهما عن الآخر واستقل عن صاحبه شمل المعاني كلها، ومثل ذلك لفظ الفقير والمسكين، والبر والتقوى، فإنها من هذا القبيل، فإن الفقير والمسكين إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما في المعنى، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر شمل معنى الجميع، ففي مثل قول الله عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، جمع بين الفقراء والمساكين، ففسّر الفقير بأنه من لا يجد شيئاً أصلاً، والمسكين من يجد شيئاً لكن لا يكفيه، فكل منهما محتاج، إلا أنهما متفاوتان في الحاجة، وجاء في حديث معاذ بن جبل، لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أنه قال له: (فإن هم أطعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)ولم يقل: ومساكينهم؛ وإنما قال: ( على قرائهم)، فالفقير هنا يشمل من لا شيء عنده أصلاً، ومن عنده شيء لا يكفيه؛ لأنه جاء هنا مفرداً فشمل المعنيين، ولما جاء ذكر الفقير والمسكين في موضع واحد وفي آية واحدة قسم المعنى بينهما.
وكذلك ما في حديث جبريل، فإنه لما جاء الإسلام على حدة والإيمان على حدة جاء المعنى مقسماً بينهما، فأعطي الإسلام ما يناسبه وهو الأمور الظاهرة، وأعطي الإيمان ما يناسبه وهو الأمور الباطنة، ومثل ذلك البر والتقوى، فإذا جاء البر وحده شمل الأوامر والنواهي، وإذا جاءت التقوى وحدها شملت الأوامر والنواهي، وإذا جمع بينهما فسر البر بامتثال الأوامر وفسرت التقوى باجتناب النواهي، فالمراد أنه عندما يحصل الجمع بينهما يفرق المعنى، وعندما يستقل كل واحد منهما عن الآخر بالذكر فإنه يستوعب المعنيين المفرقين عند الاجتماع، وبهذا يتبين الفرق بين الإيمان والإسلام.
إذاً: فهذا الأصل -وهو الإيمان بالله- هو الأساس لكل ما يؤمن به من هذه الأمور وغير هذه الأمور، فكل الأمور المغيبة التي جاء الخبر بها عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم يجب الإيمان والتصديق بها، فإن كانت أموراً ماضية فنؤمن بأنها قد وقعت كما جاء الخبر في الكتاب والسنة، وإن كانت مستقبلة فنؤمن بأنها ستقع وفقاً لما جاء به الخبر، وكذلك إن كانت الأمور موجودة ولكنها غير مشاهدة ولا معاينة فإننا نؤمن بأنها موجودة وأنها حق، كما أُخبرنا عن السماوات، وعن الملائكة وعن خلقهم، وعن الجن وعن خلقهم مع أننا لا نراهم ولا نشاهدهم، لكن جاءنا الخبر بذلك.
إذاً: فالإيمان بالله هو الأساس، كما أن الشهادتين هما الأساس، والصلاة والزكاة والصيام والحج تابع لهما، فكذلك الإيمان بالله هو الأساس للإيمان بالملائكة والكتب والرسل وغير ذلك، فكل هذه الأركان الخمسة للإسلام والستة للإيمان الركن الأول منها هو الأصل والأساس لغيره، فهو أساس في نفسه وأساس لغيره، فما وراءه من الأركان تابع له، وإذا لم يوجد هذا الأساس فلا يوجد ما وراءه، فإذا لم توجد الشهادتان فلن يوجد ما وراءهما، وإن وجد فإنه لا عبرة به، كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، أي: من عمل طيب. فلم ينفع صاحبه عند الله عز وجل مع وجود الشرك، فالمشرك ليس له إلا النار، ولا سبيل له إلى السلامة منها، بل هو باق فيها أبد الآباد إلى غير نهاية.
أما الإيمان بربوبيته: فأن تؤمن بأنه واحد في الخلق والإيجاد والتدبير والتصرف في الكون، أي: واحد في أفعاله، فليس لله شريك في ذلك، فتوحيد الربوبية هو توحيده في أفعاله، فهو واحد فيها ولا شراكة لغيره فيها، فهو المتفرد بخلق السموات والأرض، وبخلق المخلوقات كلها، وهو رب كل شيء ومليكه والمتصرف فيه كيف يشاء، فهذا هو توحيد الربوبية، فتوحيد الربوبية توحيد الله تعالى في أفعاله، أي أنه واحد في أفعاله لا شريك له فيها، فهو الذي خلق السموات والأرض وخلق كل شيء، ولم يشاركه في ذلك مشارك، بل هو مستقل بالخلق والإيجاد سبحانه وتعالى.
وأما توحيد الإلهية فهو توحيده بأفعال العباد من دعاء واستعاذة واستغاثة واستعانة وذبح ونذر وتوكل ورغبة ورهبة وإنابة وغير ذلك من أفعال العباد، أي أنهم يجعلونها لله خالصة، ولا يجعلون مع الله تعالى شريكاً فيها، فيكون الله سبحانه وتعالى هو المفرد بالعبادة كما أنه المتفرد بالخلق والإيجاد، فكما أنه لا شريك له في الخلق والإيجاد فيجب أن لا يكون له شريك في العبادة، والكفار الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، ولكنهم جاحدون لتوحيد العبادة، وقد جاء في القران آيات كثيرة فيها اعترافهم بأن الله تعالى هو المتفرد بالخلق والإيجاد، ولكنهم أنكروا تفرده بالإلهية، لذلك بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك، وكذلك الرسل السابقون أيضاً أرسلوا إلى أقوام ينكرون عليهم دعوتهم إلى إفراد الله بالعبادة، فهم جاحدون لتوحيد الإلهية ومنكرون له، لذلك بعث الله عز وجل الرسل بدعوتهم إليه، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ، فما طلب منهم أن يقروا بوجود الله وبربوبيته؛ لأنهم كانوا مقرين بذلك، ولكن الشيء الذي أنكروه هو توحيد الإلهية، ولهذا قال: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ، فمهمة كل رسول أن يأمر قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة غيره، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، فكل رسول أرسله الله عز وجل يوحي إليه بأن يُعبد اللهُ وحده لا شريك له، وهاتان الآيتان تدلان على أن كل رسول هذه مهمته، ثم جاءت آيات مفصلة مع كل نبي يدعو قومه، فكل نبي يقول: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32]، فكل رسول -سواء قٌص علينا خبره أو م يقص، وسواء جاء ذكره في القرآن أو لم يجيء- كان يدعو الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة غيره، وجاء ذلك إجمالاً وتفصيلاً، إجمالاً في هاتين الآيتين وأشباههما، وتفصيلاً في قصة كل رسول من الرسل.
إذاً: فهذه هي مهمة الرسل، وهذا هو الذي أوقع الخصومة بين الرسل وأقوامهم؛ لأن أقوامهم أنكروا أن تكون العبادة لله وحده، فهم يعبدونه ويعبدونه معه آلهة أخرى، فلم يخصوه بالعبادة؛ لأنهم نشئوا على عبادة غير الله عز وجل، وسواء عبدوه مع غيره أو عبدوا غيره فحسب، لكنهم مقرون بأن الله تعالى هو المتفرد بالخلق والإيجاد.
وقد حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] أي أنّهم استنكروا هذا الشيء الذي يناقض ما وجدوا عليه الآباء والأجداد، ولهذا لما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب إلى التوحيد وإلى الإيمان بالله -وذلك في آخر حياته- وكان عنده بعض الكفار في ذلك المجلس قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! كما أخبر الله عز وجل عنهم أنهم يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22]، وقالوا: وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]، فما عندهم إلا تقليد الآباء واتباعهم على ما هم عليه من تلك المعبودات، ولهذا قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ، فتوحيد الربوبية يقرَّر في القرآن مع أن المنكرين للإلهية مقرون به، وذلك من أجل إلزامهم بأن يقروا بالإلهية كما أقروا بالربوبية، فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الإلهية، ومن أقر بالربوبية فيلزمه أن يقر بالإلهية، فمن أقر بأن الله هو الخالق الرزاق وحده فعليه أن يعبد الله وحده، حيث يلزم من فعل هذا أن يفعل هذا.
وأما من وجد عنده توحيد الإلهية فهو مقر بالربوبية؛ لأنه لا يعقل أن يعبد الله وحده وهو جاحد لوجوده وربوبيته، بل إنّ عبد الله وحده فإنه يقر بأن الله هو الخالق وحده، فتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية.
فالخلاصة: أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الإلهية، وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية، بمعنى أن من وجد عنده توحيد الإلهية فقد وجد عنده توحيد الربوبية ضمناً، فلا يعقل أن يعبد الله وحده ويجحد ربوبيته، ولكن يمكن أن يقر بأن الله الخالق وحده ويعبد مع الله غيره، كما هو شأن الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وأما توحيد الأسماء والصفات فهو إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام من الأسماء والصفات، على وجه يليق بكماله وجلاله سبحانه وتعالى، دون تكييف أو تشبيه أو تمثيل، ودون تحريف أو تأويل أو تعطيل، بل على حد قول الله عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، فهذه الآية الكريمة فيها الإثبات والتنزيه، الإثبات في قوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) والتنزيه في قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، فهو تعالى له سمع وبصر؛ لقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، لكن سمعه ليس كالأسماع، وبصره ليس كالأبصار؛ لقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، فالآية مشتملة على الإثبات والتنزيه، أي: إثبات الصفات مع التنزيه عن مشابهة المخلوقات، فالمشبهة يقولون: له سمع كأسماعنا، وبصر كأبصارنا. فهذا هو التشبيه، وأهل السنة يقولون: له سمع وبصر ليس كأسماع المخلوقين ولا كأبصارهم؛ لأن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، فيثبتون وينزهون، ولا يكيفون مع إثباتهم، فلا يقولون: صورته كذا وكذا ولا يتحدثون عن الكيفية، فإنه لا يعلم أحد عن ذلك شيئاً، وأما المعنى فإنه معلوم؛ لأن الناس خوطبوا بكلام يفهمون معناه، ولم يخاطبوا بكلام غير معلوم ولا مفهوم، ولهذا عندما يأتي مثل قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فإنهم يعلمون معنى السميع ومعنى البصير، وأن البصر يتعلق بكل المرئيات، والسمع يتعلق بكل المسموعات دقت أو جلت، ويعلمون أنّ (سمع) معناها غير البصر، فالبصر شيء والسمع شيء آخر، ويعلمون أن الكلام غير السمع والبصر، وأن القدرة غير اليد، وهكذا، فكل صفة لها معنى، ولهذا يقولون: إن الصفات متحدة من حيث الذات، ومتباينة من حيث المعنى. فهي متحدة من حيث الذات بمعنى أن الله تعالى هو واحد بذاته وصفاته، ومتباينة من حيث المعنى، فمعنى السمع غير معنى البصر، ومعنى البصر غير معنى الكلام، ومعنى الكلام غير معنى القدرة، ومعنى القدرة غير معنى العزة، ومعنى العزة غير معنى الحكمة، وهكذا، فهذه كلها صفات متباينة من حيث المعنى، ومتحدة من حيث الذات؛ لأن الموصوف بها واحد، ولهذا إذا نفيت الصفات عن الله فلا يبقى له وجود، ولهذا يقول أهل السنة عن الذين ينفون الصفات: إنهم نافون للمعبود، فلا يتصور وجود ذات مجردة عن جميع الصفات، وعلى هذا فإن أهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام من الأسماء والصفات، على وجه يليق بكمال الله وجلاله، دون تشبيه أو تمثيل أو تكييف، ودون تحريف أو تأويل أو تعطيل، بل إثبات مع تنزيه، ولهذا كان أهل السنة والجماعة وسطاً بين المشبهة والمعطلة، فالمشبهة أثبتوا وشبهوا، والمعطلة نزهوا وعطلوا، وأهل السنة أثبتوا ونزهوا، فالمشبهة عندهم إثبات وتشبيه، والمعطلة عندهم تنزيه وتعطيل لازمه أنه لا وجود للرب، وأهل السنة أثبتوا ونزهوا، أثبتوا فلم يعطلوا؛ لأن الإثبات يقابل التعطيل، فبإثباتهم جانبوا طريقة المعطلة الذين نفوا الصفات عن الله عز وجل حتى صار المعبود عندهم عدماً لا وجود له، فهم مثبتة وليسوا بمعطلة، ومع إثباتهم لم يكونوا مشبهة، بل منزهة، فقد فارقوا المعطلة بالإثبات، وفارقوا المشبهة بالتنزيه.
لذلك فأهل السنة هم المستمسكون بقول الله عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، فقد أثبتوا لقوله سبحانه وتعالى: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، ونزهوا لقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، والله تعالى أعلم.
فهذا كلام جميل من هذا الإمام، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتجمل، وقصة عمر رضي الله عنه في الجبة التي عرض عليه أن يشتريها ليتجمل بها للعيدين وللوفود معروفة، فإذا كان الإنسان قادراً على أن يكون على هيئة حسنة فلا شك في أن هذا مطلوب منه، والأحاديث والسنة في ذلك واضحة جلية في هدي رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في ذلك.
ويقول ابن دقيق العيد أيضاً: هذا حديث عظيم قد اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه؛ لما تضمنه من جمعه علم السنة، فهو كالأم للسنة، كما سميت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من جمعها معاني القرآن.
ويقول ابن رجب : وهو حديث عظيم الشأن جداً، يشتمل على شرح الدين كله، قال أحد العلماء: يصلح أن يقال عن هذا الحديث: إنه أم السنة كما أن الفاتحة أم القرآن؛ لاشتماله إجمالاً على ما اشتملت عليه السنة تفصيلاً.
فهذا كلام جيد، يبين -أيضاً- شأن هذا الحديث ومنزلته وقيمته.
الجواب: قضية الموازنة بين الحسنات والسيئات ليست في كل وقت وفي كل حين، ففي بعض الأحيان يمكن أن يكون للموازنة بذكر الحسنات والسيئات وجه، وذلك مثلما جاء في هذا الحديث؛ لأن هذا تمهيد لبيان الشيء الذي وجد، وأنهم عندهم في الظاهر استقامة وعبادة، وأنّ الناس قد يغترون بهم، وذلك لما يرى من هيئتهم، فهذا قالوه كالتمهيد لبيان الشيء العظيم الذي أنكر عليهم، فهم ليسوا أناساً مجهولين أو أناساً غير معروفين بعبادة أو معرفة، وإنما عندهم معرفة، ولهذا يحصل الاغترار بهم، فذكر ذلك من أجل أن يبينا أن الناس يغترون بهم، وأن هذا من أسباب الاغترار بهم؛ لأن الذي عنده معرفة يغتر به، والذي عنده جهل لا يلتفت إليه ولا يغتر به، وهناك حالات لا يكون معها ذكر الحسنات، وذلك كما جاء في قصة المرأة التي استشارت الرسول صلى الله عليه وسلم في معاوية وأبي جهم الذين خطباها، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أما
الجواب: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات مستلزم لتوحيد الإلهية أيضاً؛ لأن من عرف الله بأسمائه وصفاته فإنه يلزمه أن يتعبد بمقتضاها، وبما تدل عليه، فكل منهما مستلزم لتوحيد الإلهية، وتوحيد الإلهية متضمن لهما؛ لأن من عبد الله عز وجل حق عبادته فهو يقر بما يثبت له من الأسماء والصفات، ويقر -أيضاً- بكونه الخالق الرازق وحده لا شريك له.
الجواب: التشبيه والتمثيل معناهما واحد، فتارة يقال: تشبيه. وتارة يقال: تمثيل. لكن التمثيل والمثل هو الذي جاء في تعبير القرآن.
الجواب: هذا إخبار، ولم يأتِ لفظ الإسلام مفرداً، وأما المفرد فمثل قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، فهنا جاء مفرداً، فيشمل الأمور الظاهرة والباطنة، وأما في الحديث فجاء تفسيره بأمور ظاهرة، وهو تفسير للإسلام بالشيء الذي يناسب، فهو مطابق لما جاء في حديث جبريل، وأما إذا جاءت كلمة الإسلام عامة فإنه يدخل فيها الدين كله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] والإسلام هو أمور ظاهرة وأمور باطنة.
الجواب: جاء في بعض الروايات أنه نظر بعضهم إلى بعض، فهذا يدل على أنه غريب لا يُعرف.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر