قوله: (شهادة) يحتمل أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، والتقدير: هي شهادة. وهذا على الرفع، وعلى الكسر تكون بدلاً من قوله: (خمس).
وهذا الحديث فيه عدة مسائل:
أولاً: قوله: (بني الإسلام على خمس) فيه بيان عظم شأن هذه الخمس، وأن الإسلام مبني عليها، وهو تشبيه معنوي بالبناء الحسي، فكما أن البنيان الحسي لا يقوم إلا على أعمدته فكذلك الإسلام إنما يقوم على هذه الخمس، واقتصر على هذه الخمس لكونها الأساس لغيرها، وما سواها فإنه يكون تابعاً لها.
ثانياً: أورد النووي هذا الحديث بعد حديث جبريل -وهو مشتمل على هذه الخمس- لما اشتمل عليه هذا الحديث من بيان أهمية هذه الخمس، وأنها الأساس الذي بني عليه الإسلام، ففيه معنىً زائد على ما جاء في حديث جبريل.
ثالثاً: هذه الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام أولها الشهادتان، وهما أس الأسس، وبقية الأركان تابعة لها، فلا تنفع هذه الأركان وغيرها من الأعمال إذا لم تكن مبنية على هاتين الشهادتين، وهما متلازمتان، فلابد من شهادة أن محمداً رسول الله مع شهادة أن لا إله إلا الله.
ومقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: أن لا يعبد إلا الله، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله أن تكون عبادة الله وفقاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذان أصلان لابد منهما في قبول أي عمل يعمله الإنسان.
فلابد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولابد من تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: قال ابن حجر في الفتح: فإن قيل: لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل عليه السلام!
أجيب بأن المراد بالشهادة تصديق الرسول بما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من المعتقدات.
وقال الإسماعيلي ما محصله: هو من باب تسمية الشيء ببعضه، كما تقول: قرأت الحمد وتريد جميع الفاتحة، وكذا تقول: شهدت برسالة محمد وتريد جميع ما ذكر. والله أعلم.
خامساً: أهم أركان الإسلام الخمسة بعد الشهادتين الصلاة، وقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها عمود الإسلام، كما في وصيته صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل ، وهو الحديث التاسع والعشرون من هذه الأربعين، وأخبر أنها آخر ما يفقد من الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وأن بها يحصل التمييز بين المسلم والكافر.
وإقامتها تكون على حالتين:
إحداهما: واجبة، وهي الإتيان بها على وجه مجزٍ أدي فيه الواجب.
الثانية: مستحبة، وهي تكميلها وتتميمها بالإتيان بكل ما هو مستحب فيها.
سادساً: الزكاة هي قرينة الصلاة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في قول الله عز وجل: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، وقوله: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، وقوله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
وهي عبادة مالية نفعها متعدٍ، وقد أوجبها الله في أموال الأغنياء على وجه ينفع الفقير ولا يضر الغني؛ لأنها شيء يسير من مال كثير.
سابعاً: صوم رمضان عبادة بدنية، وهي سر بين العبد وبين ربه؛ لأن الصوم لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأن من الناس من يكون في شهر رمضان مفطراً وغيره يظن أنه صائم، وقد يكون الإنسان صائماً في نفل وغيره يظن أنه مفطر؛ ولهذا ورد في الحديث الصحيح أن الإنسان يجازى على عمله الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: (إلا الصوم فإنه له وأنا أجزي به)، أي: بغير حساب.
والأعمال كلها لله عز وجل، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمسلمينَ [الأنعام:162-163].
وإنما خص الصوم في هذا الحديث بأنه لله لما فيه من خفاء هذه العبادة، وأنه لا يطلع عليها إلا الله.
ثامناً: حج بيت الله الحرام عبادة مالية بدنية، وقد أوجبها الله في العمر مرة واحدة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضلها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
تاسعاً: هذا الحديث بهذا اللفظ جاء فيه تقديم الحج على الصوم، وهو بهذا اللفظ أورده البخاري في أول كتاب الإيمان من صحيحه، وبنى عليه ترتيب كتابه الجامع الصحيح، فقدم كتاب الحج فيه على كتاب الصيام، وقد ورد الحديث في صحيح مسلم بتقديم الصيام على الحج وتقديم الحج على الصيام.
وفي الطريق الأولى تصريح ابن عمر بأن الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تقديم الصوم على الحج، وعلى هذا يكون تقديم الحج على الصوم في بعض الروايات من قبيل تصرف بعض الرواة، فرواه بالمعنى، وسياقه في صحيح مسلم : عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج. فقال رجل: الحج وصيام رمضان؟ قال: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
عاشراً: هذه الأركان الخمسة وردت في الحديث مرتبة حسب أهميتها، وبدئ فيها بالشهادتين اللتين هما أساس لكل عمل يتقرب به إلى الله عز وجل، ثم بالصلاة التي تكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فهي صلة وثيقة بين العبد وبين ربه، ثم الزكاة التي تجب في المال إذا مضى عليه حول؛ لأن نفعها متعدٍ، ثم الصيام الذي يجب شهراً في السنة، وهو عبادة بدنية نفعها غير متعدٍ، ثم الحج الذي لا يجب في العمر إلا مرة واحدة.
الحادي عشر: ورد في صحيح مسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما حدث بهذا الحديث عندما سأله رجل فقال له: ألا تغزو؟ فساق الحديث، وفيه الإشارة إلى أن الجهاد ليس من أركان الإسلام، وذلك لأن هذه الخمس لازمة باستمرار لكل مكلف، بخلاف الجهاد، فإنه فرض كفاية، ولا يكون في كل وقت.
الثاني عشر: مما يستفاد من الحديث:
أولاً: بيان أهمية هذه الخمس؛ لكون الإسلام بني عليها.
ثانياً: تشبيه الأمور المعنوية بالحسية لتقريرها في الأذهان.
ثالثاً: البدء بالأهم فالأهم.
رابعاً: أن الشهادتين أساس في ذاتيهما، وهما أساس لغيرهما، فلا يقبل عمل إلا إذا بني عليهما.
خامساً: تقديم الصلاة على غيرها من الأعمال؛ لأنها صلة وثيقة بين العبد وبين ربه.
سادساً: ذكر العدد أولاً ثم المعدود بعد ذلك مما يجعل السامع يستوعب ما يلقى عليه، ويعي ما يلقى عليه، وهو منهج سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم في إيضاحه وبيانه لأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.
والله تعالى أعلم.
ثم قال: وذهب طائفة منهم إلى أن من ترك شيئاً من أركان الإسلام الخمسة عمداً أنه كافر بذلك، وروي ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم .
ويقول الحافظ ابن رجب أيضاً: واعلم أن هذه الدعائم الخمسة بعضها مرتبط ببعض، وقد روي أنه لا يقبل بعضها بدون بعض، كما في مسند الإمام أحمد عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)، وهو مرسل، فما توجيه هذا؟
الجواب: هذا غير واضح، إلا إذا كان المقصود به الجحود، أما إذا كان المقصود به عدم الجحود فإنه لا يعتبر كافراً، فإن الكفر إنما هو في الصلاة، كما جاء عن عبد الله بن شقيق العقيلي أنه قال: إنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
وأما بالنسبة للجحود فكل ما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة إذا جحده الإنسان فإنه يكفر، وكذلك إذا استحل أمراً معلوماً تحريمه من دين الإسلام بالضرورة فإنه يكفر.
وعلى هذا فإن مجرد الترك ليس جحوداً، وعلى هذا فإنه لا يعتبر كفراً، ولهذا جاء في قصة الرجل الذي لا يؤدي الزكاة: (إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى بها جنبه وظهره، ويكون هذا شأنه حتى يقضي الله بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
وكذلك صاحب الإبل وصاحب البقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها: (يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأظلافها، إذا مر عليه أخراها عاد عليه أولاها، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فقوله: (إما إلى الجنة وإما إلى النار) يدل على أنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا سبيل له إلى الجنة، بل مصيره إلى النار، والذي له سبيل إلى الجنة هو الذي يكون مسلماً وليس بكافر.
فهذا يدل على أن غير الصلاة إذا تركه العبد من غير جحود لا يكون كافراً، وأما الصلاة فهي التي فيها الخلاف، فمنهم من قال: إنه يكفر بتركها تكاسلاً. وهذا القول دلت عليه الأدلة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وقوله في الحديث الآخر: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، وكذلك الحديث في الأمراء الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، وفي الحديث الآخر قال: (لا ما صلوا).
ففي قوله: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) استثنى به الكفر البواح، وفي قوله: (لا، ما صلوا) استثنى الصلاة، فدل على أنهم إذا كانوا من المصلين فقد سلموا من الكفر، وأن من لم يصل فإنه يكون كافراً.
الجواب: يُفَهَّمُ الشهادتين بلغته، وينطق بهما باللغة العربية، أي: يفهم المقصود من الشهادتين بلغته، ثم يطلب منه النطق بهاتين الشهادتين باللغة العربية.
الجواب: ذكر البناء في الأول، وذلك في قوله: (بني الإسلام على خمس)، وأما حديث جبريل فليس فيه ذكر بناء، وإنما فسر الإسلام بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة ... إلخ، وأما قوله: (بني الإسلام على خمس) فهذا التعبير وهذا الأسلوب يدل على أهمية هذه الخمس، وأنها هي التي بني عليها الإسلام.
الجواب: كلمة الوجود تحصيل حاصل، وإنما المقصود أنه لا معبود بحق، ومن المعلوم أن كل شيء في الوجود موجود، فالله تعالى موجود، وغيره موجود.
الجواب: ما أدري، لكن من المعلوم أن العمل الذي ينفع صاحبه عند الله هو العمل الذي يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان مخالفاً للسنة فإنه داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).
الجواب: نعم ذكرهما بعض أهل العلم، وهذا يدل على أهميتهما، لكنه لم يرد شيء يدل على إضافتهما إلى الأركان، ولا شك في أهميتهما؛ لأن بهما قيام الدين.
الجواب: أبو بكر رضي الله عنه قاتلهم لأنهم امتنعوا عن أدائها، فهو قاتلهم من أجل أن يؤدوا هذا الواجب الذي لابد من إخراجه، لكن لو تمكن من أخذها منهم من غير قتال فإنها تجزئ، أي: أن الإنسان إذا امتنع وأخذت منه قهراً من غير قتال حصل المقصود، لكن هؤلاء امتنعوا، وقوتلوا على أنهم لم يدفعوها.
الجواب: يؤمر بالشهادتين، وإذا جاء وقت الصلاة يؤمر بالصلاة، فيؤمر بالشهادتين لأنهما هما الأساس، وهما المدخل والمفتاح، وبعد ذلك إذا جاء وقت الصلاة يؤمر بالصلاة.
الجواب: هذا يمكن أن يكون مع النصارى الذين يعبدون عيسى ويجعلونه إلهاً، فإنهم إذا شهدوا أنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله فمعنى ذلك أنهم تركوا ما كانوا يعتقدونه من إلاهيته، وعلموا أنه عبد ورسول، فهو عبد الله يعبد الله، ورسول لا يكذب.
ولكن المقصود الذي هو الأساس ويغني ويكفي هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
الجواب: إذا حكم بكفره يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهذا يتطلب إقامة الحجة، فإن تاب بعد إقامة الحجة عليه يترك، فإذا لم يتب فإنه يقتل.
الجواب: هذا كلام غير صحيح، وإذا كان هذا الكلام موجوداً في الكتاب المذكور فهذا كلام باطل، وذلك أن الخلاف مع كفار قريش إنما كان في الإلهية، وهذا نص في القرآن، كما حكى الله جل وعلا عنهم قولهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، والآيات في سورة النمل: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:60]، كلها سيقت في توحيد الربوبية الذي أقروا به من أجل إلزامهم بتوحيد الإلهية الذي جحدوه.
ثم إن الله تعالى أخبر أن الرسل أرسلوا لعبادة الله وحده، وترك عبادة الطاغوت، وجاء ذلك في القرآن إجمالاً وتفصيلاً، أما الإجمال ففي قول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فكل رسول كانت هذه مهمته.
فقوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ، أي: مهمة كل رسول أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ، يعني توحيد الإلهية، وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ، والأمر بالعبادة من توحيد الإلهية.
وأما التفصيل فإن كل رسول أرسله الله عز وجل كان يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، كما قال عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وكل رسول كان يقول هذا الكلام لقومه وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولا يدعوهم إلى أن يعتقدوا أن الله رب وأن الله تعالى موجود؛ لأنهم لم ينكروا ذلك، وإنما الشيء الذي أنكره الكفار والذي قامت الخصومة بين الأنبياء والأمم من أجله إنما هو في توحيد الإلهية وليس في توحيد الربوبية.
الجواب: لا أعلم أولاً عن ثبوت الحديث، وأما قضية الكفر فإنه لا يدل على الكفر، إلا إذا لم يصمه جاحداً.
الجواب: يكون الجهاد فرض عين في حالتين: إحداهما: إذا داهم العدو المسلمين، فإن كل واحد من المسلمين عليه أن يجاهد؛ لأن هذا قدر مشترك بين الجميع.
وكذلك إذا استنفر الإمام، فإنه يتعين على الجميع أن ينفروا، مثلما حصل في غزوة تبوك، فإنه استنفر الناس ولم يبق إلا أهل الأعذار الذين لم يجدوا ما يحملهم، فأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يحملهم، فقال: (لا أجد ما أحملكم عليه) فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع.
وقال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى تبوك: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) يعني أنهم معكم بنياتهم وقلوبهم، ولكنهم ما استطاعوا أن يصلوا بأجسامهم؛ لأنه لا ظهر لهم يركبون عليه، ولا يجدون من يحملهم على ظهر له حتى يتمكنوا من المشاركة بالجهاد بالنفس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر).
فالجهاد هو فرض كفاية، وذلك لأنه يؤخذ من الناس أفراد حتى يجتمع جيش ويذهب للغزو، ولكنه إذا داهم الناس العدو فإن جميع أهل البلد عليهم أن ينفروا، وعليهم أن يقاتلوا.
فيكون فرض عين في هذه الحالة وحالة، وكذلك إذا استنفر الإمام، وفي غير هاتين الحالتين هو فرض كفاية وليس فرض عين.
الجواب: لا، فمن لم يعتقد وجوبه فإنه لا شك في أنه يكون كافراً كفراً مخرجاً من الملة، وأما إذا لم يجحد وجوبه وكان مقراً بوجوبه وهو قادر عليه فمعلوم أنه إذا كان غير قادر على الحج لا يجب عليه، لقوله تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، فإذا كان قادراً ولم يفعل فإن ذلك لا شك في أنه من الشيء الذي يؤاخذ عليه؛ لأن الحج على الفور وليس على التراخي.
الجواب: الزكاة نفعها يعود على صاحبها، فيؤجر ويثاب على ذلك، وتكون سبباً في نماء ماله وطهارة ماله.
وأيضاً نفعها متعدٍ إلى الفقراء والمساكين، فهو نفع متعدٍ، ومع ذلك فإن الإنسان المزكي هو مأجور، وفي ذلك طهارة ماله وزكاؤه ونماؤه.
الجواب: إذا كانوا جحدوه فإنهم يكونون مرتدين، والواقع أن بعضهم لم يجحدها، بل بخلوا وقالوا: إن هذا إنما يكون للرسول صلى الله عليه وسلم ولا يدفع لغيره. فأخطئوا وفهموا فهماً خاطئاً، فقوتلوا على ذلك.
الجواب: لم يجمع السلف على كفره إذا كان تركها تكاسلاً؛ لأن الصلاة نفسها هناك من يقول بأنه لا يكون كافراً من تركها، فما دونها من باب أولى، فليس هناك إجماع، فمن ترك الأربعة الأركان متكاسلاً وليس جحوداً فليس هناك إجماع على كفره، وإنما الصلاة هي التي فيها الخلاف، والبقية -كما هو معلوم- الخلاف فيها غير واضح، كما جاء في الحديث الذي أشرت إليه: (فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
الجواب: معلوم أن الشيء الذي هو أهم من غيره هو الشيء الذي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم من أجله وأنزلت الكتب من أجله، وكل رسول أرسل للقيام به والدعوة إليه، والله عز وجل ما قال: أرسلنا في كل أمة رسولاً أن أقروا بوجود الله، أو اعتقدوا أن الله رب العالمين. وإنما الشيء الذي أرسلهم من أجله هو عبادة الله وحده لا شريك له؛ لأن هذه الأمور كلها مطلوبة: الربوبية والإلهية والأسماء والصفات.
ولكن الذي أرسلت الرسل من أجله وأنزلت الكتب من أجله هو الذي يقدم على غيره.
وأما الشيء الذي أقر به الكفار فيجب الإقرار به، ويجب التصديق بكل ما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكن العناية تكون بتوحيد العبادة الذي خلقت من أجله الخليقة وأرسلت من أجله الرسل، والله عز وجل يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] أي: ليؤمروا وينهوا. وقال عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
فهذا هو الذي يجب أن يعتنى به، وأما أن يشغل الناس بتوحيد الربوبية فإن هذا يعتبر تحصيل حاصل؛ لأن من كان مقراً بالربوبية فلا حاجة به إلى أن يعتنى بإثبات توحيد الربوبية، كما أن الكفار الذين كانوا مقرين بالربوبية كان يأتي تقرير توحيد الربوبية من أجل إلزامهم بتوحيد الإلهية، أي: كان يأتي تقرير الربوبية ثم يأتي بعده إنكار وجود إله مع الله، ويبين لهم أنه كيف تعتقدون بأنه كذا وكذا مع ذلك؟
فإذاً: الشيء الذي أقر به الكفار لا يعتنى به ويهمل الشيء التي بعثت من أجله الرسل وأنزلت من أجله الكتب، بل ينبغي العناية بهذا الأمر العظيم، وأما ذاك فهو شيء قد أقر به الكفار الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: لا شك في أن الإنسان الذي يتعمد ترك شيء من أركان الصلاة لا يعتبر أنه صلى؛ لأنه لابد من الإتيان بالأركان، فإذا لم يأت بالأركان فصلاته وجودها مثل عدمها، وأما تأخير الصلاة عن وقتها فذلك أمر خطير، ولكنه ليس مثل تركها.
وقد جاء في بعض الأحاديث أن الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها يُصلى وراءهم، ولكن على الإنسان أن يصلي الصلاة في وقتها ويجعل الثانية نفلاً، وهذا يدل على أن الأمر أهون، ولا شك في أن الأمر خطير، والإنسان لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها.
الجواب: لا أدري بصحة هذا الكلام المنقول، فإن الإنسان إذا أنكر أمراً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة فإنه يكفر، فالزكاة من أنكرها ومن أنكر وجوبها كفر، ويقتل لكفره وردته، وأما إذا كان منعها كسلاً أو منعها بخلاً وشحاً فهذا هو الذي لا يقتل، ولكنها تؤخذ منه قهراً، وإن قاتل، أو إن لم يحصل أخذها منه إلا بالقتال فإنه يقاتل، كما حصل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة.
الجواب: التعميم لا يصلح، وكل شيء فيه تعميم لا يصح أن يؤتى به، ولا يصلح للإنسان أن يأتي بشيء ليس بلائق، وإنما يسأل الله عز وجل أن يحفظ المسلمين ويحفظ أعراضهم وأموالهم وأبدانهم وقبل ذلك دينهم، أما أن يقول: إنه حصل كذا وكذا فالله تعالى أعلم بالواقع، فمثل هذا التعميم لا يصلح.
الجواب: الشهادتان لا شك في أنه لابد من التلفظ بهما، ولا يكفي أن الإنسان يسرهما ويقولهما بقلبه، ولهذا لابد من النطق بهما حتى يعتبر الإنسان من جملة المسلمين، فيدخل الإنسان في الإسلام بأن ينطق بالشهادتين مع الإقرار بما في قلبه، لكن عصمة الدم تكون بحصول ظهور ذلك منه وإن كان باطنه يخالف ظاهره، كما هو شأن المنافقين.
فمن أظهر شيئاً أخذ بظاهره، وسريرته إلى الله عز وجل.
الجواب: يؤجر على أعماله الطيبة الكثيرة التي قام بها في خدمة الإسلام، ومثل هذا الخطأ يرجى من الله عز وجل أن يتجاوز عنه.
الجواب: إذا كان الأمر يحتاج إلى هذا فلا بأس بذلك.
الجواب: الثلث أو الوقف يصرف وفقاً لما أوصى به الواقف، ويكون على نظر الذي جعل ناظراً أو جعل مسئولاً عن الوقف، فلا يأخذ الإنسان منه شيئاً، إلا إذا كان وضع للمحتاج وكان هذا محتاجاً وأعطاه ناظر الوقف فلا بأس؛ لأن إعطاء الأقارب المحتاجين أولى من إعطاء غيرهم، وأما كون الإنسان يقبض ويأخذ شيئاً وهو ليس مسئولاً فلا، بل يرجع في ذلك إلى الناظر؛ لأن الشخص الناظر هو الذي يقدر الحاجة، وأما كون الإنسان يأتي ويأخذ بنفسه فقد يكون غير محتاج، ويأخذ وهو غير محتاج.
الجواب: لا؛ فإن الزكاة لا تصرف في بناء هذه الأعمال، فلا تنفق في بناء أسوار المقابر، ولا بناء أربطة، ولا المساجد، ولا تعبد منها الطرق، وإنما تصرف الزكاة في مصارفها، لكن يمكن أن يجمع لسور المقبرة من التبرعات التي هي إحسان وليست زكاة واجبة.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر