عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم.
هذا حديث عظيم من أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو من جوامع الكلم، وقد اشتمل على جمل تدل على فضائل جملة من الأعمال.
وقيل: إن المقصود بالطهور هو: الوضوء، وقد جاء عند الترمذي هذا الحديث بنحو هذا اللفظ الذي عند مسلم، وفيه بدل (الطهور) لفظ (الوضوء)، وجاء الحديث أيضاً عن أبي مالك الأشعري في سنن ابن ماجة وفيه بدل الطهور (إسباغ الوضوء) وهذا يبين ويرجح أن يكون المقصود بالطهور هو الوضوء، وليس الطهارة الأخرى التي هي ترك الشرك والمعاصي والذنوب؛ لأن مجيء بعض الروايات بالتنصيص على الوضوء يدل على أن المقصود الطهارة التي هي الوضوء.
وعلى هذا فلفظ (الإيمان) إما أن يراد به الصلاة، وإما أن يراد به عموم الإيمان الذي يشمل الصلاة وغير الصلاة، وعلى القول بأن الإيمان ليس المراد به خصوص الصلاة يكون المراد أن الطهارة طهارتان: طهارة للباطن، وطهارة للظاهر، والإيمان يكون في الظاهر وفي الباطن، والذي في الظاهر هو التطهير، أي: الطهارة الحسية، أو الطهارة بالوضوء والغسل، وعلى القول بأن المراد بالإيمان الصلاة فإن الصلاة من شرطها الطهارة، ولا تقبل الصلاة بدون طهارة، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول).
وعلى هذا فيكون قوله: (الطهور شطر الإيمان) دالاً على أن الصلاة لا بد فيها من الطهارة، وكل صلاة يؤتى بها بغير طهارة فإنها لا تصح ولا تعتبر، وعلى هذا يكون المراد بالإيمان الصلاة، وقد ورد ذلك في القرآن في قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] وفسر بأن المقصود به صلاة المسلمين إلى بيت المقدس، فإنهم قبل أن تنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة كانوا يصلون إلى بيت المقدس، فالذين ماتوا قبل أن يصلوا إلى القبلة كانوا يصلون إلى قبلة مشروعة وهي بيت المقدس، فلما حولت القبلة ظن بعضهم أن صلاة من مات ذاهبة سدى، فأنزل الله تعالى قوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] أي: صلاتكم إلى تلك الجهة، ومن ماتوا إنما صلوا إليها بتشريع، وما حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة إلا بتشريع.
وقوله: (شطر الإيمان) الشطر يطلق على النصف، ويطلق على الجزء وإن لم يكن نصفاً، والطهور -بالضم- المقصود به الفعل، وهو فعل الوضوء، ففعل الوضوء يقال له: (الطُّهور) بالضم، وأما الماء الذي يتوضأ به فيقال له: (طَهور) بفتح الطاء، فالماء المستعمل للوضوء يقال له: طَهور، وفعل الوضوء من الإنسان حيث يتطهر ويغسل وجهه، ويغسل يديه إلى المرافق، ويمسح رأسه، ويغسل رجليه إلى الكعبين، هذا الفعل يقال له: طُهور.
ومثل ذلك لفظ (الوُضوء) و(الوَضوء) فإن الوُضوء اسم للفعل الذي هو التوضؤ، والوَضوء بالفتح يقال للماء الذي يتوضأ به، وهناك أيضاً كلمات تشبه هاتين الكلمتين -الطهور والوضوء- مثل: السُّحور والسَّحور، فإن السَّحور اسم للطعام الذي يؤكل في السحر، والسُّحور -بالضم- الفعل الذي هو الأكل، وكذلك السُعوط والسَعوط، فالسَعوط -بالفتح-: اسم للشيء الذي يوضع في الأنف، والسُعوط -بالضم- هو: وضع ذلك الشيء، وكذلك (الوُجور) و(الوَجور) أي: ما يوضع في الحلق. فنفس الوضع يقال له: وُجور، والشيء الذي يوضع يقال له: وَجور.
فالحاصل: أن هناك كلمات على هذه الصيغة، إذا كانت بالضم فالمراد بها الفعل، وإذا كانت بالفتح فالمراد بها الشيء المستعمل.
وقوله: (الطهور شطر الإيمان) هذا يدلنا على فضل الوضوء، وعلى فضل الطهارة، ويدل على بيان عظيم شأنها حيث وصفت بأنها شطر الإيمان.
الميزان: هو الميزان الذي توزن به الأعمال. والمعنى أن حمد الله عز وجل -وهو الثناء عليه سبحانه، ووصفه بصفات الكمال- يملأ الميزان، فكلمة (الحمد لله) تملأ ميزان الأعمال، بمعنى أن الأعمال يقلبها الله أعياناً توضع في الميزان, وتكون ثقيلة في الميزان، كما جاء في الحديث الآخر الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
وهذا الحديث يدل على إثبات الميزان وعلى أن الأعمال توزن، وعلى أن الأعمال تقلب أعياناً توضع في الميزان، وقد جاء أن الأعمال تقلب أعياناً، فقد جاء أن عمل الإنسان الصالح يأتي إلى الميت في قبره بصورة الشاب الحسن الهيئة ويقول: أنا عملك، وأنه إذا كان العمل على العكس فإنه يأتي بأقبح صورة.
وقوله: (وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض) فيه ذكر التسبيح والتحميد، وهو جمع بين تنزيه الله عز وجل عن كل ما لا يليق به، وبين الثناء عليه ووصفه بكل ما يليق بكماله وجلاله، ففيه جمع بين التنزيه والوصف بالكمال، لأن التسبيح تنزيه، والحمد وصف بالمحامد وكل ما هو كمال لائق به سبحانه وتعالى. ولهذا يأتي الجمع بينهما، كما في قول: (سبحان الله وبحمده)، وقوله: (سبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض) قيل: إنهما بمجموعهما يملآن ما بين السماء والأرض. وقيل: إن كل واحدة منهما تملأ ما بين السماء والأرض.
والراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تملآن) بالتثنية، أو قال: (تملأ) بدون تثنية؟ فمن أهل العلم من قال: يحمل قوله: (تملآن) عليهما جميعاً، فهما يملآن ما بين السماء والأرض. وقيل: إن كل واحدة منهما تملأ ما بين السماء والأرض، وذلك لمجيء الفعل (تملأ) للمفرد وللمثنى.
فسواء جاء بالتثنية بأن قيل: (سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض) أو جاء بالإفراد فقيل: (سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض) فالمعنى صحيح، فيكون الشك في صيغة الخبر، هل هو بالتثنية أو بالإفراد، والخبر الراجح أنه للاثنين اللذين هما: التسبيح والتحميد، وهذا كما قال بعض أهل العلم: إنه يحتمل أن تكون كل واحدة منهما تملأ، أو أن كلتيهما تملأ، ويكون الراوي قد شك هل الخبر بالتثنية أو بدون تثنية؟
وهذا يدلنا على فضل هذا الذكر، وهو حمد الله سبحانه وتعالى وتسبيحه، وقد جمع بهما بين التنزيه والإثبات، فالتنزيه هو نفي كل نقص عن الله، والإثبات هو إثبات كل كمال لله سبحانه وتعالى.
فالمقصود بالنور المضاف إلى القرآن نور الهداية، والنور المضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نور الهداية، وعلى هذا فالصلاة نور في قلب صاحبها وفي بصيرته، وأيضاً نور في وجهه، ونور يضيء أمامه يوم القيامة.
فالطريق إلى الجنة ليس مفروشاً بالورود والرياحين، بل فيه تعب ونصب ومشقة، ولا يصل إليها إلا من جاهد نفسه وكبح جماحها وجعلها تنقاد وتستلم لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك شاقاً، ولهذا جاء في الحديث: (وإسباغ الوضوء على المكاره) يعني: في شدة البرد يتوضأ ويسبغ الوضوء ولو كان الماء بارداً.
وكذلك الصبر عن معاصي الله، فيصبر الإنسان على طاعة الله ولو شقت على النفوس، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ فإن الجنة حفت بالمكارة، فيحتاج طالبها إلى صبر على طاعة الله عز وجل ولو شقت على النفوس، ويحتاج أيضاً إلى صبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن النار حفت بالشهوات، والإنسان إذا أرخى لنفسه العنان فيما تشتهي ولو كان محرماً فإن ذلك يفضي به ويوصله إلى النار.
وكذلك الصبر على أقدار الله المؤلمة، كالمصائب والنكبات التي تحل بالإنسان، فيصبر ويحتسب ولا يتسخط ويجزع، فقد وصف الصبر بأنه ضياء، وذلك لكون صاحبه يصبر على طاعة الله وعن معاصي الله وعلى أقدار الله المؤلمة، فلا شك أن من صبر قد هدي، وأنه حصل له الضياء، وحصل له النور الذي يكون بسبب صبره على الطاعات وصبره عن المعاصي وصبره على أقدار الله.
وعبر بالضياء مع الصبر لأن الضياء يكون معه حرارة، ولهذا وصف نور الشمس بأنه ضياء، والقمر وصف بأنه نور، فالشمس ضياء نورها معه حرارة، ومعلوم أن الصبر يحتاج إلى تحمل ويحتاج إلى احتساب وفيه مشقة، فمن صبر فإنه يحصل هذا الثواب ويحصل هذا الأجر، ويحصل هذا الضياء، ففيه الدلالة على فضل الصبر، وأن فيه هذا الثوب من الله عز وجل.
وإذا أعرض عنه، وأهمل حدوده، ولم يحصل منه الإتيان بالأوامر وترك النواهي فإنه يكون حجة عليه، فالناس بين رابح وخاسر، فالرابح من كان القرآن حجة له، والخاسر من كان القرآن حجة عليه, فإما أن يكون القرآن حجة للمرء؛ وذلك إذا أتى بما هو مطلوب منه نحو القرآن، أو يكون حجة عليه إذا لم يأت بما هو مطلوب منه نحو القرآن بأن يخل بالأوامر والنواهي، فيقصر في المأمورات ويقع في المحظورات، ولا يحصل منه الالتزام بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيكون القرآن حجة عليه.
وهذا الذي جاء في هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) هو نظير ما جاء في صحيح مسلم -أيضاً- عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) فمن رفعه الله بالقرآن كان القرآن حجة له، ومن وضعه بالقرآن وخفضه بالقرآن فإنه يكون حجة عليه.
وقوله: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين) هذا الحديث أخرجه مسلم عن عمر رضي الله عنه، وكان استشهاده بهذا لمناسبة، فإنه كان له أمير على مكة، فلقيه فقال له: من وليت على مكة في مدة غيبتك؟ فقال: وليت عليهم ابن أبزى. فقال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من الموالي. قال: وليت عليهم مولى؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين! إنه عالم بكتاب الله عارف بالفرائض. فقال رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).
الغدو هو: الذهاب في الصباح، فالناس فيه يسعون وينتشرون ويقومون من نومهم ويخرجون من بيوتهم لأعمالهم المختلفة، فمنهم من يستقيم على طاعة الله، ومنهم من ينحرف عن ذلك ويقع في المعاصي، فمن كان مستقيماً على الطاعة فإنه يكون بذلك قد باع نفسه لله، وحصل الثواب من الله، وذلك بالتزامه بما جاء عن الله عز وجل، فكان خروجه وكان عمله في هذا الخروج في سبيل الله، فيكون لذلك أعتق نفسه من أن تقع فريسة للشيطان، وأن تستسلم للشيطان، وأن تفعل الأفعال التي تؤدي إلى النار وتوصل إلى النار، فهذا هو الرابح في بيعه.
ومنهم من باع نفسه للشيطان واستسلم وانقاد للشيطان، فهو يتصرف ويعمل وفقاً لما تشتهي نفسه الأمارة بالسوء، ووفقاً لما يمليه عليه الشيطان، فيكون بذلك قد أوبق نفسه بأن جعلها أسيرة للشيطان، وجعل ذلك العمل موصلاً له إلى النار التي يحصل فيها العذاب.
فهذا الحديث العظيم من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والله تعالى أعلم.
فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كانت مدة بعثته ثلاثة وعشرين عاماً، ولم يحصل منه فيها احتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون من بعده لم يحصل منهم شيء من ذلك، ومدة خلافتهم ثلاثون سنة، بل مضى عصر الصحابة ولم يحصل من أحد منهم الاحتفال بهذا المولد، والصحابة هم أسبق الناس إلى كل خير، وهم أحرص الناس على كل خير، ولو كان خيراً لسبقوا إليه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكذلك التابعون من بعدهم لم يحصل منهم شيء من هذه الاحتفالات بالموالد، لا مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا مولد غيره، وكذلك أتباع التابعين، وقد مضت ثلاثمائة سنة وزيادة على الثلاثمائة لا يوجد فيها شيء اسمه احتفال بالمولد أبداً، وكل الكتب التي ألفت في هذه الفترة قبل القرن الرابع لا يوجد فيها شيء عن الاحتفال، ولا ذكر للاحتفال، ثم وجد الاحتفال في القرن الرابع الهجري ولم يوجد قبله، وكل هذا يبين لنا أنه أمر محدث، وأنه من محدثات الأمور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وشريعة الله عز وجل كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والنبي صلى الله عليه وسلم ما انتقل من هذه الدار إلى الدار الآخرة إلا بعد أن بلغ البلاغ المبين، وبين للناس كل ما يحتاجون إليه، ولم يكن هناك شيء ترك وقد أمر بتبليغه عليه الصلاة والسلام، بل كل ما أمر بتبليغه بلغه على التمام والكمال، والله عز وجل أخبر بأنه ليس على الرسول إلا البلاغ، وقد جاء عن الإمام الزهري رحمة الله عليه أنه قال: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
فالله تعالى أرسل الرسل، والرسل بلغوا، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة التي أرسل بها، ولم يترك شيئاً أمر بتبليغه دون أن يبلغه، وليس مما بلغه الاحتفال بالمولد.
وخلفاؤه الراشدون الذين أمرنا باتباع سنتهم مع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصل منهم شيء من ذلك، بل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم من أولهم إلى آخرهم ما حصل منهم شيء من ذلك، والتابعون كلهم من أولهم إلى آخرهم ما حصل منهم شيء من ذلك، بل وأتباع التابعين كلهم من أولهم إلى آخرهم ما حصل منهم شيء من ذلك.
ثم ما هو المستند في إحداثها؟ إنه تقليد النصارى، فالنصارى يحتفلون بميلاد عيسى عليه السلام، والمسلمون لا يحتفلون بمولد محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذه بدعة أحدثت في القرن الرابع، وأحدثها الرافضة، وعمدتهم تقليد النصارى في الاحتفال بميلاد عيسى عليه السلام، فهي من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إلى كل خير، وأحرص الناس على كل خير، ولو كان خيراً لسبقوا إليه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
إن علامة المحبة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم بتصديق أخباره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأن يعبد الله وفقاً لشريعته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذه علامة المحبة، والله تعالى قال في كتابه العزيز: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، وقد سمى بعض أهل العلم هذه الآية آية الامتحان، وهي أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام عليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع وليست الابتداع، كما قال عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31] فهذه البينة هي (اتبعوني) فعلامة محبة الله اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الشرع الذي جاء به، وليس بالبدع التي أحدثت من بعده، بل ومن بعد أصحابه، بل بعد القرون الثلاثة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
فهذه ما جاءت إلا بعدهم، وليس لها ذكر في الكتب السابقة التي ألفت في القرون الثلاثة الأولى؛ لأنها لم تكن موجودة، وإنما أحدثت في القرن الرابع الهجري.
فلا يمكن للمتأخرين أن يصلحوا بطريقة لم يصلح بها الأولون، بل الذي صلح به الصحابة هو الذي يصلح به من بعد الصحابة، قال الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] وقال صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هي يا رسول الله؟! قال: الجماعة) وفي لفظ: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي) وعلى هذا فلا يعقل أن يكون الاحتفال بالموالد حقاً ثم يحجب عن الصحابة، فهل الصحابة يحجب عنهم حق ثم يدخر لأناس يأتون في القرن الرابع وما بعده؟!
فلو كان ذلك حقاً لسبقوا إليه، ولو كان ذلك خيراً لكانوا أسبق الناس إليه، فرضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فليس من المعقول أن يحجب حق عن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين -وهم القرون المفضلة - ثم يدخر لأناس يجيئون بعد ذلك.
ثم إنه لابد في كل عمل يتقرب به إلى الله من أن يكون خالصاً لله، وأن يكون موافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكون العمل فيه شركة لغير الله، ولا يكون العمل الذي يتقرب به إلى الله مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون مبنياً على بدع، فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز.
فلا يعتبر حسن قصد الفاعل مع مخالفته للسنة، بل لا بد مع حسن القصد من أن يكون المقصود موافقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام جاء إلى جماعة متحلقين في المسجد وبأيديهم حصىً وفي كل حلقة رجل يقول: سبحوا مائة. فيعدون بالحصى: سبحان الله، سبحان الله. حتى يكملوا مائة، ثم يقول: هللوا مائة. فيقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. حتى يكملوا مائة، ثم يقول: كبروا مائة. فيعدون بالحصى: الله أكبر، حتى يكبروا مائة، فقال لهم رضي الله عنه: (إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة).
أي: إما أنكم أحسن من الصحابة أو أنكم محدثو بدعة ومفتتحو باب ضلالة؟
ففهموا أنه لا يمكن أن يكونوا خيراً من الصحابة، فبقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فقالوا معتذرين: سبحان الله! يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا خيراً! فقال رضي الله عنه: (وكم من مريد للخير لم يصبه).
لأنه هذا معناه: أنه ترك شيئاً الناس بحاجة إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً يقرب إلى الله إلا ودل أمته عليه، وما ترك شيئاً يبعد من الله إلا وحذر أمته منه، وهو صلى الله عليه وسلم أنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً وأكملهم بياناً، ولم يرد عنه شيء من ذكر الموالد ولا عن أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فدل ذلك على أن هذا محدث، وأنه بدعة، وأن الواجب هو اتباع السنن وترك البدع.
قال الإمام مالك رحمة الله عليه: من قال: إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة، والله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]. ثم قال: فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
يعني: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يكون اليوم ديناً؛ لأن الدين في زمنه صلى الله عليه وسلم هو الدين بعد ذلك، وليس هناك دين جديد يأتي لم يكن في زمن الصحابة وزمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعقل أن يكون هناك حق وهدى يحجب عن الصحابة ثم يدخر لأناس يجيئون بعدهم، بل هذا من تلاعب الشيطان بالناس وصرفهم عن السنن إلى البدع.
[ بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد تكرر السؤال من كثير عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم والقيام له في أثناء ذلك، وإلقاء السلام عليه، وغير ذلك مما يفعل في الموالد.
والجواب: أن يقال: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على الجميع، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] وقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا -بلا شك- فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم) رواه مسلم في صحيحه.
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين، وقد جاء في معناهما أحاديث أخر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا كثيرة، وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات، كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال، واستماع آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] ، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] .
وقد رددنا هذه المسألة -وهي الاحتفال بالموالد- إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا أن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك -أيضاً- إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به، ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار؛ فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111]، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].
ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا يخلو من اشتمالها على منكرات أخرى، كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك، وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به، وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والغلو في الدين! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) خرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه.
ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجبه الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً. ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.
ومن ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد! ولهذا يقومون له محيين مرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين، عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنين: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:15-16] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع وأول مشفع) عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاع بينهم.
فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.
أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً) ، وهي مشروعة في جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها ما بعد الأذان، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة، والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. ]
هذه هي رسالة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه فيما يتعلق بالمولد النبوي، وأنه من البدع المحدثة، نسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع للفقه في الدين، ومعرفة الحق، والعمل به، والدعوة إليه، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: لا تذهب، إلا أن تكون ناصحاً ومبيناً لهم أن مثل هذا العمل لا يسوغ ولا يجوز، وإلا فلا تذهب.
الجواب: لا يذهب الإنسان إليها، ولا يأكل معهم فيها.
الجواب: كون الإنسان يتقرب إلى الله عز وجل بالصوم أمر مطلوب، ولكن الذين يقومون بالموالد لا يحصل منهم إلا صنع الطعام، والتفنن في المآكل.
وصيام الإثنين والخميس سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن صام الإثنين والخميس فقد أتى بما هو سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ما يفعله الناس من الاحتفال بالموالد وصنع الطعام فيها بحيث يكون ذلك اليوم كأنه يوم عيد ويأكلون من هذه المآكل فهذا خلاف السنة، وخلاف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي جاء عنه أن يوم الإثنين يصام فيه، وليس خاصاً بيوم معين في السنة، بل في جميع أيام السنة يستحب للإنسان أن يصوم الإثنين والخميس.
الجواب: المسألة فيها خلاف، وتحديد اليوم ليس متفقاً عليه.
الجواب: تخصيصها بنفس اليوم الذي يقال: إنه يوم مولده عليه الصلاة والسلام ليس له أصل.
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يوافق أهل البدع فيما هم فيه، ولا أن يشاركهم، بل عليه أن يُحذَّرهم من أن يفعلوا هذا الفعل.
الجواب: لا يستمع إلى هذا ولا إلى ذلك.
الجواب: الأصل أن نفع القرآن للمؤمنين؛ لأنهم الذين يؤمنون به ويصدقون، وهم الذين يستسلمون وينقادون، وكونه ينفعهم وينفع غيرهم من ناحية الرقية لا ينافي كونه شفاءً للمؤمنين.
الجواب: المقصود العمل، فالعمل هو الذي يقلب عيناً، وهو القراءة، وهناك فرق بين القراءة والمقروء، فالمقروء هو كلام الله، والقراءة هي فعل العبد، وفعل العبد كسب له يثاب عليه، فكما أن الأعمال تقلب أعياناً وتوضع في الميزان فإن قراءة الإنسان هي من عمله، وهي التي تقلب، وليس نفس القرآن؛ لأن هناك قراءة ومقروءاً، وقد جاء في القرآن ذكر أن لفظ القرآن يراد به المقروء، ويراد به القراءة، فمما جاء في القرآن يقصد به المقروء قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء:82] فهذا المقصود به المقروء، ومما جاء يراد به القراءة قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78] يعني: القراءة في الفجر، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) يعني: زينوا القراءة. فبنص القرآن نفسه يأتي القرآن بمعنى القراءة ويأتي بمعنى المقروء، والقراءة التي هي فعل العبد وكسبه هي التي تأتي على هيئة غمامة تظل صاحبها يوم القيامة، وكذلك عمله من حيث قراءة القرآن هو الذي يأتي شافعاً له، وهو الذي ينفعه، وليس معنى ذلك أن القرآن نفسه يتحول وينقلب إلى عين، وإنما القراءة التي هي العمل هي التي تقلب إلى عين.
الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على ذلك، ومعلوم أن الميزان الذي له كفتان له لسان بينهما، بحيث إذا استوت الكفتان يستوي اللسان، وإذا مالت إحداهما مال إلى أحد الجهتين، فهذا هو الذي يطلقون عليه لسان الميزان. والميزان له كفتان، كما جاء في الحديث.
الجواب: ليس للإنسان أن يبيع إلا إذا ملك، فما دام أنه لم يملك فإنه لا يبيع، فهذا الذي اشترى وحصل التفاهم معه قبل أن يتم البيع وقبل أن يملكها وتنتقل إلى ملكه ليس له أن يبيعها.
الجواب: هذه هي التي يسمونها الجمعية، وهي أن يتفق عشرة أشخاص -مثلاً- على أن يدفع كل واحدٍ منهم في كل شهر -مثلاً- مائة ريال أو ألف ريال، ثم في كل شهر يأخذ المبلغ واحد من هؤلاء العشرة حتى يأتي إلى تمام العشرة، وهذه من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم في هذا الزمان، فمنهم من يجيزها ومنهم من يمنعها، ولا شك أن الاحتياط والسلامة للإنسان ألا يدخل فيها؛ لأن فيها شبهة، وهي أن كل إنسان يَقْرِض ليُقْرَضَ، وقد أجمع المسلمون على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر