هذا حديث عظيم من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ أصحابه ويتخولهم بالموعظة بين وقت وآخر، وكان مما وعظهم به هذه الموعظة التي رواها العرباض بن سارية رضي الله عنه، وهذه الموعظة متصفة بثلاث صفات: كونها بليغة، وكونها وجلت منها القلوب، وكونها ذرفت منها العيون، والموعظة هي الكلام الذي فيه ترغيب وترهيب, يكون فيه ترقيق للقلب وتخويف وزجر، فيؤثر ذلك في القلب ويوجل، وتدمع العين من الخوف من الله عز وجل.
قال: (وعظنا الرسول صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون) والمواعظ تكون بالكلام الذي يرقق القلب ويؤثر في النفس، وتكون بالآيات وبالأحاديث النبوية الصحيحة الثابتة، ولا تكون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة فإن هذه لا يشتغل بها، وإنما يشتغل بما صح وثبت، فيكون الترغيب والترهيب بأمور ثابتة ومؤثرة، وأما أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع أو حديث ضعيف لا يحتج به وينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإن هذا لا يشتغل به في الوعظ والتذكير.
وقد يكون حصل في هذه الموعظة كلام يشعر بالتوديع قد يفهمه من يفهمه ويخفى على من يخفى عليه، وذلك مثل ما حصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظ أصحابه فقال: (إن عبداً خيره الله بين ما عنده وبين الحياة الدنيا والبقاء فيها فاختار ما عند الله) فكثير من الصحابة لم يتنبهوا للمقصود من ذلك وأبو بكر رضي الله عنه فهم ذلك وجعل يبكي، وفهم من ذلك أنه قرب أجله صلى الله عليه وسلم، وأنه هو العبد المخير، وأنه قد اختار لقاء الله عز وجل.
وقد تكون الموعظة مشتملة على شيء يشعر بالتوديع، مثل حجة الوداع فإنما سميت حجة الوداع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يشير أو ما يدل على ذلك؛ لأنه قال: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) ولهذا قيل لها: حجة الوداع.
وكون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون الوصية يدل على كمال فضلهم وعلى كمال نبلهم وحرصهم على معرفة الحق والهدى، وحرصهم على تحصيل الوصايا العظيمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الوصية الأولى: تقوى الله عز وجل، وتقوى الله عز وجل هي أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك باتباع الأوامر واجتناب النواهي، وتصديق الأخبار، وأن تكون العبادة لله وفقاً لما جاء عن الله ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله عز وجل: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] فتقوى الله عز وجل هي الوصية للأولين والآخرين، ويأتي الأمر بتقوى الله كثيراً في القرآن، ولاسيما مع الآيات التي تبدأ بـ(يا أيها الذين آمنوا) التي فيها الخطاب للمؤمنين، فكثيراً من هذه الآيات يأتي بعدها الأمر بالتقوى، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119], يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102], يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، وهكذا يأتي خطاب الله عز وجل للمؤمنين وبعده الأمر بتقوى الله عز وجل، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرع لها سمعك، فإنها إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه. وهذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه ذكره ابن كثير رحمه الله في أول تفسير سورة المائدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة:1]، ومحله المناسب في أول موضع من القرآن في سورة البقرة, وهو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [البقرة:104] فهذا أول موضع في القرآن، وهو المحل المناسب لأن يذكر فيه، وقد جاءت هذه الجملة في عدة مواضع قبل سورة المائدة ومع ذلك ذكره هناك، ولا شك أن أول سورة بدئت بـيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هي سورة المائدة.
فهذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيه: إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرع لها سمعك, فإنها إما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه. ويأتي أحياناً بعد الخطاب بهذا الوصف للمؤمنين الأمر بتقوى الله عز وجل, وتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة؛ لأن سعادة الدنيا والآخرة إنما تكون في تقوى الله, قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، ويقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، ويقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5]، ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًاِ [الأنفال:29]، ويقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]، فتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وصلاح وفلاح في الدنيا والآخرة.
أجمع العلماء على أن العبد لا تصح ولايته ولا تثبت له، وليس هو من أهل الولاية, وأجمعوا على أن الخلافة لا تنعقد للعبد، وأن من شرط الخليفة أن يكون حراً لا أن يكون عبداً؛ لأن العبد منافعه مملوكة لسيده, فلا يصلح للولاية والخلافة، وجاء في الحديث هنا: (وإن تأمر عليكم عبد) فكيف يجاب عما جاء في هذا الحديث مع أن العبد منافعه مملوكة منافعه لسيده وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون خليفة؟
أجاب العلماء عن هذا الحديث وما في معناه بأجوبة:
منها: أن هذا مما يؤتى به على سبيل الفرض والتقدير، وإن كان لا يقع ولا يحصل، وإنما هو للمبالغة في السمع والطاعة، يعني حتى ولو تأمر عليكم عبد فعليكم بالسمع والطاعة، فيكون المقصود من ذكره هنا المبالغة, وأنه لو حصل فإنه يجب أن يسمع له ويطاع, وإن كان ذلك لا يحصل ولا يقع من ناحية الاختيار، وأنه لا يختار الخليفة من العبيد، وإنما يكون من الأحرار.
الجواب الثاني: أنه يكون مؤمراً من الخليفة على قرية أو على جماعة، فالخليفة إذا عين عبداً ليكون أميراً على قرية أو أميراً على جماعة مسافرين أو ذهبوا في مهمة في سرية أو في غيرها فعليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وعلى هذا فيكون المراد ليس في الولاية العامة، وإنما هو في ولاية خاصة من قبل الأمير أو الخليفة.
الجواب الثالث: أنه عندما صار خليفة كان حراً، ولكن سبق له رق, ولكنه عتق فصارت منافعه ملكاً له، فهو عند توليته حر ولكنه كان عبداً فيما مضى، فيكون قوله: (وإن تأمر عليكم عبد) باعتبار ما مضى لا باعتبار الحال, ويكون هذا نظير قوله تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2] فإن إعطاءهم الأموال يكون بعد البلوغ، ولكنهم قيل لهم: يتامى باعتبار ما كان لا باعتبار الحال؛ لأنه في حال يتمهم وقبل بلوغهم لا يدفع لهم المال, ولكنه يدفع لهم بعد البلوغ والرشد، ولهذا قال عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] يعني: ذهب الصغر وحصل البلوغ وجاء التكليف فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] فدل على أن أموالهم لا تعطى إليهم في حال يتمهم، وإنما تعطى لهم بعد البلوغ.
إذاً: فقول الله عز وجل: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ليس المراد به حال يتمهم وإنما باعتبار ما كان، ففي الوقت الذي أعطوا فيه أموالهم كانوا بالغين، ولكن قيل لهم: يتامى باعتبار ما كان.
الجواب الرابع: أنه إذا صار له شوكة وقوة وتغلب على الناس وقهر الناس بقوته وشوكته حتى استقرت له الأمور واستتب له الأمن فعند ذلك يسمع له ويطاع ولو كان عبداً، فلم يحصل اختياره، ولكنه بالتغلب والقهر والغلبة استقرت له الأمور، فإنه حينئذٍ يسمع له ويطاع. فيكون ما جاء في هذا الحديث وما في معناه من السمع والطاعة للأمير ولو كان عبداً محمولاً على هذه الأمور التي ذكرها العلماء، فيسمع له ويطاع وإن كان عبداً بهذه الاعتبارات التي ذكرها العلماء، وإلا فإنه ليس أهلاً للخلافة وليس أهلاً للولاية؛ لأن من شرط الخليفة أن تكون منافعه بيده وليست بيد غيره وليست ملكاً لغيره.
قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) وقد وقع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام, فإن من عاش من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أدرك تلك الفتن وذلك الاختلاف والخروج عن الصراط المستقيم والانحراف عن الجادة، فحصل خروج الخوارج وظهور القدرية وظهور الروافض, وكل ذلك حصل في زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقد ورد أن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري قدما من العراق حاجين ومعتمرين، وكان قد ظهر في البصرة معبد الجهني وغيره من القائلين بالقدر وأن الأمر أنف، فلقيا عبد الله بن عمر فأخبراه بما حصل فقال: إذا لقيتم هؤلاء فأخبروهم أنني بريء منهم وأنهم برآء مني. ثم قال: والذي يحلف به عبد الله بن عمر لا يؤمن أحدهم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. ثم ساق حديث جبريل الذي اشتمل على قوله: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره).
فهذا الاختلاف وجد في عصر الصحابة، وهذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن ومن الانحراف في بعض أمته عن الصراط المستقيم وخروجهم عن الجادة.
فجاء الجواب في قوله: (فعليكم بسنتي) فهذا هو السبيل الوحيد وطريق السلامة وطريق النجاة عند الاختلاف، وهو التمسك بالسنة والتمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون الهادون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر عند هذا الاختلاف بشيئين، فحث وحذر, ورغب ورهب: حث على اتباع السنن وحذر من البدع, حث على السنن بقوله: (فعليكم بسنتي) وحذر من البدع بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور), ففي ذلك ترغيب وترهيب, وفيه حث وتحذير, حث على اتباع السنن في قوله: (فعليكم) و(عليكم) اسم فعل أمر و(إياكم) بمعنى: احذروا. ففي ذلك الترغيب والترهيب, رغب في اتباع السنن وحذر من البدع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ومن المعاني التي يطلق عليها لفظ السنة الحديث, فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: سنته، ومن أمثلة ذلك ما يأتي في كتب المحدثين الذين يشرحون الأحاديث، وكذلك في كتب الفقهاء عندما يأتون إلى مسألة معينة فيقدم الفقيه منهم ويمهد للكلام عليها فيقول: وقد دل عليها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
فحيث عطفت السنة على الكتاب يراد بها خصوص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قيل: دل الكتاب والسنة فالسنة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكتاب تقدم قبلها، فيراد بها خصوص الحديث، وهذا المعنى أقل من الأول؛ لأن المعنى الأول السنة فيه تشمل الكتاب والسنة.
وأيضاً من معانيها السنة في مقابل البدعة, وهي تتعلق بمسائل الاعتقاد، فما يتعلق بمسائل الاعتقاد فصاحبه إذا كان متبعاً لما دلت عليه النصوص يقال له: سني. ومن كان على خلاف ذلك يقال له: بدعي. ويقال: سنة وبدعة.
ومن إطلاق السنة مراداً بها هذا المعنى الكتب التي ألفت بهذا الاسم، مثل (السنة) لـابن أبي عاصم ، و(السنة) للالكائي ، و(السنة) للطبراني ، و(السنة) لـعبد الله بن الإمام أحمد ، و(السنة) للإمام أحمد ، وغيرها من الكتب التي باسم السنة، فإن المقصود بها ما يتعلق بالعقيدة، وما يعتقد طبقاً للسنة مخالفاً لما هو بدعة.
والمعنى الرابع من معاني السنة -وهو في اصطلاح الفقهاء-: المندوب أو المستحب, وهو المأمور به ليس على سبيل الإيجاب وإنما على سبيل الاستحباب، وهو الذي يعرفه الفقهاء والأصوليون بقولهم: ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ويطلبه الشارع طلباً غير جازم، وإنما طلباً مستحباً مرغباً فيه؛ لأنه لا يأثم من تركه, لكن من ترك المندوب رغبة عنه يكون بذلك قد رغب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك آثماً.
إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي) المراد بسنته طريقته ومنهجه، وذلك باتباع الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة, فهذا هو الحق والهدى الذي أُمر باتباعه وسلوكه، ثم اتباع سنة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم -كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم- راشدون، والراشد ضد الغاوي, وهم مهتدون، والمهتدي ضد الضال، فهم أهل الرشد وأهل الهداية رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين، أي أن الناس يكونون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه خلفاؤه الراشدون الهادون المهديون رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم خلافتهم بأنها خلافة نبوة، كما ثبت من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
فأخبر في هذا الحديث -حديث العرباض بن سارية - أنهم راشدون وأنهم مهديون، وأمر باتباع طريقتهم واتباع سنتهم، وأخبر في حديث سفينة بأن خلافتهم خلافة نبوة، وأنها على منهاج نبوة، وبعد ذلك يؤتي الله ملكه من يشاء.
قوله: (وإياكم ومحدثات الأمور) أي: تلك الأمور التي حصل الاختلاف فيها، والتي خرج أصحابها عن الجادة وعن اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الخلفاء الراشدون, فهذا هو الذي يحذر منه، وهذا هو الذي يرهب منه.
وجاء في سنن أبي داود : (فإن كل محدثة بدعة) أي: هذه المحدثات ليس لها أساس في الدين ولم تكن مبنية على نص من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفقت عليه، فهي من المحدثات المنكرة المبتدعة التي لا يجوز الأخذ بها، والتي يجب الحذر منها والابتعاد عنها, وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة رضي الله عنها (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ لـمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
فهذه المحدثات مردودة على صاحبها ولا ينتفع بها صاحبها، بل هي مردودة عليه؛ لأنها مخالفة للسنة، ولأنها محدثة على خلاف السنة, ولذلك قال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وهنا قال: (وإياكم ومحدثات الأمور) فأي محدثة في دين الله باطلة؛ لأنه ليس لها أساس في دين الله، ولا يدل عليها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ليس في الإسلام بدعة حسنة, بل البدع كلها ضلال كما جاء في هذه الجملة العامة, وقد ثبت أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة. فإن استحسنها الناس واستساغوها وألفوها فإنها إذا لم يكن لها أساس في الدين فإنها مما أحدث ومما ابتدع، وهي ضلال, ولا يستثنى من ذلك شيء, فليس في الإسلام بدعة حسنة, وقد جاء عن الإمام مالك رحمة الله عليه أنه قال: من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، ثم قال: ما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
يعني: ما لم يكن يومئذ ديناً -يعني يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه- فإنه لا يكون اليوم ديناً.
فالدين في هذا الزمان وفي كل زمن هو الدين في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, أما هذه البدع المحدثة المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان فهي ضلال، وقد حمى الله عنها وحفظ الله منها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتلي بها من بعدهم, فلا يجوز ولا يعقل أن يقال: إن هذه الأمور المحدثة التي أحدثها الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حق وهدى! فكيف تكون حقاً وهدى ويحجب عنها الصحابة ويظفر بها أناس يجيئون بعدهم؟! فهذا ليس بمعقول ولا مقبول, بل الحق والهدى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما جاء في هذا الحديث: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) هذا هو الحق والهدى, وكذلك قوله في حديث افتراق الأمة حين قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: (الجماعة) وفي لفظ: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي) هذه هي الفرقة الناجية، وهؤلاء هم أهل السنة, وهم الجماعة، وهم الناجون، وهم السالمون، وهم الذين على الهدى، ومن كان على خلاف ذلك فليس على هدى وإنما هو على ضلال.
فتلك الأمور المحدثة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أخبر بأنها ستقع لا يجوز أن يقال: إنها حق. ولو كان الأمر كذلك لكان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما ظفروا بهذا الحق, وهذا باطل؛ لأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم السباقون إلى كل خير، وهم الذين ظفروا بكل خير، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال ذلك مالك رحمة الله عليه, فلا يمكن للآخرين أن يصلحوا بشيء ما صلح به الصحابة.
إذاً: البدع جاءت بعد الصحابة وليست على منهاج الصحابة، وليست على طريقة الصحابة، وإنما هي مخالفة لما كان عليه الصحابة، فهي محدثات وبدع وضلال، ولا يجوز الالتفات إليها ولا يجوز التعويل عليها، وإنما التعويل على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
فهموا أن الأولى منتفية، ولا يمكن أن يكونوا أحسن من الصحابة، ولا يمكن أن يكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما بقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة, فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لم يصبه. فليست القضية في كون الإنسان يقول: أنا قصدي طيب وأنا قصدي حسن، وما دام قصدي طيباً حسناً فليس هناك بأس ولو كان الذي أعمله ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فلابد أن يعبد الله وفقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأن شهادة أن محمداً رسول الله معناها طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع, ولا يعبد بالبدع والمحدثات والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان, وإنما يعبد بالسنن وبما جاء في الكتاب والسنة، فهذا هو الذي يعبد الله عز وجل به, فشريعة الله عز وجل كاملة لا نقص فيها, ولا تحتاج إلى إضافات، ولا تحتاج إلى بدع محدثة, وكلام الإمام مالك الذي أشرت إليه آنفاً واضح جداً حيث قال: من قال: إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة.
فما دام أن ما يفعله المبتدع حسن فمعنى ذلك أن الدين ناقص يحتاج إلى تكميل, ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغ هذا الشيء الذي الناس بحاجة إليه.
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الناس كل ما يحتاجون إليه, فما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا دل الأمة عليه, وما ترك أمراً يباعد من الله إلا حذر الأمة منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما يبين تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأمور حتى آداب قضاء الحاجة، فقد قال بعض الناس لـسلمان رضي الله عنه: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! قال: (نعم علمنا ألا نستنجي برجيع ولا بعظم، وأن نستنجي بثلاثة أحجار... ) وذكر شيئاً من آداب قضاء الحاجة.
فكيف تبين الشريعة آداب قضاء الحاجة ولا تبين أصول الدين حتى يأتي أناس بعد الصحابة يحدثون أموراً منكرة ويقولون: هذه هي العقيدة وهذا هو الحق والهدى؟! كيف يكون شيء ما عرفه الصحابة وما ظفر به الصحابة حقاً وهدى؟! أيحجب خيراً عن الصحابة ويدخر لأناس؟!
لا شك أن الذي حجب عنهم ضلال، والذي ابتلي به الذين جاءوا بعدهم ضلال، ولو كان خيراً لسبقوا إليه, لكنه شر فسلموا منه وابتلي به من بعدهم، فرضي الله تعالى عن الصحابة وأرضاهم، وعلى هذا فإن البدع كلها ضلال بنص هذا الحديث الذي قال فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (وكل بدعة ضلالة).
هذا هو حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه الحديث العظيم المشتمل على هذه القواعد العامة وعلى هذه الوصايا النافعة الجامعة ممن أوتي جوامع الكلم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
الجواب: ما جاء عن عمر رضي الله عنه في قصة التراويح أنه قال: نعمت البدعة, ليس المقصود بذلك البدعة بالمعنى الشرعي الذي هو أن يحدث في دين الله ما لم يكن من شرع الله، وإنما المقصود بذلك البدعة اللغوية من حيث اللغة، وإلا فإن صلاة التراويح لها أصل في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
يدل على ذلك الحث على قيام رمضان، كقوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقوله: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس بعض الليالي في آخر الشهر، ولكنه ترك ذلك خشية أن تفرض عليهم، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وزال هذا الذي يخشى، ولم يعد هناك إيجاب ولا تشريع؛ لأن الشريعة استقرت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ جمع عمر الناس على إمام واحد وصلى الناس التراويح جماعة.
فصلاة التراويح ليست محدثة في الدين، بل هي موجودة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس قيام رمضان في بعض الليالي، ولكنه ترك ذلك خشية أن يفرض عليهم, وعمر رضي الله عنه أحيا ذلك الشيء وأعاده، فإطلاق البدعة عليه من حيث اللغة وليس من حيث الشرع؛ لأن له أساساً في الشرع من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمر رضي الله عنه هو خليفة راشد, وقد أمرنا باتباع سنته، فهي سنة نبوية وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر رضي الله عنه إنما أظهرها، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يستمر عليها خشية أن تفرض كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما جاء من ذكر البدعة فيها ليس على بابه في الشرع، ولا يقال: إن هذه بدعة حسنة. بل هي سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإطلاق البدعة عليها إنما هو من حيث اللغة لا من حيث الشرع.
الجواب: فعل عثمان رضي الله عنه داخل تحت سنة الخلفاء الراشدين, فقد قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فالأذان الذي يكون قبل صعود الخطيب على المنبر لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي أتى به عثمان؛ من أجل أن يتهيأ الناس لصلاة الجمعة وأن يتنبهوا فيستعدوا للصلاة، وكان ذلك بالسوق ليسمع الناس وينصرفوا عن البيع والشراء ويذهبوا إلى الصلاة، وقد كان حصل لـعثمان رضي الله عنه في زمن عمر قصة، فقد دخل المسجد وعمر يخطب على المنبر يوم الجمعة, فقطع عمر الخطبة وقال: أي ساعة هذه؟! يخاطب عثمان رضي الله عنه, يعني: أنك جئت متأخراً. فقال: إنني كنت منشغلاً، ولما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت وجئت. فقال عمر : والوضوء أيضاً! فلما كان خلافته رضي الله عنه وأرضاه أتى بهذا الأذان من أجل أن يستعد الناس.
فهو داخل تحت سنة الخلفاء الراشدين التي أمرنا باتباعها, وما جاء عن ابن عمر من أنها بدعة أو أن ذلك بدعة فهو محمول على ما حمل عليه ما قاله أبوه رضي الله عنه، فهي بدعة لغوية وليست بدعة من حيث الشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين, ومن الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد أقره الصحابة على ذلك، والمسلمون يعملون به منذ زمن عثمان ، ويتوارثونه ويتناقلونه، ولا يقال: إن الحاجة إليه ذهبت. فإن الناس بحاجة إليه، فيؤذن في المآذن التي معها مكبرات الصوت ليُسمع الأذان في السوق وفي كل مكان.
الجواب: لاشك أن هذا من أوضح الواضحات وأهم المهمات، أعني استبعاد كون الرسول صلى الله عليه وسلم يبين للناس دقائق الأمور المتعلقة بالفروع ثم لا يعلمهم الأصول، فيأتي أناس يتخبطون ويحدثون ويتفرقون ويتشتتون ويصير كل حزب منهم بما لديهم فرحون.
الجواب: هذا الحديث صحيح، وهو في صحيح مسلم , ويفسر بمعنيين:
أحدهما: ما جاء في سبب الحديث, فالحديث له سبب، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه أناس يظهر عليهم الفاقة والفقر، وجوههم شاحبة، وثيابهم بالية، والرسول صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]؛ فتأثر ودخل بيوته يبحث عن شيء من أجل أن يعطيهم إياه, وحث على الصدقة ورغب الناس فيها, فجاء رجل معه صرة تكاد يده تعجز عن حملها فوضعها فتبعه الناس عند ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها) ومعناه أنه فعل أمراً صار قدوة فيه وتوبع فيه فصار الذين جاءوا بعده تبعاً له، فله مثل أجورهم؛ لأنه كان سبباً في تسابقهم وتتابعهم على الإتيان بالصدقات وعلى الإكثار منها, فسبب الحديث يبين المعنى.
المعنى الثاني: أن تكون هناك سنة أميتت أو سنة خفيت على الناس فأصبحوا لا يعرفونها فأظهرها لهم، فيكون بذلك أحيا السنن ولم يبتدعها ولم يأت بها من عنده، وإنما هي ثابتة وحق.
فالسنة الحسنة تحمل على ما جاء في أصل الحديث أو على إحياء السنة وإظهارها بعد أن خفيت أو اندثرت.
الجواب: ليس بذلك بأس, فالبدع التي وجدت في بلدان مختلفة وإن لم توجد في بلد معين تذكر ويحذر منها؛ لأن الإنسان قد يصل إليه شيء منها وقد يبلغه شيء منها، وقد يسافر بعض الناس إلى البلد التي توجد فيه وإن كان البلد الذي هو فيه سليماً من هذه البدع، فالإنسان يحذر منها ويبين فسادها، حتى إذا ابتلي بها الإنسان يكون الإنسان على حذر، ولكن الشيء الواقع والشيء الذي هو مشاهد معاين هو الأولى بأن يحذر منه, وإن كانت البدع كلها يحذر منها، فالشيء الواقع الذي حصل يحذر الناس منه حتى لا يقعوا فيه، ومن وقع فيه لينصح حتى يسلم منه، وأما ما كان موجوداً من البدع في مكان آخر فيمكن أن يذكر للمشتغلين بالعلم أو لطلبة العلم، وكذلك لمن كان سيسافر إلى بلد معين توجد فيه البدع، فينبه عليها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن أخبره بأنه سيأتي قوماً من أهل الكتاب، وبين له الطريقة التي يسير عليها في الدعوة فقال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...) الحديث.
الجواب: معناه أنه إن أحدث بدعة فإن عليه إثمها وإثم من تبعه.
الجواب: هذا غير واضح، وكونه يتغلب على الولاية هذا أمره واضح, إذ يمكن أن يتغلب إذا كان له شوكة وله قوة ويغلب الناس، لكن كون الناس يجتمعون ويتفقون على توليته فهذا مخالف للإجماع, فلا يجوز بإجماع المسلمين أن يولى العبد الولاية العامة، ويمكن أن يولى عبدٌ ولاية خاصة، والخليفة هو الذي يوليه، وأما كون الناس يجتمعون ويتفقون على اختيار العبد فهذا بعيد.
الجواب: هذا المقال فيه كلام من حيث الثبوت، لكن مع فرض ثبوته معناه واضح، وهو أن الأمة لا تجتمع على ضلالة, والشيء الذي يجمع عليه الناس لا شك أنه حق، والأمة لا تجتمع على ضلالة، لكن لا يقال: إن البدعة أجمع عليها الناس. نعم يمكن أن يكون كثير من الناس يسيرون عليها، لكن كثرتهم لا تدل على أنهم على حق، بل هم على ضلالة ولو كانوا كثيرين، وإنما الذي فيه السلامة وفيه العصمة هو الإجماع والاتفاق، فهذا هو الذي لا يكون على ضلالة.
الجواب: معناه أنه لو كان فيه تلك الصفات الذميمة التي فيها احتقاره وحصلت ولايته فإنه يسمع له ويطاع. وكل ذلك مبالغة في السمع والطاعة لمن يتولى ولو كان كذلك.
الجواب: معنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه، وأنه ما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا دلهم عليه، وما ترك أمراً يباعد من الله إلا حذرهم منه، فشريعته كاملة، وقد تركهم على بيضاء في وضوحها وجلائها، من أخذ بها سلم، ومن يزيغ عنها هو الهالك, فقد تركنا على محجة بيضاء وعلى طريقة بيضاء في غاية الوضوح وفي غاية الجلاء, ليس فيها خفاء وليس فيها غموض، وإنما هي واضحة جلية, فمن أخذ بها سلم ومن أعرض عنها خاب وخسر.
الجواب: قضية الجلد كل ما ورد فيها هو سنة، قال علي رضي الله عنه: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي. يعني الأربعين.
فكل ذلك سنة كما وصفه علي رضي الله عنه وأرضاه، والعلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال كذا ومنهم من قال كذا، ولكن قال علي : كل سنة، والآخذ بأي واحد منها هو آخذ بسنة، سواء الأربعون التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الثمانون التي جاءت عن عمر رضي الله عنه حين قاسه على حد القذف.
الجواب: المعروف عند أهل السنة أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة الذين مدتهم طويلة، وأما الحسن رضي الله عنه فإن مدته وجيزة وما استقر له الأمر وما استتب.
الجواب: البدعة كلها ضلال, ولكنها متفاوتة ولا شك، فبعضها أشد وأسوأ، ولكن كلها موصوفة بأنها محرمة وأنها ضلالة, فما يقال: إنها مكروهة كراهة تنزيه فقط، فليس هناك بدعة يقال فيها: إنها مكروهة كراهة تنزيه! بل كل بدعة ضلالة، وكل بدعة محرمة، وإنما كراهة التنزيه تكون في النواهي، فالنهي إما أن يكون للتحريم وإما أن يكون للتنزيه، وأما البدع فكلها ضلال، وهي متفاوتة بعضها قريب وبعضها بعيد، فمن أهل البدع من يكون أقرب إلى أهل السنة من غيره، فمنهم من يكون بعيداً ومنهم من يكون قريباً، فالذي يثبت بعض الصفات -مثلاً- أقرب من الذي ينفي جميع الصفات.
الجواب: الراشد ضد الغاوي والمهتدي ضد الضال، وكل منهما وصفان محمودان، أعني: الرشد والهداية، وما أعلم فرقاً دقيقاً بينهما، فوصف الهدى ليس وصفاً مستقلاً أتى بشيء جديد، وإنما هو موضح ومبين لمعنى الرشد.
لكن الخلفاء الراشدين فيهم الوصفان، فيهم الرشد وفيهم الهداية, وليس معناه أن المهتدي غير الراشد، فوصف الهداية وصف موضح ومبين، وليس وصفاً مبايناً للرشد, بل هو كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المهتدي وصف كاشف. ومعناه أنه موضح وما أتى بشيء جديد مخالف أو مغاير للرشد.
الشيخ: الأمور في الغالب هي على حسب مقاصد الناس الذين يقومون بهذه الأعمال، ولكن ينبغي أن يربط الناس بالمساجد، ويحرص على جلبهم إلى المساجد، وليس إبعادهم عن المساجد، وعمل مخيمات لهم قد يحصل لهم بسببها ضرر، هذا هو الأولى، فالتربية تكون في المساجد ليكون الناس على صلة بالمساجد وعلى اشتغال بالعلم, وأما تلك المخيمات فهي على حسب ما يقام فيها، لكن ربط الناس بالمساجد أولى من ربطهم بالمخيمات.
الجواب: هذه جاءت في حديث آخر وليس في هذا الحديث، أعني زيادة (وكل ضلالة في النار)، جاءت في حديث خطبة الجمعة.
الجواب: لا يبايع الكافر، وإذا تغلب يجوز الخروج عليه إذا قدر على ذلك، وفي حال عدم القدرة فإن الناس يسمعون ويطيعون بالمعروف، ولا يسمعون ويطيعون في أمر منكر محرم، ولكنهم إذا وجدوا فرصة للتخلص منه فإنه مطلوب منهم أن يتخلصوا منه إذا لم يترتب على خروجهم عليه أو على قيامهم بذلك ما هو أنكر وما هو أعظم ضرراً، وذلك كأن يقضى على هؤلاء لضعفهم، فإن هذا لا يأتي بمصلحة ولا يأتي بفائدة.
أما المبايعة فلا يبايع الكافر، ولكنه إذا تغلب وقهر الناس وأمر الناس بما هو معروف سمع له، وإذا أمر الناس بما هو معصية فلا يسمع له، وإذا أمكنهم التخلص منه فإنهم يتخلصون منه, بخلاف المسلم الذي يكون عنده فسق فلا يجوز الخروج عليه ولو كان فاسقاً ولو كان جائراً.
الجواب: الواو عاطفة لا تقتضي المغايرة، ومعلوم أن سنتهم من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا جاء منهم شيء لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم مثل الذي حصل من عثمان فإنه يعتبر سنة.
الجواب: الحديث لا يلزم في روايته أن يأتي عن جمع كثير, بل يكفي أن يرويه شخص واحد, ولا يقدح فيه كون راويه صحابياً واحداً أتى به؛ فمن حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء سمعه وهو من أصحابه فإنه يعول عليه، سواء كان قد حضر غيره أم لم يحضر غيره، فالمهم أنه سمع هذه السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يقدح فيه كون غيره ما حدث به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر